تداعيات فينوغراد ورسالة إسرائيل المرتبكة إلى سوريا

08-09-2007

تداعيات فينوغراد ورسالة إسرائيل المرتبكة إلى سوريا

الجمل:   برغم تهرب المسؤولين الإسرائيليين من تأكيد حادثة اختراق الطائرات الإسرائيلية للمجال الجوي السوري عند الحدود السورية- التركية، أو نفيها نفياً قاطعاً، فمن المعروف في سائر أنحاء العالم أن إسرائيل تعتمد نموذج الدولة الإسبرطية العسكرية، وذلك بالرغم من مزاعم الإسرائيليين بأن دولتهم تتميز عن بقية دول الشرق الأوسط بطابعها الحضاري المدني والديمقراطي.
• الأهداف غير المعلنة للواقعة:
القوات الجوية، وتحديداً الطائرات الحربية، لا يتم استخدامها فقط في عمليات القتال، وإنما يتم استخدامها بقدر كبير في عمليات الاستطلاع الجوي التي تمهد للقتال والحرب، وهو أمر أكدته معطيات خبراء الأداء السلوكي الميداني العسكري الإسرائيلي، في كافة السنوات الماضية، وعلى وجه الخصوص في اعتداءاتها السابقة ضد لبنان، وممارساتها الاستفزازية ضد الدول الأخرى..ولا يمكن ببساطة النظر إلى عملية انتهاك الأجواء التي قامت بها الطائرات الحربية الإسرائيلية وإلقاءها بعض العتاد على الأراضي السورية بأنها عملية غير مقصودة، وذلك لأن الجيش الإسرائيلي الذي أنفقت عليه الولايات المتحدة مليارات الدولارات وزودته بأكثر الوسائل والعتاد العسكري تطوراً، وبالذات عناصر ووسائط القوة الجوية وشبكات الدفاع الجوي، لا يمكن أن تقوم بتنفيذ أي مهام أو تحركات داخل أو خارج إسرائيل دون علم كل جنرالات القوات الجوية الإسرائيلية، وهيئة الأركان ومجلس الوزراء الأمني المصغر الإسرائيلي، ورئيس الوزراء ورئيس الدولة.
أبجديات العلم العسكري، تقول بأن ما قامت به الطائرات الإسرائيلية يندرج ضمن إطار عمليات الاستطلاع الجوي، واختبار ردود أفعال الطرف الآخر والذي هو سوريا.
• الإدراك السوري للأداء العسكري الإسرائيلي:
حتى الآن، لا يفهم، وربما لا يريد الإسرائيليون أن يفهموا ويعلموا تمام العلم، بأن أفضل من يدرك الإسرائيليين في هذا العالم، هم السوريين، وأن أفضل من يستطيع أن يتحكم في ضبط وتوجيه الأداء السلوكي للإسرائيليين هم السوريون، وبالتالي فإن ما قامت به الطائرات الإسرائيلية ليلة الأمس، يتطابق تماماً مع ما قامت به في العام الماضي، وأيضاً مع ما ظلت تقوم به لسنوات طويلة في لبنان. وبالتالي، إذا كانت العملية الإسرائيلية تهدف إلى كشف الممرات الجوية (الأمنية) للطائرات الحربية العسكرية داخل المجال الجوي السوري، فعلى  الإسرائيليين أن يفهموا تماماً بأن الجيش العربي السوري يعرف مواعيد إقلاع وهبوط الطائرات الإسرائيلية الحربية والمدنية ، ولو كان الأمر يتعلق بمعرفة مدى قدرة الدفاعات الجوية السورية في اصطياد الطائرات الإسرائيلية، فإن على الإسرائيليين إدراك مدى الخسائر الفادحة التي تعرضت لها قواتهم الجوية في المواجهات السابقة مع سوريا، وإضافة لذلك يتوجب عليهم أن يضعوا في الحسبان، أن سوريا تحسب ردود أفعالها جيداً، وأن بإمكانها اصطياد هذه الطائرات لحظة إقلاعها من مطاراتها، ناهيك عن تركها تدخل المجال الجوي السوري، ولكن ما هو مهم بنظر سوريا في الوقت الحالي، هو أن تكف القيادات الإسرائيلية عسكرية كانت أم مدنية، عن التمادي والإفراط في ارتكاب الأخطاء التي قد يترتب عليها الكثير من المخاطر الباهظة التي قد تضطر إسرائيل إلى تحملها، ليس حرصاً على مصلحة إسرائيل، ولكن حرصاً على السلام وعدم إرهاق المجتمع الدولي بحرب مدمرة أخرى، حيث أن سوريا اكتفت بطرد هذه الطائرات عن مجالها الجوي.. وفي هذا دليل، لو يفهم الإسرائيليون، بأن سوريا لو كانت فعلاً تتقصد إشعال الحرب وإشعال كل المنطقة، فإن الأمر لن يتطلب من السوريين أكثر من بضع دقائق وبعدها قد لا يجد الإسرائيليون الوقت الكافي لدخول الملاجئ.
• تداعيات السلوك الاستفزازي الإسرائيلي:
إن ما قامت به الطائرات الإسرائيلية يفضح مدى انكشاف عزلة القيادات الإسرائيلية، ومدى حالة الضعف والارتباك الكلي والجزئي، وهو ارتباك واضطراب أخذ طابعاً مؤسساتياً يمسك بقوام دولة الكيان الإسرائيلي، وعلى ما يبدو فإن الحسابات الإسرائيلية الخاصة بهذا الإجراء المتهور تقوم على الدوافع والمحرضات الآتية:
- رغبة قيادة الجيش الإسرائيلي، الظهور بمظهر البطولة والـ(سوبرمان) المتفوق، على النحو الذي يعيد لهم صورة القوة العسكرية القديمة، التي مرغها في الوحل حزب الله اللبناني في حرب الصيف الماضية، على النحو الذي دفع إسرائيل الهرولة إلى مجلس الأمن الدولي بحثاً عن قرار وقف إطلاق النار المؤدي إلى وقف الهزيمة الشاملة التي كادت أن تحل بقواتها في جنوب لبنان.
- رغبة الحكومة الإسرائيلية في نقل الرأي العام الإسرائيلي إلى مربع جديد، وإخراجه من مربع تقرير فينوغراد الذي استطاعت حكومة أولمرت تأجيله تمهيداً إلى إبطال مفعوله وطي معطياته نهائياً.. وذلك بحيث يتيح هذا المربع الجديد للحكومة الإسرائيلية الحالية كسب الرأي العام وجعله يقف معها تحسباً للمواجهة المحتملة مع سوريا..
- رغبة الحكومة الإسرائيلية في استخدام هذه التحرشات من أجل تقوية موقعها في مؤتمر الشرق الأوسط الدولي الذي دعت له إدارة بوش.
- رغبة الحكومة الإسرائيلية في إرسال إشارة إلى سوريا، على النحو الذي يدفع سوريا إلى تقديم التنازلات في المفاوضات المحتملة حول السلام بين إسرائيل وسوريا.
إن كل هذه الدوافع والمحرضات، لن تستطيع أن تشكل أو تؤسس لأي ديناميكية مؤثرة على المواقف السورية المبدئية الثابتة القائمة على التمسك بالحق في المطالب المشروعة، وبالتالي فإن على القيادات الإسرائيلية أن (تلعب غيرها).
إن قيام الطائرات الإسرائيلية بانتهاك المجال الجوي السوري يؤكد الكثير من الافتراضات والأفكار ليس لسوريا والسوريين، بل لكل العالم، بأنها أفكار أصبحت، تأخذ شكل البديهيات اليقينية، ومن أبرزها:
* عدم جدية الإسرائيليين في تحقيق السلام.
*استخدام الإسرائيليين للاستفزازات العسكرية وشبه العسكرية، والسياسية من أجل تقويض مسيرة السلام.
لن نقول بأن عملية انتهاك الأجواء السورية سوف تضر بمسير السلام، وإنما أضرت فعلاً بالجهود الدولية والإقليمية، الداعية إلى السلام ومنع وقوع الحرب الشاملة في المنطقة والمتضرر الأول هو إسرائيل نفسها وليس سوريا، وذلك بسبب:
- فقدان مصداقية إسرائيل أمام العالم
- عدم ثقة الشارع العربي في التوجهات الإسرائيلية.
- اهتزاز صورة حلفاء إسرائيل في المنطقة مثل مصر والأردن والسلطة الفلسطينية.
والآن على القيادة الإسرائيلية أن تعترف مرة أخرى بفشلها أمام سوريا وأن تعلن لشعبها وللعالم بأن الطائرات الحربية الإسرائيلية قد حاولت القيام بعملية استطلاع جوي داخل الأجواء السورية وذلك من أجل اكتشاف الممرات الجوية الآمنة التي يمكن أن تتسلل منها خلسة الطائرات الحربية الإسرائيلية في العدوان الذي تريد إسرائيل تنفيذه لاحقاً ضد سوريا ولكن الطائرات الإسرائيلية فشلت في تحقيق مهمتها، فقد اكتشفتها الدفاعات الجوية السورية وتصدت لها وفقاً لقوة محسوبة هدفت فقط لطردها من الأجواء السورية وإن أرادت إسقاطها لفعلت ذلك بكل سهولة ويسر ولكن بسبب عدم رغبة سوريا في التصعيد العسكري الذي قد يضر بمسيرة السلام في المنطقة فقد اكتفت بعملية الطرد، ولكن إن تمادت إسرائيل وحاولت ذلك مراراً وتكراراً فإن سوريا سوف تكون مضطرة إلى أن ترد على إسرائيل على أساس اعتبارات (أنها قد اختارت الحرب).


تحليل عملية الاختراق الجوي في الاعلام الاسرائيلي:

 تناقلت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة الأخبار والمعلومات التي تعلقت بقيام الطائرات الحربية الإسرائيلية باختراق المجال الجوي السوري من جهة الحدود السورية- التركية في فترة ما بعد منتصف ليلة الأربعاء، (أي في الساعات الأولى من صباح الخميس) وقيام هذه الطائرات بإلقاء بعض العتاد في المناطق الصحراوية السورية.
* ردود الأفعال الإسرائيلية:
تباينت ردود الأفعال الإسرائيلية الرسمية، وغير الرسمية، ويمكن استعراضها على النحو الآتي:
أولاً: ردود الأفعال الإسرائيلية الرسمية
- الجيش الإسرائيلي: أعلن الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي بأنه ليس لديه تعليق على التقارير الإخبارية السورية، وأضاف قائلاً (ليس من عادتنا أن نستجيب لهذا النوع من التقارير الإخبارية)
- مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي: تحدث الناطق الرسمي باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت قائلاً: "ليس لدينا تعليقٌ آخر". بخلاف ما ورد في بيان الجيش الإسرائيلي.
ثانياً: ردود الأفعال الإسرائيلية غير الرسمية:
صحيفة هآرتس: برز رد فعل هآرتس من خلال ثلاثة مواد صحفية نشرتها على موقعها الإلكتروني، كانت على النحو الآتي:
- المادة الأولى تمثلت في تقرير إخباري أعده مراسل الصحيفة: يواف شتيرن، حمل عنوان (سوريا: أطلقنا النار على طائرات الجيش الإسرائيلي التي انتهكت مجالنا الجوي، وألقت العتاد).
وقد لخص مراسل الصحيفة ما ورد في البيان السوري الرسمي، وبعض التحليلات التي تناقلتها القنوات التلفزيونية.. ولكنه أضاف في نهاية التقرير فقرة أشار فيها إلى حديث بعض المسئولين الإسرائيليين له، الذين قالوا بأن سوريا قامت مؤخراً بتقليل استعداداتها العسكرية، وأشار أيضاً إلى تصريح خافيير سولانا مسؤول السياسية الخارجية في الاتحاد الأوروبي، والذي قال فيه بأنه لا يوجد سبب للقيام بأي صراع عسكري بين سوريا وإسرائيل.
- المادة الثانية: وتمثلت في تقرير نقلته الصحيفة عن وكالة رويترز، أورد التسلسل الزمني للوقائع والأحداث التي دارت بين سوريا وإسرائيل منذ عام 1947م وحتى آب- اغسطس عام 2007م. وعلى ما يبدو فإن اهتمام الصحيفة بعرض هذه الخارطة الزمنية يحمل في حد ذاته إشارة تهدف إلى لفت الانتباه إلى مسار التفاعلات والوقائع والأحداث الجارية بين سوريا وإسرائيل، واتجاه تطوراتها، وما كان لافتاً للنظر ما ورد في مقدمة هذا التسلسل الزمني، من أن سوريا وإسرائيل تعتبران رسمياً في حالة حرب، وكل ما هناك أن وقفاً لإطلاق النار مازال سارياً في مرتفعات الجولان منذ عام 1974م.
- المادة الثالثة: وتمثلت في تحليل قام بإعداده يواف شيترن مراسل هآرتس، نشره موقع الصحيفة الإلكتروني مساء اليوم، حمل عنوان (تحليل: المسألة هي، كيف سترد دمشق؟) وقد وردت فيه النقاط الآتية:
. تم كثيراً وصف هذا الصيف باعتباره سوف يكون صيفاً ساخناً بين سوريا ولبنان من جهة، وإسرائيل من الجهة الأخرى.
. اليوم إسرائيل أصبحت طرفاً في التصعيد العسكري الأكثر أهمية، والأول منذ أكثر من عام، فهل يمثل هذا بدء اندلاع الحرب؟
. التقارير الواردة من سوريا تصف هذه الواقعة بأنها حادثة معزولة وليست جزءاً من معركة أو حرب، ومع ذلك، فهذه الواقعة تطرح عدداً من التساؤلات.
. شددت سوريا من جانبها منذ الوهلة الأولى على حقها في الرد، وبأنها تقوم بالتفكير في رد الفعل المناسب الذي يمكن أن تتخذه. ويضيف التحليل، واصفاً الرد السوري بأنه سوف يقدر الكيفية التي ستتم بها سائر الوقائع والأحداث الأخرى.
. يقول التحليل بأن الكثير من الأسئلة مازالت بلا إجابة، فيما يتعلق بتفاصيل واقعة اختراق الطائرات الإسرائيلية للمجال الجوي السوري، ومن بين هذه التساؤلات: ما هو العدد الفعلي للطائرات التي نفذت عملية الاختراق؟ وأين كانت هذه الطائرات عندما تم على وجه التحديد إطلاق نيران الدفاع الجوي السوري عليها؟ ويشير التحليل إلى ما أوردته وكالة رويترز بأن شهود عيان قد أفادوا بوجود أربعة طائرات بالقرب من الحدود السورية- التركية، وأشار تقرير آخر بأن طائرة إسرائيلية واحدة، تمت مهاجمتها في منطقة القامشلي غير البعيدة عن الحدود السورية- العراقية.
. أشار التحليل إلى أن بعض المحللين قالوا بأن مهمة الطائرات الحربية الإسرائيلية كانت تهدف إلى اختبار الممرات الجوية داخل سوريا، والتي يمكن للطائرات الحربية الإسرائيلية استخدامها دون أن يتم اكتشافها بواسطة الرادار السوري.
- صحيفة يديعوت أحرونوت:
نشرت مادتين حول واقعة انتهاك الطائرات العسكرية الإسرائيلية للمجال الجوي السوري:
المادة الأولى: أعدها المحرر روبي ناحمياز، وحملت عنوان (سوريا تقول بأن دفاعاتها أطلقت النار على الطائرات الإسرائيلية في وقت متأخر من ليلة أمس (الساعات الأولى من صباح الخميس).
ونقل هذا التقرير كل ما ورد في أجهزة الإعلام ووكالات الأنباء، ولكنه أضاف قائلاً بأن الطائرات الحربية تقوم أحياناً بالتخلص من بعض عتادها بإسقاطه من الجو وذلك حتى يكون وزن الطائرات أكثر خفة، على النحو الذي يتيح لها سهولة المناورة!.
استعرضت المادة مقاطع من حديث وزير الإعلام السوري محسن بلال، ثم انتقلت بعد ذلك إلى القول بأن إسرائيل قد اعترفت تماماً بأنها ظلت تقوم بالتحليقات الجوية فوق لبنان بشكل دوري لأغراض الاستطلاع، ولكن من غير الواضح. على حد تعبير تقرير الصحيفة (الكيفية التي قامت بها الطائرات الإسرائيلية بالتحليق فوق سوريا)
ولكن هناك إدراك بأن الطائرات الإسرائيلية تقوم بطلعات جوية للتحليق فوق مرتفعات الجولان من أجل الرصد والاستطلاع.

 

الجمل قسم الترجمة والدراسات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...