دينيس روس يستقرئ العملية الإسرائيلية فوق سوريا ونتائجها

26-09-2007

دينيس روس يستقرئ العملية الإسرائيلية فوق سوريا ونتائجها

الجمل:     نشر السفير الأمريكي السابق ومبعوث السلام السابق أيضا دينس روس، خبير اللوبي الإسرائيلي لشؤون الشرق الأوسط والباحث رفيع المستوى بمعهد واشنطن، تحليلا نشرته صحيفة  (نيوريبابليك) التابعة لجماعة المحافظين الجدد حمل عنوان (ما الذي حصلت عليه إسرائيل حقيقة من قصف سورية).
يقول دينس روس:
في بعض الأحيان يكون مفضلا  في العلاقات الدولية، الإبقاء على حالة الغموض والإبهام. ولكن بالنسبة لما قامت إسرائيل في سورية فإن سخرية القدر تمثلت في القيام بإجراء عمل ما، وفي الوقت نفسه عدم الاعتراف به بالرغم من أن  كل شخص يعرف ذلك، وهو بالتأكيد ما حدث إزاء الضربة العسكرية الإسرائيلية ضد أحد الأهداف الموجودة  في شمال سورية.
لم يعترف الإسرائيليون بذلك ولم يوضحوا أي شيء، وقد سرد السوريون رواية قالوا فيها بأنهم أطلقوا النيران على الطائرات الإسرائيلية، والتي قامت   بإسقاط شيء ما، ثم هربت من الأجواء السورية بعد ذلك.
 لم يعلق رئيس الولايات المتحدة على الواقعة، وبالطبع فإن عدم قيامه بإنكارها أو نفيها، قد ترك انطباعا بأن ثمة شيئا هاما قد جرى وحدث.
وكما ظهر،  فإن شيئا ما، قد حدث بالفعل، والتقارير والأخبار التي ظهرت  في إسرائيل،أوردت إفادات المصادر الرافضة لإدراج اسمها وايضا  الشيء نفسه حدث بالنسبة لمصادر الأجهزة الاستخبارية الموجودة هنا  في أمريكا، وقدر أكدت جميعها  بأن إسرائيل قد استهدفت منشأة في شمال سورية  تقوم فيها كوريا الشمالية بمساعدة سورية على تطوير القدرات النووية.
إن غياب التسريبات القادمة من إسرائيل قد أدى لإضعاف مصداقية التقارير، علما بأن الإسرائيليين تعودوا بأن يكون واحدا من  أفضل حفظة الأسرار في العالم، ولكن وفقا لهذه الرواية فإن الإسرائيليين يصبحون واحداً  من الأسوأ في حفظ الأسرار، وعلى مايبدو فإن كل شيء سوف يتسرب- ليس في شكل قطرات وإنما ضمن سيول (في إحدى المرات عندما كنت أتفاوض، ألح رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يكون اجتماعي معه وجها لوجه وبمفردنا، وذلك لأنه، كما أخبرني  فأن هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان أن لا يتسرب شيء من الاجتماع- وفهمت حينها أنه لم يكن مهتما بجانبي، وإنما بجانبه هو...).
في هذا  الموضوع، أي الغارة والتكتم عليها،  فقد لعبت إسرائيل بذكاء وقامت بالكثير إزاء حالة  الصمت العربي والعزوف العربي عن توجيه الانتقادات  فيما يتعلق بالغارة الإسرائيلية،  وما يقال حول التوجهات العربية إزاء سورية.
 وفي الحقيقة فقد استطاعت إسرائيل الحصول إضفاء مصداقية  على الغارة وإشعار الدول العربية بواجب عدم توجيه النقد والإدانة. وهذا معناه أن إسرائيل قد لجأت  إلى استخدام القوة والعمل من طرف واحد من أجل فرض إرادتها مرة أخرى.
لماذا قامت إسرائيل بتنفيذ هذه الغارة الآن..؟
 إن أي شيء يتضمن ويتعلق بالتطور النووي في  سورية،  سوف يصبح مثار اهتمام الإسرائيليين وسوف يصبح أيضا نطاق وحدود صبرهم قليلا.
وقد تتبعت وتعقبت إسرائيل مسار العلاقة السورية- الكورية الشمالية بشكل وثيق لفترة طويلة من الزمن، وقد زودت كوريا الشمالية سورية بتكنولوجيا الصواريخ المتقدمة المتطورة وصواريخ ومقذوفات أرض- أرض ذات المدى  الطويل والدقة والحمولة الكبيرة، وإضافة لذلك فالإسرائيليون يعرفون إن كوريا الشمالية لم تقم بتطوير أنظمة الأسلحة التي لا يمكن أن تقوم ببيعها، وعلى هذه الخلفية التاريخية، فإن التطورات النووية الكورية الشمالية والتعاون العسكري الكوري الشمالي مع سورية قد اجتذب الملاحظة والتدقيق الإسرائيلي الشديدين.
وبالتالي، فقد عكست الغارة الإسرائيلية، في أحد مستوياتها،  الجهد من أجل القضاء على تطوير التعاون السوري- الكوري الشمالي في المجال النووي،  وذلك قبل أن يتيح هذا التعاون للسوريين فرصة تطوير القدرات النووية.
التدقيق الإسرائيلي على المشروع أصبح معنيا بقدر متزايد بأهمية ما يحصل عليه السوريون من: الأسلحة، عمليات الانتشار المتقدمة للقوات، التدريبات، المناورات، التوجهات حول الحرب المحتملة.
المسؤولين العسكريين الإسرائيليين الذين تحدثت معهم أصبحوا مقتنعين بأن القيادة السورية بدأت تعتقد أنه بإمكانها خوض حرب محدودة ضد إسرائيل، وباستخدام حوالي 20 ألف صاروخ بعضها مزود بالتسليح الكيميائي لأغراض التحوط والردع من أجل منع إسرائيل من الهجوم والعدوان ضد البنيات التحتية،  فانه يظهر على الأقل بالنسبة لأجهزة المخابرات الإسرائيلية بأن القيادة السورية تعتقد بالقدرة على شن حرب وفق شروطها، وذلك على خلفية الانطباع بما سبق أن قام به حزب الله في الحرب مع إسرائيل في صيف عام 2006 ومن ثم فإن الحرب المحدودة - في رأي السوريين-  من غير الممكن خسارتها.
ظلت إسرائيل تبحث عن السبل لإقناع القيادة السورية بأنها خاطئة في حساباتها وبأنه من غير الممكن أن تشن الحرب وفقا لشروطها وفي هذا الصيف قام الإسرائيليون بإجراء تدريبات ومناورات عسكرية تم تصميمها وإعدادها ليس لتحسين جاهزية استعداد إسرائيل وتأهبها، وإنما لنقل رسالة للسوريين. فالغارة لم تقم فقط بإعاقة التطور النووي السوري وإنما أيضا هدفت  لتعزيز وتقوية رسالة الردع الإسرائيلية وبالفعل فقد نقلت لهم بأن سورية لها القليل من الأسرار التي يمكن أن تحفظها بمنأى عن إسرائيل.
ما هو أبعد ذلك، يتمثل في أن الغارة قد بعثت برسالة مفادها أن إسرائيل قادرة على ضرب ما تريد - دون إيلاء أي أهمية لمدى قيمة ذلك- وعندما ترغب في ذلك،  وبأن سورية لا تستطيع إيقافها.
إن الصمت من جانب العالم العربي، حتى أن كان بسبب صمت إسرائيل فمن الممكن أن يكون له معنى:لا أحد في العالم العربي يهتم كثيرا إذا عانت سورية من التراجع في مكانتها والخسائر في قدراتها العسكرية.
وبالتالي فالغارة هي استباق لخطر التهديد النووي، كما أنها إعادة بناء  لردعية إسرائيل، وبالفعل فقد تحدث الجنرال عاموس يادلين رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لمجلس الوزراء الإسرائيلي قائلا بأن إسرائيل استعادت قدرتها الردعية.
استنادا إلى هذه النقطة من الممكن أن تكون إسرائيل قد وضعت إيران في ذهنها، وحاليا  تتناقل أجهزة الإعلام التقارير حول  حادثة  تموز التي وقعت في سوريا بأحد المنشآت الكيميائية والتي قتل فيها عددا من الخبراء الإيرانيين وعلى الأغلب فإن هذا  التناقل الإعلامي هو من قبيل التزامن، كما يمكن القول بأن إسرائيل قد هدفت إلى إرسال رسالة  إلى إيران مفادها بأن لها القدرة (القدرة على استهداف إيران)، وبأنها قادرة على حماية نفسها من أولئك الذين يسعون إلى تهديدها بأسلحة الدمار الشامل.
في وقت ما وعندما بدا واضحا أن إيران قد قررت المضي قدما في برنامجها النووي، على النحو الذي أضفى الشكوك على مصداقية إرادة إسرائيل في القيام بأي شيء ما إزاء ذلك،  فإن إسرائيل قد فعلت شيئا جيدا الآن، من أجل توضيح إرادتها مهما كلف الأمر في الوصول إلى ضمان أمنها.
 بانغماس الولايات المتحدة في المستنقع العراقي وعدم قدرتها الواضحة أو ربما عدم رغبتها في القيام بمنع التطورات النووية الإيرانية، فإن الإسرائيليين قد بعثوا بالإشارة للجميع بما في ذلك إدارة بوش، وهي رسالة  مفادها انه إذا لم يقم المجتمع الدولي باتخاذ الإجراءات الأكثر حسما فإن إسرائيل سوف تقوم بذلك.
مهنة إدارة شؤون  الدولة تتضمن استخدام كل الوسائل المتاحة للدولة من أجل التأثير على سلوك الأصدقاء والخصوم، وغارة إسرائيل ضد المنشأة السورية تعكس استخدام الوسيلة العسكرية بشكل انتقائي من أجل التأثير نفسيا وسيكولوجيا على العديد من الفاعلين في العالم، وسوف يظهر لاحقا مدى التأثير الذي يرغب فيه الإسرائيليين. وحاليا  فقد قام الإسرائيليون بإصدار بيان دون أن يؤدي ذلك إلى إشعال فتيل صراع واسع في مجرى العملية.
وعموما، القراءة البسيطة في كلمات وتحليلات دينس روس للعملية التي قامت فيها الطائرات الإسرائيلية بانتهاك الأجراء السورية ورمي خزانات الوقود التي سقط بعضها بالقرب من الحدود التركية بشهادة تركيا واحتجاجها على ذلك في مواجهة إسرائيل هي قراءة تشير إلى الآتي:
• تركيز دينس روس على القراءة المغلوطة للأحداث وتجاوز مصداقية الوقائع وبكلمات أخرى فقد اعتبر دينس روس مزاعم الرواية الإسرائيلية الأمريكية حول الحادثة والتي بدأها جون بولتون في صحيفة وول ستريت جورنال التابعة لجماعة المحافظين الجدد قبل أكثر من أسبوع على الحادثة، امرا مفروغا منه ومضى دينس روس بعد ذلك في نقل التحليل من دائرة الإجابة على مدى مصداقية المزاعم الإسرائيلية – الأمريكية إلى الإجابة على السؤال المتعلق بماهية أهداف إسرائيل من حدوث تلك  الحادثة التي اعتبرها دينس روس حقيقة ملموسة.
• تحدث دينس روس عن رغبة القيادة السورية في شن الحرب ضد إسرائيل وفق شروطها وقال بأن ذلك غير ممكن طالما أن هناك طرفا إسرائيليا سوف يخوض هذه الحرب وسوف يسعى لفرض شروطه ونشير إلى أن دينس روس كما هو واضح مازال مصرا على أن يكون هو دينس روس الذي كان خلال فترة عمله الماضية مبعوثا للسلام الأمريكي...
فالحرب أي حرب عندما تندلع يحاول كل طرف أن يخوضها وفق شروطه وقد حاولت إسرائيل خوض حرب الصيف الماضية  في جنوب لبنان وفق شروطها ولكنها لم تستطيع أما في حالة سورية فإن كل الحسابات تقول بان السوريين قادرين على القتال حتى آخر سوري وهو ما لن تستطيعه إسرائيل ولو فكر دينس روس ووضع في ذهنه هذه الحقيقة فإنه سوف يدرك بأن القيادة السورية والسوريين قادرين على خوض الحرب ضد إسرائيل وحلفاءها وفقا لشروطهم تماما كما خاض الفيتناميون الحرب ضد أمريكا وفق شروطهم وكما خاض حزب الله الحرب ضد إسرائيل وفق شروطه وطالما أن كل هذه الحروب كانت تدور في أراضي الذين فرضوا شروطهم على أمريكا وإسرائيل، فإن القيادة السورية والسوريين قادرين على فرض شروطهم طالما أن الحرب سوف تدور في أرض الجولان السورية.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...