هاجس الأقليات وأهل الشواطئ السعيدة

29-04-2013

هاجس الأقليات وأهل الشواطئ السعيدة

لا يرغب ديبلوماسيو العالم الغربي، على ما يبدو، حتى الآن، في فهم سوريا، فعليا.
يغلب على الغربيين المكلفين بالقضية السورية، هاجس النظر للأقليات في سوريا باعتبارهم كائنات عديمة القوة، سوداوية النظرة، منغلقة ومقتلعة من جذور تاريخية، وكأنما سقطت سهواً في منطقة سوريا الكبرى. يجهد الديبلوماسيون الغربيون في محاورة «ممثلين عن الأقليات» قاموا هم باختيارهم، ولم تنظر إليهم الشريحة الأوسع «القلقة» من منظور غربي، يوما، باعتبارهم من جنسها.مسيحيون يحتفلون بعيد الشعانين في دمشق امس (ا ف ب)
نموذج تجدد في مؤتمر باريس الأخير، لفهم «هواجس» الأقليات، وفك «لغزهم» المحير غربياً، حيث تنحصر الرؤية الغربية في سوريا، ومشكلة أقلياتها بكيفية إقناعها بالتخلي «عن النظام!».
لا يجهد الغربيون أنفسهم في بحث ما يحصل في العراق الآن، ولا الوضع المتأزم في لبنان، ولا حافة الهاوية في الأردن، في السياق العام للأحداث، باعتبار هذه القضايا تفاصيل مهمة في مشهد عام، يهدد المنطقة في أسرها.
كيف يمكن طمأنة «الأقليات» و«الأكثريات» في كل هذه البلدان؟ كيف يختلف مشهد دخول قوات «درع الخليج» لحماية الحكم في البحرين، مع مشاهد أخرى تجري في أمكنة أخرى؟ ينظر الأوروبيون إلى أقليات سوريا باعتبارهم «شعوباً» قلقة، غير منسجمة مع محيطها، وتخاف انقلاباً على تفاهم التعايش القائم. يهز بعضهم رأسه بتناقض صارخ، حين يشار إلى «انتقام محتمل» قد يجري إذا سقط النظام سقوطاً صارخاً. يقول جلهم، بـ«أسف» ملموس، إن «أية مساعدة» لن تأتي بكل حال. يغض الديبلوماسيون والخبراء نظرهم عن المشكلة الحقيقية التي تمثل العقدة الفعلية، في أحداث الشرق الأوسط، وسوريا ليست استثناءً.
على «الشواطئ السعيدة» للإمارات الخليجية المتباهية باستقرارها في محيط مضطرب، يصوّت أهل الإمارات والسعودية وقطر لمتنافسهم «الوحيد»، في مسابقة «عرب آيدول»، المستنسخة، طبعا، عن برنامج غربي مشابه. يبهرج البرنامج متسابقة كردية ويقدمها باعتبارها من «كردستان العراق» لا العراق. تتخلل البرنامج إعلانات لسيارات فاخرة، وجيل هاتف متفوق، وسلع فارهة أخرى، وحين الانتقال بين محطة وأخرى يمكن ملاحظة الاحتفاء إعلامياً بقرار سلطات دبي تسليم الشرطيات سيارات «فيراري» تليق بسمعة دبي الثرية، وتتناسق مع سيارات «اللمبورغيني» التي منحت لزملائهم من الرجال.
على الكوكب الآخر، على بعد كيلومترات عدة، لا يثير خبراء الديبلوماسية الغربية ما يجري في العراق المجاور، من إعلان الخطباء تشكيل «جيش العزة والكرامة» للوقوف في وجه «ميليشيا الشيعة» القادمة من إيران أو الجيش العراقي، أي ذعر، كما لا تحركهم الطموحات الكردية في شمال العراق وسوريا، ولا السعار المذهبي الذي ينفلت يوماً بعد يوم من سيطرة أية شرائع أو نظام. يبقي الديبلوماسي الغربي تركيزه على أثر السياسات، لا على السياسات ذاتها.
لا يهتم هؤلاء لتهديدات الزعيم الروحي لجماعة الإخوان المسلمين يوسف القرضاوي بأن «أهل السنة يشكلون 90 في المئة من الأمة الإسلامية»، محذراً «الأكثرية الشيعية» في البلاد، وفي عموم المنطقة الملتهبة، بل وحتى مستذكراً «خير» حكم النظام البائد. حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين «الأقلوي».
يتجاهل الخبراء ذاتهم، واقع أن شيخ الرعاية القطرية ذاته كان سبق له أن دعا «أهل السنة» للخروج عن حكم «العائلة العلوية» في سوريا منذ عامين تماما.
ديبلوماسية أوروبية بارزة قالت لـنا منذ أسابيع إنها قلقة من أن ثمة توجهاً عالمياً لدعم «الإخوان» كما يبدو. قلقها نابع من رفض صندوق النقد الدولي وهيئات دولية كبرى أخرى إقراض مصر، الأمر الذي يجعل الدولة الأثقل عربياً عرضة لابتزاز «قطر» راعية «جماعة الإخوان المسلمين».
مثال آخر يسوقه ديبلوماسي غربي آخر بعد جلسة نقاش تستمر لساعتين، حين يعيد التساؤل العلني للمرة العاشرة: أين مصلحة الغرب في تزامن حقائق عدة، أولاها قبول الغرب تقوية عنصر الإسلام السياسي، الذي مع الوقت سيشكل قوة ضاربة في ديموقراطياتهم، وبالتالي عنصر تهديد لنسيجهم الاجتماعي والتشريعي؟ وثانيا ما هي المصلحة الأوروبية في موجات الهجرة من الشرق، التي تتكاثف نتيجة انعدام أفق الاستقرار والحرية المدنية في الشرق الأوسط، بما يمثل تهديداً إضافياً؟ الجواب ربما يكمن إلى حد كبير في تنازل سياسيي الغرب عن مصالح استراتيجية، تتعلق بالسلم الاجتماعي المحلي مقابل صفقات مع دول الخليج، التي تتسابق في حصاد نتائج «اللاستقرار العربي» من شمال أفريقيا وحتى بلاد الرافدين.
يقول ديبلوماسي اسباني يميني لـنا إن زمناً قد يأتي لتتكشف أبعاد ما يجري على الصعيد المالي بين بعض إمارات الخليج والمسؤولين الأوروبيين، الذين يجهدون لحفظ مواقعهم الانتخابية في ظل أزمة مالية خانقة. هذا الصمت إزاء السياسات الخليجية المذهبية، ولا سيما القطرية، لا يثير لغطاً معلناً، ولكنه يبني حنقاً خفياً. الحالة الاقتصادية تسكت الجميع الآن، ولا بأس في أن يقوم «المستثمر» القطري في شراء كل ما يمكن شراؤه، حتى تعود الآلة الاقتصادية للعمل. ينقل الديبلوماسي عن رجل أعمال أوروبي يدير نادياً رياضياً ناجحاً، يقع تحت ضغط الطموح القطري الجارف، أن علاقاته في السلطة المحلية، تقوده دائما حين الاستشارة بشأن صفقات محتملة، للجواب ذاته «اتركهم يدفعوا».
في المجلس الباريسي، تحت الرعاية الأميركية الصلفة، تعاود عقدة تمثيل السوريين للظهور، ولا تقود سوى لاستنتاجات محاصصة طائفية لا مفر منها. هذا في حال سقوط النظام، المستبعد. أما الخطر الأكبر، الذي تشعله أوراق العملة الخضراء، ويتسرب عبر النفوس والحدود منقولا بحقائب المال وشاشات الفضائيات وخطب المتطرفين، فليس ثمة من يرغب في رؤيته أوروبياً... وذلك بانتظار الانفجار الكبير.

زياد حيدر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...