هواجس سورية من إستراتيجية واشنطن ضد «داعش»

06-09-2014

هواجس سورية من إستراتيجية واشنطن ضد «داعش»

تنشغل دوائر صنع السياسة في سوريا، في محاولة تقييم احتمالات الوضع السياسي، وما ينطوي عليه من مخاطر إضافية اتجاه سوريا، في ظل اندفاع الأميركيين لتأسيس «تحالف دولي ضد الإرهاب»، والذي تخشى دمشق أن يكون أشبه بنواة جديدة لما سبق وسمي بمجموعة «أصدقاء سوريا»، تتعدى أهدافه مكافحة المد التكفيري لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش»، نحو تقوية حلفاء الغرب على الأراضي السورية.
وينحو تفكير دمشق الرسمي على أن الحرب ضد «داعش» ستأخذ منحى وعراً، لا يصيب التنظيم الإرهابي فحسب، بل يحاول ارتجال مسارات جديدة في الأزمة السمسلحون على دبابة خلال الاشتباكات مع القوات السورية في القنيطرة امس (ا ف ب)ورية. وكما كان متوقعاً، تراجع الرهان إلى أبعد زاوية من احتمال إشراك دمشق في التحالف الدولي الإقليمي الجاري تكوينه لمكافحة «داعش»، والذي كان إلى وقت قريب يشكل منفذاً واقعياً لعودة التنسيق الدولي الأمني، ثم السياسي، مع سوريا، ويشكل نافذة دمشق للخروج دولياً من أزمتها الراهنة.
وأعلنت الخارجية السورية لهذه الغاية صراحة تأييدها للقرار الدولي 2170، مشيرة إلى ترحيبها بكل الجهود الرامية لمواجهة «الدولة الإسلامية» ورغبتها في الانضمام إليها، إلا أن واقع الحال الآن، أن هذا القرار بدأ يثير ريبة عسكرية، بالنظر إلى رغبة الدول الإقليمية والغربية في إقصاء كل من دمشق وطهران عن التحالف المعادي لـ«داعش»، والتنسيق مع خصومهما بدلا عن ذلك.
ويعتقد سياسيون في دمشق، وفق ما اطلعنا عليه، أن إستراتيجية واشنطن ستقوم على دعم ما تبقى من فصائل «حية» في «الجيش الحر» في المنطقة الشمالية الشرقية، وستشجع غيرها من الفصائل في مناطق أخرى على الانضمام لهذه الحرب.
وستبنى الإستراتيجية الأميركية، وفق هذا التحليل، على ضعف «داعش» المأمول في العراق لجمع أكبر عدد من المؤيدين لخصومه في سوريا، وبينهم قوى سبق وبايعت «الدولة الإسلامية» في لحظات قوته، بحيث تمنحها التغيرات في موازين القوى فرصة جديدة للعودة إلى المعسكر الثاني.
كما ستبرز «حركة حزم»، التي سبق وتلقت أسلحة أميركية متطورة، على هذه الأجندة، ولا سيما في ريفي حلب ودرعا بشكل خاص، كما تتصدر «الجبهة الإسلامية» مجددا قائمة الحلفاء المحتملين للتحالف الدولي. والجبهة كما يشاع فصيل مدعوم من السعودية، وتسعى دمشق من دون جدوى حتى الآن لضمها إلى كل من «داعش» و«جبهة النصرة» في التصنيف الدولي، باعتبارها فصيلا إرهابيا مرتبطا بتنظيم «القاعدة»، و«مسؤولة عن ارتكاب مجازر بحق المدنيين».
من جهتها، تراقب دمشق مساعي قطر في تعويم «جبهة النصرة» كبديل محتمل لملء الفراغ الناتج مستقبلا عن اندحار «الدولة الإسلامية»، على الرغم من صعوبات هذا الطموح، بسبب ارتباط «النصرة» الصريح مع «القاعدة»، رغم أنها تقيم علاقات مباشرة، هي الأخرى، مع فصائل «الجيش الحر»، وتشاركها معاركها في حماه ودرعا وريف دمشق.
كما من المتوقع، وفق القراءة ذاتها، أن تتقدم الولايات المتحدة باتجاه العشائر العربية السنية، كما الفصائل الكردية، في الريف الشمالي الشرقي، والتي شكلت مصدر عداء لـ«داعش» خلال المعارك في العام الذي مضى، وبايع بعضها «الدولة الإسلامية» لأسباب، بين أبرزها، «اتقاء شر الوافد العسكري الجديد». ويمكن لهذه العشائر أن تتحرك بفعالية في حال تأمنت لديها قدرة التسليح الكافية، كما الغطاء الجوي، خصوصا بالنظر للامتداد الذي تشكله فروعها في العراق والسعودية.
وسبق للرئيس الأميركي باراك أوباما أن أشار صراحة، منذ يومين، إلى أن «الأمر سيتطلب وقتاً بالنسبة إلينا حتى نكون قادرين على تشكيل التحالف الإقليمي المطلوب من أجل أن نتمكن من الوصول إلى القبائل السنية في بعض المناطق التي يحتلها داعش، والتأكد من أن لدينا حلفاء على الأرض جنباً إلى جنب مع الضربات الجوية التي بدأنا بها».
ورغم أن كلام الرئيس الأميركي جاء في سياق الحديث عن العراق، إلا أنه سبق وضرب على وتر مشابه منذ أسبوعين. حينها قال أوباما كلاما توقفت عنده دمشق، حين تحدث في حوار صحافي عن «حاجة الطائفة السنية (في سوريا كغالبية والعراق كأقلية) إلى خطة تلبي تطلعاتها»، مقترحا معالجة قضية نمو «داعش» من هذه الزاوية، بما يعنيه ذلك من إشراك كل العناصر الإقليمية والمحلية في هذه المعالجة.
رغم هذا، حاولت دمشق استباق ما جرى لاحقا، مع تقدم قوات «داعش» في العراق، بإرسال إشارات سياسية وعسكرية، فاستهدفت طائراتها الحربية، بعشرات الغارات، مواقع التنظيم في الرقة ودير الزور، على الرغم من وجود أولويات أخرى في مناطق اشد خطرا على الدولة، كما في محيط دمشق وجنوب البلاد ووسطها في حماه، كما في القنيطرة التي ينمو تهديدها باطراد. كما خرج وزير الخارجية السوري وليد المعلم، في مؤتمر صحافي، رحّب فيه بالقرار الدولي، رغم الريبة التي لدى دمشق بصدده، كما أعلن حماس سوريا للدخول في أي تحالف دولي، أو إقليمي، لمواجهة الخــطر التكفيري. وشجعت موسكو الخطوة الأخيرة، ودعمتها، كما فعلت إيران، رغم قنــاعة الطرفين أن واشنطن وحلفاؤها ليسوا بصدد دعوة دمشق إلى النادي الجديد.
والواقع أنه ليس ثمة أوهام، لدى القيادة السورية، بصدد أي تحول ستقوم بها واشنطن اتجاهها. وكان سبق لمصدر سوري رفيع المستوى أن أكد، عدم «توافر ظروف تنسيق أو تعاون أمني مباشر مع الولايات المتحدة» حتى الوقت الراهن.
على العكس، ثمة خشية من أن تحاول واشنطن الهروب، مما وصفه بعض مشرعي الكونغرس «بفشل إستراتيجيتها اتجاه سوريا»، بالعودة إلى خيار تسليح ما يسمى بـ«الفصائل المعتدلة»، وهو ما يعني تجدد مشروع «إسقاط النظام بالقوة العسكرية»، وعودة اشتعال الدم مجددا على جبهات عديدة.

زياد حيدر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...