خريطة طريق سورية إيرانية لمقاربة قضايا المنطقة

بددت زيارة الرئيس بشار الأسد إلى طهران إشكاليتين أثيرتا في الأيام والأسابيع الماضية حول العلاقات الإيرانية ـ السورية. الأولى تقول بوجود تباين في وجهتي النظر بين البلدين إزاء المفاوضات غير المباشرة التي يجريها السوريون مع الإسرائيليين في اسطنبول، والثانية تتمحور حول ما أشيع عن تفويض الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الرئيس السوري القيام بمهمة وساطة لدى طهران بشأن ملفها النووي.
زيارة الأسد التي بدت »روتينية« وشبه دورية (الزيارة الثالثة خلال ٣ سنوات) ختمها الضيف السوري بنفي صريح، لكن غير قاطع لقيامه بدور الوسيط بين الأوروبيين وطهران.
ومن دون مقدمات افتتح الأسد مؤتمره الصحافي المشترك مع نظيره الإيراني محمود احمدي نجاد في طهران، بالقول »هناك مبالغة في بعض وسائل الإعلام حول تصوير الزيارة وكأنها لمبعوث غربي حول الملف النووي الإيراني«. وأضاف »أنا لست وسيطاً ولا مبعوثاً، ولم اُحمّل أي رسالة من أي مسؤول غربي، والملف النووي كان جزءا من محادثاتنا كما في المحادثات بيننا وبين المسؤولين الإيرانيين. كذلك فإن هذه الزيارة كانت مقررة سابقاً بغض النظر عن زيارتي إلى فرنسا، وهي لا تختلف عن الزيارات السابقة إلا بالظروف المستجدة في لبنان والعراق وفلسطين«.
لكن الرئيس الأأسد عاد ليشير تلميحاً إلى محاولة جس النبض الإيراني، والى استدراج تفويض غربي جدي. وبعد أن أوضح أن ساركوزي »طلب أن نؤدي دوراً من دون تحديد ماهية هذا الدور«، قال إن »هدف سوريا هو تفهم الموقف الإيراني أولا ثم تحديد الدور الذي يمكن أن نؤديه... كي يكون لدينا جواب لأي طرف في هذا العالم يطرح أي تساؤل أو أي رؤية حول موضوع الملف الإيراني. فإذاً الموضوع يبدأ من إيران. يعني لم نبدأ من فرنسا، نبدأ من إيران لكي نفهم وجهة النظر الإيرانية ومن ثم نحدد إن كانت هناك إمكانية لأداء دور أم لا«.
وردا على سؤال حول الدور السوري قال الأسد، الذي اختتم زيارته إلى طهران أمس، إن »توجه الدور السوري هو تعزيز الحوار وجعله حواراً بناء بعيداً عن الخطط السياسية والأفكار المسبقة الموجودة لدى بعض هذه الدول في العالم. وكما قلت هذا الدور يستند إلى الاتفاقيات الدولية أولاً، وبالتالي فإن من حق أي دولة في العالم أن تمتلك طاقة نووية سلمية ومن ضمنها التخصيب، وأن يستند إلى الحوار كطريق صحيح. ومن المبكر أن نحدد هذا الدور قبل أن نسمع وجهات نظر أخرى من الطرف الغربي«.
وان كان الرئيس السوري، الذي رافقه نائبه فاروق الشرع ووزير الخارجية وليد المعلم ومستشارته الإعلامية بثينة شعبان، وضع سقفاً لمقاربته الملف النووي الإيراني بأنه يجب أن يندرج تحت سقف حق طهران بتخصيب اليورانيوم، جاء في البيان الرئاسي المشترك أن الجانبين أكدا »انه لا بد من احترام قرارات وسياسات الدول الأعضاء في معاهدة حظر الانتشار النووي، بما فيها الجمهورية الإسلامية في ما يخص امتلاك دورة إنتاج الوقود النووي«.
أما نجاد فأكد أن طهران ترغب في الحوار مع القوى الكبرى بشأن ملفها النووي. وقال »نحن جادون في موضوع الحوار ونرغب أن يكتمل على قاعدة الأسس والأصول، وان يكون مبنياً على القانون وتتمخض عنه نتائج عملية على ارض الواقع، كما نأمل أن يكون الجانب الآخر جدياً في الحوار«، مؤكدا استعداد إيران »لخوض شتى القضايا المختلفة على الصعيد الإقليمي والدولي«. وكان أعلن، أمس الأول، أن »الأمة الإيرانية لن تتراجع قيد أنملة بشأن حقها في الطاقة النووية«.
وإذا كان الرئيس السوري المرشح لأداء دور الوسيط حاسماً في تأييد إيران بإنتاج دورة الوقود النووي أو تخصيب اليورانيوم، فإن طهران لم تزج بعقيدتها السياسية الرافضة لمبدأ التفاوض مع إسرائيل، وأيدت بشكل غير مباشر المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب.
وفيما خلا المؤتمر الصحافي بين الأسد ونجاد من أي إشارة لهذا الموضوع، جاء في البيان المشترك أن »إيران تعبر عن تأييدها لحق الشعب السوري في استعادة كامل أراضيه المحتلة في الجولان«. وهذه العبارة طالما رددها وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي أو المتحدث باسم الوزارة في معرض ردهما على موقف طهران من مفاوضات اسطنبول.
وحول لبنان لفتت عبارة دعم حق الشعب اللبناني في مقاومة الانتهاكات الإسرائيلية، في محاكاة صريحة لبيان حزب الله الذي صدر في بيروت قبل أيام. وجاء في البيان المشترك »عبر الجانبان عن ارتياحهما للتطورات الايجابية التي يشهدها لبنان منذ اتفاق الدوحة ، وأكدا دعمهما لمسيرة الوفاق الوطني اللبناني، وشددا على دعمهما لحق الشعب اللبناني في مقاومة الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة ضد السيادة اللبنانية واستعادة ما تبقى من أراضيه المحتلة. وطالب الجانبان المجتمع الدولي بوضع حد لهذه الانتهاكات«.
ولم يفت الأسد ونجاد التطرق إلى الشأنين الفلسطيني والعراقي، حيث شددا على مواصلة الجهود لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية باعتبارها الضمان لحقوق الشعب الفلسطيني في العودة وإقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس، وعلى أهمية تحقيق الأمن والاستقرار في العراق ودعم العملية السياسية لتحقيق المصالحة الوطنية بين مختلف مكونات الشعب العراقي وخروج القوات الأجنبية من العراق لضمان وحدته أرضا وشعباً«.
وقالت مصادر دبلوماسية إيرانية  إن »وجهات النظر كانت متطابقة كما العادة بين العاصمتين الحليفتين، لأن التماسك في العلاقات والترابط الاستراتيجي، المستمرين بفاعلية غير منقطعة منذ ٢٩ عاماً، جعلا الكثير من المشاريع تتراجع وأعطيا الكلمة لقوى الممانعة في المنطقة«.
وتوقفت المصادر عند ثلاث دلالات لزيارة الرئيس السوري إلى طهران:
أولا: أكدت الزيارة في ظل مخاضات التمحور واختلاط الأوراق على عمق العلاقة بين البلدين التي تتخطى المصالح المشتركة إلى قناعات مشتركة أثبتت، وتثبت، صوابيتها يوماً بعد آخر.
ثانياً: يمكن لسوريا بعد كسر العزلة المفروضة عليها منذ ثلاث سنوات أن تؤدي دوراً أساسيا واستراتيجياً في ظل تراجع الدورين السعودي والمصري، فنجم دمشق بدأ يلمع مجدداً، وهي بدأت تدريجياً تستعيد دورها الإقليمي.
ثالثاً: تؤسس الزيارة لوضع خريطة طريق سورية ـ إيرانية مشتركة لوضع حلول أو مشاريع حل استراتيجية لكثير من قضايا المنطقة، ويمكن الاستعانة بالمقترحات التي قدمتها طهران إلى مجموعة »٥+١«، والتي تتضمن مبادئ عامة عن كيفية المساهمة بحل قضايا المنطقة، ومنها لبنان وفلسطين والعراق، فضلاً عن الأمن الإقليمي والعالمي.
وفيما اكتفت مصادر سورية في طهران بالقول إن العلاقات السورية الإيرانية هي العلاقات الوحيدة في المنطقة التي تحولت من تطابق المصالح إلى التحالف الاستراتيجي، أكد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي، خلال لقائه الأسد بحضور نجاد، أن »كل محاولات النيل من العلاقات بين البلدين قد فشلت«.
وقال »إن سوريا وإيران تتمتعان بمكانة دولية أفضل بكثير مما في السابق، والبلدان تمكنا من حصد نجاحات على صعيد القضايا الإقليمية والدولية«.
من جهته، قال الأسد، الذي التقى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي ومتكي، »إني مسرور جدا لهذه الزيارة التي جرت في ظروف نشهد فيها من جهة انتصارات المقاومة الإسلامية في لبنان وتعزيز مكانة حماس في فلسطين ومن جهة أخرى فإن اعداءنا يعانون من الضعف أكثر من السابق«.

علي الحاج يوسف

 المصدر: السفير