مخاطر اتفاقية وضع القوات الأمريكية في العراق في حال توقيعها أو رفضها

26-11-2008

مخاطر اتفاقية وضع القوات الأمريكية في العراق في حال توقيعها أو رفضها

الجمل: كشفت حركة الاستقطاب السياسي عمليات الفرز السياسي – المذهبي التي تمحورت حول ملف اتفاقية وضع القوات الأمريكية في العراق عن احتمالات كبيرة بأن تشهد الساحة العراقية جولة جديدة من العنف السياسي المرتفع الشدة.
* بين "التصويت على الاتفاقية" و"منعطف الاتفاقية":
اختلف العراقيون كثيراً حول اتفاقية وضع القوات الأمريكية في العراق وبرغم أن الهدف الأساسي الذي ترمي إليه الاتفاقية واضح، وهو استمرار بقاء القوات الأمريكية في العراق، فإن الخلاف حول الاتفاقية قد كشف عن موقفين متمايزين أهمها:
• خلاف تحالف المتعاملين العراقيين المسيطر على بغداد من جهة تقابله من الجهة الأخرى إدراك هؤلاء المتعاملين أن بقاءهم واستمرار سيطرتهم يرتبطان حصراً بوجود واستمرار القوات الأمريكية في العراق.
• خلافات الرأي العام العراقي تنسجم مع الخطوط العامة للانقسام الثلاثي الإثنو-ثقافي: الأغلبية العظمى من السنة والشيعة العراقيين ترفض بقاء القوات الأمريكية والأغلبية العظمى من الأكراد العراقيين تؤيد استمرار بقاء قوات الاحتلال.
وبكشف تحليل ومعايرة هذين الموقفين المتمايزين عن المزيد من خطوط التفكك والانفصال ليس بين الكتل العراقية وإنما داخل هذه الكتل نفسها:
• الخلافات الشيعية – الشيعية حول اتفاقية وجود القوات الأمريكية ترتبط بالمواقف الفرعية الآتية:
- موقف المرجعية الدينية الطائفية الذي لم يحدد رأياً قاطعاً وإنما حدد فقط أن الموقف الموحد هو الشرط الضروري – الشرعي اللازم لجهة القبول أو عدم القبول باستمرار بقاء القوات الأمريكية.
- موقف النخب السياسية لم يكن موحداً فالتيار الصدري أعلن رفضه، وتيار المجلس الأعلى للثورة الإسلامية أعلن قبوله إضافة إلى موقف إيران الذي اتضح أنه يتضمن قدراً كبيراً من الذرائعية فهو من جهة يقبل ببقاء القوات الأمريكية طالما أن بقاءها يتم عبر صفقة تقوم على أساس اعتبارات قبول أمريكا بالتعايش مع إيران الإسلامية النووية، وهو من جهة أخرى يرفض بقاء القوات الأمريكية في العراق، إذا كان يهدف إلى استهداف إيران وإضعاف القوى الشيعية المؤيدة لإيران المصحوب بتعزيز وصعود القوى السنية العراقية.
• الخلافات السنية – السنية حول اتفاقية وجود القوات الأمريكية ترتبط بالمواقف الآتية:
- المخاوف من الدخول في مواجهة شامة مع الشيعة العراقيين.
- مدى مصداقية تعزيز الروابط مع السعودية والدول الخليجية.
- مدى احتمالات صعود الحركات السنية الأصولية داخل المناطق السنية.
• الإجماع الكردي حول اتفاقية وجود القوات الأمريكية يرتبط بالمواقف الفرعية الآتية:
- مخاطر الدخول في مواجهة جديدة مع تركيا.
- الحفاظ على المكاسب الإقليمية التي وفرت لإقليم كردستان نظرياً وضع "الاستقلال الذاتي" ووضعاً شبيهاً بالانفصال.
- الحفاظ على استمرار المساندة المتبادلة بين قوات البشمركة وقوات الاحتلال الأمريكي وهو وضع سينتهي في حال خروج القوات الأمريكية.
- عدم إعطاء الفرصة لقيام تحالفات أمريكية – شيعية أو أمريكية – سنية، لأن ذلك من شأنه أن يتيح لواشنطن التحرك والمفاضلة والمناورة بين مجموعة من البدائل.
هذا، وبرغم الخلافات والمواقف المتباينة فإن التقاطع الوحيد الذي يجمع بين أطراف تحالف المتعاملين العراقيين هو أن بقاءهم يرتبط ببقاء القوات الأمريكية وبالتالي فإن التفسير الأفضل لسبب خلافاتهم يتمثل في تباين المواقف حول الكيفية التي يمكن أن يتم بها تمرير سيناريو إبقاء القوات الأمريكية في العراق دون أن يؤدي ذلك إلى توليد المزيد من أنشطة المقاومة الوطنية العراقية ضد الاحتلال الأمريكي والمتعاملين العراقيين ومن الشواهد على ذلك:
• انزلاق الحوار داخل أروقة "المنطقة الخضراء" باتجاه وصف اتفاقية وضع القوات بأنها تهدف إلى إخراج القوات الأمريكية طالما أنها تتضمن الإشارة إلى تاريخ محدد لانسحاب القوات الأمريكية من العراق.
• الاستخدام المتزايد لمعطيات "نظرية دواعي الأمن" وتصوير ملف بقاء القوات الأمريكية في العراق باعتباره سيساعد على تحقيق الأمن والاستقرار طالما أن القدرات العراقية الضعيفة لن تستطيع السيطرة على الأوضاع في حال انسحاب القوات الأمريكية.
• اللجوء المتزايد لتوسع الحراك الدبلوماسي الإقليمي على خطوط بغداد – دمشق، بغداد – أنقرة، بغداد – عمان، بغداد – طهران، بغداد – الرياض، بغداد – الكويت، بغداد – واشنطن، علماً أن جميع هذه الأطراف تدرك النوايا الحقيقية شبه المعلنة لتحالف المتعاملين العراقيين والهادفة لإبقاء وانتشار وإعادة انتشار القوات الأمريكية في العراق بما يعزز سيطرة واشنطن على العراق ويعزز قدرة البنتاغون على تنفيذ ما ينوي تنفيذه من مخططات إزاء المنطقة.
وعلى خلفية هذه النقاط يمكن القول بكل وضوح أن تمرير اتفاقية وضع القوات الأمريكية في العراق هو تمرير يهدف إلى إبقاء الوضع التكتيكي الحالي لتوازن القوى الذي يضبط معادلة الدور والمكانة ومعادلة الفرص والمخاطر الخاصة بأطراف معادلة العملية السياسية العراقية الجارية ضمن أطراف المنطقة الخضراء.
* لعبة بوش الأخيرة: أخذ المنطقة الخضراء إلى حافة الهاوية:
تحدث الأدب السياسي – الاستراتيجي كثيراً عن تكتيك حافة الهاوية وهو تكتيك برع في تطبيقه الخبراء الأمريكيون كثيراً وتقول نظرية حافة الهاوية بكل بساطة بأن يسعى أحد الأطراف إلى دفع الطرف الآخر المشتبك معه إلى حافة الهاوية، وذلك على النحو الذي يجعل من نتيجة استمرار الصراع الحتمية هي "خاسر - خاسر"، أي وضع الخصم في مواجهة الخسارة، وجعله يلتقط ويعمم مغزى الإشارة القائل بأنه لا فائدة من استمرار الصراع لأنني إذا خسرت فإنك ستسقط معي في الهاوية، وبالتالي دعنا نحاول الاتفاق على صيغة تجعل الصيغة "رابح - رابح". وبكلمات أخرى، أعلن بوش للمتعاملين العراقيين بكل وضوح بأن محور واشنطن – بغداد يقف على حافة الهاوية وبأن عدم تمرير الاتفاقية معناه السقوط في الهاوية طالما أن القوات الأمريكية ستخرج من العراق، إضافة إلى أن تحالف المتعاملين العراقيين سيخسر "عرش" بغداد، وربما ينتهي الأمر برموز المتعاملين العراقيين بأخذهم إلى المحاكم ومواجهة العقاب الذي لن يكون رحيماً بهم بأي حال من الأحوال، وبالتالي فإن عليهم تمرير الاتفاقية لا أكثر ولا أقل، حتى تتحول النتيجة من "خاسر - خاسر" إلى "رابح - رابح".
* إدارة الأزمة داخل وخارج المنطقة الخضراء:
تحليل الوضع الميداني الراهن يشير إلى أن صيغة معادلة التطابق الشكلي بين حسابات التوازن داخل المنطقة الخضراء وحسابات التوازن خارجها، سوف لن تجدي نفعاً خلال الفترة القادمة سواء تمت إجازة الاتفاقية أو تم رفضها وضمن هذا المنظور يندرج الآتي:
• إن تمرير الاتفاقية سيصطدم بـ:
- تزايد أعمال المقاومة الوطنية العراقية المسلحة والسياسية.
- تزايد معارضة الرأي العام الأمريكي الذي سيضع الإدارة الأمريكية الجديدة والكونغرس باتجاه قرار سحب القوات الأمريكية من العراق.
- تعمدت إدارة بوش إعطاء اتفاقية وضع القوات وضعاً تنفيذياً يحصرها ضمن نطاق اختصاصات الإدارة الأمريكية وذلك تفادياً لبعضهما أمام الكونغرس الذي قد يرفضها إذا حاولت إدارة أوباما الإبقاء على الطبيعة البيروقراطية – التنفيذية للاتفاقية، فإنها ستضطر عاجلاً أم آجلاً إلى عرضها أمام الكونغرس إما بسبب تزايد الخسائر أو بسبب طلب الموافقة على ميزانيات تمويل الحرب التي تتم حصراً بموافقة الكونغرس.
- لن يستطيع حلفاء أمركا داخل العراق وعلى وجه الخصوص تحالف أربيل – السليمانية الحصول على المزايا التي يريدها من بقاء القوات الأمريكية لأن مستقبل إقليم كردستان العراقي قد تم حسم مصيره ضمن صفقة أنقرة – واشنطن الأخيرة التي أكدت على عدم ضم كركوك وإعطاء تركيا دوراً في مستقبل كردستان حيث تقوم السلطات التركية حالياً ببناء جامعة تركية شمال العراق، وأخيراً إعطاء تركيا حق الردع وشن الضربات الاستباقية ضد كل ما ترى بأنه يهدد أمنها في شمال العراق.
- لن يستطيع حلفاء أمريكا من السنة الحصول على الحماية اللازمة من القوات الأمريكية طالما أن بعض الفصائل الشيعية ستضع القوات الأمريكية أمام خيارين، فإما الاستمرار في استهداف الحركات السنية أو استهداف القوات الأمريكية.
- لن يستطيع حلفاء أمريكا الشيعة السيطرة على جنوب العراق لأن سيطرة خصوم أمريكا على هذه المناطق أكبر وأقوى.
• إن عدم تمرير الاتفاقية سيترتب عليه الآتي:
- عدم قيام إدارة بوش بتنفيذ قرار سحب القوات الأمريكية فوراً من العراق والانتظار ريثما يتم تشكيل الإدارة الجديدة وتقول المعلومات والتسريبات الحالية بأن معسكر الصقور يسعى حالياً للالتفاف على انتصار الحزب الديمقراطي عن طريق استخدام الوسائل البيروقراطية بما يترتب عليه تشكيل إدارة أمريكية ديمقراطية تتبنى نفس توجهات إدارة بوش ولكن بالوسائل الأخرى. وحالياً فقد نجح معسكر الصقور في تعيين هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية وإبقاء روبرت غيتز وزيراً للدفاع. وتشير التسريبات إلى أن معظم المناصب الرئيسية في الإدارة الأمريكية الديمقراطية الجديدة ستكون انتماءاتها إلى الجناح المعروف باسم معسكر "الكنتونيين" الذين ظلوا طوال فترة الحملة الانتخابية داخل الحزب الديمقراطي يساندون المرشحة هيلاري كلينتون ولكنهم بعد خسارتها لترشيح الحزب الديمقراطي عملوا بقوة في دعم المرشح أوباما. وبالتالي ففي حالة سيطرة الكنتونيين على الإدارة الجديدة فإن إدارة بوش سوف لن تصدر قرار الانسحاب وستحاول السعي لنقل الملف للإدارة الجديدة والتي ستلجأ لأسلوب المطاولات وسياسة كسب الوقت بما يؤدي لبقاء القوات الأمريكية في العراق لفترة أطول.
وعلى الصعيد الداخلي ستقل التوترات داخل الساحة العراقية ولكن لفترة مؤقتة وذلك لأن عدم استجابة الإدارة الأمريكية لسحب القوات سيترتب عليه تزايد أنشطة المقاومة بما سيؤدي بالضرورة إلى توتير العلاقات بين الأطراف العراقية المؤيدة والمعارضة لبقاء القوات الأمريكية. وتشير الإحصائيات السياسية داخل البرلمان العراقي الذي يضم 275 نائباً، إلى الأرقام الآتية:
• النواب العراقيون المؤيدون للاتفاقية يبلغ عددهم 136 نائباً، منهم 83 نائباً ينتمون إلى قاعدة التحالف العراقي الموحد و53 ينتمون إلى قائمة تحالف كردستان.
• النواب العراقيون المعارضون للاتفاقية يبلغ عددهم 139 نائباً، منهم 56 نائباً سنياً، و79 نائباً من اتجاهات أخرى.
العدد الكلي هو 275 نائباً، وهذا معناه أن تمرير الاتفاقية يتطلب الحصول على مساندة أصوات 138 نائباً وبالتالي فإن من السهولة بمكان الحصول على العدد المطلوب عن طريق إقناع نائبين فقط وهو أمر يمكن أن يتم بمنتهى السهولة في ظل "نوعية" أعضاء البرلمان حيث أن معظمهم يمكن التعامل معه بطرق غير الحوار والتفاهم بل بالمال السياسي وما شابهه.
برغم ذلك فقد أظهر نوري المالكي مخاوفه الشديدة من جراء إجازة الاتفاقية بأغلبية عضوين أو ثلاثة، قائلاً بأن الاعتماد على الأغلبية القليلة تلك سيترتب عليه خطر انقسام البرلمان العراقي، وهو أمر سيتردد صداه في أوساط الرأي العام العراقي إضافة إلى تزايد الخلافات داخل البرلمان إزاء الملفات الأخرى كالميزانية وما شابهها.
لقد شكلت اتفاقية وضع القوات الأمريكية في العراق منعطفاً جديداً لجهة أنها كشفت عن مدى عمق أزمة مخزونات العنف العراقي الكامن في الهياكل السياسية والمجتمعية العراقية وسيحتاج العراق –حتى إذا خرجت منه القوات الأمريكية- إلى وقت طويل لتصفية حسابات ما خلفته سنوات الاحتلال من تأثيرات أدت إلى "تسميم" القوام الوطني العراقي بأمراض التطرف الطائفي والأصولية والفساد المالي.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...