ساركوزي يفتتح أول قاعدة فرنسية في الخليج

27-05-2009

ساركوزي يفتتح أول قاعدة فرنسية في الخليج

سفينة الرصد والاستماع الفرنسية «ديبوي دلوم» لن تدخل رصيف أول قاعدة بحرية فرنسية في ميناء زايد آل نهيان على الخليج العربي. السفينة الأحدث في آذان «الاستخبارات العسكرية» الفرنسية كانت أول الواصلين إلى قاعدة «السلام» الفرنسية التي افتتحها الرئيس الفرنسي ساركوزي في أبو ظبي، أمس، لكن المحتفلين لم يبصروا سوى فرقاطة الدفاع الجوي «فوربان».
ورغم انتحاء «ديبوي دولوم» جانباً، إلا أن ذلك لن يحجب الرؤية عن بلوغ الإستراتيجية الفرنسية مرحلة جديدة في الخليج العربي، والانتقال من اعتبار بلدان الخليج مجرد سوق لتصريف 40 في المئة من مبيعات الأسلحة الفرنسية سنوياً، الى تمويل صناعات التسلح الفرنسية من عائداتها.
كما أن اتفاقات التعاون العسكري التي وقعها الفرنسيون مع معظم بلدان الخليج منذ السبعينيات، تشكل عنصراً تجارياً تشجيعياً يدعم صفقات السلاح، تطورت مع افتتاح القاعدة العسكرية، وأضحت انغماساً مباشراً فرنسياً في النزاعات المستقبلية التي قد يشهدها الخليج، ويعكس ذلك اعتقاداً أن الطموحات الإقليمية الإيرانية باتت تستدعي تثبيت حضور عسكري فرنسي دائم ورادع، على بعد 240 كلم من السواحل الإيرانية.
ومن دون أي تواضع، ولطمأنة الإماراتيين، يقول مصدر رفيع المستوى في الاليزيه انه «من الآن فصاعداً، إذا ما هاجمت إيران الإمارات، فهذا سيعني أنها تهاجم فرنسا». وقد جددت فرنسا والإمارات على هامش افتتاح القاعدة، الاتفاقية الأمنية التي تجمعهما منذ العام 1995. وتنص الصيغة الجديدة على ان تقرر الدولتان «بشكل مشترك القيام بردود محددة ومناسبة، بما في ذلك عسكرية، عندما يتم التعرض لأمن وسيادة ووحدة أراضي الإمارات واستقلالها».
الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لم يبخل بتطمينات إضافية، قد لا يتأخر البعض في النظر إليها على أنها تدخل في أطار جهد أوروبي وأميركي واضح لتقديم «التهديد النووي» الإيراني، من الآن فصاعداً، على التهديد الإسرائيلي. ساركوزي قال إنه «في المحن نعرف الأصدقاء، كونوا على ثقة أن فرنسا ستقف إلى جانبكم إذا ما تعرّض أمنكم لأي تهديد».
ورغم ذلك، شدّد ساركوزي أمام ولي عهد ابو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي يشغل منصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في الإمارات، على أن إقامة القاعدة الفرنسية الدائمة في ابو ظبي، أول قاعدة لفرنسا في الشرق الأوسط وأول قاعدة تنشئها منذ استقلال مستعمراتها في افريقيا، «لا يستهدف أحداً».
ومع توفير مراسٍ في أبو ظبي لغواصات القوة النووية الفرنسية المرابطة عادة في جيبوتي، يسجل الفرنسيون أهدافاً سعوا إليها منذ خمسين عاماً: اختراق مجال النفوذ التقليدي الأميركي والبريطاني، وتثبيت أول قاعدة فرنسية عسكرية في منطقة الخليج العربي، لمراقبة التحركات الإيرانية، ومواكبة عمليات الأسطول الخامس الأميركي انطلاقاً من قاعدته، البحرين، والسهر على أمن أربعين في المئة من النفط العالمي من الضفة العربية لمضيق هرمز الاستراتيجي «حيث يتحدد جزء وافر من أمننا، وأمن العالم»، كما قال الرئيس ساركوزي.
القاعدة الفرنسية: بحرية، في قلب ميناء زايد؛ جوية في الظفرة، حيث تتمركز أسراب من «الميراج» و«الرافال»؛ متحركة في معسكر زايد في قلب الصحراء، حيث ينتشر 300 جندي فرنسي، سيمضون أوقاتهم مع وحدات فرنسية أخرى في مناورات وتدريبات على حروب المدن.
الإماراتيون مولوا بناء القاعدة وإعدادها التي أنجزت في وقت قياسي لم يتجاوز عاماً وبضعة أشهر، منذ توقيع الاتفاق على بنائها في كانون الثاني من العام الماضي. ويسود إجماع يخترق عواصم عربية في الخليج، وباريس، وتل أبيب، وواشنطن، أن تسارع الصعود الإيراني بات يستدعي رداً متوازياً، وفي قلب الخليج، علماً أن طهران أكدت على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها، أن إقامة القاعدة «إجراء لا يخدم الأمن في المنطقة».
ويخشى الإماراتيون، كما قال مصدر دبلوماسي فرنسي، «أن تجد الإمارات نفسها وحيدة في مواجهة خيارات سياسية صعبة أمام إيران نووية، ومن دون حلفاء، وهي خشية تتغذى من تقييم إماراتي بتراجع الأهمية الإستراتيجية لموقعهم لدى أميركا بعدما أنجز الأميركيون ما أرادوا في العراق، وبمساعدة إماراتية. كما أن المخاوف الإماراتية تضاعفها المراجعة الأميركية الجارية للسياسة تجاه إيران، واحتمال أن تفشل المفاوضات وتؤدي إلى ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، يعقبها رد إيراني في الخليج العربي، لا يريد الإماراتيون أن يجدوا أنفسهم وحدهم إزاءه».
الاستراتيجية العسكرية الفرنسية الجديدة، لا تعدم تزاوجاً مع استراتيجية تجارية: القاعدة العسكرية ستكون واجهة لمخزن الأسلحة الفرنسية في الصحراء، والرئيس سيطلب من الإماراتيين أن يشتروا 60 طائرة «رافال»، لإحلالها محل عدد مماثل من «الميراج»، لتكون الإمارات البلد الوحيد الذي يشتري سلاحاً لم يستطع الفرنسيون بيعه لأي بلد آخر في العالم، كما كانت الدولة الوحيدة التي اشترت ببضعة مليارات دولار، 380 دبابة «لوكلير».
وفي جعبة الرئيس الفرنسي أيضاً، الذي أطلق أعمال بناء متحف «اللوفر ابو ظبي»، صفقة من معدات الكترونية وأسلحة ومفاعل نووي، لتسهيل توقيع الإماراتيين على شيكات بمليارات اليوروات، علماً انه يفترض ان تمنح الامارات عقدا لإنشاء «أكثرمن مفاعلين» نوويين من الجيل الجديد بقيمة «تتراوح بين 25 و50 مليار يورو»، في منتصف أيلول المقبل.

محمد بلوط

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...