ما هي مصلحة واشنطن في دعم الحركات الانفصالية الكردية؟

29-10-2007

ما هي مصلحة واشنطن في دعم الحركات الانفصالية الكردية؟

الجمل: تحاول إدارة بوش الاستمرار في هواية القيام بتوظيف الأزمات، عن طريق التحركات الخفية واللعب على الخطوط الرئيسية والثانوية، وذلك على النحو الذي يعظم المنافع الإسرائيلية قبل المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
* إدارة بوش و"إدارة" اللعب على أطراف الصراع:
حالياً، وتحديداً إزاء أزمة الصراع التركي – الكردي، فإن أمريكا ما تزال تتحرك ضمن الخطوط الرئيسية الثلاثة الآتية:
• خط واشنطن – أنقرة: وتحاول إدارة بوش إقناع الحكومة التركية بشتى الوسائل، بضرورة عدم القيام بأي عملية اقتحام عسكري في الوقت الحالي.
• خط واشنطن – كردستان: تقوم إدارة بوش بمواصلة دعم الحركات الانفصالية الكردية وطمأنتهم بأن الإدارة الأمريكية تقف إلى جانبهم، وما تزال وفية للخدمات الجليلة التي قدمها الزعماء الأكراد وما زالوا يقدمونها إزاء غزو واحتلال العراق.
• خط واشنطن – بغداد: تحاول الإدارة الأمريكية استخدام المتعاملين العراقيين كواجهة للتفاهم والتفاوض مع الحكومة التركية.
لعبة اللعب على الخطوط الثلاثة، أصبحت أكثر خطورة، خاصة وأن السلطات التركية أصبحت أكثر تشدداً إزاء القيام بعملية الاقتحام العسكري لشمال العراق، وسحق الحركات الانفصالية الكردية..
* إدارة بوش ومحاولة توجيه الصراع:
تقول المعلومات الواردة من العاصمة التركية أنقرة، بأن السلطات التركية قد رفضت قبول اقتراح بغداد، والذي طالب بإعطاء دور عسكري للولايات المتحدة في حل المواجهة الحالية بين القوات التركية ومليشيا حزب العمال الكردستاني.
اقتراح بغداد طالب أنقرة بالموافقة على نشر قوات أمريكية ضمن قواعد صغيرة يتم توزيعها على طول خط الحدود التركية – العراقية، وذلك بهدف الحد من عمليات تسلل عناصر حزب العمال الكردستاني إلى داخل الأراضي التركية.
وتقول المعلومات بأن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، قد رفض الاقتراح العراقي، واصفاً مضمونه الجديد بأنه "لا يتماشى ولا يلبي المطالب والمواصفات التركية المتعلقة بالتعامل مع حزب العمال الكردستاني..".
تقول المعلومات الواردة من بغداد، والتي أشارت إليها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، بأن الاقتراح العراقي قد تم الإعلان عنه بواسطة محمد العسكري الناطق الرسمي العراقي، والذي أشار إلى أن عبد القادر محمد جاسم (وزير الدفاع العراقي)، وشروان الوائلي (وزير الأمن الوطني العراقي)، قد اقترحا قيام القوات المتعددة الجنسيات، وتحت الإشراف الأمريكي، بإقامة المحطات والقواعد الحدودية لمنع تسلل عناصر حزب العمال الكردستاني، والقيام بعمليات المراقبة والضبط، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وتركيا والعراق..
إن الاقتراح العراقي، هو عراقي شكلاً، لكنه أمريكي المضمون والمنشأ، وذلك لأنه لا يمكن لأي طرف عراقي أن يتقدم بمثل هذا الاقتراح في الوقت الحالي دون أن يكون قد قام بالتنسيق المسبق مع سلطات الاحتلال الأمريكي الموجودة في العراق، والتي بدورها لا يمكن أن توافق على إطلاق هذا الاقتراح دون الحصول على موافقة البيت الأبيض الأمريكي المسبقة..
* الأبعاد غير المعلنة لتفسيرات "الاقتراح العراقي" الجديد:
إن عملية نشر القوات الأمريكية على الحدود العراقية – التركية، هي عملية تهدف إلى توفير المزايا الآتية:
• المزايا بالنسبة لإدارة بوش:
* القيام بإرسال المزيد من القوات الأمريكية إلى العراق.
* الضغط على حلفاء أمريكا -وعلى وجه الخصوص حلف الناتو- لإرسال المزيد من القوات لمساعدة أمريكا في مواجهة الالتزامات الجديدة.
* الضغط على الكونغرس من أجل تخصيص المزيد من الأموال.
* الضغط على حلفاء أمريكا وبالتحديد الدول الخليجية والأوروبية واليابان لتقديم الدعم المالي الإضافي.
* إيجاد المزيد من الفرص للشركات الأمريكية عن طريق الدخول في المزيد من الـ"تعاقدات" مع البنتاغون، من أجل تقديم الخدمات للقوات الأمريكية والمتعددة الجنسيات التي سيتم نشرها في شمال العراق.
• المزايا الجيوستراتيجية العسكرية:
* تمركز القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو وقوات حلفاء أمريكا لن يكون حصراً من أجل ضبط الحدود التركية – العراقية، بل سوف تكون له أهداف أخرى إضافية تتعلق بالوضع الاستراتيجي العسكري الكلي في المنطقة، وبكلمات أخرى، فإن القوات الأمريكية وقوات الناتو وحلفائهما سوف تشكل تهديداً عسكرياً مباشراً ضد شمال غرب إيران، وشمال سوريا.
* القوات الأمريكية الموجودة في شمال العراق، سوف تقوم على الصعيد المعلن بمنع تسلل المقاتلين الأكراد إلى تركيا، ولكنها على الصعيد غير المعلن سوف تقوم بتوفير الحماية والوقاية للحركات الانفصالية الكردية الموجودة في المنطقة، وتوفير المساعدات العسكرية لها من أجل استخدامها حالياً ضد إيران، ولاحقاً ضد سوريا، وربما ضد تركيا نفسها إذا ما تزايدت حدة خلافات محور واشنطن – أنقرة.
* الوجود العسكري الأمريكي في العراق، سوف يصبح وجوداً دائماً، وذلك لأن القوات الأمريكية لن تتخلى مطلقاً عن المناطق الجبلية الإستراتيجية التي يتميز بها إقليم كردستان العراقي، وسوف تعمل إدارة بوش على اعتبار وجودها العسكري في هذه المنطقة بمثابة التمهيد لإقامة قاعدة عسكرية أمريكية تنتظم ضمن تشكيلة القواعد الأمريكية الموجودة في المنطقة وتلك التي سوف يتم بناؤها في العراق لاحقاً..
* "الاقتراح العراقي" والعامل الإسرائيلي:
من البديهي والمعلوم للجميع أن إسرائيل، أو بالأحرى "العامل الإسرائيلي" يكون دائم الحضور في السياسة الخارجية الأمريكية إزاء الشرق الأوسط، وبالتالي فإن التحركات الأمريكية الجدية إزاء الأزمة التركية – الكردية، بالضرورة، ولابد لإسرائيل من أن تكون لها اليد العليا فيها، وللبيت الأبيض وجورج بوش اليد السفلى..
تريد أمريكا أيضاً تحالفها مع تركيا، والسيطرة المستمرة على العراق، أما إسرائيل فتريد الاستفادة من مزايا التحالف التركي – الأمريكي، بحيث تتواجد في تركيا من داخل المعطف الأمريكي، وإضافة إلى ذلك تريد إسرائيل وجود كردستان، واستخدامها كحصان طروادة في المنطقة، وذلك من أجل توظيف الفصائل الكردية لاحقاً في خوض حروب بالوكالة ضد دول المنطقة الرافضة للمشروع الإسرائيلي كإيران مثلاً... كذلك فإن قيام دولة كردية مستقلة سوف يترتب عليه إضعاف أي كيان عربي عراقي مستقبلي..
وجود القوات الأمريكية الدائم في مناطق شمال العراق، معناه الوجود العسكري والاستخباري الإسرائيلي، وهو أمر أثبتته وأكدته التجارب السابقة، ليس في المجالات العسكرية وحدها بل وفي المجالات الدبلوماسية، وكل السفارات والبعثات الأمريكية المنتشرة في الشرق الأوسط، تتميز بالوجود المكثف لليهود الأمريكيين، الذين يشكلون عصب عناصر اللوبي الإسرائيلي، الذي لم تستهدف عملياتهم التجسسية السرية البلدان العربية وحسب، بل وأمريكا نفسها أيضاً..
عموماً، وعلى خلفية الأداء السلوكي الدبلوماسي الجديد الحالي إزاء الأزمة التركية – العراقية، نشير إلى الآتي:
تحدث رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل، قائلاً بأن الأمريكيين يلجئون للخيار الصحيح والأمثل، عندما يقتنعون بأنه من غير الممكن القيام بالخيارات الأخرى... (والتي هي الضرورة الخيارات غير الصحيحة).
وتأسيساً على ملاحظة تشرشل، فإن الإدارة الأمريكية الحالية، ما تزال حتى الآن تحاول تجريب إمكانية نجاح الخيارات البديلة للخيار الصحيح والأمثل في كردستان، وعلى ما يبدو فإن إدارة بوش سوف لن تلجأ إلى تطبيق الخيار الصحيح والأمثل إلا إذا تأكدت تماماً، على حد تعبير ملاحظة تشرشل، بأنه لم يعد هناك بد ما ليس منه بد..


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...