زيارة أوغلو الملتبسة إلى دمشق والتنسيق الأمريكي ـ التركي تجاه الحدث السوري

10-08-2011

زيارة أوغلو الملتبسة إلى دمشق والتنسيق الأمريكي ـ التركي تجاه الحدث السوري

الجمل: سعت التقارير الإخبارية والتحليلات السياسية وتعليقات الخبراء والمراقبين خلال مساء أمس وصباح اليوم لجهة الاهتمام برصد نتائج زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو إلى العاصمة السورية دمشق، وما كان لافتاً للنظر التباين بين تصريحات الوزير داوود أوغلو في دمشق التي سعى من خلالها إلى التعبير عن التفاؤل، وتصريحاته في أنقرا التي جمعت بين التفاؤل وعدم التفاؤل. فما هي طبيعة مهمة الوزير داوود أوغلو في دمشق، وما مدى تأثير نتائج هذه الزيارة على الإدراك الرسمي التركي إزاء الحدث السوري، وكيف يمكن فهم مكونات خارطة الحسابات الاستراتيجية الشرق أوسطية على خلفية حسابات الفرص والمخاطر التعلقة بالحدث السوري؟الرئيس الأسد و الوزير داوود أوغلو
* زيارة وزير الخارجية التركي لدمشق: دبلوماسية وقائية أم دبلوماسية علاجية؟ 
تحدثت التقارير بالصوت العالي عن قيام أنقرا بإرسال وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو إلى دمشق وذلك من أجل توصيل رسالة حازمة، وفي نفس الوقت تحدثت هذه التقارير عن رد فعل دمشق الاستباقي الذي أكد بالصوت العالي بأن رسالة أنقرا الحازمة سوف تقابل بالرد الحازم من دمشق.
وبرغم ذلك، جاءت الكثير من التسريبات الخافتة، والتي تحدثت عن حالة من الاستياء والغضب في أروقة أنقرا، وذلك بسبب قيام وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بإجراء محادثة تلفونية مع الوزير داوود أوغلو، وسعت من خلال هذه المكالمة لجهة التأكيد على الآتي:
•    التأكيد على حرص واشنطن لجهة تقاسم الهموم ووجهات النظر والمواقف مع تركيا في كافة الاعتبارات المتعلقة بالحدث السوري.
•    مطالبة تركيا بتوضيح الموقف التركي الذي سوف تتخذه أنقرا بعد الزيارة.
•    مطالبة تركيا بالعمل على تبني المواقف التي تنسجم مع الموقف الأمريكي إزاء الحدث السوري.
•    مطالبة تركيا بأن تتحرك وتعمل بما ينسجم مع الخطط الأمريكية المتعلقة بالحدث السوري.
هذا وأضافت التسريبات أنه وبعد انتهاء المحادثة التلفونية بين الوزيرة كلنتون والوزير داوود أوغلو ظهر على شاشات الفضائيات التلفزيونية المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية مارك تونير أمام الصحفيين وهو يطلق التصريحات الرسمية الآتية:
•    التأكيد على قيام الوزيرة كلينتون بإجراء محادثة تلفونية هامة مع الوزير داوود أوغلو.
•    التأكيد على أن موضوع وفحوى المحادثة كان يتعلق بملف الحدث السوري.
•    التأكيد على ان الوزيرة كلينتون قد طلبت من الوزير داوود أوغلو القيام بممارسة المزيد من الضغط على دمشق.
•    الإشارة إلى بعض التفصيلات التي وردت في الحادثة التلفونية، منها مطالبة الوزيرة كلينتون للوزير داوود أوغلو بمطالبة دمشق بـ: القيام فوراً بسحب القوات السورية وإعادتها إلى الثكنات ـ القيام فوراً بإطلاق سراح جميع المعتقلين.
•    التأكيد على أن الوزيرة كلينتون قد طلبت من الوزير داوود أوغلو صياغة هذه المطالب ضمن لغة دبلوماسية قوية تنطوي على المزيد من التشدد بما يجعل منها بمثابة رسالة الإنذار النهائي.

*  محادثة الوزيرة كلينتون التلفونية: إشكالية رد الفعل العكسي التركي.   
 على خلفية محادثة كلينتون ـ داوود أوغلو، كتب المحلل السياسي التركي سيرفيث باتاناما تحليلاً مثيراً للاهتمام نشرته اليوم صحيفة زمان اليوم التركية الوثيقة الصلة بحزب العدالة والتنمية الحاكم وزعيمه رجب طيب أردوغان، واشار التحليل إلى النقاط الآتية:
•    أدت المحادثة التلفونية إلى خلق مشكلة أو بالأحرى أزمة في تفاهمات خط انقرا ـ واشنطن المتعلقة بالحدث السوري.
•    نظرت المزيد من الأوساط الرسمية التركية إلى المحادثة باعتبارها محاولة أمريكية تهدف إلى هندسة الموقف الدبلوماسي التركي المتعلق بسوريا بشكل استباقي.
•    إن قيام الوزيرة الأمريكية كلينتون بمخاطبة نظيرها التركي بالتلفون والسعي لجهة المطالبة بتبني الموقف الأميركي، إضافة إلى استفسارها عن مالذي سوف تقوم به تركيا إزاء سوريا بعد الزيارة، اعتبر أمر ينطوي على "تطفل" و"فضول" لا يمكن لدولة مثل تركيا أن تقبل به.
•    إن قيام وزارة الخارجية الأمريكية بترتيب سيناريو تضمن قيام الوزيرة كلينتون بمحادثة تلفونية مع نظيرها الوزير التركي، أعقبه مباشرة بعد انتهاء المحادثة قيام المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية مارك تونير بإطلاق مؤتمر صحفي تحدث فيه صراحة عن قيام الوزيرة كلينتون بتوجيه الوزير التركي داوود أوغلو، هو سيناريو وإن كان يطرح من جهة قيام واشنطن بالمضي قدماً في ممارسة الضغط على دمشق، فإنه في نفس الوقت من الجهة الأخرى يطرح قيام واشنطن بممارسة الضعوط على أنقرا لكي تقوم بالضغط على دمشق!!
•    إن قيام الوزير داوود أوغلو بتوصيل رسالة تركية إلى دمشق هو شأن تركي يندرج ضمن مبادرة أنقرا،  وبالتالي، بأي حال من الأحوال لا ينقل رسالة أمريكية، ولا يندرج ضمن أي مبادرة أمريكية.
هذا وأضاف تحليل المحلل السياسي التركي سيرفيث ياتاناما الذي نشرته صحيفة زمان اليوم قائلاً، بأن محادثة الوزيرة كلينتون التلفونية التي تمت مساء أمس الأول الإثنين، أي عشية زيارة الوزير داوود أوغلو إلى دمشق، لم تكن هي المحادثة الأولى التي سعت من خلالها واشنطن لجهة التطفل على أنقرا وممارسة الوصاية والابتزاز على قرار السياسة الخارجية التركية المتعلق بملف الحدث السوري، ففي نهار يوم الإثنين ـ أي في نفس يوم محادثة كلينتون ـ قام كل من فريد هوف الخبير الأمريكي في الشؤون السورية، والسفير الأمريكي في تركيا فرانسيس ريسكيادرون بزيارة مكتب رئيس  الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، حيث قاما بممارسة المزيد من التدخل الهادف لجهة الآتي:
•    ممارسة الفضول: أي القيام باستطلاع النوايا التركية والتعرف عن قرب على مالذي يتوقع من تركيا القيام به في مرحلة نتائج ما بعد زيارة الوزير داوود أوغلو إلى دمشق.
•    ممارسة الضغوط: أي القيام بالتأثير على مضمون وشكل الرسالة التي سوف يقوم الوزير داوود أوغلو بنقلها إلى دمشق، بحيث يكون مضمون وشكل الرسالة منسجماً مع وجهة النظر الامريكية إزاء ملف الحدث السوري.
لاحظ الخبراء والمراقبون أن زيارة الخبير الأمريكي فريد هوف، والسفير الأمريكي فرانسيس ريسكيادرون، إلى مكتب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، قد جاءت مباشرة بعد انتهاء اجتماع مجلس الأمن القومي التركي. الذي تم في مكتب رئيس الوزراء، وناقش ملف الحدث السوري ضمن قضايا الأمن الخارجي التركي، وحضره إضافة إلى أردوغان كل من رئيس هيئة الأركان العامة الجنرال نجدت أوزيل، ووزير الدفاع التركي عصمت يلماظ إضافة إلى وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو. وإضافة إلى ذلك أشار المحلل السياسي التركي سيرفيث ياتاناما، قائلاً، بأن زياره السفير الأمريكي والخبير الأمريكي، إلى مكتب رئيس الوزراء أول أمس الإثنين، قد سبقتها قبل حوالي أسبوع زيارة أخرى، قام بها نفس السفير والخبير إلى مكتب رئيس الوزراء أردوغان، حيث عقدوا لقاء مع المسؤول التركي رفيع المستوى ابراهيم كالين الذي يتولى منصب كبير مستشاري السياسة الخارجية في مكتب أردوغان، وأضاف المحلل سيرفيث ياتاناما قائلاً: بأن موضوع هذا اللقاء لم يكن يتعلق باجتماع قضايا الأمن الخارجي التركي، وإنما تعلق حصراً بنقل التوضيحات الأمريكية بشكل مباشر لأنقرا، وجعلها تدرك بشكل واضح بأن واشنطن هي طرف رئيسي في كافة تحركات أنقرا الدبلوماسية والأمنية إزاء ملف الحدث السوري، وبالتالي يتوجب على أنقرا أن تسعى لاعتماد التوجيهات التي تعبر وتجسد عملياً ونظرياً التوجهات الأمريكية إزاء سوريا. وفي هذه النقطة أشار المحلل السياسي سيرفيث ياتاناما قائلاً بأن ما حدث في هذا اللقاء قد شكل نقطة حرجة في تحديد مستقبل توجهات أنقرا إزاء ملف الحدث السوري.
هذا وقد تزايدت وجهات النظر التركية المتباينة إزاء سيناريو الموقف التركي المرتقب إزاء ملف الحدث السوري، فمن وجهة نظر البعض إلى زيارة داوود اوغلو لدمشق بأنها تمثل "نقطة بداية النهاية" في مسيرة علاقات التعاون والتفاهم التركي ـ السوري، ومن جهة أخرى، نظر البعض الآخر إلى هذه الزيارة باعتبارها تمثل "نقطة بداية النهاية" في مسيرة التوترات التركية ـ السورية التي برزت خلال الأشهر الماضية، الأمر الذي يمكن أن يفسح المجال أمام مزيد من التعاون خلال الأسابيع المقلبة. هذا وإضافة لذلك، فقد أشارت العديد من التقارير التركية إلى وجود بعض المؤشرات ذات القيمة الاستخبارية العالية لجهة تخمين ما يمكن أن يحدث في منافذ الحدود التركية ـ السورية خلال الأسابيع القادمة:
•    أصدر حزب العمال الكردستاني التركي أوامر إلى عناصره وعناصر حزب الحياة الحرة (بيجاك) الكردي الإيراني، بضرورة الوقف الفوري للعمليات العسكرية ضد إيران، والانسحاب إلى قواعدهم الموجودة شمال العراق.
•    تحدث المسؤول عن العمليات العسكرية ـ الكردي السوري ـ مرات كيريالين قائلاً بان العمليات العسكرية الجارية في المناطق الكردية الإيرانية سوف يؤدي استمرارها إلى إضعاف قدرات حزب العمال الكردستاني.
هذا وتشير التوقعات إلى أن قرار حزب العمال الكردستاني بإيقاف العمليات العسكرية ضد إيران، هو قرار وإن كان من جهة يحمل طابعاً استثنائياً، فإنه من الجهة الأخرى يحمل في نفس الوقت المزيد من الدلالات الأخرى، وذلك لأن محور واشنطن ـ تل أبيب ـ أربيل ظل يمارس حضوره الفاعل في التأثير على فعاليات حزب العمال الكردستاني التركي وحزب الحياة الحرة (بيجاك) الكردستاني الإيراني. والجدير بالذكر هنا أن الحزبين يمثلان من ناحية القوام العسكري جيشاً واحداً، يقوم بشن العمليات ضد تركيا تحت لافتة حزب العمال الكردستاني وضد إيران تحت لافتة حزب الحياة الحرة. والسؤال الهام هنا: لماذا قرر القائد العسكري مرات كيريالين وقف العمليات ضد إيران، في هذا الوقت بالذات؟ هل لمواجهة المغامرة العسكرية التركية المحتملة في مناطق شمال سوريا، أم لجهة خدمة مخطط محور واشنطن ـ تل أبيب الساعي لإشعال منطقة شمال سوريا، واستدراج انقرا لجهة القيام بالمغامرة!؟    

 

      
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...