آباء كبار اختفوا وبقيت ندبة حزيران

28-05-2010

آباء كبار اختفوا وبقيت ندبة حزيران

بدأ العقد الستيني السوري من القرن العشرين مصرياً. مصر كانت حاضرة رفضاً أو قبولاً. قبيل الانفصال (1961) كان التململ قد بدأ يسري في الشارع، على ما يقول عمر أميرالاي (مواليد 1944) «بدأ يتخلخل مفهوم الوحدة في وعي إنسان الشارع، صرت تسمع أن الوحدة السورية المصرية في طريقها إلى الموت». ويشهد أميرالاي حادثة مرور ضابط مصري بعكس السير وكيف أراد أن يزيح الجميع عن طريقه، ما أدى إلى غضب الشارع وتمرده عليه. حادثة كانت مؤشراً في وعي الشاب أميرالاي آنذاك.
وإذا كان هوى أميرالاي غربياً، حيث «انجذاب الجيل نحو الغرب، العالم الجديد، وحيث الحلم الأوروبي، وحتى الأميركي، حاضر في بداية الستينيات، وكان طبيعياً لمثقف أن يرى في أوروبا مكة العلم والثقافة»، وحيث «الجيل لم يجد تعارضاً بين الفكر القومي والنهل من الغرب»، فإذا كان أميرالاي مصاباً بـ «الجرثومة الحميدة للثقافة الغربية»، وهو قد ترك البلاد إلى فرنسا للدراسة عام 1964، فإن اثنين ممن تحدثنا إليهم كان هواهما مصرياً خالصاً.
الروائي خيري الذهبي (1946) يقول «إن ذكرياتي عن الستينيات ذكريات مصرية بحكم إقامتي في مصر آنذاك». وهو يصف الحال فيها «لقد شهدت مصر ثورة حقيقة على المستوى الثقافي». ويشرح «بسبب قوانين عبد الناصر الاشتراكية هاجر مئات الآلاف من الأوروبيين، ومن اليونانيين فقط ما يزيد على المليون، ما تسبب بامتلاء الأسواق بمئات الأطنان من الكتب المهجورة». ويتابع «في ذلك الوقت تنشّط المسرح، والمجلات، وسلاسل الكتب، والمراكز الثقافية المتوهجة، وكنت أنا مثل بطة محرومة من الماء، ولو بقيت في سوريا لما كنت لأحصل على كل ذلك». ولم يكن الذهبي يعرف عن المنتج الأدبي السوري الكثير آنذاك «أول كتاب وقع في يدي كان لحسيب كيالي «أخبار من البلد»، اكتشفت فجأة أن هناك عالماً أصيلاً لا أعرفه هو الأدب السوري».
لذلك ظلت المقارنة بين البلدين دائمة الحضور عند الذهبي «مصر كانت دائماً بلداً متوسطياً، أما سوريا فكانت أقرب إلى الصحراء. السوريون، بحكم وضعهم الجغرافي المقلقل، كانوا ينتمون إما إلى بلاد الشام، أو إلى وطن عربي أكبر، وهذا أنشأ كتابات حلمية، تحلم بالمكان العربي، ترغب بالخروج من المكان السوري إلى وطن أكبر».
ويشير الذهبي إلى الموضة الأبرز في الستينيات «بعد الانفصال، والرعب الذي حط على الجميع، جاءت ترجمة سهيل إدريس كتاب «اللامنتمي»، العنوان الذي أغرى معظم المرعوبين، كثيرون كانوا يدعون قراءة الكتاب للتعبير عن الخواء والهزائم». ويتابع الذهبي «في تلك الفترة بدأت موجة الوجودية، وصار الكل يعلن وجوديته رغم عدم قراءة شيء عن هذا المذهب. صارت الوجودية أن يرخوا شعورهم ويجلسوا على الأرصفة».
هكذا يرى الذهبي الوجودية السورية مذهباً في العيش لا في الكتابة «نحن في ذلك الحين لم ننشئ مذهباً أدبياً، كنا مجرد أصداء»، أما عن تأثيرات الشيوعية في الأدب فيقول «أهم اسم عرفوه كان مكسيم غوركي، وخصوصاً كتابه «الأم»، وهو كاتب من الدرجة الثالثة. صار الجميع يتحدث عن أمه المناضلة، راحوا يخترعون أمهاتهم». ثم يعود لما جرى تأسيسه بُعيد الاستقلال «السوريون أحرقوا الكتب الفرنسية بعد الاستقلال، فكانت قلة تعرف ماذا يجري في العالم».
الروائي فواز حداد (1948) مصري الهوى والثقافة أيضاً، رغم أنه لم يغادر دمشق الستينيات «أزعم أن ثقافتي مصرية. قرأنا كل حرف كتبه نجيب محفوظ، وتعرفنا الى الكتاب الجدد؛ محمد رجب، محمد البساطي، جمال الغيطاني، بهاء طاهر، أولئك الذين قدم لهم يحيى حقي في «المجلة». كذلك قرأنا مجلة «المسرح» و«الفكر المعاصر» التي رأسها زكي نجيب محمود ثم فؤاد زكريا. حتى الأدب العالمي كنا نقرأه بترجمات مصرية».
وإذا كان من عادة مثقفين كثر أن يصرخوا «نحن جيل بلا آباء، ولا أساتذة» فإن حداد يصرّ «لم تكن لدينا عقدة الأب، وبالعكس كان لدينا تعلق بالأب، كنا نريد فعلاً أن نتعلم».
يقول حداد «إن الستينيات أنجبت أهم الأسماء الأدبية؛ نعمان عاشور، ألفرد فرج، محمود دياب، يوسف إدريس، يوسف الشاروني..»، ويخلص حداد إلى القول «في الستينيات ستجد أن تسعين بالمئة حقيقي والباقي زعبرة، تماماً بعكس ما هو قائم الآن».
ويؤكد حداد «لم نهمل الثقافة السورية، كنا نقرأ شكيب الجابري، بديع حقي، وسعيد حورانية». لكنه يتوقف عند مثقف قال عنه «مرّ كالشهاب الثاقب في سماء الثقافة السورية، هو رفيق الصبان، هو الذي حوّل السينما في أذهاننا إلى فن. كنا من قبل نذهب كل يوم أحد لنشاهد فيلماً في سينما «الزهراء» أو «السفراء» أو «الأمير» أو «الدنيا»، لنلتقي هناك شباناً وشابات. الصبان عرّفنا الى الموجة الجديدة في السينما الفرنسية، والسينمات الطالعة من بولونية وتشيكية وبلغارية. كما أعاد الاعتبار في أذهاننا للسينما الروسية. لم يكن شهر يخلو من مهرجان سينمائي. الصبان فتح لنا أبواب المسرح، عرفنا على المسرح، ولا يمكن أن ننسى «الزير سالم» التي أخرجها بنفسه. كان لدى الصبان ندوة «فكر وفن» التي يحضرها أهم الفنانين والمثقفين أذكر منهم الآن لؤي كيالي وعدنان بن ذريل».
انها دمشق
كلام حداد سيؤكده أميرالاي حين يقول «هناك ظاهرة اسمها رفيق الصبان، كان مؤسساً للمسرح السوري الحديث، ومؤسس الثقافة السينمائية في المجتمع السوري».
وعن أمكنة الستينيات الأثيرة يتحدث حداد عن دائرة في دمشق يسميها «رئة دمشق الثقافية» تضم كل ما يحتاج اليه المرء «كان بيتي في البحصة البرانية، في قلب سوق الخطاطين: حي تجد فيه كل المِلل. أخرج من بيتي لأجد كل صالات السينما؛ سينما غازي، روكسي، رويال، والمسارح، والمراكز الثقافية (ثقافي أبو رمانة)، والمطاعم حتى الأوروبية منها (مطعم سقراط)، والملاهي (الكروان، الطاحونة الحمراء، الشانوار..) وسواها».
يتذكر عمر أميرالاي أوائل الستينيات وكيف أن تعليقاً من عمه على البيان الذي أطلقه حزب البعث عند تسلمه السلطة العام 1963، كان ذلك حين وردت كلمة «شعوبية» في البيان، يقول أميرالاي «باعتباره ينتمي إلى أقلية لمس أن تلك الكلمة كانت تعنيه، وأن الحدث محاولة إخضاع هذا التنوع الذي هو هوية سوريا عبر العصور».
كان أميرالاي آنذاك يسكن حي المهاجرين الذي يسميه «ملاذ الأقليات في هذه المدينة، من تركمان وشركس وأكراد». ويضيف «كانوا أقليات من بقايا العثمانيين، وربما كانوا يعيشون وهم الامبراطورية. كنا نرى كيف يتحول الواقع من حولنا إلى واقع أحادي الجانب، واقع عروبي، كانوا يعيشون تلك التحولات على مضض».
الستينيات لشوقي بغدادي (مواليد 1928) هي «التحول شبه الحاسم إلى النظام المركزي، ونظام الحزب الواحد». يقول «على الصعيد الاجتماعي هي غياب المقاهي ودور السينما وضمور العلاقات الاجتماعية، وبداية سيادة الحذر من الآخرين بسبب نظام الحكم الجديد الذي أمم كل شيء». ويشير بغدادي إلى طابع وسم تلك الفترة يسميه «غزو الريف للمدينة على الصعيد الأدبي». ويشرح «كثير من قصائد تلك الفترة كتبها شعراء قادمون من الريف، وقصائدهم كانت نوعاً من المواجهة الصعبة لريفي له عاداته الخاصة مع مدينة كبيرة صاخبة وقاسية». أما أمثلة بغدادي فـ «في كتابات ممدوح عدوان وعلي كنعان وسواهما. وربما كان أحسن شاهد على ذلك في إحدى روايات حيدر حيدر التي تبدأ بنشيد شعري باسم الريفيين الأصلاء الطاهرين المقبلين بقوة شبه إلهية على غزو المدينة».
لكن ليس هذا كل شيء، فعلى الصعيد الأدبي أيضاً يؤكد بغدادي «كان هناك انفتاح للشارع الثقافي بقوة على تيار الحداثة وبداية الشعور بالتغيير العميق بالذوق الجمالي في الكتابة؛ كانت بدايات قصيدة النثر، وبسبب الماغوط وكتابته الحادة صارت قصيدة النثر أكثر جاذبية. كذلك نشط المسرح السياسي الهادف مع سعد الله ونوس وممدوح عدوان، وبرزت الرواية مع أسماء مثل هاني الراهب وحيدر حيدر».
وعن السينما يقول بغدادي «إنها اختفت في الستينيات، وحلت قطيعة بين المجتمع الدمشقي والسينما. أما النشاط المسرحي فاقتصر على النقابات العمالية».
نكسة حزيران
لكن للفنانة التشكيلية أسماء الفيومي (1943) رأي آخر، إذ قالت «كانت السينما طقس تلك الفترة، ترتدي لها أجمل الثياب. حينذاك شاهدنا أفلام فيلليني وبازوليني». وعن المسرح قالت «كنا نرى مسرحاً مترجماً لموليير وشكسبير وقد أثر بنا ممثلو تلك الفترة بقوة. لم نكن نذهب إلى المسرح لنرى التمثيل فقط، بل نرى المشهد كله من ديكور وأزياء وسواهما».
العقد الستيني السوري شهد إنتاجاً سينمائياً كثيفاً؛ حوالى خمسة عشر فيلماً من إنتاج خاص، بعضها بالاشتراك مع لبنان، وبعضها الآخر لمخرجين مصريين غادروا مصر هرباً من القوانين الجديدة. أفلام «دريد ونهاد» طبعت المرحلة من بينها فيلم «عقد اللولو» (1963)، و«لقاء في تدمر» (1965)، «الشريدان» (1965)، «المليونيرة» (1966)، «فندق الأحلام» (1966)، «غرام في استانبول» (1967)، «الصعاليك» (1967)، «النصابين الثلاثة» (1968)، «اللص الظريف» (1968)، و«خياط للسيدات» (1969). وسيشهد العام 1967 إنتاج الفيلم الأول لإغراء هو «عاريات بلا خطيئة». أما الفيلم الوحيد الذي أنتج من قبل القطاع العام في الستينيات فكان «سائق الشاحنة» (1968) سيناريو نجاة قصاب حسن وإخراج اليوغوسلافي بوشكو فتشينكش.
«لا بد من الاعتراف بأن الستينيات كانت فترة تحولات عميقة جداً في حياة السوريين عموماً لا تزال آثارها حتى الآن»، يقول شوقي بغدادي. ويضيف «كانت نكسة حزيران عملية ردم لكل الطموحات العالية التي بدأت في الخمسينيات»، ليصل إلى القول «كل شيء تحول إلى جنازة، وأكاد أقول إنني حينما ألتفت إلى الوراء لأسترجع ذكرياتي من مشهد الستينيات أشعر كأنني أزور مقبرة حافلة بالقبور الفخمة والشواهد العالية، والكلمات المنمقة عن انتصارات وهمية».
ويضيف بغدادي «الستينيات هي فترة الغليان المصحوب بالطموحات التي هي أكبر بكثير من إمكانات البلد، بلد يريد أن يصبح بحجم الاتحاد السوفياتي وهو عاجز عما أقل من ذلك بكثير، يريد أن يدمر الاستعمار، و... وهو عاجر عن مواجهة اسرائيل».
أميرالاي يستعيد النكسة بشكل مختلف «كانت صدمة الوعي الحقيقية التي عشناها في الغربة بشكل جارح ومخلخل للكيان الفردي ربما بصورة أكثر مما كان لمن يعيشون داخل المجتمع العربي. كانت لي وعاء الوعي الأساسي، فمن هذه الخلفية من عدم الانتماء إلى واقع لا يعترف بك كأقلية، تأتي الـ 67 لتغلّب فكرة الانتماء، فالهزيمة صارت هزيمة كل الناس». وهنا يتحدث السينمائي السوري عن الأسئلة الجديدة التي طرحتها النكسة «هل كانت أحوالنا غير ما هي عليه الآن لو لم تكن إسرائيل على قيد الوجود؟»، ويجيب «أميركا اللاتينية لم يكن لها عدو خارجي ومع ذلك أنتجت ديكتاتوريات ومظالم».
بعد ذلك يأتي صدى أيار 1968 واضحاً في خطاب أميرالاي وجيله «انجذبنا إلى ثورة الـ 68 لأنها ثقافية، كان المعنى العميق الذي استنتج هو أن قدر النخبة أن تنتمي إلى الفكر النقدي كمشروع ممكن للتغيير بأدوات الثقافة، وأعتقد أنني أنتمي إلى هذا التيار».
مفاجئ أن أميرالاي وهو المعروف كواحد من أبرز السينمائيين في سوريا أن لا يتحدث عن السينما، يقول «قد يفاجئك أنني أنظر إلى السينما كمهنة، ولا أريد لها أن تكون حجاباً بيني وبين هموم أخرى». لكن المفاجئ أكثر أن يتحدث عن فترة دراسته غير المكتملة في كلية الفنون الجميلة «الصعقة الكهربائية التي قلبت الفن التشكيلي السوري رأساً على عقب كانت مجيء الرسام الإيطالي لاريجينا إلى الكلية، الذي أدى إلى حراك مدهش في الكلية، المكون من ثلاث مدارس؛ تقليدية على رأسها ناظم الجعفري، ومدرسة يمثلها فاتح المدرس والثالثة يمثلها لاريجينا بدعوته إلى التجريد. واللافت أن المدرس كان أبرز المقاومين لعاصفة لاريجينا».
أسماء الفيومي تلفت إلى أمرين في المشهد التشكيلي، أولهما ذلك التناغم بين الفن والأدب «قرأت الماغوط وأثر بي كرسامة، وكذلك زكريا تامر. كان هنالك هذا التداخل بين التشكيل مع الشعر والأدب والمسرح والسينما. كان الأدباء آنذاك يرتادون المعارض، الأمر الذي لا تراه اليوم». والأمر الآخر هو حضور الرسامين في الهواء الطلق «كنت أخرج لأرسم في الحقول بدون أي مضايقة». ولدى سؤالها عن موضة ذلك الزمان في اللباس تقول «لبسنا الميني جوب، بل والميكرو حوب، وكنا نستقل الباصات العمومية بلا استغراب أو مضايقات»، وهي تعلق على موضة هذه الأيام «أرى أن الجيل الجديد مسكين لمحدودية خياراته في اللباس، الحجاب لم يكن موجوداً في تلك الأيام، وبالكاد كنت ترى الإيشارب على رؤوس بعض القادمات من بيئات محافظة».
أما الموضة للشبان فكانت، كما يقول فواز حداد، الشارلستون والشعر الطويل مع السوالف «كان مضحكاً أن ترى القصة الدارجة اليوم لأسفل البنطال». ويضيف حداد «كان الفارق في وصول الموضة من أوروبا إلى بلادنا ليس أكثر من عشرة أيام».
عن المشهد الموسيقي يقول الناقد الموسيقي صميم الشريف (1927) «زمن الوحدة كان متألقاً وكله حماسة. قدم الموسيقيون أجمل ما عندهم، لكن بعد 1963 صارت الموسيقى بخدمة النظام، كلهم صاروا يؤلفون للاحتفالات، ولم يعد هنالك إبداع». وينوه الشريف باسم سهيل عرفة الذي كان قد بدأ يبرز حينذاك «فقد كان عمله «من قاسيون أطل يا وطني» أجمل عمل وطني في تلك المرحلة».
كما ينوه بـ «المعهد العربي للموسيقى الذي استطاع أن يشكل فرقة موسيقى الحجرة في ذلك الوقت». ويتذكر الشريف هذه الحادثة عن إحدى حفلات الفرقة «ففي إحدى الحفلات التي كانت ينتظر فيها وصول الرئيس نور الدين الأتاسي لم يحتمل صلحي الوادي تأخير الوفد الرئاسي عشر دقائق، فما كان منه إلا أن أغلق الأبواب وبدأ الحفل».
ويقول صميم الشريف «إن حفلات تلك الأيام كانت فقط أيام الأعياد، يغني فيها نجيب السراج، أو رفيق سبيعي أو دريد لحام».
ويشير فواز حداد إلى أنه «موسيقياً كانت فيروز وأم كلثوم مهيمنتين. الساحل لفيروز والداخل لأم كلثوم، حيث حفلتها الشهرية موعد مقدس للاستماع والتسجيل. ورغم أن هناك مغنين سوريين كرفيق شكري ونجيب السراج إلا أن المزاج المصري هو الغالب؛ شادية، عبد الحليم وسواهما».
ويبدو أن المشهد في مدينة حلب كان مختلفاً بعض الشيء حيث يشير الموسيقار نوري اسكندر (1939) «كان هناك كورال للأرمن بقيادة بوغوس عبجيان يقدم حفلتين في العام للأعمال الكلاسيكية. إلى جانب فرق أخرى كانت تقدم موسيقى عالمية وأرمنية. وكان هناك فرقة البوب جاز التي كان يقودها فاتشيه يرميان، وهو أبو موسيقى الجاز في سوريا، وتخرج على يديه العديد من الموسيقيين الجيدين».
يتحدث اسكندر عن العديد من الجمعيات والفرق والندوات للسريان والأرمن في حلب، كما يشير إلى أعمال مسرحية وغنائية وموسيقية قدمت من بينها «أوبرا أنوش» الأرمنية، والمسرحية الغنائية «الملك والربيع»، إلى جانب فرق للموسيقى العربية تقدم الموشحات والقدود. ويشير اسكندر إلى ظاهرة في تلك الأيام «حيث العزف والموسيقى ليست للعيش، فمعظم الموسيقيين لا يأخذ أجراً، وكان عادياً أن ترى طبيباً أو صيدلانياً عازفاً». ويتابع «لكن الظروف الاقتصادية الضاغطة (بالإضافة إلى أسباب سياسية) دفعت إلى هجرة الموسيقيين خارج حلب».
وفي حلب أيضاً يشير اسكندر إلى «بروز المسرح الشعبي الذي ضم الممثل عمر حجو»، لكن حين نسأله ماذا بقي من الستينيات، يقول «مسرح مهترئ لوزارة الثقافة هو المسرح القومي، صار الفنان موظفاً ويعمل بحسب حجم العمل». ويختم اسكندر «في النهاية عهد الستينيات يؤسف عليه، فقد كانت هنالك حركة، يكفي النظر إلى المشهد اليوم لتعرف ذلك».
أما أميرالاي فيقول عما بقي من ذلك العهد «لا ألاحظ أي رواسب للستينيات في حياتنا اليوم، ما عدا هذه الندبة العميقة التي هي هزيمة الـ 67، التي لم تستطع كل الضمادات الوهمية التالية أن تعالج هذا الجرح الذي لم يلتئم، والسبب هو أن الطاقة المفجرة للستينيات تلاشت، وأصبحت الاستكانة والتخلف يجعلان من أي انتصارات بقعة زيت على السطح لن تغير شيئاً بالماء الساكن. وأحوالنا اليوم أسوأ مما كانت عليه في الستينيات، فنحن قاب قوسين أو أدنى لأن نتحول إلى مجتمعات إسلامية متطرفة».
خيري الذهبي يختم بالقول «لم يبق من الستينيات إلا الحنين والأدب، الذي ظهر مدفوعاً بأحلام ذلك الزمان، وهو كان أجمل ما أنتجه العالم العربي. أما الآن فليس سوى الخيبة».

راشد عيسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...