الشيعة والدور القادم في المنطقة

04-08-2007

الشيعة والدور القادم في المنطقة

الجمل: أدى الصراع الشيعي- السني الذي أشعلته الإدارة الأمريكية في العراق إلى خلخلة التوازن الطائفي الداخلي الموجود في كامل المنطقة الإقليمية التي تتضمن الشرقين الأدنى والأوسط، بحيث لم يعد الصراع السني- الشيعي ظاهرة عراقية داخلية، بل أصبح ظاهرة إقليمية اكتسبت طابعاً عابراً للحدود الدولية، بشكل أثرت فيه على الاستقرار داخل الدول، وبين علاقات الدول، وفي تحالفات هذه الدول واصطفافاتها سلباً وإيجاباً مع القوى الكبرى.
·التنافس الشيعي- السني والإرث الإقليمي:
تمتد جذور هذا التنافس إلى فترة الخلافة الإسلامية، وبرغم الفترة الزمنية الطويلة، فقد ظل هذا التنافس حاضراً في كل المنعطفات التاريخية الإقليمية السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية، التي ارتبطت بصراع السلطة والثروة في المنطقة.
يمثل الشيعة حوالى 10%، بينما يمثل السنة حوالى 90% من العالم الإسلامي، وعلى أساس اعتبارات الأرقام، يبلغ عدد الشيعة حوالى 130 مليون من إجمالي عدد المسلمين في العالم البالغ حوالى 1،3 مليار نسمة، ويعيش حوالى 120 مليون من الشيعة في المنطقة الممتدة بين جنوب لبنان وغرب باكستان، أما الـ10 مليون الأخرى فتتوزع على بقية بلدان المنطقة.
يشكل الشيعة أغلبية سكانية في كل من: إيران، العراق، البحرين، وأذربيجان، ولبنان، وإضافة إلى ذلك يشكل الشيعة أقلية معتبرة في كل من: الإمارات العربية، العربية السعودية، باكستان، وأفغانستان.. كذلك توجد أقليات شيعية في كل من: الهند، طاجيكستان، وشرق افريقيا (حصراً كينيا، تنزانيا).
·معطيات الخبرة السياسية- المعاصرة:
باستثناء إيران، ظلت المذهبية السنية تمثل الوجه الثقافي الديني للعروبة والإسلام في المنطقة، إضافة إلى أن هذه المذهبية ظلت تلعب دوراً هاماً في كافة الاعتبارات المتعلقة بعملية صنع واتخاذ القرار في دول هذه المنطقة.
خلال حقبتي الستينيات والسبعينيات ساند الشيعة الحركة القومية العربية، والحركات اليسارية، وذلك من أجل التغلب على الفجوة الواسعة بينهم وبين قدرة المجتمعات السنية، وذلك بهدف الحصول على نصيب أكبر من الاعتبارات المتعلقة بالمشاركة السياسية وقسمة السلطة والثروة.
ولكن بحلول عام 1980م، وعلى خلفية تداعيات الثورة الإسلامية الإيرانية، بدأت العناصر الشيعية تنتظم ضمن صفوف الحركات السياسية والاجتماعية والدينية، ذات الطابع المذهبي الشيعي البحت.
وقد برزت في هذه الفترة:
حركة أمل في لبنان.
- حزب الدعوة الإسلامية في العراق.
حزب الوحدة في أفغانستان.
- حزب الطريق الجعفري في باكستان.
الحركات والأحزاب الشيعية هذه لم تكن جامدة، بل كانت تتميز بقدرتها الحركية الفاعلة، وحيويتها في تجسيد المطالب الشيعية اقتصادياً وسياسياً وثقافياً ودينياً، وعلى سبيل المثال فقد لعبت حركة أمل دوراً هاماً في الدفاع عن الشيعة في الحرب الأهلية اللبنانية، وفي التوازنات السياسية والعسكرية والأمنية التي تلازمت مع هذه الحرب.. كذلك  لعب حزب الدعوة العراقي دوراً كبيراً في تجميع وتشكيل معارضة شيعية قوية لنظام الرئيس الراحل صدام حسين، وفي أفغانستان، فقد استطاع حزب الوحدة حماية شيعة غرب أفغانستان، من خطر الحرب الأهلية التي دارت بين الفصائل السنية الأفغانية، وأيضاً في إعطاء هؤلاء الشيعة وزناً سياسياً أكبر ضمن معادلة السلطة والثروة في الصراع الأفغاني.
أما في باكستان، فقد خاض حزب الطريق الجعفري الشيعي كفاحاً سياسياً قوياً ضد مشروع (الدستور الإسلامي السني) الباكستاني والقوانين الباكستانية التي تم اشتقاقها منه، وقد استطاع هذا الحزب أن يحصل في نهاية الأمر على قرار دستوري باستثناء الشيعة من تطبيق القوانين الإسلامية السنية الباكستانية. أما في الهند فقد استطاع الشيعة الهنود الموجودين في ولاية لكناو، القيام بمناورة سياسية ناجحة، وذلك عندما هددوا بالتحالف مع حزب بهاراتا جاناتا الهندوسي، وذلك على النحو الذي دفع الجماعات السنية المسيطرة في الولاية إلى الاعتراف والإقرار بمنح الشيعة حقوقهم.
استخدمت الحكومات العربية والإسلامية ذات الطابع السني المذهب الشيعي في تنميط خصومها السياسيين، ووصفهم بالمروق والخروج على سلطة الحكم الإسلامي، ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
-         في نيجيريا قام الرئيس ساني أباشا باتهام زعيم جماعة الاخوان المسلمين النيجرية الشيخ ابراهيم الزاكزاكي بأنه شيعي، وذلك بسبب معارضته للتوجهات الحكومية النيجرية السنية التي كانت تعطي الشركات الأمريكية والبريطانية الكثير من الامتيازات في الحقول النفطية النيجرية.
-         في ماليزيا قامت الحكومة التي يسيطر عليها السنة المعتدلون باتهام جماعات الاخوان المسلمين بأنهم من الشيعة.
-         في الهند وباكستان قام علماء السنة بإصدار فتوى تستهدف الإمام الخميني، باعتباره يسعى لإثارة الفتنة بين المسلمين من جراء انتقاداته للنظام السعودي.
-         في السودان قامت إحدى الجماعات السنية المتطرفة باختطاف وقطع رأس الصحفي السني محمد طه محمد أحمد في العام الماضي، بعد اتهامه بالانتماء للمذهبي الشيعي، بسبب توجيهه بعض الانتقادات للجماعات السنية.
·الصعود الشيعي إلى أين؟
استطاعت الإدارة الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية النجاح في إقناع حكومات المنطقة السنية بوجود خطر شيعي.. ومن دلائل النجاح الكبير الذي أحرزه المخطط الأمريكي- الإسرائيلي، ما نشاهده اليوم من:
- تعاون بعض الدول العربية السنية مع إدارة بوش ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية  في تنفيذ المزيد من العملات السرية ضد إيران الشيعية، وضد حزب الله الشيعي.
- قيام بعض الحكومات الخليجية السنية بفرض المزيد من الإجراءات المتشددة ضد سكانها الشيعية.
كذلك تشير إلى أن إدراة بوش ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية قد استطاعت توظيف (فزاعة) الخطر الشيعي لجهة تحقيق المزيد من الأهداف الأخرى، والتي من أبرزها:
بناء اللغة المشتركة وعلاقات التعاون السياسي والأمني بين إسرائيل والأردن، ومصر، وحكومة السنيورة، وحركة فتح.
- استغلال وتوظيف القدرات العسكرية لبعض الدول العربية تمهيداً لضرب أو محاصرة إيران.
وعموماً، إن السبب الحقيقي الذي يقف وراء ظهور (فزاعة) الخطر الشيعي في المنطقة هو التهديد الكبير الذي يمثله الشيعة في مواجهة إسرائيل والمصالح الأمريكية.
وقد أكدت معطيات الخبرة التاريخية المعاصرة، ان الشيعة ظلوا يقفون بحزم ضد المشروعات الأمريكية التي تهدف إلى نهب ثروات المنطقة والسيطرة على شعوبها، وتقسيم كياناتها الوطنية والقومية، وقد أكد الشيعة قدرتهم العملية الفائقة من خلال التصدي الحازم للنفوذ الأمريكي- الإسرائيلي الذي كان يسيطر على إيران خلال فترة حكم الشاه.
وحالياً، ومن سخرية القدر أن الكثير من الأنظمة السنية العربية، أصبحت تقف عاجزة عن دعم حركات المقاومة (السنية) الفلسطينية، والتي لم تجد من يدعمها سوى إيران (الشيعية)، إضافة إلى أن الحركات السنية العراقية تواجه المذابح اليومية على يد القوات الأمريكية المنطلقة من القواعد العسكرية التي قامت الحكومات السنية الخليجية بمنح تسهيلات وامتيازات استخدامها لإدارة بوش والبنتاغون.
وبرغم كل ذلك سوف لن يكون بعيداً اليوم الذي سوف يكتشف فيه الجميع أن (فزاعة) الخطر الشيعي، هي قوام الحرب النفسية التي تسعى إلى إشعال نيران الفوضى الخلاقة، كذلك سيعرف الجميع أن الحدود الفاصلة بين ما هو سني وما هو شيعي، داخل العراق، ولبنان، والخليج، هو بالأساس حدود وهمية، وذلك لأن هذه المجتمعات ظلت في حالة تعايش وانسجام لفترة طويلة من الوقت، والدليل الأصدق الذي نسوقه على التعاون والانسجام السني- الشيعي يتمثل في عراقة حزب الله- حماس وتعاونهما الوثيق في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين واللبنانيين.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...