صناعة الألبسة في سوريا: تقلّصت وهاجرت.. وقاومت

05-07-2016

صناعة الألبسة في سوريا: تقلّصت وهاجرت.. وقاومت

يحمل غسان ورشته الصغيرة ويدور بها أينما قادته ظروف الحرب، رافضاً الاستسلام بعدما دمرّ معمله في مدينة حلب، وتحوّل هو من صناعي إلى صاحب ورشة محدودة الإنتاج، تطرح كل يوم في الأسواق بضع مئات فقط من الألبسة المتنوعة.
هذه الورشة قد يكون إنتاجها بسيطاً نسبياً، مقارنةً بإنتاج معملٍ كبير قبل العام 2011، لكن إذا ما جُمع عدد الورش التي انتشرت في سوريا خلال الأزمة، فإن هذا العدد يصل إلى الآلاف، وفي دمشق وحدها يصل الرقم إلى ألفي ورشة. وتنتشر هذه الورش في المحافظات السورية الآمنة، وأغلب أصحابها هم من حلب وريف دمشق، تعرضت منشآتهم في مناطقهم الأم للضرر أو للدمار، وبعضها سرق، في وقت لم يعد البعض الآخر قادراً على الوصول إلى معامل ومصانع ألبسة يمتلكها، بفعل خروج منطقته عن سيطرة الدولة وخضوعها لسطوة الفصائل المسلحة.
وبحسب تقارير غير حكومية، فإن مصانع حلب هي الأكثر تضرراً في سوريا، حيث تأذّى ما نسبته 90 في المئة منها على اختلاف أنواعها، وهي تقدر بحوالي 35 ألف منشأة بحسب مصادر في غرفة صناعة حلب. أما التقارير الحكومية الرسمية، فهي إما غير متوفرة، وإما ممنوع الحصول عليها، فما تجده لدى غرف الصناعة من معلومات لن تجده عند وزارة الصناعة التي عجز مكتبها الصحافي عن تقديم معلومات وإحصائيات عن الموضوع، في حين لا يستطيع مدير التخطيط إياد مقلب الإدلاء بأي معلومة إلا بموافقة الوزير، ما يدفع للتساؤل هل حقاً لدى الوزارة «أرقام ومعلومات» عن صناعة الألبسة؟!
وبالإضافة إلى الأضرار التي لحقت بصناعة الألبسة في سوريا خلال سنوات الحرب، فقد غادر البلاد مئات الصناعيين إلى مصر والأردن وتركيا ولبنان، وحتى إلى أوروبا، حيث افتتحوا أعمالاً هناك، وباتت مصانعهم من أهم المنشآت في البلدان التي لجؤوا إليها.
ويقول خازن غرفة صناعة دمشق وريفها ماهر الزيات إن عدد شركات الألبسة في الداخل السوري انخفض من 3500 قبل الأزمة إلى 1200 في العام 2016.
إلا أن صناعة الألبسة في الداخل لا تزال تقاوم الظروف الصعبة التي تعيش فيها الصناعة السورية عموماً، يقول الصناعي الحلبي محمد حموي.
ويعتبر حموي أن «صناعة الألبسة تعيش في نفقٍ مظلم، خصوصاً في محافظة حلب، وهي تقع بين نيران المسلحين وقذائفهم، ولهيب تكلفة الكهرباء، وخطورة النقل، وتكاليف المواصلات المرتفعة، ومع ذلك فهي تعمل وتغطي السوق».
وينعكس هذا الواقع على أسعار الألبسة محلياً، فقد ارتفعت بشكل جنوني، حالها كحال باقي السلع.
وعلى سبيل المثال، فإن سعر الكنزة «تيشيرت» الرجالي التي كان سعرها 500 ليرة سورية في العام 2010، بات اليوم 5000 ليرة سورية، وهناك بعض العلامات التجارية (ماركات) التي يتجاوز سعر القطعة منها راتباً شهرياً كاملاً لموظف حكومي.
ولم تعد أصناف كثيرة من الألبسة السورية التي كانت تصدر إلى أوروبا وأميركا اللاتينية بالجودة ذاتها التي كانت عليها في السابق، وذلك لأسباب عديدة، في مقدمتها استقطاب الأتراك لليد العاملة السورية، خصوصاً الصناعيين المهنيين، بحسب حموي الذي يقول إن تركيا «قدمت عروضاً مغرية لهؤلاء الحرفيين والفنيين الذين لم يكن أمامهم خيارات أخرى، وقد قدم هؤلاء خدمات كبيرة لصناعة الألبسة التركية».
ولم تعد كذلك المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج متوفرة في سوريا كما كانت عليه الحال من قبل، فقد دمرت معامل النسيج والخيوط وتراجعت زراعة القطن، وبات المصنع السوري يعتمد بشكل أساسي على صنفين للإنتاج لم يعد متوفراً أمامه سواهما وهما القطن و»الجينز»، وهذا انعكس سلباً على الصناعة التي اشتهرت بتنوعها، ما دفع الصناعيين الحلبيين الذين التقيناهم إلى مطالبة وزير الاقتصاد بشكل خاص بأن يجد حلاً لمشكلة مستلزمات الانتاج الشحيحة جداً.
وعلى الرغم من هذه الصعوبات، يستمر السوريون في الاحتيال على أزمتهم، ويتعاملون معها بمرونة منقطعة النظير، فالورش الصغيرة المنتشرة في المناطق الآمنة والتي يعمل فيها بأحسن الأحوال عشرة عمال، تحافظ على وتيرة الإنتاج وتورد المنتجات السورية من الألبسة إلى دول عربية مختلفة، منها الجزائر والعراق ولبنان ومصر، وحتى الدول الأوروبية وروسيا، وتبلغ نسبة التصدير 10 في المئة فقط مما كانت تصدره سوريا من الثياب قبل الحرب، والذي قدر في العام 2010 بحوالي 600 ألف قطعة ثياب في العام.
ويطمح الصناعيون اليوم بتحسن واقع التصدير مع إعلان اتحاد المصدرين السورين عن فتح خط النقل البري مع العراق بعد اعتمادهم خلال العامين الماضيين على النقل جواً، ما أثّر كثيراً على الصناعة.
وفي هذا الإطار، يقول الصناعي ماهر الزيات إن «وجود معبر لنقل المنتجات مع العراق سيعود علينا بفائدة كبيرة جداً، وسيسهل عملية التصدير، كما أننا حالياً ننسق مع روسيا وإيران والجزائر في ما يتعلق بالتصدير، ويتم العمل على تخصيص المستودعات وترويج هذه البضائع».
الحصار الخانق المفروض على البلاد ترك أثراً سلبياً كبيراً بلا أدنى شك، إلا أن ذلك لا يمنع وجود أوجه إيجابية له، تمثلت بشكل أساسي في اعتماد السوريين على بضاعة بلادهم، وبالتالي الاستغناء عن المنتجات التركية التي كانت سابقاً تغزو الأسواق بكثافة، كما أن التصاميم المحلية تطورت بشكل لافت خلال العامين الماضيين، وانتشرت في الأسواق «موديلات» جديدة بعضها حمل طابع الظرافة، كتلك التي رسمت عليها شخصية «غوار الطوشي» أو التي كتب عليها بعض الجمل من وحي النكت ولغة الجيل. وقد لاقت هذه التصاميم رواجاً لدى جيل الشباب، وهي منتج محلي مئة في المئة.
حوربت صناعة الألبسة في سوريا كثيراً بوسائل عدة، بدءاً من المواد الأساسية وصولاً إلى التسويق والتصدير، وهي حرب يؤكد الصناعيون أن أسبابها سياسية، إلى جانب الغيرة من جودة المنتج السوري الذي ترك بصمة في الأسواق التي دخلها عند المستهلكين.

بلال سليطين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...