سوق الهال الدمشقي: ليس للمعدة رأي سياسي!

24-09-2015

سوق الهال الدمشقي: ليس للمعدة رأي سياسي!

يوحّد سوق الهال الدمشقي المحافظات السورية التي فرَّقتها الحرب عبر جمع محاصيلها الزراعية، العنب الآتي من مناطق تحت سيطرة المسلحين، والبطيخ المزروع في أراضٍ تسيطر عليها «جبهة النصرة»، والبطاطا الناضجة في حقول تحت سلطة الدولة.
يقول فارس (32 عاماً) ممازحاً، وهو يعرض كميّات من البطاطا المزروعة في مدينة الزبداني في ريف دمشق، «حين يتعلّق الأمر بالطعام، يلتقي الجميع، فليس للمعدة رأي سياسي».سوريون يتبضّعون من سوق في دمشق قبل العيد (أ ف ب)
وبرغم أنَّ البطاطا المزروعة في سهول الزبداني تُعدّ الأجود في سوريا، إلّا أنَّ المعارك بين الجيش السوري والمسلحين في المدينة التي تبعد 45 كيلومتراً عن شمال غرب دمشق، لا تجعلها متاحة دائماً. ولكن بعد الهدنة التي تمّ التوصل إليها يوم الأحد الماضي، تمكَّن فارس من إحضار صناديق جديدة من البطاطا، لأنَّ «السائق استطاع الوصول اليوم من دون مشاكل».
ويعود تأسيس سوق الهال إلى مرحلة الاحتلال الفرنسي (1920-1946)، وتمّ تعريب تسميته من اللغة الفرنسية «لي هال» نسبةً إلى سوق ذائع الصيت في باريس. وهو يقع في شرق العاصمة على تخوم حي جوبر، إحدى جبهات القتال، إلّا أنَّ ذلك كله لا يعيق حركة الوافدين إليه لنقل أو بيع منتجاتهم.
يكتظّ السوق الذي لا تتعدّى مساحته الكيلومتر المربع الواحد، بأكثر من 300 متجر بالجملة. في الشوارع الضيقة، تحاول الشاحنات المرور بحمولاتها المختلفة مطلقةً العنان لأبواقها على وقع صراخ الحمّالين والسائقين الممتعضين.
ينقل الحمالون والتجّار بين الساعة السادسة صباحاً ومنتصف النهار، أكثر من 400 طن من الخضار والفاكهة، تمهيداً لنقلها إلى دمشق وكل أنحاء البلاد.
يروي أبو عبدو (30 عاماً) «احتجت إلى 17 ساعة لنقل 15 طناً من الفلفل الأحمر والأخضر في شاحنتي المبردة انطلاقاً من دير حافر في ريف حلب (شمال)، مروراً بالرقة (شمال)، ثمّ تدمر (وسط)»، حيث السيطرة لـ «داعش».
وصل أبو عبدو إلى منطقة «الضمير (شمال شرق دمشق) الواقعة تحت سيطرة الجيش، ومنها إلى السوق». يتابع: «أريد ان أقضي ليلة هنا، ثم سأنقل البندورة إلى مدينة الباب» في محافظة حلب، والتي تقع بدورها تحت سيطرة «داعش».
أبو عبدو لا يخشى التنظيم الإرهابي، باعتبار أن «داعش» يدرك أنّه سينقل في المقابل منتجات غذائية أخرى إلى مناطق تحت سيطرته. كما ينفي حاجته إلى دفع رشى للمرور بشاحنته، فيما يعترف سائقون آخرون بأنَّه لا يمكنهم التنقل قبل دفع مبلغ من المال لعناصر الميليشيات المنتشرين في بعض المناطق.
في سوق الهال، يباع العنب والبندورة من إنتاج محافظة درعا (جنوب)، التي يقع جزء منها تحت سيطرة المسلحين. أمّا البطيخ، فيأتي من جبل الشيخ المحاذي لهضبة الجولان المحتلة، والخاضع لسيطرة «جبهة النصرة».
أمّا إنتاج الكوسى، فمصدره محافظة إدلب التي باتت تحت سيطرة «النصرة» وحلفائها، فيما تنقل الحمضيات إلى سوق الهال من المنطقة الساحلية، التي تقع تحت سلطة الدولة السورية.
البطاطا تنقل أيضاً من محافظة حماة (وسط)، تحت سلطة الدولة، ويأتي البصل من محافظة الحسكة التي تسيطر القوات الكردية على جزء كبير منها في شمال شرق سوريا.
يختصر أبو محمد الوضع بالقول: «يوحّد هذا السوق الرئيسي المحافظات السورية كافة»، بينما يؤكّد «أن مصيبة كبرى ستحلّ، إذا أقفل هذا السوق».
ويقول أبو محمد: «أعمل في هذا المجال منذ ثلاثين عاماً. لم أقفل متجري يوماً حتى في أصعب أيام النزاع. أتلقّى البضائع من أنحاء سوريا كافة، لأنّه على الناس أن تأكل».
ولعلّ سوق الهال هو المكان الوحيد الذي تجتمع فيه سيارات وشاحنات تحمل لوائح تسجيل، عليها أسماء المحافظات السورية كافّة.
يروي ماهر، الوافد مع شاحنته المحملة بالبصل من محافظة الحسكة، تفاصيل رحلته الشاقة. ويقول: «مسافة الـ800 كيلومتر التي قطعتها خطرة بالطبع. سبق ونجوت من قصف للجيش، وتنظيم الدولة الإسلامية أراد ذبحي، ومقاتلو المعارضة أخذوا مني بضائع».
ذلك كلّه لا يمنع ماهر من مواصلة عمله، إذ يضيف «لديّ عشرة أطفال، وأنال مقابل كل حمولة أنقلها مئة ألف ليرة سورية (300 دولار)»، شارحاً: «على كلّ حال، نشعر هنا بأنَّ سوريا لم تنفجر، والناس يلتقون من المناطق كافة ويتبادلون الأحاديث من دون حقد».


 (أ ف ب)

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...