قراءة في مقالة جون بي ألترمان حول «ترويض سورية»

29-07-2007

قراءة في مقالة جون بي ألترمان حول «ترويض سورية»

الجمل:    نشرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية مقالا أعده جون بي الترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي، ويدور عنوان المقال حول كيفية قيام الإدارة الأمريكية بتدبر الأمر مع القيادة السورية يقول الترمان:
تعتقد إدارة بوش بان القيادة السورية تخادع، وبالتالي فان توجهات وسياسات الإدارة الأمريكية الهادفة إلى قطع كل الاتصالات والروابط مع الحكومة السورية، وتشديد العقوبات هي أمور تهدف وترمي إلى نقل إشارة واضحة بأن الولايات المتحدة تملك القوة العظمى المتفوقة والإرادة العظمى المتفوقة. وبطريقة ما، يمكن ان يتمثل تعليل ذلك، في ان السوريين سوف يتحققون من أن المقاومة تمثل أمراً عديم الفائدة ومن ثم سوف يكفون عن القيام بالتمثيلية التحذيرية والمعارضة الماكرة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
ويقول جون بي الترمان إن زيارته إلى دمشق ونقاشه الذي استغرق ساعة كاملة مع الرئيس بشار الأسد كانت كافية لجعله يقتنع بأن النظام السوري من غير الممكن إفزاعه واخافته بهذه الطريقة.
يقول جون بي الترمان من الممكن أن تكون الحكومة السورية قد أفرطت في تقدير مركزيتها في سياسات الشرق الأوسط والوزن الدبلوماسي ولكنها- برغم ذلك- تعرف كيف تبقى في السلطة هذا وقد امتلأت وفاضت سائر أنحاء الشرق الأوسط بالحوارات والنقاشات حول التغيير الاجتماعي والسياسي والتنمية والتطور الاقتصادي والاستثمار الأجنبي المباشر، وقد كانت القيادة السورية منهمكة بقضايا الأمن والاستقرار.
الرئيس الأسد يتحدث الانجليزية بطلاقة، ويظهر علامات الانفتاح وعلى سبيل المثال فهو يميز بين قضايا سورية (الهامة) عن قضاياها (العاجلة) ويرى جون بي الترمان بان ذلك يمثل واحدة من الخصال السبعة للاشخاص الذين يتميزون بالكفاءة العالية، ويواصل جون بي الترمان مقالته مشيرا إلى أن القيادة السورية تعمل بفعالية في اتجاه استئناف بناء العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة بحلول عام 2009 ويضيف جون بي الترمان قائلا بان السياسة السورية تنظر باهتمام لملف لبنان وملف المفاوضات مع إسرائيل، والحسابات الاستراتيجية المتعلقة بملف العراق.
السياسة الأمريكية تعمل باتجاه النأي عن سورية: فلا يوجد سفير للولايات المتحدة في دمشق، والدبلوماسيين الأمريكيين يحجمون عن القيام بالاتصالات العادية مع رصفائهم السوريين، والسوريون على الجانب المقابل يقفون بتحفظ ويضيف جون بي الترمان بأن الصحفيين في دمشق يتبادلون الهمسات بأن السوريين لا يرغبون في التضرع والتوسل لواشنطن، وبالتالي لم يقم المسؤولون السوريون بالكف عن زيارة واشنطن وحسب، بل وحتى الوفود غير الرسمية قد توقفت أيضا.
يقول جون بي الترمان في الوقت الذي يتحدث فيه المسؤولون السوريون عن مركزيتهم في (إيجاد الحلول) في الشرق الأوسط فان سجل الحكومة – كما يزعم الغرب وأمريكا وإسرائيل- في القيام بزعزعة المنطقة الإقليمية أصبح سجلا مسيطرا على الانطباع ويضيف الكاتب قائلا بان هناك ثلاثة أسباب – على الأقل- تقف وراء التعاون السوري هي:
• اولا: برغم كل الخلافات فإن الحكومة السورية والولايات المتحدة يتقاسمان طائفة من المصالح فلا أحد منهما يرغب في رؤية العراق وهو ينحدر إلى الفوضى والتفكك ولا أحد منهما يرغب في صعود الحركة الجهادية في الشرق الأوسط.
• ثانياً: لا يوجد دليل يؤكد بأن سورية المعزولة سوف تكون بمثابة سورية المرنة الطائعة القابلة للتكييف- بواسطة الآخرين. فالحكومة السورية قادرة على البناء بلا نهاية، والولايات المتحدة ليست على وشك القيام بغزو سورية، وفي الوقت الذي يمكن أن تؤدي فيه ضغوط الولايات المتحدة إلى تقليل معدل النمو السوري فان نظرة سريعة لما حول  دمشق تؤكد بوضوح أن النمو الاقتصادي ليس من الأوليات بالنسبة للحكومة.
• ثالثاً: بامكان الولايات المتحدة وسورية المضي قدما في سلسلة من الجهود المتوازية تحقيقا للمصالح المشتركة وبمرور الزمن من الممكن بناء الثقة لجهة تقفي وتشبع الغايات والمقاصد المشتركة وإذا لم يتم ذلك فإن الولايات المتحدة يمكن أن تبتعد وتنأى عن سورية دون إضرار بمكانتها أو وجاهتها.
بالفعل فالخوف من الفشل والإخفاق الذي يمتلك المسؤولين الأمريكيين هو أمر صعب الإدراك والتعليل وقبل أشهر قليلة ماضية أخبرني مسؤول أمريكي كبير أن الولايات المتحدة مترددة في الحديث مع سورية وذلك بسبب اعتقادها بأن السوريين سوف يطلبون تنازلات غير مقبولة من الولايات المتحدة حول لبنان ويضيف جون بي الترمان متسائلا: كيف عرف المسؤولون الأمريكيون ذلك؟ ولماذا ليس بإمكان – الأمريكيين- أن يقولون لهم لا؟
ويخلص جون بي الترمان بأن المشكلة تتمثل في الآتي: إدارة بوش تسعى إلى تعديل وتثبيت العلاقات مع سورية ولكن – كل ما تراه- هذه الإدارة هو الغضب والتهديد والمروق- إزاء دمشق- والتطلعات المستقبلية هي بالفعل غير جيدة ولكن إذا كانت استراتيجية الولايات المتحدة تهدف إلى (إدارة) الممارسات السورية عن طريق الثقة التي يأتي مصدرها من قوة الولايات المتحدة الهائلة فإن الإمكانات سوف تكون واسعة المدى، فالولايات المتحدة قوة عظمى.. وعليها أن تتصرف بما ينسجم مع ذلك.
وعموما لقد تضمنت مقالة جون بي الترمان (الخبير بشؤون الشرق الأوسط في أحد أكبر مراكز الدراسات الأمريكية) الكثير من نقاط القوة، ونقاط الضعف.
أولا: نقاط القوة في تحليل الخبير جون بي الترمان تتمثل في (إدراك) الترمان في إقراره بالحقائق الآتية:
- كفاءة ومهارة وتميز الرئيس السوري بشار الأسد.
- ان الطريقة التي تتعامل بها الإدارة الأمريكية لن تؤدي إلى إفزاع أو إخافة سورية.
- ان العقوبات الأمريكية المشددة يمكن أن تقلل من معدل النمو الاقتصادي السوري ولكن ذلك لن يؤثر كثيراً.
- ان هناك مصالحاً مشتركة بين سورية وأمريكا وهي موجودة سواء قبلت أو رفضت إدارة بوش.
- ان السوريين لن يتضرعوا لواشنطن.
- ان هناك انطباعاً (مسيطراً) على المسؤولين الأمريكيين حول سورية.
• ثانياً: نقاط الضعف في تحليل الخبير جون بي الترمان:
نقاط الضعف التي برزت في هذا التحليل كثيرة، وعلى ما يبدو فإن هناك نقاط ضعف برزت بسبب (تعمد) الكاتب الإشارة إليها، وأخرى برزت بسبب ضعف إدراك الخبير جون بي الترمان لقضايا علم العلاقات الدولية، وبالتالي عجزه عن إسقاطها بشكل علمي وسليم على علاقات دمشق- واشنطن خاصة (الديناميكيات) والمحفزات التي تحرض واشنطن على (النأي) والابتعاد عن بناء الروابط مع سورية:
أبرز نقاط الضعف يتمثل في الآتي:
- لم يقم الخبير جون الترمان بموازنة ومعايرة معطيات (الدور) و(المكانة) في التأثير على علاقات دمشق- واشنطن، وركز فقط على (مكانة) الولايات المتحدة كـ(قوة عظمى).. وغاب عن جون الترمان (مكانة) سورية الجيو- سياسية) في المنطقة، والتي تتفرع إلى جانبين في غاية الأهمية، لن تستطيع ولو اجتمعت كل القوى العظمى والكبرى (أمريكا- روسيا- الصين- فرنسا- وبريطانيا) السيطرة عليها.., أول الجوانب يتمثل في الموقع الجيوستراتيجي، وعبقرية الموقع والمكان التي تتمتع بها سورية، وهو أمر يمكن أن يتغير فقط إذا تغيرت مواقع القارات على الكرة الأرضية.. وهذا الموقع يفهم ويعرف كل المختصين بالعلوم السياسية والاستراتيجية بأنه يشكل إضافة حقيقية لقوة سورية مقارنة بقوة الكيانات السياسية الشرق أوسطية الأخرى. والجانب الثاني يتمثل في التأثير الجيوبوليتيكي الذي تستطيع سورية القيام به في المنطقة، وهو تأثير تحاول الإدارة الأمريكية إنفاق مئات المليارات من الدولارات وإرسال مئات الآلاف من الجنوب واستخدام وتوظيف مجلس الأمن الدول والاتحاد الأوروبي، وبرغم كل ذلك كان مصيرها الفشل وقبض الريح.. ولن نقول (من) و(ماذا) و(كيف.. بل نقول: إن قدرة سورية على (حل مشاكل) المنطقة تبلغ أضعاف قدرة الولايات المتحدة الأمريكية.
- لم يتطرق الخبير جون بي الترمان إلى (عملية صنع واتخاذ القرار في السياسة الخارجية الأمريكية إزاء الشرق الأوسط).. وبكلمات أخرى لقد بحث جون الترمان عن (ما الذي يحدث) على المستوى الظاهر بين واشنطن ودمشق، وتحدث أيضاً عن (ما يمكن أن يؤدي إليه ذلك الذي يحدث) لجهة عدم فعاليته في جعل السوريين يغيرون مواقفهم هلعاً وذعراً من واشنطن، ولكنه لم يتحدث عن (الكيفية التي حدث بها ذلك.. أي، كيف يتم صنع واتخاذ القرار إزاء سورية في واشنطن، وتحديداً، ما هو دور مجلس الأمن القومي الأمريكي؟ ما هو دور وزارة الخارجية الأمريكية؟ ما هو دور (حلفاء) أمريكا الآخرين، في المنطقة؟.. ومن هم الذين (ينفردون دون سواهم) بصنع قرار السياسة الخارجة الأمريكية إزاء سورية..
وبغض النظر عن بقية نقاط الضعف، فسوف تظل السياسة الخارجية الأمريكية إزاء الشرق الأوسط عموماً، وإزاء سورية  على وجه الخصوص أمراً ليس لأمريكا سلطة ممارسة إرادتها كـ(قوة عظمى) وسوف تظل الإدارات الأمريكية تابعة سهلة وسلسلة الانقياد لإدارة الأطراف الأخرى غير الأمريكية، وما ينتظره السوريون لبناء العلاقات والروابط مع أمريكا ليس هو عام 2009 الذي سوف تغادر فيه إدارة بوش البيت الأبيض، وإنما هو عودة الإدارة الأمريكية المستقلة في الإشراف على عملية صنع واتخاذ قرار السياسة الخارجية الأمريكية إزاء سورية والشرق الأوسط، وحينها سوف تتوازن معادلة حسابات (الدور) و(المكانة) في علاقات دمشق- واشنطن.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...