صراع خلف الكواليس بسبب الصفقة الإيرانية مع الغرب

27-11-2013

صراع خلف الكواليس بسبب الصفقة الإيرانية مع الغرب

الجمل-  ديفيد أغناطيوس- ترجمة: عبد المتين حميد:
إذا كان هناك ما يطلق عليه "الضبابية في الحرب" حيث لا يكون القادة متأكدين من حقيقة الوضع الميداني في منطقة العمليات، فلا بد أن يكون هناك ما يطلق عليه "الضبابية في السلام" حيث لا يكون المفاوضون متأكدين من النتائج التي ستترتب عمّا اتفقوا عليه. و هذا ما حصل تماماً في مفاوضات جنيف التي تهدف إلى تحجيم البرنامج النووي الإيران. حيث أنّ هناك خلافاً حادّاً بين المراقبين حول المخاطر المحتملة والفوائد من هذا الاختراق المفترض بين إيران والغرب بعد 34 عاماً من العداء.
لو قلّبنا في دفاتر التاريخ لوجدنا إشارة تنبيه صادرة عن السِير مارك سايكس [1] وردت في الكتاب الرائع "سلامٌ ما بعده سلام" لديفيد فرومكين و فيها أنّ سايكس قد قال عن اجتماعات التخطيط الاستراتيجي التي كان يعقدها مع اللورد كتشنر [2]: "لم أتمكن أبداً من جعل نفسي مفهوماً,  ولم أفهم أبداً ما كان يفكر فيه, ولا هو فهم ما كنت أفكر به". فكانت النتيجة هي اتفاقية سايكس-بيكو عام 1916 التي قطّعت أوصال الشرق الأوسط بحدود مصطنعة كانت هي سبب المشاكل إلى يومنا هذا.
ما إن تمّ الإعلان عن الاتفاق مع إيران, تصاعدت الضوضاء من خلف الكواليس بقيادة اسرائيل و السعودية اللتان تأوّهتا بشدة جراء الاتفاق. الهجمات المستمرة على الاتفاقية من قبل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، و هي تتويج لأربع سنوات من انعدام الثقة بينه وبين الرئيس أوباما, تضرب في أساسات العلاقة الأمريكية-الاسرائيلية−  و هذه نتيجة لا يتمناها أحد.
إلا أن هناك جانباً إيجابياً مثيراً للاهتمام و هو أنّ التلاقي السعودي-الاسرائيلي في كره الاتفاق النووي الإيراني و تحالفهما الحقيقي ضده, سوف يبيّن لنا و بشكل مثير للعجب أحد الجوانب المضيئة لهذا الاتفاق. فإذا ما أصبح الإسرائيليون هم حُماة الأنظمة الخليجية السنية والمدافعون عنها, فستحصل اسرائيل على منافع أمنية دائمة و ربما يُفتح الطريق أمام تحقيق تقدم في القضية الفلسطينية −دون الوساطة الأميركية المعتادة.
من المفيد التذكير بأن أحد أهم الأسباب التي أوجدت الأرضية المشتركة بين أنور السادات و مناحيم بيجن عام 1977  هو الخوف المشترك من أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بفرض سلام شامل بشكل نهائي.
الانفتاح الأمريكي على إيران سوف يؤثر على الشقاق السني-الشيعي الذي يتسبب حالياً في سفك المزيد من الدماء في الشرق الأوسط. و لكن من الصعب التوقع كيف سينتهي؛ فالسعودية و معها العديد من القوى التي توصف بأنها سنّية منخرطة في حرب بالوكالة ضد إيران على امتداد المنطقة, في سوريا و العراق و لبنان و البحرين. إذا لم تكن الولايات المتحدة حريصة في إدارة علاقتها مع إيران الشيعية فمن الممكن أن يميل هذا الصراع أكثر ليصبح بين طرفين اثنين هما المتطرفين الجهاديين السنيين من جهة و مقاتلي حزب الله الشيعي هذان الطرفان اللذان يسيطران يوماً بعد يوم على الحرب في سوريا و في كل مكان.
أوباما محق في ابتعاده عن الشقاق السني-الشيعي. و لكن إذا ما لوحظ أنّ الولايات المتحدة تتاجر بحلفائها القدامى أي الأنظمة الخليجية السنية كرمى عيون شركاءها الجدد الشيعة عندها ستقع كوارث غير محسوبة. و سيكون ذلك بمثابة نكش عش الدبابير مسبباً المزيد من الدمار للمنطقة.
الخطر الآخر الذي يلوح من غموض الاتفاقية هو أنّ الاتفاق مؤقت أي ذو مهل محددة و هو مرحلة أولية من مراحل لاحقة. حتى الآن فإن تاريخ الدبلوماسية حافل بالاتفاقات المؤقتة التي لم تنتقل أبداً إلى المرحلة الثانية؛ بينما عملياً كان يتم تهيئة المسرح لجولة جديدة من المواجهات الدموية ليحقق كل طرف مكاسب أكبر على الأرض ترفع من قيمة أسهمه في المفاوضات النهائية. أتمنى أن يملك المفاوضون الأمريكيون و الإيرانيون خريطة طريق واضحة تبيّن كيفية إنهاء اللعبة; وإلا فإنّ الجميع سيتوهون و بسرعة.
نقطة اعتراضية أخيرة حول هذه المفاوضات و هي التأكيد على الولايات المتحدة أن تعمّق التزاماتها تجاه القوى المعتدلة في العالم العربي على الرغم من انفتاحها على إيران. وهذا يعني العمل مع مصر (و داعميها في المملكة السعودية والامارات العربية المتحدة) نحو الاستقرار الاقتصادي والسياسي، واستعادة السلطة المدنية. و كما يعني استعراضاً للعضلات في سوريا، على أمل تشكيل "مناطق آمنة" تساعد في تخفيف الكارثة إنسانية هناك في هذا الشتاء و دعم القوى المعتدلة داخل كلٍّ من المعارضة و الحكومة السورية.
أكثر ما يخيف الحكام العرب في الخليج و معهم الاسرائيليين هو أن يشتمل التفاهم الأمريكي-الإيراني على ابتعاد أمريكا عن المنطقة. لذلك أصيب هؤلاء بالهلع الشديد جراء التصريحات المتكررة لأوباما حول إنهاء الحروب و كذلك تراجعه عن استخدام القوة في سوريا. لقد فهموها جميعاً بأنها مقدمة لانسحاب أمريكي شامل من المنطقة. لذا يجب على أوباما أن يشير إلى أنّ هذا الاتفاق مع إيران ما هو إلا جسر للوصول إلى إطار أمني إقليمي تكون فيه أمريكا هي الوصي الوحيد.
لا تفهموني بشكل خاطئ, فالاتفاق مع إيران هو على الأغلب أعظم نجاح لأوباما, إلا إنه يستدعي التفكير بشكل غير تقليدي حول المخاطر المحتملة, حتى و لو كان هناك من يتلذذ بحلاوة الانتصار الدبلوماسي.
---------------------------------------------------------------
[1]    مارك سايكس(انكلترا 1879− 1919) من عائلة أرستقراطية, مستشارسياسيودبلوماسيوعسكري ورحالةبريطاني. كان مختصاً بشؤونالشرق الأوسطومناطقسوريا الطبيعيةخلال فترةالحرب العالمية الأولى. وقّع عام 1916 علىاتفاقية سايكس-بيكوعن بريطانيا معبيكو، عن فرنسا.
[2]    هربرت كتشنرأواللورد كتشنر (ايرلندة 1850 – 1916) القائد الأعلى للجيش البريطاني في منطقة البحر الأحمر. ومن ثم أصبح القائد الأعلى للقوات المسلحة بالجيش المصري في عام 1892 م.

الجمل

التعليقات

لماذا يصر الغرب على اعتبار الصراعات في المنطقة عموما و سوريا خصوصا صراعا سنيا شيعيا و أعني الغرب هنا بياضه و سواده سياسين و محللين و شعوب ..الصراع في المنطقة هو صراع اقتصادي سياسي مسلح اعطي قشورا طائفية لمجرد الترويج و استمالة الدهماءوهذا الصراع لا يعدو عملية سطو مسلح بأيدي محلية لحساب القوى الكبرى ..

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...