جولة أوباما الإقليمية: مكاسب تكتيكية في وقت سوريا الضائع

25-03-2013

جولة أوباما الإقليمية: مكاسب تكتيكية في وقت سوريا الضائع

كانت أكثر جولة علاقات عامة يحاول فيها الرئيس الأميركي باراك أوباما كسب رضى الرأي العام الإسرائيلي، وجولة «كاسحة ألغام»، في بداية ولايته الثانية، لنزع فتيل التوتر في العلاقة الشخصية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإراحة رئاسته داخلياً، ولعل المكسب التكتيكي الوحيد والملموس كان رعاية المصالحة بين تركيا وإسرائيل.
العنوان الرئيسي لهذه الجولة كان إصرار أوباما على تردده حيال التدخل في المنطقة وتفضيله أخذ مسافة عسكرية من النزاع في سوريا، ومحاولة تفاديه مواجهة مباشرة مع إيران، بالتزامن مع تأكيده على توجهات واشنطن بشأن الملف النووي الإيراني، وإعطاء الغطاء لوزير الخارجية جون كيري لاستكشاف أفق التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين. أوباما يستمع إلى أستاذ السياحة في جامعة الأردن سليمان الفرجات خلال زيارته إلى بترا في الأردن، والتي ختم بها رحلته إلى الشرق الأوسط أمس الأول (أ ف ب)
مدرج المطار في تل أبيب كان المكان الذي حقق فيه أوباما مكاسبه التكتيكية. صورته وهو يسير مع نتنياهو على طول المطار بعد خلع سترتيهما، كانت الرسالة الأولى التي حاول الطرفان إيصالها حول طوي صفحة التوتر بينهما. الأمر الثاني الذي حصل في مدرج المطار، قبيل مغادرة أوباما، كان الاتصال الذي أجراه نتنياهو بنظيره التركي رجب طيب أردوغان، والتي وصفها كيري بأنها «تطور مهم جداً سيساعد على تقدم قضية السلام والاستقرار في المنطقة»، ولا سيما التعاون في الملف السوري.
على عكس مقاربته في بداية الولاية الأولى، حين تزامنت جولته الإقليمية مع توقعات ووعود وصلت إلى ذروتها في خطاب القاهرة في العام 2009، رسائل أوباما الرمزية والمشفّرة إلى الصهيونية هذه المرة، كانت غايتها نيل رضا الرأي العام الإسرائيلي، لا سيما أن لدى أوباما شعبية متواضعة بين الإسرائيليين، هي الأدنى لرئيس أميركي منذ عقود. ولكن مقابل هذا الود الإسرائيلي، شعر الفلسطينيون بالإرباك، وبأن أوباما قد لا يكون قادراً على فرض أي شيء على نتنياهو، حتى وقف الأنشطة الاستيطانية، وهو لم يظهر الحميمة ذاتها في زيارته المختصرة إلى الضفة الغربية من خلال زيارات رمزية تعبر عن معاناة الفلسطينيين. ولكن أوباما ربط، خلال خطابه الرئيسي في إسرائيل، بين حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة والنضال الفلسطيني، حيث قال إن «العزل العنصري، بما في ذلك الذي يفرض على وسائل النقل العامة، كانت فترة مظلمة في تاريخ الولايات المتحدة. هذا يحدث اليوم في فلسطين».
صحيفة «واشنطن بوست» ذكرت أن خطاب أوباما إلى الإسرائيليين في هذه الزيارة محاولة لإصلاح خطاب القاهرة في العام 2009، الذي «لا يزال في صلب العلاقة المتوترة مع إسرائيل». كذلك اعتبرت الصحيفة أن أوباما تبنى خلال هذه الزيارة الإستراتيجية التي اعتمدها رؤساء أميركيون قبله، وهي احتضان القادة الإسرائيليين والتغزل بالتراث اليهودي والديموقراطية الإسرائيلية «قبل طلب تضحيات مكلفة سياسياً من قادة البلاد».
سبق زيارة أوباما اتصالات تمهيدية بين مستشاريه وفريق عمل نتنياهو لإخراج الزيارة، والاتفاق على تسوية حول النقاط الخلافية. رسالة أوباما كانت انه يتفهم تعقيدات تحالفاته الحكومية التي قد تمنع حصول اختراق مع الفلسطينيين، وهذه النقطة ستجعل على الأرجح التقدم غير متاح في ملف التفاوض. وفي مقابل ذلك، كان نتنياهو هادئاً في خطابه حيال طهران بحيث تراجع، مؤقتاً على الأقل، عن لغة الخطوط الحمراء. وقال أوباما إن الاحتواء مع طهران لن ينجح، وفي المقابل تراجع نتنياهو عن كلامه في الخريف الماضي بأنه يجب التصرف بشأن طهران قبل الربيع أو الصيف الحالي، بل قال في هذا السياق «مهما كان الوقت المتبقي، ليس هناك الكثير من الوقت».
ليس معروفاً إذا قرر نتنياهو التنازل علناً أمام أوباما في هذا الملف خلال الزيارة، أو أن التقارير في الإعلام الأميركي صحيحة، بأن واشنطن لديها معلومات إستخباراتية تفيد بأن طهران تواجه صعوبات في برنامجها النووي أو أنها اختارت أن تبطئ من وتيرته. على مدى السنوات الأخيرة، لم يبق مسؤول عسكري أو استخباراتي أو مدني أميركي لم يذهب إلى إسرائيل لمعرفة نوايا حكومة نتنياهو بشأن ضرب طهران في محاولة لتفادي مغامرة تورط واشنطن في حرب مفتوحة في المنطقة. تمكن أوباما الآن، على المدى القصير على الأقل، من إقناع نتنياهو أن الآن هو وقت الديبلوماسية.
هذه الزيارة تعني أيضاً نهاية مرحلة ضغط أوباما على نتنياهو لتحقيق تقدم ملموس في المفاوضات مع الفلسطينيين. وعلى هذا الأساس أعطى نتنياهو الضوء الأخضر لاستكشاف التفاوض مع الفلسطينيين، على ما يبدو لإرضاء أوباما أكثر من رغبة فعلية بإجراء تسوية. الأفكار المتداولة الآن هي التفاوض المرحلي، أي التركيز على الحدود والأمن وتأجيل القضايا الخلافية، مثل مصير القدس وحق العودة للاجئين الفلسطينيين. أوباما تخلى عن دعم طلب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بشأن وقف الأنشطة الاستيطانية داخل حدود العام 1967 قبل بدء أي مفاوضات، واكتفى هذه المرة من رام الله بوصف المستوطنات بأنها «غير بنّاءة»، بعدما كانت تصفها إدارته بأنها «غير شرعية». وتابع في مؤتمره الصحافي مع عباس «بالرغم من انه قد يكون لكلا الجانبين نقاط خلاف قوية، أو انخراط في أنشطة يعتبرها الجانب الآخر خرقاً لحسن النية، علينا أن ندفع هذه الأمور لمحاولة التوصل إلى اتفاق».
في سوريا يبقى الحذر المشترك بين أميركا وإسرائيل. المتحدث السابق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض تومي فيتور صرّح لشبكة «ان بي سي»، أنه لمناسبة الذكرى العاشرة لغزو العراق «اعتقد أنه نحتاج أن نتذكر... أن 150 ألف جندي (أميركي) لم يتمكنوا من وقف حرب طائفية».
وحذر إدارة أوباما لا يزال قائماً، بأن إمداد السلاح الأميركي إلى المعارضة السورية سيكون الخطوة الأولى للتدخل العسكري المباشر، وانه من السهل التدخل في سوريا، لكن ليس الخروج منها. لكن الأصوات تتصاعد في واشنطن، لا سيما في الكونغرس، لفرض حظر جوي وفتح الباب أمام إيصال أسلحة إلى المعارضة كي لا تُنتشر بشكل عشوائي كما حصل في ليبيا.

جو معكرون

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...