نتائج الانتخابات الإيرانية وتداعياتها على الساحة المحلية والدولية

14-06-2009

نتائج الانتخابات الإيرانية وتداعياتها على الساحة المحلية والدولية

الجمل: شهدت الساحة السياسية الإيرانية جولة انتخابات رئاسية كان النزال فيها بين تيار الإصلاحيين الداعم للمرشح مير موسوي، وتيار المحافظين الداعم للمرشح أحمدي نجاد، ولكن بعد انتهاء المنافسة بفوز نجاد بدأت ردود الفعل الداخلية والإقليمية والدولية بعد أن فهم الجميع بأن الإيرانيين قالوا كلمتهم النهائية المتمثلة في أنهم لا يريدون الشيء ذاته الذي كان يقوم به نجاد.. وإنما يريدون المزيد منه!
* حسابات توازن القوى داخل إيران: إلى أين؟
بعد قيام نظام الثورة الإسلامية في إيران توترت العلاقات الغربية – الإيرانية بسبب الإطاحة بنظام الشاه وتوجهات إيران المعادية للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، ثم توترت العلاقات العربية – الإيرانية بشكل جزئي بسبب الحرب العراقية – الإيرانية وعلى خلفية التطورات الإقليمية والدولية شهدت الساحة الداخلية الإيرانية صراعاً تنافسياً بين تيار المحافظين الداعم لرهان خط الثورة الإسلامية المتشدد وتيار الإصلاحيين الداعم لرهان التعامل البراجماتي مع الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية.
أصبحت صيغة توازن القوى الداخلي تقوم على حسابات معادلة الموازنة بين كفة الإصلاحيين وكفة المحافظين وسبق أن نجحت كفة الإصلاحيين في الصعود إلى السلطة.
أعادت جولة الانتخابات الرئاسية الأخيرة سيناريو صراع المحافظين – الإصلاحيين وبرغم الدعاية الصاخبة والتقارير الساخنة والتحليلات المتزايدة، فقد حصل مرشح المحافظين أحمدي نجاد على 24.5 مليون صوت (أي 62.63%) ومرشح الإصلاحيين مير موسوي على 13.2 مليون صوت (أي 33.75%) من إجمالي عدد الأصوات.
أشارت كل التحليلات السياسية  التي قدمتها كبريات الصحف ومراكز الدراسات العالمية إلى فوز نجاد فوزاً كاسحاً، وفوزاً كبيراً وما شابه ذلك من عبارات الخطاب السياسي التعبوي، ولكننا في موقع «الجمل» نحاول قراءة نتائج الانتخابات وفقاً لمعايير نظرية توازن القوى، وتأسيساً على ذلك تشير المعطيات الاستنتاجية الآتية الخاصة لمعادلة توازن القوى الإيراني الداخلي:
• تغير توازن القوى الداخلي بقدر كبير لصالح المحافظين وبالتالي فإن المعركة الانتخابية لم تكن ساخنة كما صورتها أجهزة الإعلام الغربية فقد انتصر المحافظون بأغلبية كبيرة للغاية.
• خلال الجولات الانتخابية الماضية كان توازن القوى متقارباً بين المحافظين والإصلاحيين وكان الفارق في النتائج الانتخابية قليلاً بين الطرفين الأمر الذي كان بالفعل يعكس سخونة المواجهة والتنافس.
• خلال الفترة الممتدة من آخر انتخابات رئاسية وحتى الانتخابات الأخيرة تغيرت صيغة توازن القوى لصالح المحافظين والسبب يرتبط بأداء حكومة أحمدي نجاد وهو أداء أثبت بالفعل أنه حصل على تأييد الرأي العام الإيراني.
بعد هذه النقاط والتي لم تكشف عن هشاشة موقف الإصلاحيين في مواجهة المحافظين وحسب وإنما كشفت عن مدى دور التضخيم الإعلامي الإقليمي والدولي في تصوير المعركة الانتخابية بأنها تعكس تنافساً قوياً مصيرياً بين تيار محافظ وتيار إصلاحي ثبت أنه واجه خلال الأعوام الخمسة الماضية المزيد من التآكل والانجراف على المستوى السياسي الداخلي الإيراني.
* ما هي تداعيات صعود قوة تيار المحافظين؟
على الصعيد الشكلي كان التنافس الانتخابي بين المحافظين والإصلاحيين وعلى الصعيد التحليلي فقد كان التنافس بين تيار محافظ يسعى إلى تعزيز القدرات الإيرانية دون تقديم أي تنازلات للأطراف الخارجية وتيار إصلاحي يسعى إلى تعزيز القدرات الإيرانية عن طريق البراجماتية وتبادل التنازلات مع الأطراف الخارجية، وبكلمات أخرى:
• اعتمد تيار المحافظين على رهان "المدرسة العسكرية - السياسية" القائم على مفهوم أولوية الأمن القومي وفقاً لمعطيات نظرية "دواعي الأمن" وردع الخطر الخارجي.
• اعتمد تيار الإصلاحيين على رهان "المدرسة الاستراتيجية - الاقتصادية" القائم على مفهوم ضرورة أولوية التنمية الاقتصادية – الاجتماعية – السياسية وفقاً لمعطيات نظرية "دواعي التنمية" وردع خطر التفكك الداخلي.
جدد غالبية الشعب الإيراني الرهان على جدوى تيار المحافظين بزعامة الرئيس نجاد وبالتأكيد سيترتب على هذا الرهان المزيد من التداعيات التي يمكن الإشارة إليها على النحو الآتي:
• تعزيز القدرات العسكرية – الأمنية الإيرانية.
• تشديد قبضة الحرس الثوري الإيراني على القوام المؤسساتي الإيراني.
• تراجع برامج الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية.
• تزايد المواجهات مع الأقليات والحركات المنشقة.
• تزايد الضغوط الاقتصادية الداخلية.
* التداعيات الإقليمية:
• تزايد حركة الاستقطاب الإقليمي بما يؤدي إلى حركة فرز أكبر بين معسكر حلفاء إيران ومعسكر خصومها.
• ستواجه تركيا وتركمانستان وباكستان موقفاً حرجاً إزاء خيارات تعزيز تعاونها مع إيران وخيارات الانضمام إلى معسكر خصوم إيران.
• ستسعى الحركات المنشقة الإيرانية إلى استخدام بعض مناطق الجوار كنقاط ارتكاز لجهة المزيد من القيام بالعمليات ضد النظام الإيراني.
• ستسعى إيران إلى تعزيز الروابط مع حلفائها الإقليميين.
• ستسعى إسرائيل إلى المزيد من استهداف إيران.
• ستسعى إيران إلى إضعاف موقف خصومها الإقليميين وعلى وجه الخصوص محور القاهرة – الرياض إضافة إلى محور كابول – إسلام آباد – نيو دلهي.
• ستسعى إيران إلى تعزيز روابطها مع دول آسيا الوسطى الخمسة (تركمانستان – أوزبكستان – كازاخستان – كيرغيزستان - طاجيكستان) بما يتيح إيران تأمين نفسها من الاتجاه الاستراتيجي الشمالي الشرقي.
* التداعيات الدولية:
• تزايد ارتباك واشنطن إزاء المفاضلة بين خيار التعايش مع إيران النووية وخيار استهداف القدرات النووية الإيرانية.
• تزايد الخلافات على خط واشنطن – تل أبيب وخط واشنطن – الاتحاد الأوروبي وخط تل أبيب – الاتحاد الأوروبي حول كيفية التعامل مع الملف الإيراني.
• تزايد احتمالات حدوث توافق روسي – أوروبي حول إمكانية التعايش مع إيران النووية إضافة إلى تزايد احتمالات حدوث صفقة أمريكية – روسية حول الملف النووي الإيراني.
• تزايد التقارب الروسي – الصين حول التعايش مع البرنامج النووي الإيراني مع احتمالات انضمام إيران إلى دول تعاون شنغهاي وعلى الأقل فمن الممكن أن تحصل إيران على وضع الشريك في هذه المنظمة بعد أن ظلت خلال الفترة الماضية تحمل صفة العضو المراقب.
• تزايد الخلافات داخل مجلس الأمن الدولي إزاء كيفية التعامل مع الملف النووي الإيراني خاصة وأن سيناريو التعامل الدولي مع الملف النووي الكوري الشمالي مازال يتسم بقدر كبير من الشكوك واللايقين وبكلمات أخرى فإن ما سيحدث في سيناريو الملف النووي الكوري الشمالي سيكون الأكثر احتمالاً أن يتم إسقاطه على الملف النووي الإيراني.
عندما نتحدث عن التداعيات فمن الضروري ملاحظة أن تداعيات نتائج فوز المحافظين بالانتخابات الرئاسية ستنقسم إلى الآتي:
• على أساس اعتبارات العامل الزمني:
- تداعيات حالية: ومن أبرزها الضغوط الخارجية والخطر الإسرائيلي.
- تداعيات مؤجلة: ومن أبرزها احتمالات تطبيق العقوبات الدولية والحصار الاقتصادي إضافة إلى خيار التعامل العسكري الأمريكي – الإسرائيلي ضد إيران.
• على أساس  اعتبارات الاتجاه: وتتمثل في ردود الأفعال التي تؤثر بشكل مباشر على إيران.
• تداعيات غير مباشرة: وتتمثل في ردود الأفعال التي تؤثر على الأطراف الأخرى المؤثرة على إيران.
تنقسم جميع هذه التداعيات على أساس الاعتبارات النوعية إلى تداعيات اقتصادية وسياسية وعسكرية وأمنية واجتماعية ودبلوماسية وما شابه ذلك، وعلى خلفية صعود المحافظين وتزايد تأكيد إيران على رهان المضي قدماً في بناء وتعزيز قدراتها العسكرية والأمنية فإن التوقعات تشير إلى ردود الأفعال التالية:
• سيناريو التعاون مع إيران: ويتوقف حدوث هذا السيناريو على مدى قبول واشنطن بالتعايش مع إيران النووية إضافة إلى مدى قبول طهران بتقديم التنازلات وعقد الصفقات مع واشنطن حول ملف العراق وملف أفغانستان إضافة إلى ملف آسيا الوسطى وهو الملف الذي إذا حدث فيه تعاون أمريكي – إيراني فإنه بلا شك سيؤدي إلى رد فعل عكسي مباشر لجهة توتير علاقات التعاون الإيراني – الروسي وعلاقات التعاون الإيراني – الصيني.
• سيناريو الصراع مع إيران: ويتضمن هذا السيناريو مشهدين أحدهما مشهد الصراع المرتفع الشدة والذي يتمثل في اللجوء إلى الخيار العسكري وهو خيار أصبح ضعيف الحدوث بسبب خروج إدارة بوش الجمهورية وصعود إدارة أوباما الديمقراطية والثاني هو مشهد الصراع منخفض الشدة الذي يتمثل في اللجوء إلى خيار الضغوط الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية – السياسية المتدرجة الشدة وهو الخيار الأكثر احتمالاً لأنه يتمتع حالياً بتأييد كبير في واشنطن وبلدان الاتحاد الأوروبي.
بالنسبة لمستقبل العلاقات الإيرانية – الشرق أوسطية فمن المتوقع أن تستمر طهران في تعزيز روابطها مع حلفائها الشرق أوسطيين وبالذات سوريا وحزب الله وحركة حماس، إضافة إلى محاولة تعزيز الروابط مع تركيا والعمل باتجاه دفع السعودية وبلدان الخليج إلى القبول بالتعايش مع الملف النووي الإيراني. ولكن بالمقابل فإن التوقعات تشير إلى احتمالات كبيرة بأن تقوم مصر بتعزيز تفاهماتها مع تل أبيب لإقناع واشنطن بالضغط على حلفائها الشرق أوسطيين من أجل إعادة الحيوية لتجمع المعتدلين العرب لجهة القيام بدور أكثر فعالية في إعاقة طهران عن بناء القدرات النووية، وتشير بعض التحليلات الإسرائيلية إلى أن حكومة ائتلاف الليكود – إسرائيل بيتنا وبرغم عدائها السافر للرئيس نجاد فإن فوز الإصلاحيين كان سيعرقل جهود إسرائيل في تفعيل التسويق لمفهوم الخطر الإيراني وتقول التسريبات الإسرائيلية أن نتينياهو سيسعى إلى توظيف واستغلال صعود تيار المحافظين الإيراني للضغط على واشنطن لتعبئة وتفعيل جهود الاهتمام بمواجهة الخطر الإيراني وعلى هذه الخلفية وإن كان من الصعب على حكومة نتينياهو القيام بأي عمل عسكري مباشر ضد إيران فهناك احتمالات كبيرة بأن تلجأ هذه الحكومة إلى استخدام العمل العسكري غير المباشر الذي سيكون هذه المرة ضد حزب الله ولكن بعد أن يتكرر سيناريو فشل حكومة 14 آذار في القيام بنزع أسلحة حزب الله وتشير التسريبات إلى أن بعض أطراف قوى 14 آذار ستبدأ على الفور بعد تشكيل الحكومة في القيام مرة أخرى بطرح المطالبة بنزع أسلحة حزب الله وتنفيذ القرار الدولي 1701 بما يؤدي مرة أخرى إلى تكرار سيناريو الاحتقان السياسي اللبناني.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...