مثل إرهابييه السود: البغدادي بلا وجه أو ملامح

02-07-2014

مثل إرهابييه السود: البغدادي بلا وجه أو ملامح

خرج أبو بكر البغدادي لمناسبة توليه الخلافة بتسجيل صوتي فحسب من دون صورة، وذلك على جري عادته التي واظب عليها منذ أربع سنوات عندما تولى منصب «أمير دولة العراق الإسلامية». وكأنّ إعلان الخلافة ليس أمراً يستحق تغيير العادات وكسر الروتين من أجله. وهكذا يبدو أن اعتبارات الأمن في عقلية تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» تفوز دوماً مهما كانت الضرورات التي تقف في مقابلها. وبالتالي على أنصار التنظيم أن يتأقلموا مع فكرة الخليفة المتواري الذي لا يجرؤ على الظهور العلني، وأن يتحملوا الألقاب التي يغدقها خصومهم عليه في سخرية من اختبائه الدائم.
ونشرت «مؤسسة الفرقان»، عصر أمس، تسجيلاً صوتياً لأبي بكر البغدادي تحت عنوان: «رسالة إلى المجاهدين والأمة الإسلامية في شهر رمضان» وذلك من دون الإشارة إلى مناسبة إعلان الخلافة واختيار البغدادي خليفة للمسلمين من قبل مجلس شورى «الدولة الإسلامية» الأمر الذي أفقد الخطاب الكثير من أهميته المتوقعة.
وتجنب الخطاب الذي استمر لحوالي عشرين دقيقة التطرق إلى موضوع الخلافة إلا بشكل عرضي ونادر. فلم يتحدث البغدادي عن ملابسات اختياره «خليفة للمسلمين» وضرورات هذا الاختيار، بل أنه لم يعبر عن أي ردة فعل تجاه هذا الاختيار لا شكراً ولا ذماً، كما لم يوضح ما إذا كانت الظروف الإقليمية والدولية قد لعبت دوراً في اتخاذ قرار إعلان الخلافة أم أن الأمر لا يتعدى أن يكون قراراً تنظيمياً داخلياً بمعزل عن أي ظروف أخرى.
كذلك لم ترد في الخطاب أي مضامين يمكن الاستناد إليها للقول بأنّ البغدادي يمتلك خطة أو سياسة سيتبعها في عهده الميمون، إذ لم يشر لا إلى السياسة ولا الاقتصاد ولا الإدارة ولا معيشة المواطنين الموجودين في مناطق سيطرته، رامياً كل ذلك وراء ظهره ليتفرغ لأمرين اثنين هما: الهجرة والقتال.
وتوعد البغدادي بالثأر والانتقام من المآسي التي تصيب المسلمين في شتى بقاع العالم، طالباً من «جنود الدولة» الالتزام بالسلاح والنزال، لأن «أمة الإسلام ترقب جهادكم ونزالكم بأعين الأمل» وأن «لكم إخواناً في شتى بقاع الأرض يسامون سوء العذاب: في الصين والهند وفلسطين والصومال وفي جزيرة العرب والقوقاز والشام ومصر والعراق وأندونيسيا وأفغانستان والفيليبين وفي أحواز وإيران وفي باكستان وتونس وليبيا والجزائر والمغرب»، مشيراً إلى أنّ المسلمين في هذه البقاع «ينتظرون نجدة جنود الدولة ويرقبون طلائعهم».
وأقسم البغدادي بقوله: «والله لنثأرن... ولو بعد حين لنثأرن ولنرد الصاع صاعات والمكيال مكاييل»، مؤكداً أنه «سيأتي يوم يمشي فيه المسلم في كل مكان سيداً كريماً لا تتجرأ عليه جهة إلا تؤدب ولا تمتد إليه يد سوء إلا تقطع»، منبهاً العالم إلى «أننا اليوم في زمان جديد» فيه للمسلمين كلمة عالية مدوية تسمع العالم وتفهمه «معنى الإرهاب» وأقداماً ثقيلة «تدوس وثن الوطنية وتحطم صنم القومية وتكشف زيفها»، بحسب قوله. وكرر البغدادي اللازمة التي طالما ترد في أدبيات تنظيمه من أن العالم في فسطاطين اثنين: فسطاط إسلام وإيمان وفسطاط كفر ونفاق.
وفي إشارة نادرة في الخطاب إلى «الخلافة» طالب البغدادي المسلمين أن يبشروا ويرفعوا رؤوسهم عالياً لأنه أصبح لهم «دولة وخلافة» تسترجع حقوقهم وسيادتهم وتدافع عنهم، معدداً بعض الجنسيات التي تآخت ضمن هذه الدولة مثل «القوقازي والهندي والصيني والشامي والعراقي واليمني والمصري والمغربي والأميركي والفرنسي والألماني والاسترالي» الذين أصبحوا بنعمة الله إخواناً، كما قال.
ودعا البغدادي المسلمين إلى الهجرة إلى ما أسماها «دولتهم»، مكررا: «نعم دولتكم فليست سوريا للسوريين ولا العراق للعراقيين بل الأرض لله يورثها من يشاء، فالدولة دولة المســلمين والأرض أرض المسلمين». وقال: «أيها المسلمون من استــطاع منكم الهــجرة إلى الدولة الإســلامية فليهاجر، فإن الهجرة إلى دار الإسلام واجبة». وخصّ البغدادي بندائه إلى الهجرة «طلبة العلم والفقهاء والدعاة وعلى رأسهم القضاة وأصحاب الكفاءات العسكرية والإدارية والخدمية والأطباء والمهندسين في كل الاختصاصات والمجالات»، مستنفراً إياهم ومعتبراً النفير واجباً عليهم وجوباً عينياً لأن المسلمين في الدولة الإسلامية بأمسّ الحاجة إليهم.
وبالرغم من أن الخطاب امتلأ بالوصايا والنصائح المتعلقة بالاستعداد للقتال وعدم الغرور بالنصر، إلا أنه جاء خالياً من أي إشارة إلى المعارك الشرسة التي تخوضها «الدولة الإسلامية» ضد خصومها من الفصائل الجهادية الأخرى في المنطقة الشرقية من سوريا خصوصاً مدينة ديرالزور، فلم يتطرق البغدادي إلى تطورات هذا الصراع وآفاقه وما هي رؤيته بخصوصه، كما لم يلمّح إلى التداعيات التي قد تترتب على إعلان الخلافة على علاقة «الدولة» مع فصائل الجهاد العالمي لا سيما تنظيم «القاعدة» لا سلباً ولا إيجاباً، فلا هو دعاها إلى مبايعته والدخول في عباءة خلافته، ولا هو توعدها أو انتقد موقف بعضها من تنظيمه.
ويعتقد بعض المراقبين أن ذلك يعود إلى توزيع الأدوار بينه وبين المتحدث باسمه أبي محمد العدناني، فالثاني هو من يتولى تصعيد اللهجة ويلعب دور التهديد والوعيد للفصائل والتنظيمات، بينما يحاول البغدادي حفاظاً على متطلبات منصبه أن يظهر بمظهر المسالم الذي لا يغريه الخوض في أحاديث القتل والدماء خصوصاً عندما تكون هذه الأحاديث متعلقة بفصائل «جهادية».

عبد الله سليمان علي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...