انعطافات السياسة التركية الداخلية وتأثيرها على السياسة الخارجية

01-05-2008

انعطافات السياسة التركية الداخلية وتأثيرها على السياسة الخارجية

الجمل: بعد قيام المحكمة الدستورية العليا بقبول عريضة المدعي العام التركي التي تتهم حزب العدالة والتنمية التركي بانتهاك مبدأ العلمانية المنصوص عنه في الدستور التركي بدأت تظهر بعض التطورات الجديدة في الأداء السلوكي التركي الرسمي وبالذات في أولويات جدول أعمال السياسة الخارجية التركية.
* هل من جديد في السياسة التركية؟
نشرت صحيفة زمان اليوم التركية اليوم تقريراً إخبارياً حمل عنوان «محادثات رفيعة المستوى مع الأكراد العراقيين في القريب العاجل» وقد أشار التقرير إلى النقاط الآتية:
• سيزور العاصمة العراقية بغداد وفد رسمي تركي  لإجراء محادثات مع سلطات إقليم كردستان العراقي.
• المحادثات التركية - الكردستانية الإقليمية تهدف إلى:
* فتح الحوار على خط أنقرة – أربيل.
* تعميق التفاهم حول الملفات العالقة بين الحكومة التركية وحكومة كردستان الإقليمية.
• رئيس الوفد التركي سيكون مورات أوزليك الذي يتولى مهمة المبعوث التركي الخاص في بغداد.
• رئيس الوفد الكردي سيكون نيخرفان البرزاني رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان العراقي.
برغم تكرار تداول بعض المعلومات في الصحف التركية خلال اليومين الماضيين فإن الجديد في الأمر هو التصريح اللافت للنظر الذي أدلى به وزير الخارجية التركي علي بابكان الذي قال فيه أن:
• الوفد التركي سيسافر عاجلاً إلى بغداد.
• سيلتقي الوفد التركي بوفد حكومة إقليم كردستان العراقية.
• الهدف هو تمهيد السبيل وفتح المجال أمام "آلية حوار استراتيجي عالية".
* سردية آلية الحوار الاستراتيجي التركي العالية المستوى؟
تقول التسريبات الواردة من أنقرة بأن هذه الآلية:
• اقترحها في أول الأمر الرئيس العراقي وزعيم الاتحاد الوني الكردستاني جلال الطالباني.
• اقتراح هذه الآلية تم تقديمه لأنقرة خلال شهر آذار الماضي.
• تم التفاهم حول هذه الآلية بواسطة المالكي – رجب طيب أردوغان.
وأشارت التسريبات أن إعلان وزير الخارجية التركي بابكان تأكيد أنقرة على هذه الآلية جاء على خلفية محادثات وزير الخارجية التركي مع نظيره النرويجي يوهانس غار ستوري. وتشير التسريبات إلى أن أعضاء مجلس الوزراء التركي سينخرطون ضمن الآلية في تفاهم مشترك مع كل نظرائهم من نخبة المالكي المسيطرة على بغداد. كما أكدت التسريبات بأن هدف الحكومة التركية في المرحلة المقبلة سيركز على:
• تطبيع العلاقات تطبيعاً كاملاً على خط أنقرة – أربيل (البرزاني).
• تطبيع العلاقات تطبيعاً كاملاً على خط أنقرة – السليمانية (الطالباني).
وتقول المعلومات بأن أنقرة تسعى لدفع الطالباني باتجاه القيام بدور أكبر في دعم جهود أنقرة لمحاربة حزب العمال الكردستاني.
* ماذا وراء سردية آلية الحوار التركي؟
ركزت إستراتيجية السياسة الخارجية لحكومة حزب العدالة والتنمية على العمل ضمن ثلاثة محاور:
• إدماج تركيا ضمن بيئتها الشرق أوسطية وعلى وجه الخصوص سوريا والعراق.
• إدماج تركيا ضمن بيئتها الوسط – آسيوية وعلى وجه الخصوص إيران ودول القفقاس ودول آسيا الوسطى.
• المضي قدماً في محاولة ضم تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.
هذه المحاور الثلاثة تنطوي كما هو واضح على الكثير من العراقيل والمنعطفات الصعبة ومن أبرزها:
• إشكالية التنسيق بين توجهات حزب العدالة والتنمية مع أجندة التحالف مع إسرائيل والولايات المتحدة.
• إشكالية الانسجام مع روسيا وإيران حول منطقة القفقاس التي تلعب فيها روسيا وإيران دوراً كبيراً.
• إشكالية الانسجام مع معايير ومشروطيات المفوضية الأوروبية المتحدة والمرتفعة السقف في مواجهة ضم تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي.
تعاونت تركيا مع إيران في مجالات النفط والغاز وتعاونت تركيا مع روسيا ودول القفقاس في مجالات النفط والغاز أما مع الولايات المتحدة وإسرائيل فقد أكدت تركيا على استمرار علاقاتها الإستراتيجية – الأمنية – العسكرية معهما. وتمثلت الخلافات الأمريكية – التركية في إصرار تركيا على فرض مشروطياتها التي تحد من حرية أمريكا وإسرائيل في استخدام الأراضي التركية كنقطة انطلاق أو عبور للعدوان على جيرانها وبالمقابل أصرت الولايات المتحدة وإسرائيل على رفض تعاون تركيا مع إيران في مجالات النفط والغاز والتجارة.
* تداعيات ما بعد غزو شمال العراق:
جاءت عريضة المدعي العام التركي وقرار المحكمة الدستورية العليا المؤيد لقبول عريضة الاتهام بمثابة الخطر الداهم الذي أصبح لا يهدد حكومة حزب العدالة والتنمية وحسب بل ووجوده كحزب في الساحة السياسية التركية.
قبول أنقرة المفاجئ والمثير للانتباه بآلية الحوار الاستراتيجي مع خصومها الأكراد هو في حد ذاته يمثل المؤشر على ما يمكن أن نطلق عليه تسمية نتائج عملية "طرق الحديد وهو ساخن". فهل أدى قرار المحكمة الدستورية العليا بقبول المدعي العام التركي إلى إثارة مخاوف حزب العدالة والتنمية وحكومته من خطر مواجهة عملية "انقلابية" قضائية دستورية عليا لا يستطيعون لها رداً لأن الجيش التركي "حامي العلمانية" سوف لن تتردد هيئة أركانه التي يقودها اليهودي التركي الجنرال أليسار في الاضطلاع بمهمة إنقاذ قرار المحكمة الدستورية العليا والقيام باستئصال الحزب "الإسلامي" إذا لم يذعن لتنفيذ القرار.
المطلوب أمريكياً من أنقرة على الأقل في الوقت الحالي تقديم المزيد من التنازلات إزاء الملف العراقي، ومن المتوقع أن تحاول واشنطن دفع أنقرة وابتزازها عن طريق الملف العراقي بما يؤدي إلى :
• تعزيز استقرار حلفاء أمريكا وإسرائيل المسيطرين على كردستان العراق.
• القضاء على علاقات طهران – أنقرة.دفع أنقرة باتجاه دعم وتعزيز علاقاتها مع تحالف المتعاملين العراقيين المسيطر على بغداد.
ومن المتوقع أيضاً أن تستخدم واشنطن نفوذها لجهة التأثير سلباً على الوساطة التي تقوم بها أنقرة في تحقيق السلام بين سوريا وإسرائيل.
وحتى الآن لم تتضح أبعاد الملف الجديد المتمثل في المنطقة وبالرغم من ذلك فثمة أسئلة يمكن طرحها الآن:
• هل هناك احتمالات لدور تركي أكبر في العراق يلعب دوراً منافساً للدور الإيراني في العراق؟
• هل الدور التركي المتوقع في العراق يقصد منه أن تنتقل تداعياته إلى خط أنقرة – طهران، بحيث يؤدي إلى تحويل علاقات التعاون بينهما إلى علاقات تنافس إقليمي تمتد تداعياته إلى آسيا الوسطى والقفقاس ومنطقة شرق المتوسط؟
• على أساس أي اعتبارات ستقوم علاقات خط أربيل – أنقرة وأنقرة – السليمانية، هل سيكون دور أربيل مرتبط بملف التعاون النفطي بين شمال العراق وجنوب تركيا، ودور السليمانية مرتبط بملف مكافحة حزب العمال الكردستاني؟
• ما هي مكانة حزب العمال الكردستاني في ملف الدور التركي المرتقب في العراق: هل ستكون هناك مصالحة بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة بإشراف بالخماسي: أربيل – السليمانية – بغداد – واشنطن – تل أبيب، أم ستتمسك أنقرة بموقفها من حزب العمال الكردستاني بحيث يواجه هذا الحزب الضغط بواسطة "عصا" الأشقاء في كردستان العراق و"جزرة" اندماج عناصره ضمن الأحزاب السياسية الكردية الناشطة في جنوب تركيا؟

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...