تفاصيل الملف السوري في أجندة زيارة أولمرت إلى أنقرة

23-12-2008

تفاصيل الملف السوري في أجندة زيارة أولمرت إلى أنقرة

الجمل:  برغم تصاعد الخلافات التركية- التركية، وبرغم البيئة الإقليمية المضطربة التي تحيط بتركيا، فقد استقبلت العاصمة التركية أنقرة يوم أمس الاثنين رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت.
• خلفيات الزيارة:
تتضمن ملفات العلاقات على خط أنقرة- تل  أبيب العديد من الملفات والتي برغم أجندة التعاون التي شهدتها طوال فترة الحرب الباردة، وحتى قبل بضعة سنوات، فإن صعود حزب العدالة والتنمية الإسلامي، في تركيا، ترتب عليه تحويل طبيعة أجندة العلاقة، من "دائرة التعاون" إلى "دائرة الصراع".
• يعتبر ملف الصراع العربي- الإسرائيلي، من بين الملفات، التي كانت أنقرة خلال فترة ما قبل صعود حزب العدالة والتنمية، تتعامل معها، من منطلق روابطهما الإستراتيجية مع محور تل أبيب- واشنطن، ولكن بعد صعود حزب العدالة والتنمية، فقد بدأ المشهد التركي في أنقرة مختلف.
أدرجت دبلوماسية أنقرة، ملف الصراع العربي- الإسرائيلي، ضمن اهتماماتها، وعلى وجه الخصوص الصراع السوري- الإسرائيلي، وذلك بسبب الآتي:
- إدراك أنقرة الجديد، لمدى أهمية استقرار وسلام سوريا بالنسبة لاستقرار وسلام تركيا.
- تأكيد دبلوماسية أنقرة، عملياً على أن إنعاش وإحياء ملف العلاقات السورية- التركية هو العامل الرئيسي لجهة حسم عملية إدماج تركيا ضمن بيئتها الإقليمية الشرق أوسطية.
- اقتناع أنقرة التام لحقيقة أن علاقات خط أنقرة- تل أبيب، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون بديلاً لعلاقات خط أنقرة- دمشق.
- ارتباط أجندة دبلوماسية أنقرة بأجندة برنامج حزب العدالة والتنمية، والتي تجد الدعم والمساندة بواسطة أغلبية الرأي العام التركي الذي وقف وراء دعم حزب العدالة، وبالتالي فإن التزام أنقرة بالبحث عن الاستقرار في منطقة شرق المتوسط يعود في خلفيته إلى الإيفاء بالالتزام بتنفيذ برنامج الحزب الانتخابي الذي صعد إلى السلطة على أساسه.
ولكن من الناحية المقابلة لإدراك أنقرة،  يجيء إدراك تل أبيب القائم ليس على دبلوماسية المعايير المزدوجة، وإنما على الأداء الدبلوماسي السلوكي المزدوج: المعلن وغير المعلن، وهو أمر تتجاوز جذوره وخلفياته مجلس الوزراء الإسرائيلي ووزارة الخارجية الإسرائيلية، إلى عمق الظلاميات التلمودية التي أسسها الحاخام موسى بن ميمون في كتابه "دلالة الحائرين" الذي اعتمد في تأليفه على الكتابة بأسلوب الإيسوتريك اليهودي السري..
حتى الآن، لا يوجد شيء واضح يتمتع بالمصداقية في كل ملفات السلام الإسرائيلية: سواء تلك المتعلقة بالاتفاقيات التي تم توقيعها مع مصر في كامب ديفيد، أو تلك التي تم توقيعها مع ملك الأردن في وادي عربة.. الشيء نفسه ينطبق حالياً على المحادثات السورية- الإسرائيلية غير المباشرة التي تقوم حالياً أنقرة برعايتها.. وكل ما في الأمر حتى الآن أن الإسرائيليين يتعاملون معها كوسيلة للحصول على المزيد من المزايا الإقليمية في المنطقة بالمجان، ودون تقديم المقابل للأطراف الأخرى..
• ماذا يحمل جدول أعمال زيارة أولمرت لأنقرة؟
المعلومات التي أوردتها صحيفة زمان اليوم التركية على موقعها الإلكتروني صباح اليوم أشارت إلى النقاط الآتية:
- وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت يوم أمس الاثنين إلى العاصمة التركية أنقرة، وذلك في زيارة تتعلق بملف محادثات السلام السورية- الإسرائيلية غير المباشرة.
- التقى أولمرت بالرئيس التركي عبد الله غول، أولاً، وثانياً برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.
- بدأت المحادثات غير المباشرة خلال شهر أيار (مايو) الماضي، ولكن جولاتها توقفت بعد إعلان أولمرت بأنه سوف يتنحى عن منصبه.
اكتفت صحيفة زمان اليوم بالإشارة إلى هذه النقاط، ولكنها ذيلت هذه النقاط بإضافة بعض الملاحظات التي تطرقت إلى النقاط الآتية:
- سبق أن قدمت دمشق عبر الوسيط التركي لتل أبيب وثيقة تطرح المنظور السوري إزاء قضايا وملفات الحدود السورية- الإسرائيلية.
- تهتم دمشق، حالياً، بما يمكن أن تحمله الأشهر القادمة من تداعيات على محادثاتها غير المباشرة مع إسرائيل، وعلى المنطقة ككل، ومن أبرز الاهتمامات:
- مضمون ومحتوى طبيعة خارطة طريق إدارة أوباما الديمقراطية الجديدة إزاء ملفات السلام والحرب في الشرق الأوسط، وهو أمر لن تكتمل ملامحه الحقيقية، إلا بعد دخول الإدارة الجديدة عملياً للبيت الأبيض، وإن كانت بعض الملامح الأولية قد ظهرت من خلال استقراء طبيعة مواقف الذين أكد الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما على تعيينهم لتولي حقائب: وزارة الخارجية الأمريكية، ومستشار الأمن القومي الأمريكي، ووزارة الدفاع الأمريكية.
- مضمون ومحتوى النتيجة النهائية التي يمكن أن تسفر عنها الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية القادمة، وذلك لأن خارطة طريق الليكود الإسرائيلي وحلفاءه إزاء ملف المحادثات مع سوريا، تختلف في بنودها الرئيسية عن خارطة طريق تحالف كاديما- العمل المسيطر حالياً.
أما بالنسبة لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، فقد نشرت في موقعها الإلكتروني صباح اليوم تقريراً عن زيارة أولمرت للعاصمة التركية أنقرة، شارك في إعداده ثلاثة من كبار صحافيي هآرتس وهم: باراك رافيد- مازال مواليم- يواف شتيرن.
أشار تقرير هآرتس إلى النقاط الآتية:
- تحدث أولمرت في أنقرة مع رئيس الوزراء التركي أردوغان، قائلاً بأن "الذي لن نقوم بعمله اليوم في الشرق الأوسط، من الممكن أن نكون غير قادرين على القيام به غداً، ويجب أن ندفع باتجاه محادثات سلام مباشرة بين سوريا وإسرائيل، بقدر ما كان ذلك ممكناً.."
- تم تحت رعاية تركيا عقد أربعة جولات لمحادثات السلام غير المباشرة السورية- الإسرائيلية، وقد تم تعليق المحادثات بعد إعلان أولمرت عن نيته تقديم استقالته من منصبه بسبب تحقيقات الفساد التي وجهتها الشرطة الإسرائيلية ضده.
- اتفق أولمرت وأردوغان، على ضرورة قيام الحكومة التركية بمواصلة العمل تجاه تسهيل المحادثات المباشرة بين سوريا وإسرائيل.
- عقد أولمرت وأردوغان اجتماعاً مغلقاً استغرق ساعة كاملة، خصصاه بأكمله لمسألة سوريا، وبعد خروجهم من الاجتماع تناولا طعام الغداء مع المسئولين، ثم بعد ذلك واصلا نقاشهم وحوارهم الخاص حول مسألة السلام مع سوريا، وذلك حتى حلول الليل.
• تخمين الملامح العامة لـ (تقديرات الموقف) على الجانب الإسرائيلي:
تخمين الملامح والخطوط العامة، المتعلقة بحسابات تقديرات الموقف على الجانب الإسرائيلي، يمكن التوصل إليها من خلال الإجابة على التساؤلات الآتية:
- ما هي دوافع زيارة أولمرت لأنقرة؟
- لماذا زار أولمرت أنقرة في هذا الوقت؟
- ما هي الملفات الإسرائيلية الداخلية، والملفات الإقليمية الشرق أوسطية، والملفات الدولية ذات العلاقة بأجندة الزيارة؟
تلخص الإجابة على هذه التساؤلات، الأبعاد غير المعلنة لزيارة أولمرت للعاصمة أنقرة، وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى المعطيات الآتية التي أطاحت بالزيارة، أو بالأحرى شكلت بيئة الزيارة:
• شهد ملف أزمة غزة المزيد من التصعيدات، والتي ألقت بظلالها على الجوانب الآتية:
- الانتخابات الإسرائيلية.
- مصداقية برنامج الليكود وحلفاءه في مواجهة مصداقية برنامج تحالف كاديما العمل.
- مصداقية توجهات تسيبي ليفني زعيمة كاديما في مواجهة مصداقية توجهات منافسها الجنرال شاؤول موفاز، ومدى تأثر ذلك على انتخابات كاديما الداخلية لاختيار قائمة المرشحين لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة.
- شهد ملف الأزمة اللبنانية المزيد من التطورات والوقائع التي تفيد لجهة فشل الجهود الإسرائيلية التي حاولت استخدام وتوظيف هذا الملف بما يعيد توجيه دفة الصراع العربي- الإسرائيلي ضمن المخطط المتفق عليه بواسطة أطراف محور واشنطن- تل أبيب.
- شهد ملف أزمة الضفة الغربية، المزيد من التطورات والوقائع التي تفيد لجهة احتمالات انهيار السلطة الفلسطينية وخروج محور عباس، طالما أن تل أبيب ما تزال رافضة تقديم التنازلات لحفائها في المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية التي ظلت تستمر حيناً.. ثم تتوقف لأحيان أخرى..
- شهد ملف جنوب لبنان المزيد من التطورات والوقائع الجديدة، التي تفيد لجهة أن الرهان العسكري الإسرائيلي إزاء حزب الله اللبناني، لم يعد خياراً ممكناً، طالما أن قدرة الردع العسكري الإسرائيلي قد تآكلت ولن تستطيع المؤسسة العسكرية استرجاعها  إلا بعد سنوات.. وسنوات؟
- شهد ملف الأزمة المالية الإيرانية المزيد من التطورات والوقائع، التي تفيد لجهة أن البرنامج النووي الإيراني أصبح أمراً شبه واقع.. إن لم يكن أمراً واقعاً.. وعاجلاً أم أجلاً سوف تجد تل أبيب نفسها مضطرة للعمل من أجل القبول بوجود إيران النووية..
وعلى خلفية هذه الأبعاد، نلاحظ أن زيارة أولمرت لأنقرة، وإن كانت في جانبها المعلن تفيد لجهة ضرورة أن تقوم تركيا بالدفع باتجاه نقل المحادثات السورية- الإسرائيلية من المرحلة غير المباشرة إلى المرحلة المباشرة.. فإن هذه الزيارة في جانبها غير المعلن، ترتبط بصميم عمق الأزمة السياسية الإسرائيلية، وعلى وجه الخصوص:
- محاولة أولمرت القيام بإنجاز شيء.. أي شيء قبل أن ينفذ الوقت المتاح أمامه خاصة وأن أيامه أصبحت معدودة، فالانتخابات البرلمانية سوف يتم إجراءها، وتحقيقات الشرطة سوف تصل إلى مرحلة توجيه الاتهامات، ومحاولات تسيبي ليفني للتخلص منه ما تزال مستمرة برغم تقديمه لاستقالته رسمياً للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز.
- محاولة أولمرت تمهيد المسرح بما يتيح له العودة مجدداً لرئاسة الوزارة، فالضغوط من جانب الرأي العام الإسرائيلي إزاء الفشل في تصدي تل أبيب لمخاطر أزمة غزة، ومخاطر أزمة جنوب لبنان، هي ضغوط يحاول أولمرت تنفيسها عن طريق إحياء ملف محادثات السلام مع سوريا.. وتأكيداً على ذلك، فإن محاولة أولمرت الدفع باتجاه المحادثات غير المباشرة مع سوريا، هي محاولة لا يمكن القول بأنها تتميز بالسلبية، برغم أنها:
. جاءت متأخرة
. لجأت تل أبيب إلى المماطلة والتسويف خلال الجولات السابقة.
. فقدان أولمرت للكثير من الأوراق التي بيده.
. أصبحت تهدد المستقبل من جراء خطر صعود الليكود الإسرائيلي وحلفاءه..
حتى الآن، لا يمكن الحكم بشيء محدد سوى جدية دمشق إزاء تنفيذ عملية سلام شاملة تتميز بعدالة الأجندة، وقوة المصداقية، وهو أمر ليس من سبيل لتحقيقيه سوى الالتزام الإسرائيلي الكامل برد حقوق سوريا العادلة في استعادة الجولان باعتبار أن ملف استعادة الجولان هو "مركز الثقل" الأساسي لأي عملية سلام سورية- إسرائيلية..

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...