خلفيات تصريحات ساركوزي النارية ضد سورية

31-12-2007

خلفيات تصريحات ساركوزي النارية ضد سورية

الجمل: تفاجأ الكثيرون بتصريحات الرئيس الفرنسي "النارية" التي أطلقها بالأمس وهو يتحدث في "ضيافة" الرئيس المصري حسني مبارك بالقاهرة، ولكن الذين تابعوا مسيرة ساركوزي وقصة صعوده السياسي عن طريق "مصعد" يمين الوسط الفرنسي ومساندة ماكينات اللوبي الإسرائيلي وإسرائيل والولايات المتحدة وزعماء المافيا الروسية – الإسرائيلية، لم تفاجئهم تصريحات ساركوزي الجديدة لأنهم بالأساس كانوا أكثر اهتماماً بسبب "تأخير" صدور هذه التصريحات التي كان يجب أن تصدر منذ فترة طويلة..
* صعود ساركوزي: العامل الإسرائيلي:
الكاتب الإسرائيلي عادار بريمور في مقاله المطول الذي نشرته صحيفة هاآرتس الإسرائيلية بالأمس 30 كانون الأول 2007م وبشكل متزامن مع نفس اليوم الذي أطلق فيه ساركوزي تصريحاته، كتب قائلاً "فرح وانتعش الإسرائيليون واهتزوا طرباً وتأثراً في شهر أيار الماضي عندما أصبح قصر الإليزيه يحكم بواسطة رئيس ينظر لعملية إنشاء الدولة اليهودية -إسرائيل- باعتباره الحدث المركزي في القرن العشرين".
يعتقد اليمين الفرنسي بأن فرنسا تمثل قوة عظمى عالمية ولم يستفق حتى الآن رموز اليمين الفرنسي من الحلم "الإمبراطوري" الفرنسي ووهم "الأمة" الفرنسية التي قطعت حركة التحرر العالمي عملية إكمال بنائها.
صعد النفوذ الأمريكي وتراجع النفوذ الفرنسي، ولكن اليمين الفرنسي ما يزال غير قادر على في تفهم الواقع الموضوعي، وتحت تأثير حالة إحباط فترة ما بعد غزو واحتلال العراق، لجأ رموز اليمين الفرنسي إلى حيلة إدماج أجندة الهيمنة الفرنسية ضمن أجندة الهيمنة الأمريكية، وتأسيساً على ذلك تبنى ساركوزي زعيم يمين الوسط برنامجاً يهدف إلى تحويل فرنسا لتصبح "أمريكا أوروبا" متناسياً أن أمريكا قد وضعت نصب عينيها عدم السماح بقيام أمريكا أخرى جديدة لكي لا تنافسها ناهيك عن أن تكون أمريكا الجديدة هذه هي فرنسا التي حاول زعماؤها وسياسيوها مراراً وتكراراً اعتماد النزعة الاستقلالية والقضاء على النفوذ الأمريكي على أوروبا وسببوا لأمريكا الكثير من المشاكل في علاقات عبر الأطلنطي.
أصبح ساركوزي في نظر إسرائيل والجماعات اليهودية واللوبيات الإسرائيلية وأتباع المسيحية الصهيونية بمثابة "مخلّص" فرنسا و"مسيحها اليهودي" الذي سوف يجعل قوة فرنسا مضافة إلى قوة أمريكا التي يسيطر عليها إسرائيل ولوبياتها. ولكن ساركوزي لم يجد الطريق سهلاً فقد انقض عليه المعارضون ثم أضرب عمال السكك الحديدية والطلاب وغيرهم من الذين ظلوا يتابعون وعود ساركوزي بتحويل فرنسا إلى "أمريكا أوروبا"، وهرول ساركوزي إلى إسرائيل والبيت الأبيض الأمريكي طالباً تقديم المساعدات الأمريكية إلى فرنسا عن طريق زيادة تدفقات رؤوس الأموال المباشرة وغير المباشرة الأمريكية إلى فرنسا. بكلمات أخرى، فقد كشفت زيارة ساركوزي الأخيرة إلى البيت الأبيض أنه مثله مثل مضيفه حسني مبارك تماماً لجهة الركض والهرولة طلباً للمساعدات الأمريكية.
* البيت الأبيض الأمريكي – جماعة المحافظين الجدد: توظيف ساركوزي:
بدأت عملية توظيف ساركوزي من قبل البيت الأبيض وجماعة المحافظين الجدد واللوبي الإسرائيلي الأمريكي واللوبي الإسرائيلي الفرنسي (إكليف) تتضح أكثر فأكثر عن طريق توجهات سياسة ساركوزي الخارجية إزاء الشرق الأوسط، وتحديداً الأزمة اللبنانية وأزمة دارفور.
وجد البيت الأبيض في الرئيس الفرنسي ضالته المنشودة واختاروا له "الدور الوظيفي" المناسب فإدارة بوش في سياساتها الشرق أوسطية تعتمد على الترهيب والترغيب، وقد سببت لها هذه السياسة الكثير من الإحراج والإرباك في البيئة الإقليمية الشرق أوسطية لأن الترغيب معناه قيام الإدارة الأمريكية بتقديم الوعود وعندما تقوم الأطراف الشرق أوسطية بتنفيذ المطالب الأمريكية تكتشف أن هذه الوعود قد تبخرت تماماً وأصبحت أثراً بعد عين، وأن إدارة بوش قد تهربت وتحولت إلى تقديم المزيد من المطالب الجديدة وممارسة الترغيب والترهيب مرة أخرى، وقد أدت هذه العملية إلى الإضرار بمصداقية السياسة الخارجية الأمريكية.
توظيف الرئيس الفرنسي -"المتحمس" لإسرائيل- كان سهلاً للغاية، بأن يقوم ساركوزي بدور القائم بتقديم الوعود الأمريكية إلى الأطراف الشرق أوسطية التي ترغب إدارة بوش في ترغيبها.
* دور ساركوزي في الملف اللبناني:
جمع دور ساركوزي في الملف اللبناني عنصرين مزدوجين، الأول هو تطمين اليمين الفرنسي بأن النفوذ الفرنسي مازال قوياً في منطقة الشرق الأوسط والثاني هو القيام بدور "المبعوث" الأمريكي - الإسرائيلي الذي يتخفى تحت العباءة الفرنسية. ويشير تحليل الأداء السلوكي لتحركات ساركوزي في أداء دوره الشرق أوسطي بأنه كان يتحرك وبدقة تامة متنقلاً من "مشهد" إلى "مشهد" عبر خطوط السيناريو الشرق أوسطي الخاص بمحور واشنطن – تل أبيب.
وبرغم محاولة ساركوزي إخفاء ما بداخل "العباءة" الفرنسية، فقد جاءت تصريحات القاهرة لتكشف حقيقة السياسة الخارجية الفرنسية في مرحلة ما بعد صعود ساركوزي إلى الإليزيه.
• التفاهمات بين أطراف الصراع اللبناني أشارت إلى توافق اللبنانيين إزاء إيصال العماد ميشيل سليمان قائد الجيش الحالي إلى قصر بعبدا وتسميته رئيساً للجمهورية.
• لم تعترض سوريا على خيار اللبنانيين.
• اغتالت "الأيادي الخفية" (التي يعرفها ساركوزي جيداً) العميد فرانسوا الحاج أبرز المرشحين لقيادة الجيش.
• تراجعت قوى 14 آذار (الموالية لأمريكا) عن التوافق.
وعلى هذه الخلفية جاءت تصريحات ساركوزي المعادية لسوريا، فهل سوريا هي التي أقنعت قوى 14 آذار بالقيام بعرقلة انتخاب العماد سليمان؟؟ وهنا تبدو المفارقة ومحنة ساركوزي. بكلمات أخرى، صرح ساركوزي في القاهرة بحيث كشفت سخرية القدر عن ساركوزي وهو يسخر من ساركوزي.
عموماً، "علّق" ساركوزي "اتصالات فرنسا" الدبلوماسية مع سوريا إلى حين ترى باريس دليلاً وبرهاناً يؤكد بأن دمشق تعمل من أجل رئيس جمهورية لبناني متوافق عليه. ولكن ساركوزي لم يحدد هذه المرة من هو الرئيس اللبناني التوافقي، هل هو العماد سليمان الذي لم تعترض عليه سوريا؟ أم أنه شخص آخر لم يتم الكشف عن اسمه والذي مازال حبيساً لدى محور تل أبيب – واشنطن، الذي لم يطلع ساركوزي حتى الآن عليه، مفضلاً توظيف ساركوزي هذه المرة بحيث يتحرك دوره من نقطة النهاية إلى نقطة البداية. بكلمات أخرى، درجت سيناريوهات الترشيح على اقتراح اسم المرشح كخطوة أولى ثم التشاور حول الخطوة الثانية ثم الضغط على الأطراف الرافضة بشتى الوسائل لكي تتراجع عن رفضها بحيث توافق أو تمتنع عن إبداء الرأي. بكلمات أخرى أيضاً، إن تعليق الاتصالات الفرنسية مع سوريا هو نقطة البداية في المشهد الجديد فهل يا ترى سينجح دور الوكالة عن محور واشنطن – تل أبيب الذي يقوم به الرئيس ساركوزي في استبدال المثلث الفرنسي القائل بصب الماء البارد على الرؤوس الساخنة، ليصبح صب الماء الساخن على الرؤوس الشرق أوسطية الباردة التي لم تعد تخيفها "العقوبات الأمريكية" ناهيك عن "العقوبات الفرنسية"!!

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...