(الجمل) تحاورالسوبرانو ديمة أورشو

25-12-2006

(الجمل) تحاورالسوبرانو ديمة أورشو

الجمل ـ حمص ـ يامن حسين:   إن كان الفن هو فرح الانسان فمن المفرح لك وأنت تبحث في قاموس المفردات لتجد كلمة تعبر عن الموسيقية المتألقة السوبرانو ديمة أورشو , وستفرح بعوالم مختلفة مضيئة ومتوهجة  وتجارب موسيقية جادة في سورية.
خلال البحث عن أعمال الموسيقية الرائعة ديمة وجدت نفسي غير قادر على الإحاطة بها في مقال, فطلبت منها لقاءً,ورغم وجودها في الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الماجستير واقتراب موعد الامتحان وافقت مشكورة على اللقاء.

ـ بدايةً سنحاول التعرف على ديمة أورشو السيرة الفنية .
 تجربتي مع غناء الأوبرا في الحقيقة لم يكن مخطط لها لا من قريب ولا من بعيد. لكن أستاذي الرائع فيكتور بابينكو( أستاذ الهارموني و قائد الكورال في المعهد ) و الذي هو واحد من أهم الأشخاص في حياتي الموسيقية.. هو من دفعني باتجاه الأوبرا مما جعلني أغير إختصاصي في السنة الثالثة من الكلارينيت إلى دراسة الأوبرا. أنهيت خمس سنوات في المعهد العالي للموسيقى ,وتخرجت لأحمل شهادة البكالوريوس بغناء الأوبرا كأختصاص رئيسي و الكلارينيت كأختصاص ثاني.  في عام  1999 قدمت لي الحكومة الهولندية منحة لدراسة الغناء في كونسرفاتوار ماستريخت . بعد أن عدت إلى دمشق و إلى جانب  قيامي بحفلات موسيقية دورية , اتجهت إلى التأليف الموسيقي للمسرح  و السينما حيث قمت بوضع الموسيقا لعدد من الأفلام القصيرة لمخرجين سوريين شباب و للفليم الطويل " تحت السقف" من اخراج نضال الدبس و انتاج المؤسسة العامة للسينما.
 في 2003 تشكلت فرقة حوار ومعها تشكلت متعة جديدة و تجربة جديدة . في نفس الفترة تقريباًً, انتسبتُ لفرقة" ليش" للمسرح الحركي  كمؤلفة و مغنية. و قدمت مع " ليش" عدة أعمال  رعاها المركز الثقافي الألماني بدمشق ,منها عمل " أحلك الأوقات" الذي هو عبارة عن قصائد لبرتولد بريخت أعدها فريق "ليش" لتقدم بشكل مسرحي بمرافقة خماسي موسيقي شارك في العرض بعزفٍ حي, وعمل " مومو" عن رواية للكاتب الألماني  ميشيل انده و هو اسطوانة سمعية موجهة للأطفال بشكل عام و المكفوفين بشكل خاص.
في عام 2004 توجهت الى بوسطن لأتمام دراساتي العليا في كونسرفاتوار بوسطن  . وأول عمل اوبرالي  شاركت فيه في بوسطن كان في شهر شباط  2005وهو أوبرا"حلم ليلة صيف" .طبعاً الليبريتو(النص) عن شكسبير أما الموسيقا  فهي من تأليف البريطاني بينجامين بريتن. قُدِّمَت الأوبرا بقيادة فريدريكو كورتيز و اخراج سانفورد سوليفان على المسرح الكبير في كونسرفتوار بوسطن . كانت تجربة رائعة ومحفزة جداً فالعمل مع السيد سوليفان -الذي هو بالأصل مغني باريتون ذائع الصيت في بوسطن و أميركا - وكذلك قائد الأوركسترا  الأيطالي كورتيز -الذي يعمل جنباً إلى جنب مع قائد الأوركسترا أوزاوا -كان فرصة كبيرة لي لأكتساب خبرات جديدة و هامة,وحاليا أقوم بالتحضير للأوبرا الثانية التي هي أيضا من مؤلفات بينجامين بريتن و التي ستعرض أول شباط القادم 2007.
- ديمة أورشو ليست مغنية أوبرا فحسب بل أيضاً دارسة أكاديمية لتاريخ الموسيقى وستحصل بعد فترة على ماجستير في الأوبرا ماهي طبيعة دراستك للموسيقى وما الأهمية الكامنة في دراسة الموسيقى  كعلم ؟
حالياً و بحكم دراستي لنيل شهادة الماجستير في الأوبرا(opera performance)
من كونسرفتوار بوسطن, أمضي الوقت الأطول في دراسة تاريخ الموسيقا وعلم تدريس الصوت و الغناء, بالإضافة إلى دروس التمثيل التي لا غنى لمغني الأوبرا عنها, وهناك الحفلات الدورية والمشاركة في عروض أوبرالية.  هذا الإنخراط التام جعلني واثقة أكثر من أي وقت مضى من أهمية الدراسة الأكاديمية للموسيقا.قد يعتقد البعض أن الموسيقا الكلاسيكية الجادة مملة. ومنهم من يعتبر الأوبرا ( ولولة) و البعض الآخر يعتبر الجاز (ضجيج) السبب في ذلك غياب الثقافة الموسيقية منذ الطفولة في مدارسنا.ربما  يباغتني البعض بالقول: هذا الكلام غير صحيح فهناك دروس اسبوعية للموسيقا في المدارس. و لهؤلاء الأعزاء أقول أن علوم الموسيقا تختلف عن إنشاد الأناشيد . دراسة  علوم الموسيقا  بشكلها التجريدي  كدراسة  الصولفيج و الهارموني و الكونتربوان  هي اشبه بدراسة الرياضيات والفيزياء فهي تعتمد كلياً على معادلات و قوانين تشرح علاقات الأصوات مع بعضها. وما يجعل هذا العلم (الموسيقا)  من العلوم الجديرة  بالأهمية  أنه لا يخاطب العقل فقط بل يخاطب ما هو أعمق من ذلك....النفس البشرية. لذا كان لفلاسفة الإغريق دراسات مطولة عن تأثير الموسيقا على طبائع البشر وتصنيفهم لها تبعاً لتأثيرها الملاحَظ على الإنسان. ولنفس السبب فرضوا تعليم الموسيقا والعزف على الجميع رجالاً و إناثاً , ثم جاء الباحثون العرب من بعدهم ليترجموا و يطوروا فلسفة الإغريق و نظرياتهم  في علم الموسيقا و تأثيرها على الأنسان .
-الحديث عن ديمة أورشو وعن السيرة الموسيقية  يأخذنا للحديث عن فرقة "حوار" التي قدمت أعمالا موسيقية متألقة. كيف نشأت "حوار" ؟

فرقة حوار بدأت بحفل موسيقي . آنذك لم يكن هناك حوار أو مشروع حوار بشكله الحالي. كنان العظمة( عازف كلارينيت-مؤلف)  و عصام رافع (عازف عود-مؤلف) كان لديهم هاجس موسيقي دائم في البحث و التجريب .اتفق الإثنان على حفل موسيقي  وحاولوا البحث عن أشخاص لديهم نفس االهاجس ,فما جمع حوار بالفعل هو الهاجس المشترك لتجريب وسائل تعبيرية جديدة  في الموسيقا. بعدها اجتمعنا ومعنا أيضا سيمون مريش (عازف درامز) و خالد عمران(عازف كونترباص)  و بادي رافع (عازف ايقاع) .قمنا بالتدريب على مجموعة قطع كتبها كُلاً من كنان و عصام , ثم ولدت حوار بانطلاق هذا الحفل في كنيسة الزيتون في دمشق عام2003 وحضرها آنذاك قرابة ال 1500 شخص . بعد الحفل شعرنا بسعادة غامرة و حماس شديد للمتابعة  فالأصداء كانت ممتازة مما أدى لاستدعاءنا  لبيروت من أجل تقديم حفل آخر نتج عنه عرض من شركة سي دي تيك اللبنانية لتسجيل و تسويق أول سيدي لحوار.
- اختارت حوار استبعاد الكلمة حيث يظهر أداءك على انه آلة موسيقية قائمة بحد ذاتها  وتقوم أحيانا بعزف منفرد .كيف تصفين اندماج الصوت البشري مع بقية الالات و استخدامه كألة تمتلك التكنيك و المقدرة التعبيرية بمعزل عن الكلمة؟
إن اختيار حوار لاستبعاد الكلمة له  أهداف انسانية  وموسيقية بحتة... الموسيقا هي اللغة الوحيدة التي يمكن من خلالها التواصل مع أشخاص في اليابان مثلاً  أو في أي مكان آخر في العالم, و بشكل مباشر يمس أحاسيسهم وعواطفهم وعقولهم ,بعيداً عن الكلمة التي قد تخلق حاجزاً للتواصل عندما تكون اللغة غير مفهومة ( كما يحدث في مجتمعاتنا العربية من غربة عن الأوبرا مثلاً). برأيي أن استخدام الصوت البشري في حوار بهذه الطريقة  يذكِّر بالأشكال الأولية للتواصل عند الأنسان , فاستخدام الصوت بنبراته المختلفة ومخارجه العديدة و أحاسيسه المتنوعة التي لها دلالات واحدة عند جميع البشر هو ما جعلنا  نختار في حوار أن تكون الموسيقى المجردة  من الكلمة هي اللغة المستخدمة في التواصل .  هذا التجريد اعطى المستمع  حرية كبيرة في رسم تفاصيل اللوحة المقدمة له, حيث استطاع  بمخيلته أن يضيف إليها  زخرفاته  و أن يسقطها على تجربته الحياتية الخاصة التي لا يمكن أن تشبه أي تجربة أخرى.

- هل سيتقبّل الجمهور السوري هذه التجربة الجديدة في زمن صارت الأغنية و اللحن  سلع استهلاكية؟
من التجربة ... و منذ انطلاق الفرقة في عام 2003 و حتى الآن, من الملاحظ أن الجمهورالسوري تقبل تجربتنا  بشكل رائع. ففي جميع الحفلات التي قمنا بها في سوريا, كانت الصالات مكتظة بالحضور .الشعب السوري شعب مبدع و خلاق , و على مر الزمان احتضنت هذه البقعة من العالم  الموسيقا و الفنون عامة , لذا فتذوق تجارب موسيقية جديدة  ليس بعيداً عن ذائقة الشعب السوري بشكل عام .بالرغم من الشوائب الموسيقية التي تعم مجتمعاتنا السورية و العربية  وحتى العالم ,  لكن أعود للقول أن هناك الكثيرممن يبحثون عن تجارب موسيقية جديدة تنقذهم من هذه الشوائب.

- ما هي اليات تطوير الموسيقى في سوريا؟
نحن بحاجة الى أن يكون التوجه الآن للطفولة و بناء الأطفال على أسس تبين أهمية الفن في حياة الفرد . عندها  قد يكون الفن هو الوصفة السحرية التي قد تعيد المياه إلى مجاريها.  هنا يكمن دور الخريجين و الدارسين الذين لا بد ان يحملوا في جعبتهم حصيلة السنين التي قضوها يعملون و يتعلمون, ويعودوا ليساهموا بشكل جدي في تطوير الوضع الموسيقي والثقافي بشكل عام.
كما اننا بحاجة لجهات ثقافية داعمة وفاعلة  لجعل الحالة الموسيقية ثقافة معممة على الجميع  و بأسعار معقولة .في مصر مثلا  يوجد "المورد الثقافي" الذي يرعى  الثقافة و الفن في مصر و الوطن العربي ويساهم في نشرهما بربح مادي ضئيل من خلال المهرجانات التي يقوم بها . المورد  الثقافي هي الجهة التي دعت حوار لتقديم حفل في القاهرة  في أيار الماضي من ضمن فعاليات مهرجان الربيع, الذي دعي اليه ايضاًً  كلاً من مارسيل خليفة , انور ابراهام و فرقة مومو المغربية و غيرهم. التجربة كانت رائعة بالنسبة لحوار ,و الجمهور المصري عبرعن اعجابه لوجود  مثل  هذه التجربة الموسيقية الجادة  في الوطن العربي و كان ذلك واضحاً فيما كتبه الإعلام المصري عن هذا الحفل.
- واقع الموسيقى بسورية وتحديداً الأوبرا ما انجازاته ؟ من هم مغنوا الأوبرا السوريون؟ ماذا حققوا ؟
قبل عشرين سنة. لم نكن نسمع عن أي دلالات للأوبرا في سوريا .الآن .. أصبح لدينا مغنيين احتلوا مراتب عليا عالمياً كالسوبرانو لبانة القنطارالتي فازت بالمرتبة الخامسة بمسابقة الملكة اليزابيث في بلجيكا و هي من أهم المسابقات الموسيقية في أوروبا ,السوبرانو تالار دكرمنجيان تعمل حاليا في بلجيكا  بعد ان درست في هولندا
الميتزو سوبرانو سوزان حداد أنهت دراستها في هولندا و عادت الى دمشق  لتعمل  في التدريس و لتنقل خبرتها للطلاب في سوريا , الباريتون بيير الخوري أيضا درس في إيطاليا  وعاد ليعمل كأستاذ في المعهد العالي للموسيقا , التينور باسم الخوري يحقق نجاحات كبيرة في هولندا و يعرض مع فرق أوبرالية مختلفة , الكاونتر تينور رازق بيطار يدرس أيضا و يعمل في إيطاليا, و لن ننسى السوبرانو نعمى عمران التي هي من أوائل خريجي المعهد العالي للموسيقا .
- ماهي المشاريع الجديدة وماذا في الأفق من أعمال لديمة ولفرقة حوار؟
هناك مشروع قد يكون طويل الأمد لكني سأعمل جهدي ألا تأخذني العروض و الحفلات و المشاريع الأخرى  من تحقيقه و هو ترجمة بعض الكتب الهامة في تاريخ الموسيقا و نشرها لطلاب الموسيقا في سوريا و الوطن العربي لأفتقار الساحة العربية إلى مراجع متخصصة و تفصيلية.
أما عن جديد حوار فهناك اسطوانة جديدة في المستقبل القريب, انتهينا من تسجيلها و تتم الآن عمليات المكساج في ألمانيا . نأمل أن نقوم بأصدارها في سوريا في أواخر الربيع القادم و لا بد من الذكر أن حوار في هذه الإسطوانة استضافت ثلاثة عازفين ألمان : وهم (مانفرد لويشتر, أنطوان بوتز, شتيفان تورميلين).
أما عن تجربتي مع العازف و المؤلف غزوان زركلي, فقد قمنا أيضا بتسجيل أسطوانة من مؤلفاته الكلاسيكية الغنائية  . القصائد الملحنة في هذا العمل هي لخيرة الشعراء أمثال محمود درويش , بدر شاكر السياب , سميح القاسم ,خير الدين الزركلي  , سليم الزركلي و حسين حمزة. بالأضافة إلى موشح "ما احتيالي"  من مؤلفات أبو خليل القباني و الذي أعاد غزوان تلحينه بأسلوب جديد ساحر. نتوقع اصدارهذه الاسطوانة في الربيع القادم  بعد مجموعة حفلات نُعِدُّ لتقديمها في بوسطن و واشنطن.


الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...