ملف غزة في الدبلوماسية التركية: المعلن وغيرالمعلن في جولة أردوغان

01-01-2009

ملف غزة في الدبلوماسية التركية: المعلن وغيرالمعلن في جولة أردوغان

الجمل: تناقلت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمنظورة التقارير والمعلومات حول ردود أفعال الرأي العام التركي إزاء العملية العسكرية الإسرائيلية الجارية حالياً في قطاع غزة، وما هو جدير بالملاحظة أن المظاهرات التركية كانت لا تطالب تل أبيب بإيقاف عدوانها وحسب، وإنما كانت تطالب حكومة أنقرة بقطع العلاقات مع تل أبيب.
* السياسة الخارجية التركية: البعد الدبلوماسي الشرق أوسطي:
ظلت تركيا على مدى الفترة الممتدة من انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى عشية انتخابات عام 2002م أكثر انعزالاً –إن لم تكن عدائية- إزاء الأطراف العربية في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي.
بعد طول غياب برز دور العامل الدبلوماسي التركي خلال الفترة الممتدة من لحظة صعود حزب العدالة والتنمية الإسلامي في انتخابات عام 2002م وحتى الآن وما هو لافت للنظر في هذه المرحلة أن تأثير عامل دبلوماسية أنقرة الشرق أوسطية قد تزايد وتجاوز مجرد الاكتفاء بالتصريحات منتقلاً إلى مرحلة النفاذ والخوض في تفاصيل الملفات الشرق أوسطية وبمحاولة التأثير فيها:
• امتنعت أنقرة عن مساعدة أمريكا في غزوها للعراق برغم الاتفاقيات الاستراتيجية التي ظلت تربط طرفي خط أنقرة – واشنطن.
• امتنعت أنقرة عن السماح لأمريكا وإسرائيل باستخدام الأجواء والأراضي التركية في استهداف إيران.
• أدانت أنقرة واستنكرت بشدة قيام الطائرات الإسرائيلية بالمرور في موازاة الأجواء التركية للقيام بضرب أحد المباني السورية الموجودة بالقرب من مدينة دير الزور.
• استدعت أنقرة السفير الإسرائيلي واستفسرت منه حول واقعة قيام الطائرات التركية باستهداف سوريا وتحليقها بموازاة الأجواء التركية.
• توترت العلاقات على خط أنقرة – تل أبيب بعد الانتقادات العنيفة التي وجهها وزير الخارجية التركي علي بابكان للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز.
• امتنعت تركيا عن مشاركة واشنطن في دبلوماسية عزل سوريا ولم تقف موقف الحياد وإنما سعت لتعزيز روابطها مع دمشق.
• تبنت أنقرة ملف القيام بدور الطرف الثالث لجهة تسهيل وتفعيل المحادثات السورية – الإسرائيلية غير المباشرة.
تزايد البعد الدبلوماسي الشرق أوسطي في تحركات السياسة الخارجية التركية لا يمكن اعتباره أمراً سهلاً بالنسبة لأنقرة لأنه جلب لها الكثير من التوترات والتصعيدات في علاقاتها وروابطها مع محور واشنطن – تل أبيب.
* دبلوماسية أنقرة وملف أزمة غزة:
على خلفية العملية العسكرية الإسرائيلية الجارية حالياً ضد قطاع غزة، فقد برزت العديد  من ردود الأفعال التركية التي لا يمكن المرور دون التوقف عندها ومحاولة القراءة في خلفياتها وتداعياتها وما يمكن أن تشكله من قيمة مضافة جديدة تعطي المزيد من الزخم والطاقة لديناميكية دبلوماسية أنقرة الشرق أوسطية إضافة إلى فهم ما هي المساعدات التي يمكن تقديمها لأنقرة بحيث تبتعد أكثر فأكثر عن محور تل أبيب – واشنطن بما يمهد لإدماج أنقرة ضمن بيئتها الشرق أوسطية. هذا، ويمكن الإشارة إلى أبرز ردود أفعال أنقرة إزاء العملية العسكرية الإسرائيلية على النحو الآتي:
• المظاهرات الشعبية التركية المطالبة بقطع العلاقات مع إسرائيل.
• تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان التي تطرقت إلى توجيه الانتقادات الشديدة لتل أبيب.
إضافة لذلك، يمكن ملاحظة النقاط الآتية في أداء دبلوماسية أنقرة الحالي إزاء ملف الأزمة:
• وصف العملية العسكرية ضد قطاع غزة بأنها تشكل إساءة لجهود السلام التركية.
• توجيه أردوغان الاتهامات لأولمرت بأنه لم يحترم اتفاقه مع أردوغان خلال زيارته الأخيرة لأنقرة.
• المبادرة السريعة بإرسال المساعدات لغزة.
• المبادرة السريعة بإجراء التحركات في المنطقة.
• قيام رئيس الوزراء التركي أردوغان شخصياً بإجراء التحركات الدبلوماسية.
هذا، ويندرج ضمن الملاحظات الهامة أيضاً أن حزب الشعب الجمهوري التركي قد اضطر –على غير العادة- إلى التخلي عن مساندة محور تل أبيب – واشنطن والإعلان عن إدانته للعملية العسكرية الإسرائيلية واصفاً الغارات الجوية الإسرائيلية بأنها تندرج ضمن الممارسات الإرهابية العالمية.
موقف حزب الشعب الجمهوري التركي لم يأتي من فراغ، وإنما جاء نتيجة لإدراك هذا الحزب ضرورة المفاضلة بين خيار الوقوف إلى جانب الرأي العام أو وقوفه إلى جانب محور تل أبيب – واشنطن لأن التطورات السياسية التركية الجارية تؤكد بكل وضوح على أن خيار الوقوف مع واشنطن وتل أبيب هو السبب الرئيس وراء خسارة حزب الشعب الجمهوري للانتخابات الماضية وإذا استمر الحزب في الرهان على هذا الخيار فإن الموت السياسي سيكون من نصيبه.
* ماذا تحمل دبلوماسية أردوغان: الأبعاد المعلنة وغير المعلنة:
أولاً: الأبعاد المعلنة:
تقول صحيفة زمان اليوم التركية أن الرئيس أردوغان يسعى إلى حشد وتعبئة الأطراف العربية من أجل الدفع باتجاه الهدنة في قطاع غزة، وأضافت صحيفة تيركيش ويكلي النقاط الآتية:
• قرر الرئيس التركي عبد الله غول الذهاب لإسرائيل بعد توقف القتال.
• مطالبة وزير الخارجية التركي علي بابكان للإسرائيليين بالتوقف الفوري عن العملية العسكرية والأعمال العدوانية.
• مغادرة رئيس الوزراء التركي أردوغان إلى بلدان الشرق الأوسط في جولة تهدف لزيارة: سوريا، الأردن، السعودية، مصر، بهدف إجراء المشاورات والتفاهم حول سبب إحلال السلام في المنطقة.
ثانياً: الأبعاد غير المعلنة:
نلاحظ أن تحركات دبلوماسية أنقرة الوقائية قد أخذت طابعاً أكثر اختلافاً من دبلوماسية الاتحاد الأوروبي لجهة الآتي:
• الالتزام بالتحركات الميدانية.
• الالتزام بمستوى التمثيل العالي فالذي قام بالجولة هو رئيس الوزراء وليس وزير الخارجية أو خلافه.
• الالتزام بتبني موقف صريح لجهة إدانة العملية العسكرية العدوانية الإسرائيلية.
إضافة لذلك، نلاحظ أن مضمون دبلوماسية أنقرة الوقائية لم يتجاوز مضمون دبلوماسية الاتحاد الأوروبي الوقائية لأن مسار دبلوماسية أنقرة تطرق إلى الهدنة ومسار دبلوماسية الاتحاد الأوروبي تطرق كذلك إلى الهدنة مع ملاحظة أن أنقرة تطرقت لموضوع كيفية إحلال السلام والاتحاد الأوروبي تطرق لموضوع كيفية استغلال الهدنة لجهة الدفع من أجل تطويرها إلى وقف لإطلاق النار.
تحركات الدبلوماسية التركية تحمل الكثير من الجوانب والتداعيات الإضافية على مستقبل علاقات أنقرة مع دول المنطقة، فقد ظلت دبلوماسية واشنطن تحاول إبعاد أنقرة عن دمشق من جهة والعمل من الجهة الأخرى على إبعادها من حلفاء أمريكا الآخرين، وعلى وجه الخصوص: الرياض، القاهرة، عمان.. والهدف من ذلك هو قطع الطريق على توجهات أنقرة بإعادة إدماج نفسها في بيئتها الإقليمية سواء مع حلفاء أمريكا أو مع خصومها.
ولكن، حالياً، وعلى خلفية التفاهمات الأمريكية – التركية الأخيرة حول ملف كردستان وملف منطقة القوقاز ومنطقة بحر قزوين ومنطقة البلقان وهي التفاهمات التي تشير إلى حدوث صفقة على خط أنقرة – واشنطن ترتب عيها تقديم مليارات الدولارات على شكل معونات لأنقرة، فهل يمكن اعتبار تحركات أنقرة الحالية بمثابة عمل يندرج ضمن ملفات خط واشنطن – تل أبيب أم أن أنقرة قررت التحرك شرق أوسطياً باستقلالية كاملة بما ينقل الرسائل والإشارات الجديدة إلى واشنطن بأن مواقف أنقرة من ملفات الشرق الأوسط ستظل كما هي وأن على واشنطن تقديم التنازلات إن أرادت خاصة وأن أنقرة سوف لن تستطيع تجاوز توجهات الرأي العام التركي الداعم والمساند للحقوق العربية المشروعة في معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...