مهمة غامضة لـ«الناتو».. تمهيداً لحرب أوروبية على اللاجئين؟

15-02-2016

مهمة غامضة لـ«الناتو».. تمهيداً لحرب أوروبية على اللاجئين؟

عشية اجتماع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي، كان سفير واشنطن لديه يتحدث بامتعاض عن مطلب مشاركة الحلف في مواجهة «أزمة اللاجئين». قال إنه يتوقع أن تعالج مسألة كهذه على بعد بضعة كيلومترات، في مقرّ الاتحاد الأوروبي. بعد 48 ساعة، كان أمر التحرك صدر لثلاث سفن حربية من «الناتو» كي تتوجه، تحت قيادتها الألمانية، إلى الممر البحري بين اليونان وتركيا.مقابر في جزيرة ليسبوس اليونانية للاجئين مجهولي الهوية غرقوا في بحر ايجه (رويترز)
الحديث عن دور سفن «الأطلسي» بقي محاطاً بالغموض. قالت قيادته السياسية والعسكرية إن المهمة ستعمل على المساعدة في مكافحة شبكات التهريب، ولن تنشغل بـ «وقف ودحر قوارب اللاجئين». أثينا كانت لديها نظرة مختلفة، إذ أكدت أن «اللاجئين الذين سيتم إنقاذهم سيُعادون إلى تركيا». أنقرة، كما العادة، لا يؤخذ شيء من أقوالها على محمل الفعل في هذه القضية.
معظم اللاجئين ينطلقون باتجاه اليونان على متن قوارب مطاطية، تنوء بحمل زائد فوق طاقة استيعابها. على هذا النسق، ستحمل أي عملية ملاحقة، من سفن كبيرة، مخاطر عالية بإغراق تلك الإطارات المطاطية. أما اعتراضها، بداعي مكافحة التهريب، فستكون عملية هدفها الصدّ المباشر لإعادة من عليها إلى تركيا، وفق الطرح اليوناني. حقيقة ما سيجري ليست واضحة حتى الآن.
تتحرك اليونان الآن تحت ضغوط أوروبية كبيرة تمارس عليها. إنها تتحمل الآن مسؤولية تمديد الرقابة الداخلية لدى ست دول من منطقة «شنغن»، بعدما كانت بروكسل مضطرة لتبرير هذا الإجراء الاستثنائي بفشل أثينا «الكبير» في السيطرة على حدودها الخارجية. بات الجيش اليوناني يتولى قضية اللاجئين، من أولها إلى آخرها. الضباط اليونانيون على رأس خمس «نقاط ساخنة»، تعمل على الجزر اليونانية كمراكز تسجيل وحصر للاجئين.
يمثل ذلك تغيراً جذرياً في تعاطي اليونان. قبل شهرين تقريباً، حينما سألنا وزير الدفاع اليوناني بانوس كامينوس عن الانتقادات الأوروبية لبلاده، كان معارضاً بشدة لاستخدام الجيش وترك القضية لحرس الحدود وإدارة وزارة الهجرة. قال حينها إن «السيطرة على الحدود من قبل وزارة الدفاع تعني أن نقتل الأطفال، وهذا مستحيل». لكنه الآن بات يتملص من تلك المواقف.
حينما عدنا لسؤاله، يوم الجمعة، عن هذا التناقض، رد بالقول «نستخدم الجيش لعمليات الاستطلاع ومن أجل المراقبة، وللمساعدة في توفير المعلومات لحرس الحدود التركي لإيقاف القوارب قبل مغادرتها»، قبل أن يستدرك بامتعاض «لا نستخدم الجيش والناتو مع قوات مسلّحة لقتل اللاجئين أو المهاجرين، المجرمون والمهربون هم من يقتلون اللاجئين والمهاجرين، والعديد منهم لديهم دعم من الإعلام، وهذا الدعم يجب أن يتوقف الآن».
باتت اليونان عاجزة أمام الضغوط، لدرجة أن وزيرها ما عاد يتورع عن إلقاء مسؤولية مقتل اللاجئين على الإعلام. لم يتحدث عن مسؤولية السلطات التركية، فالمرحلة المقبلة ستشهد تعاونهما في إطار مهمة «الناتو». الحساسية التاريخية محفوظة، وسفن كل دولة ستعمل مع الأخرى من دون أن تتجاوز مياهها الإقليمية.
انطلاق مهمة «الناتو» لمكافحة اللجوء استبقت أسبوعاً حافلاً بنقاش القضية: رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو سيحضر قمة الزعماء الأوروبيين، يومي الخميس والجمعة، ليخوض في جولة مساومة جديدة. يوم الاربعاء، ستلتقي دول غرب البلقان في اجتماع مخصص لحثها على تنسيق سياسات الصدّ، تحديداً مقدونيا وصربيا.
فعالية المساومة التركية، الأثمان التي تعرض عليهم في المقابل، تجعل دولاً مثل لبنان والأردن تنظر بافتتان إلى نهج أنقرة في استخدام ورقة اللاجئين: مماطلة الأوروبيين ولامبالاتهم، كما بات واضحاً الآن، لا ينفع معهما سوى انتهازي كبير مثل رجب طيب أردوغان. رئاسة الحكومة اللبنانية صارت تتساءل، بصوت عال، هل كان الأفضل الدفع باللاجئين السوريين إلى قبرص؟
 الرئيس التركي نزع كل الأغلفة عن سياسته قبل أيام، حينما هدد الأوروبيين بجعلهم يغرقون بسيل اللجوء، عبر فتح الباب أمام نحو 2.7 مليون لاجئ سوري هم الآن «ضيوف» في بلاده. قال بلهجة إنذار بيّنة «ليس عندنا كلمة أحمق مكتوبة على جباهنا»، قبل أن يضيف «قلنا (للأوروبيين): عذراً، سوف نفتح الأبواب ونقول وداعاً للاجئين».
آخر شيء يريده الأوروبيون الآن هو إغضاب أردوغان، بعدما بات يمسك ورقة ضغط عليهم، يعرف انها لا تقدر بثمن. صاروا الآن يقولون إن المساعدات المالية ستكون مفتوحة، لذا ستكون الثلاثة مليارات يورو الموعودة «مجرد دفعة» كما قالت برلين وبروكسل.
تمتد سياسة الابتزاز التركي لجر الأوروبيين كي يدعموا سياسة أنقرة السورية. طرح إشراك «الناتو» في قضية اللاجئين خرج خلال زيارة أنجيلا ميركل لأنقرة، الأسبوع الماضي، لتكون رحلتها الثانية خلال بضعة أشهر. صار الموقف الألماني، والأوروبي إجمالاً، يتحدث بصوت مرتفع مديناً تحركات روسيا، خصوصاً معركة حلب التي نقلت عشرات آلاف اللاجئين إلى الحدود مع تركيا.
أردوغان لم يعد يسمح الآن بدخول «الإخوة» السوريين، لكنه يمكن أن يفعل «إذا اقتضت الحاجة». حاجة من بالضبط؟ ليس اللاجئون، كما هو واضح من الإصرار على إغلاق الحدود في وجههم. أما من هم داخل تركيا، فالحدود أمامهم مفتوحة إلى أوروبا، حتى حصول أنقرة على صفقة ترضيها. اللاجئون، ببساطة، باتوا رهائن الحسابات التركية، مثلما هم أيضا رهائن الأزمة الداخلية الأوروبية مع اليمين المتطرف.
ازدهار أحزاب اليمين، المعادي للوحدة الأوروبية، جعل وزير الخارجية الأميركي جون كيري يعلن أخيراً أن «أزمة اللاجئين» جعلت الاتحاد الأوروبي أمام «تهديد شبه وجودي». وصلت السياسات التي تغازل جمهور اليمين المتطرف حدوداً خارج كل اعتبار أخلاقي. السطو على أموال اللاجئين بات شرعياً الآن في الدنمارك، تحت عنوان المساهمة في تمويل سياسة اللجوء بالاستحواذ على «الأغراض الثمينة».
الحجة أقبح من ذنب، لكن قسماً معتبراً من المواطنين الأوروبيين يؤيدونها. يرددون تنويعات على هذا المنطق ويجدونه مقنعاً تماماً، بعدما باتوا قادرين على التجرّد من أي حسّ إنساني سليم: ما دخل الهرب من الحرب بالوضع المادي؟ هل تراجع القذائف والصواريخ الجيوب أو الحسابات المصرفية قبل أن تقتل؟ من لا يخالجهم هذا السؤال هم نسبة مؤثرة في الرأي العام، ليس المتطرف بالضرورة. كل هذا ليس خارج حسابات أنقرة أبداً.

وسيم إبراهيم

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...