هيكل:نظرية الأمن الإسرائيلى هو أن يقاتل العرب بعضهم وما من شخصية أفضل من بشار الأسد في العالم العربي

27-12-2015

هيكل:نظرية الأمن الإسرائيلى هو أن يقاتل العرب بعضهم وما من شخصية أفضل من بشار الأسد في العالم العربي

اطلّ الكاتب الصحفى المخضرم محمد حسنين هيكل، على مشاهديه، مع الإعلامية لميس الحديدي في برنامج «مصر أين وإلى أين» على قناة «سى بى سى»، محللا الأوضاع الراهنة، وكيفية نفاذ البلاد العربية إلى المستقبل، وسط صراع محموم لم ينقطع على مقدرات العالم العربى، الذى شدد على أنه يعانى التمزق والتشتت، وأنه آن الأوان للقوة القادرة فيه للاجتماع على وضع رؤية يمكن من خلالها الانطلاق إلى المستقبل.


وشدد هيكل فيما يخص الأوضاع الداخلية فى مصر على أن المشكلة الراهنة فى مصر الآن مرتبطة بغياب الحقائق، ومسالك الطرق غير الواضحة، ولا يزال العمل فيها بدون خريطة واضحة للمستقبل، وأضاف «كان الله فى عون الرئيس السيسى، فى أوقات كثيرة أتعجب كيف ينام؟»، مشيرا إلى أنه قبل يومين قال له السيسى «إنه لا ينام إلا ساعتين»، مشيرا إلى أن ذلك ليس بسبب القلق.. لأن هذا البلد إذا لم يتنبه أخشى أن يكون فى طريقه للخروج من التاريخ».

وأكد الكاتب الصحفى الكبير على أن الفريق المعاون للرئيس يحتاج أن يكبر جدا، لأنه فى أحسن الأحوال به أناس لديهم نوايا طيبة، وما حول الرئيس بيروقراطية لتسيير الأمور وليس للتغيير، وهذا البلد يحتاج لتغيير الأمور أكثر من التسيير، ونحن فى لحظة خطرة، ويجب أن يكون هناك مقصد واضح وخريطة واضحة، لما نريد أن نذهب إليه، ويحدد هذا حوار بين كل قوى الوطن، وهذا غير حاصل وبداية الحوار الحقيقى أن يتم إعداد صورة حقيقية وممثلين حقيقيين للشعب.

وفي الإطار الدولي اعتبر هيكل أن هناك حالة واحدة يمكن من بعدها للرئيس السوري بشار الأسد أن يرحل، تتمثل في إيجاد شخصية واحدة في الوطن العربي أفضل من الأسد، معتبرا ان التركيز على سوريا يعود لاعتبارها الجائزة الكبرى في العالم العربي. داعياً للتنسيق والحوار بين مصر وسوريا برئاسة الأسد

وفيما يلى نص الحوار:

● دائما فى نهاية العام اعتدنا مع الأستاذ هيكل النظر لعام مضى لكن بنظرة مختلفة لعام يأتى.. ونذكر أنك قلت إنه عام قد نواجه فيه بعض المخاطر ولكن هناك مخاطر يمكن اقتناصها، ونحن الآن قاب قوسين أو أدنى من انعقاد أول برلمان عقب ثورة 30 يونيو، وسوف يفتتح الرئيس البرلمان قريبا وقد اكتملت المؤسسات الدستورية.. هل هذه لحظة فارقة؟
ــ نحن فى لحظة خطرة جدا، وكل ما ذكر مهم بالتأكيد، كنا نواجه خطورة غياب البوصلة، ولدينا مشكلة خطيرة جدا، فتوجد تضاريس جديدة وعالم يختلف كل يوم.. ولسوء الحظ بسبب ظروف سابقة مر بها البلد، الذى فى بعض اللحظات ضل طريقه للمستقبل، ونحاول الوصول من وقت لآخر لنقطة انطلاق حقيقية، وهنا نحتاج لجهد غير عادى لامساك زمام الأمور مرة أخرى ثم التطلع للعالم.
ولا يبدو أننا نفهم ونعى العالم من حولنا كما يجب، ولا نفهم التغييرات التى يمر بها العالم من حولنا يوميا، ولا نعرف كيف نجد طريقنا للمستقبل؛ لغياب البوصلة، وفى لحظة من اللحظات كنا نعرف أين نحن تقريبا، لكن العالم تغير جدا جدا وخرائطه يعاد رسمها، ولكن لم نستشرف نحن شكلا ما هو حادث.
نحن أمام لحظة فارقة وخطرة تحتاج لعمق أكبر مما نراه، وجسارة أكبر مما نراها الآن، وأعتقد أنه قد آن الأوان لأن ينطلق هذا البلد بقيادة الرئيس السيسى ونخب البلد كله، لأن القضايا أمامنا أكبر من جهد رجل واحد أو مجموعة من الناس، فنحن أمام عالم اذا لم نلحق به سوف تتركنا عربة التاريخ، ولا أريد التشاؤم لكن يجب أن نقلق لأننا نحتاج للنظرة العميقة لهذه اللحظة التاريخية، وأنا متفائل بالطبع لكن هناك مشكلة وهى غياب الحقائق، ومسالك الطرق غير واضحة، ولايزال العمل بدون خريطة واضحة لمستقبل أنا موجود فيه أمام العالم، وما يقلقنى أننى أرى خرائط متغيرة، ففى أعلى خريطتنا أوروبا تتغير وأفريقيا أسفلنا تتحرك، وتحركات واسعة وكبيرة فى آسيا، ونحن لا نزال نقف ونأخذ الأمور على هوانا فى وضع تباطؤ، وأتمنى فى هذه الحظة أن يضع أحدهم أمامى الطريق ومعالم الوصول إليه.

● وماذا تتوقع وتتمنى أن يقول الرئيس فى افتتاح البرلمان؟
ــ بصراحة لم يعد يهمنى ذلك، بصراحة الاقوال كثيرة جدا.. والناس كلها تتكلم، لكن المهم الدخول بمحطة واضحة صوب المستقبل، ويهمنى أن يدخل للبرلمان الجديد ولديه نقط واضحة دون كلام كثير.. نقط تحدد التحديات.. نقط واضحة للنفاذ لهذه التحديات، ضعى خريطة العالم أمامك.. وانظرى أين نحن؟ ففى وقت من الأوقات كنا موجودين فى خرائط التحرر الآسيوى والافريقى، الآن غير موجودين فى هذه المناطق، وكنت فى وقت من الأوقات موجود فى حوض البحر الابيض المتوسط وتراجعنا، وشرق البحر الابيض المتوسط به إسرائيل وتركيا.. أين نحن؟ واين العالم العربى؟ اخشى أن عناصر القوة تاهت منا، ونواجه عالما يقتضى أن نستجمع جميع قوانا وهذا غير موجود الآن.

● الرئيس السيسى ورث تركة ثقيلة؟
ــ الرئيس السيسى ربنا يكون فى عونه فى أوقات كثيرة أتعجب كيف ينام الرئيس، وهو قال لى منذ يومين أنا لا أنام إلا ساعتين.

● ساعتين فقط؟
ــ ليلا.

● من القلق؟!
ــ القلق أقل بكثير ما توصف به المخاطر، وهذا البلد إذا لم يتنبه اخشى أن يكون فى طريقه للخروج من التاريخ.

● من التاريخ ؟!
ــ تتحدثين عن التفاؤل وأنا بالفعل بطبعى متفائل، لكننى أحذر من أننا لا نستطيع أن نواجه مستقبل أمة بالأوهام والأحلام، المنطقة المحيطة بنا الآن لم يصبح وضعها مثل الرجل المريض الذى أطلق على العثمانيين، لكننا أعتقد ــ وأخشى أن نكون ــ فى مرحلة أخطر من المرض أنا قلق وهذا حقيقى.

● الرئيس سوف يفتتح البرلمان خلال ايام، دائما كنت تقول إنه مطالب بأن يتحدث ويبين الحقيقة للناس.. هذه تحدياتنا وهذه مشكلاتنا وهذه طرق خروجنا منها.. ماذا تتوقع منه؟
ــ هناك توقع وهناك تمنٍ وأخشى باستمرار أنه قد يغلب عليه جانب الحذر، ومن ثم التفاؤل والرجل بطبعه متفائل وهذا جيد، ولكن أخشى ألا يتم تقليل الفجوة بين التفاؤل وبين الحقائق.
وحتى نقيس موقفنا لابد أن نسأل أين أنا من رضا الناس بشكل كامل أو بشكل معين؟ أخشى أن اقول إن هناك أناسا موافقين على الحاصل؛ لأن البدائل مخيفة وقد جربوها ورأينا مصائب وهناك جزء من الرضا نوعا من القبول بالمصائر، لأن البدائل غائبة ولا أريد أن أقول مزعجة.
أتصور أن الرئيس وهو ذاهب للبرلمان لابد أن يقول الحقيقة، لكن لابد أن يكون هناك طريق عملى للخروج، ولا أتصور أن مصر وحدها قادرة على الخروج للمستقبل وهى تحتاج لقوى حقيقية واحتياطات كافية، والاحتياطى الكافى هو العالم العربى، ولا اظن أن مجمل السياسات المطروحة على الساحة يكفى لإقناع الناس بأن هناك مستقبلا مرضيا ومقبولا.

● من يحدد هذه الرؤية؟ فى الولايات المتحدة الامريكية مثلا الرئيس يأتى لسدة الحكم بوجهة نظر حزبه وبفريقه المعاون وبريطانيا وإيطاليا، ولكن هنا الرئيس بلا حزب؟
ــ بلا حزب وهذه المشكلة، فالمشكلة أولا الرجل ــ كان الله فى عونه ــ جاء فى وطن جرف وأخطاء تاريخية لا أريد الدخول فيها، وجاء الرجل فوجد أرضا فى منتهى الصعوبة وطرق المستقبل كلها عقبات لابد أن ترفع حتى يكون بوسع هذا البلد أن يتقدم، وأن تكون معه قوى واضحة، وأن يكون الخطاب الرسمى فيه دعوة واضحة لمشاركة الجميع ومواجهة مواقف محددة ومفصلة ومدروس، وأخشى أن نواجه ما لم ندرسه بشكل كاف، ونواجه ما نحن غير مستعدين لمواجهته، ولا يمكن أن يعمل الرئيس بأربعة من المعاونين أو ثلاثة.

● مازلت ترى أن فريق الرئيس يحتاج أن يكبر أو يزيد على هذا العدد؟
ــ الفريق المعاون للرئيس يحتاج أن يكبر جدا وأن يكون ممثلا لشىء، والفريق المعاون للرئيس فى أحسن الاحوال ناس لديهم نوايا طيبة، ولكن ما حوله بيروقراطية وهى لتسيير الامور وليس للتغيير، وهذا البلد يحتاج لتغيير الامور أكثر من التسيير، ونحن فى لحظة خطرة، ويجب أن يكون هناك مقصد واضح وخريطة واضحة لما نريد أن نذهب إليه، ويحدد هذا حوار بين كل قوى الوطن، وهذا غير حاصل وبداية الحوار الحقيقى يجهز صورة حقيقة وممثلين حقيقين للشعب.

● ربما كان الرئيس فى العام ونصف العام الأول من حكمه مهتما بتثبيت أركان الدولة وحماية مؤسساتها بعدما واجهت إرهابا ومخاطر وضغطا خارجيا هل هذا الهدف انتهى؟
ــ أريد أن اقول إن هدف الامن هدف مطلوب عند التقدم فى أى خطوة، مطلوب للأمن أن يفتح طرق تقدمك، وأن يحمى أجنابنا من جميع النواحى، لكن هناك ضرورة لتحديد هدف المستقبل؛ لأنه افق مفتوح ويجب أن نحدد إلى أين نحن ذاهبون.

● بمعنى ماذا يجب أن يفعل؟
ــ العالم كله يجرب ويتغير، لابد أن نحشد قوى الوطن على رؤية، والمشكلة أنه لا يوجد حشد لقوى هذا الوطن، ولا توجد رؤية، وهناك نوايا طيبة وأمانى تثير الاحترام، ولكن بالفعل القطار وقف فى المحطة فترة طويلة ونزل وهبط ركاب وينتظرون الصفارة للانطلاق.

● ولا نعرف أين سيذهب بنا القطار؟
ــ بالفعل ذهبنا وتوقفنا ولا نعلم إلى أى اتجاه سيقودنا القطار.. الحقيقة هناك اشياء كثيرة متروكة للتمنى وأنا أخشى من هذا.

● تشغيل الطاقة الكلية للمجتمع.. هل ترى أن اول خطوة تجفيف حدة الاستقطاب؟
ــ أول خطوة لا يمكن لبلد يذهب لمستقبله وهو متوتر وخائف من المستقبل، ولا يمكن هذا دون خريطة للمستقبل، هناك اشياء كثيرة جدا، وأنا أرى الخطاب العام فى هذا البلد مرتبك ومختلط بشكل غير طبيعى.

● وهناك تلاسن وحدة؟
ــ يوجد ما هو أسوأ من التلاسن، وصلنا إلى حد التخوين، وأصبح هناك سيادة لخطاب الجهل، والصوت الاعلى الذى يسمع هو هذا الخطاب، مطلوب من القيادة أن ترسم الطريق وتحدد الخطة إليه.

● نحن نرى فى الاعلام تلاسنا وسبابا واشياء أخرى هذا دوره الرئيسى؟
ــ لا يستطيع أن يضبط هذا الشىء، ولكن ما هى أسباب التلاسن؟ اسباب التلاسن أن هناك فراغا موجودا فى الرؤى السياسية وطرق الحركة للمستقبل وقصور فى توصيف المستقبل، والتلاسن يأتى من العطلة، ولا توجد قاطرة تعمل وتسير وليس لها صوت مسموع، والجميع يقول ما يقول فى وسط غياب الحقائق، وهناك سطحية شديدة فى تناول شئون المستقبل.

● هل هذا الفراغ يشعل الصراع بين الأجهزة الامنية لتعبئة هذا الفراغ؟ وهل هناك صراع على سلطة ما؟
ــ فى مرات حلت الاجهزة الامنية محل العمل السياسى، فى وقت من الاوقات المخابرات نشطت فى أفريقيا واثيوبيا، وكان الاعتراض ممكنا على بعض الاساليب فى إثيوبيا مثلا، ولدينا أخطاء هناك، ولكن بشكل عام هناك تحركات وسعى، وقد تفلت البوصلة أحيانا لكن لا تخرج خارج السياق، لكن السياق الآن غير واضح.

● قلت يجتمع الرئيس مع قوى المجتمع.. لكن بصراحة الأحزاب ضعيفة ومفتتة جدا؟
ــ أول واحد اعترف بهذا، لكن ضعى برنامجك وتوجهى به إلى الشعب، حدث هذا فى التاريخ.. فرنسا مثلا عقب الحرب العالمية، جاءها ديجول فقدم برنامجا وجده البعض صعبا للتحقيق وبدا أمام البعض وكأنه وهم، لكن الإرادة حولته من وهم لتصور، لفعل، القضية أنه لم يمنح أحدهم خريطة لهذا البلد لتصور مستقبلى له، وكيف ينهض وايضا الوطن العربى.

● هل يعقل أن تترك سوريا فى هذه اللحظة فى هذه الأوضاع؟
ــ أعلم أن لدينا مشكلة.. انظرى إلى عواصم العالم العربى التى كانت متفاعلة اصبحت خالية من الحيوية.

● الحكومة لديها مشاكل كثيرة.. فى كل يوم تستيقظ على مشكلات الإرث القديم والناس لم يعد بوسعها التفكير بشكل استراتيجى؟
ــ أنا مسلم أن الموقف معقد جدا، والمشكلة أن غياب الرؤى وغياب الحوار أحد الأسباب، لكنى أرى «تخبطا» فى الظلام أكثر من اللازم، وقلق منه.

● أعود للحياة السياسية.. هل ترى أن هذه الاحزاب تمثل القوى الحقيقية فى الشعب أم أننا أمام هياكل لمؤسسات لا تعكس ذلك؟
ــ أتفق معك أنها قد لا تمثل شيئا لكن دعيها تمثل أى شىء.. أطرحى رؤى المستقبل.. هنا المبرر الوحيد لبقاء أى أحد فى السلطة أن يكون لديه رؤية حتى لو غير مرتبة للمستقبل، ويرتبها الحوار، وهذا قد يحدث والتسيير ليس رؤية، أما التغيير والتقدم لما يوائم العصر هو المطلوب.

● ما هو التغيير المطلوب؟
ــ هل يعقل أن يترك العالم العربى وهو أبسط شىء.. اين أنا من العالم العربى والخارجى؟! ومع العلم أننى كمصر لست مصدرا للثروة ولست قوة عسكرية كبيرة لكن أحسب قوة بمعيار أن أحسب على أمة بموقع مهم، بموارد معينة بمقدار وجودى فى الاقليم نفسه، ونحن بشكل أو بآخر نحتاج لديجول، دور آخر صوت جهورى وسط هذا الكم من الصراخ.. يخرج الصوت العاقل يقدم رسالة للناس ويأخذهم خلفه.

● ما هو مضمون الرسالة؟
ــ مضمونها أن يقول أحدهم، هناك أمل، هناك عناصر لهذا الأمل، وهذه وسيلتى لتحقيق هذا الامل وهذه عجلاتى للتقدم اليه.
ونحن عندما نقول احتياجات الناس، نحن هنا نتحدث عن الاغلبية الساحقة منهم، أغلبيتهم وجوهر الديموقراطية هو التعبير عن أكبر كتلة من الجماهير، وحتى هذه اللحظة لم أر ورقة أو خطاب رؤية يعبر عن هذا المكبوت الموجود فى قلوب الناس، ولا يوجد تعبير عنه، ولا يوجد هناك خريطة للاستجابة له .

● البرلمان على الابواب وهناك ائتلافات، هل ترى أنه كان يجب أن يكون للرئيس أغلبية أفضل من هذه الاغلبية التى قد تبدو مصطنعة؟
ــ أنت تقولين إنها أغلبية مصطنعة لأن البلد يبدو فى حالة تشرذم كامل؛ لأنه لا يوجد رؤية عليها إجماع الناس.. الأمانى الطيبة لا تصنع رؤى، وأعتقد أن الاحزاب باستمرار المعارضة أو القوى السياسية تأتى ردة فعل لأمرين: أول شىء الامانى المطلوبة لدى الناس، والامر الثانى هو كمية الضغوط التى من الممكن أن تعمل تحتها هذه القوى وقيمتها، ولا يوجد توصيف كامل لما هو موجود من أهداف وتصورات، ولا يوجد قوى تشد فى هذا الاتجاه، والوسيلة أراها فى خطاب حقيقة لا يثير التشاؤم بقدر ما يمثل الحقيقة الكاملة ثم يرسم طريق لتحقيقه.

● من يحدد قيم المجتمع؟ من يستطيع أن يرسم قيم المجتمع.. هناك قيم تتلاشى وأخرى أسوأ تظهر؟
ــ يحددها التعبير عن الناس، هناك بعض الأصوات النشاز نسمعها وبعض الاشياء من العيب أن نتحدث فيها، وتوصيفها عيبا، ولكن غياب الرؤية يؤدى لزيادة التخبط فى الظلام.

● لكن هو ليس بإمكانه أن يفك كل هذه الاشتباكات بين كل شخصين؟
ــ ليس فك اشتباكات بالمعنى الحرفى، لكن خذى الحركة الوطنية كمثال فى مصر؛ فالحركة الوطنية طرحت قضية وحول القضية كانت خلافات، وحزب الاغلبية (الوفد) تقدم فى مرحلة من المراحل سواء فى عهد سعد زغلول أو مصطفى النحاس حتى معاهدة 36، وهى قوى وطنية، وقيادة وطنية طرحت قضية الاستقلال وجندت جماهير خلفها، واستطاعت ممارسة الضغط ووصلت لشىء ما، لكن دون أن احدد معنى «كيف اقود» هى أن يكون لدىَّ رؤية أستطيع أن أقنع بها الناس، وجمهور كبير من الناس، وليس فك اشتباكات بالمعنى الحرفى.

● هل من الممكن أن تكون الرؤية وأنا أستشفها الآن من كلام الرئيس هى فكرة الدولة الوطنية وسط تفتت الاقليم؟
ــ أريد أن أقول إن الدولة الوطنية وسط تفكك الإقليم، نحن هنا نتحدث عن «ديكتاتورية».. بصراحة اذا كنت سوف أعتقد اننى وحدى مكلف بأن اقود، فجوهر السياسة هنا هو أن تعبرى وعن طريق التعبير تقودى، لكن إذا تصورتِ أنك مكلفة بالقيادة هكذا بالحق الإلهى هذا غير صحيح، فالقضية الاولى أن يحدد النظام أنه يمثل من؟ عبر آمال وطموحات الجماهير التى من خلالها نصل عبر خطاب ليس بخطاب أمانى بقدر ما هو رؤية للمستقبل.

● لكن هذا النظام يسعى لتحقيق رغبات الناس التى تريد أكلا وشربا وتعليما؟
ــ أكل الناس هو ابسط شىء ممكن تحقيقه، تصورى مستقبلا وأعطيه للناس واعود إلى ما فعله عبدالناصر وقيمة ما صنعه رغم الاخطاء، لكن فى لحظة من اللحظات عبر عن مطالب الناس وحاول التحرك فى طريق الاستجابة لها وهذا جعله بطلا شعبيا.
الرئيس السيسى جاء وسط آمال للناس وهذا حقيقى، والرجل جاء وأراد أن يفعل لكن المشكلة فى ظنى أن العدد المحيط به قليل جدا، والشىء الثانى أن الرؤية التى امامه لا تكفى لتعكس التصورات الكثيرة للمستقبل، نريد منه أن يفتح المزيد من المجال العام، وأنا أعرف أن المجال العام ملىء بالسلبيات.

● فى الشأن الاقتصادى يبدو أن هناك قلقا وتوترا بين القطاع الخاص والنظام هل أزعجك ما حدث لصلاح دياب؟
ــ أقلقنى لأبعد مدى، وما حدث لصلاح دياب غريب جدا، أنا رأيت صورته يوم اعتقاله فى فناء بيته، وهو فى حالة ذهول لما حدث له ولا أتصور أن رجل أعمال أو مواطنا يدخل اليه أحدهم ويأخذه من غرفة نومه فى منتصف الليل، ماذا لو انتظرنا للصباح؟!

● ما هى خطورة هذه الصورة؟
ــ هذه الصورة تقلق الكثيرين، ولا يمكن أن يحدث هذا، ثم نقول للناس اطمئنوا، واعملوا وأنتم لديكم الفرصة، وما حدث قد يبدو وكأنه «رأس الذئب الطائر».

● هل لهذا تم الافراج عنه؟
ــ أى رجل أعمال يقوم بشىء يستوجب المساءلة، يساءل، لكن طريقة المساءلة لابد أن تكون مختلفة، حددوا له موعدا وقولوا له تعال فى الصباح وهات محاميك معك، لكن أن أتوجه لبيوت الناس بهذه الطريقة، وآخذ الرجل بهذا الشكل أمر غير مفهوم، ثم عندما يتذمر الناس نتركه.

● هل تشعر أن العدل غائب؟
ــ العدل هو معيار انسانى تختلف فيه الرؤى، ولكن هناك قانون ومهمته أن يصوغ العدل فى نصوص قابلة للتنطبق.

● هل ترى أن القانون لا يطبق بالشكل اللازم؟
ــ فى حالة صلاح دياب القانون لم يطبق ولا يمكن أن يكون هناك قانون يتسق وأن يوقظ احدهم من نومه ويجد مسدسات موجهة إليه.

● لا يمكن أن يكون هناك خارطة للمستقبل دون أن يكون الشباب جزءا منها؟
ــ كيف يمكن أن نجذب الشباب دون وجود نموذج واضح؟ كيف يمكن شد شباب للعمل السياسى وأن يقتنع الناس أن ما تقولينه يمكن ان ينتج اثرا؟ اذا شعر الناس أننا نتبنى فكرة قولوا ما تشاءون ونحن سوف نفعل ما سنفعل هذه قسمة «ظالمة جدا» خاصة للشباب، الشباب يريد أن يقول كلمة ويشعر أنها اثرت فى مجتمعه وفى حياته، لكن اذا قلنا «قول من هناك لبكرة الصبح» دون اثر، إما أن يتحول إلى شخص يائس أو يتحول مع الأسف الشديد إلى ارهابى، لابد ان تكون الاستجابات واضحة للمطالب العادلة.

● الشباب بعضه محبط ولا أريد أن اقول كله؟
ــ هناك عدة اشياء فى مسألة إحباط الشباب أول شىء أن العالم كله فى لحظة انتقال، والمطالب متغيرة، وهناك حالة سيولة، وبالفعل أى حاكم من الممكن أن يأتى لتحديد بالضبط ماهو المطلوب .

● وربما يشعر الشباب أنه بعد ثورتين لم يستطع تحقيق أحلامه؟
ــ هذا صحيح وجزء من المشكلة الحالية التى نعيشها، ففى 25 يناير كل الناس كانت تشعر أنها أمام شباب حدودهم هى السماء، وبشكل أو بآخر أحبط لأمرين: الأول أن ماصنعه ذهب للإخوان، ثم جاءت عملية التصحيح، ولكن حتى الآن التصحيح لايزال يعبر عن أمانى ورؤى ليست مكتملة، فلا توجد خطة ولا نداء واضح.

● هل تشعر أن قوى الماضى تظهر بين الفينة والاخرى تطل برأسها؟
ــ أليس هذا طبيعيا؟ هل تتصورين أن الماضى سيصاب بسكتة ويختفى ويخرج مستقبل مزدهر مشرق من تلقاء نفسه، لابد أن يكون هناك مراحل بها اختلاط والتباس بين ما كان وبين ما تطلبين.

● وهناك قوى تريد أن تعود؟
ـــ هذا طبيعى أنها تريد أن تعود.

● كيف تتوقع شكل الخريطة للعالم العربى فى 2016، بعد ما حدث فى 2015 من ارهاب وسقوط دول وصراع فى سوريا والاتفاق مع ايران والمتغيرات فى المنطقة.

ــ أعتقد أن المشرق العربى معرض لخطر كبير جدا، ليس خطر ايران لأنه آخر خطر قد يقلقنى، لكن أعتقد أن هناك أسبابا للضعف، بعضها قد يكون مقصودا، هى منطقة أحلام ومطامع، إسرائيل ليس لها مطامع فى جنوب سيناء، لكن الصراع على منطقة الهلال الخصيب وفى قلبها سوريا، وتذكرى أنه حتى فى عهد العثمانيين كانت سوريا قلب الصراع على مستقبل الوطن العربى، وقد تركناها بمفردها، وأخطأنا فى تقديرها وحقها، وقد رأيت هذا بنفسى حتى فى حرب أكتوبر 1973، وقت قبولنا بوقف إطلاق النار، وذهبت رجوت الرئيس أنور السادات «لا أستطيع وقف إطلاق النار هنا حتى يتم إبلاغ السوريين»، فقال لى وقتها أبلغهم عبر السوفييت، فقلت اتفقوا معنا على الحرب وتوقيتها ووقت خروجنا علينا ابلاغهم، ولم يكن مستعدا واعتقد أن الوطن العربى سيظل اليوم وغدا وفى الفترة القادمة متأثرا بهذا الموقف الذى انفردنا فيه ودخلنا مع الجميع فى قرار الحرب، وخرجنا بمفردنا فى قرار السلم، وهذا لم يصنع سلما، والعالم العربى الآن أعتقد أنه ممزق، حيث يشعر داخله فى لحظة تقرير مصير أنه لم يكن على مستوى المسئولية وهناك دول تصورت أنها تستطيع أن تخرج بمفردها بثمن أعلى ولم يحدث.

● عودة لسوريا مرة أخرى فى 2016 الصراع الامريكى ــ الروسى عليها هل هذا الصراع موجود؟
ــ باستمرار هناك صراع دولى على سوريا فهى مدخل شبه الجزيرة العربية والمدخل للعراق وايران.

● هل تتوقع بعد قرار مجلس الأمن الأخير أن يحدث نوع من التوافق المؤقت بين روسيا والولايات المتحدة الامريكية فى المرحلة القادمة، وأن يتم التوصل إلى حل أم أن الوجود العسكرى الروسى هناك يؤجج الصراع فى سوريا؟
ــ سوريا باستمرار تعكس قلق المنطقة، ولا يطمئنها إلا بأحساسها بأن مصر معها أولا، وأن الخليج ليس ضدها وما حصل لأسباب كثيرة جدا لن ندخل فيها أشعر سوريا بقلق فتصرفت بعصبية، لأنه لا الخليج مهتم ولا مصر حاضرة، وهذا أشعر سوريا بالقلق فأصبحت هى الاخرى تحدث مشاكل، وهذه المشكلات استغلت بواسطة قوى للنفاذ إليها، فهى شاطئ البحر المشرقى كله وهى بوابة ايران والعراق كلها.

● كيف أكون مع سوريا؟ هل مع بشار أم المعارضة السورية؟
ــ مع الشعب السورى أى أمن سوريا.. هناك قصور من جانبنا، نحن لا نبادر، نحن ننتظر أن يتصل الآخرون بنا، ونسينا أن دور القيادة أن تبادر ومصر تحتل مكانة معينة فى العالم العربى وهذا يقتضى أن تكون هى المبادرة وعندما ترى أن سوريا فى خطر علينا أن نطمئن سوريا حتى لا ترتكب مزيدا من الاخطاء.

● نطمئن من نظام بشار الاسد ام المعارضة؟
ــ لا أستطيع أن أفرض سلطة معينة على بلد معين، لكنى مضطر للتعامل مع بشار والاوضاع فى سوريا، لا أملك شيئا آخر ولا أحتاج فيها لإذن من أحد، ولكن خطابك للشعب السورى على مدى سنوات منذ أحداث سوريا لم يطمئن أحدا.

● هذا فى النهاية تصريحات.. ما هو الفعل الواجب على الارض تجاه سوريا؟
ــ ليس شرطا أن تكون جزءا من أحداث سوريا أن تكونى موجودة على ارضها، ومن يتصور أن نفوذ أى طرف فى صراع معين مرهون بوجوده على مساحة معينة من الارض يكون مخطئا، ونحن فى مصر نستطيع أن نؤثر فيما حول سوريا وفى إعطاء سوريا الطمأنينة دون أن يكون هناك حماقات عندها.

● هل نفتح حوارا مع بشار الاسد؟
ــ ولما لا؟ اذا كنت وصلت لفتح حوار مع إسرائيل، ما يمنعنا أن نقدم على هذا؟ نتفاوض مع بشار وغير بشار.

● فكرة التفاوض مع كل الاطراف؟
ــ تفاوضى مع الجميع، عندما نتحدث عن مصر، فنحن نتحدث عن أنها طرف ينظر إليه من جميع الاطراف فى المنطقة العربية على أنها الشقيق والسند الحقيقى حتى قبل عام 1952، كل النضال فى هذه المنطقة قد بدأ من القاهرة أو جاء اليها، فهى عاصمة دولية موجوده فى البحر المتوسط، مسموعة فى العالم كله، وكل الناس طرحت قضاياها للعالم من القاهرة.

● هل تعتقد أن 2015 سيكون نهاية لحكم بشار الاسد؟
ــ أنا أعتقد أن بشار الاسد يسقط فورا إذا ظهر فى العالم بديل أفضل منه فورا، لكن تعالى ننظر للوطن العربى كله فى أوضاع سيئة نحن نركز على سوريا لأن الغرب يركز عليها ولأنها الجائزة الكبرى فى قلب البحر المتوسط.

● ماذا عن جماعة داعش التى ظهرت لنا فى العام الاخير والعالم كله ليس بوسعه أن يقف أمامها؟
ــ أولا نحن نبالغ جدا فى خطر داعش ومرات الناس فى عجزها تتوارى أمام ظواهر تجمع الناس حولها، داعش ليس لها تواجد حقيقى إذا وقف العالم العربى بشكل حقيقى ليس بتناقضاته أو بالطريقة التى نسير عليها. داعش تظهر لأن الثغرات كبيرة فى الصفوف العربية الحقيقية.

● هل القضاء على داعش من الداخل؟
ــ وقت أن يقوم العالم العربى بسد ثغراته وتوحيد صفوفه، أو يتكلم لغة واحدة على الاقل، نحن ليس لدينا والخليج يريد بمفرده لكى لا يضغط عليه، والشام لديه ضغوط تركية ومن إسرائيل، ومصر بعيدة بشكل آخر ومصر موجودة بمفردها؛ لأن مشاكلها كبيرة مثل مياه النيل وغيرها، فالحلم أن نكون ضمن كيان اكبر أو قوى فاعلة ومؤثرة لكن المسألة أن كل القادرين على التأثير فى الوطن العربى كلٌ يمشى فى اتجاه.

● هل نسينا إسرائيل فى الازدحام؟
ــ نحن نسيناها بالفعل.

● هل اصبحت أمرا واقعا؟
ــ وهذا كان قصدها.. تذكرى أن ديان قال «إن قوة جيش الدفاع الإسرائيلى جيدة لمواجهة العرب، لكنها قوة ردع، لكن ما يمنع العرب عنى وأطمئن أنهم بعيدون عنى أن أشعر أنهم دخلوا فى تناقضات رئيسية مختلفة عن الصراع العربى الإسرائيلى» بمعنى أن نظرية الأمن الإسرائيلى هو أن يدخل الوطن العربى فى بعضه ويقاتل فى بعضه ويترك إسرائيل وهذا ما حدث .

● كيف وهى تقتل عميد الأسرى اللبنانيين السابق سمير قنطار وغيره؟
ــ القتل لا يصنع قوة، أى واحد فى الصعيد يقتل «خط الصعيد» مثلا لكن القتل ليس المعيار.

● لكنها ثبتت اركانها كأمر واقع؟
ــ أمر واقع فى هذه اللحظة التاريخية، هذا التشرذم العربى والانفكاك العربى فى الوقت الحالى أعطاها بعض القوة، لأن القوة العسكرية عقيمة بوسعك قمعى اليوم لكن لن يستمر هذا.

● لكن القضية الفلسطينية توارت الآن؟
ــ لأن الوطن العربى الآن كل بلد فيه دخل فى قضية تشبه القضية الفلسطينية، وكل بلد فى العالم العربى مهدد لانقسامات فى الداخل وغارات فى الخارج ومخاوف أمنية.

● مشكلة المياه والمفاوضات مع إثيوبيا وأزمة سد النهضة، إلى أين نذهب فى هذه القضية؟
ــ أتذكر علاقة عبدالناصر بالإمبراطور الإثيوبى بهيلا سلاسى، حين قال عبدالناصر: هذا بلد لا أملك أن أختلف معه حتى لو كان رجعيا، وقالها النحاس وسعد زغلول من قبله.. لا بد فى العلاقة مع إثيوبيا وكل دول حوض أن أكون جادا ومحترما، لأن حياتى كلها تأتى من هناك، فكيف أملك ترف الخلاف معهم؟

● القيادة السياسية الحالية قد تكون فى أزمة؟
ــ أعتقد أن هناك جهودا كثيرة علينا بذلها لكى نمد الجسور، لأن الطمأنة بين الدول لا تأتى بالكلام، والعلاقات بين الدول تسير بمبدأ لا تقل لى ولكن دعنى أرى .

● ماذا نفعل أكثر من ذلك؟
ــ علينا التطرق للمشاكل السابقة فى التاريخ، علاقتنا بدول حوض النيل كان بها علاقات مع المستعمر، ثم دخلنا فى مرحلة من الود الذى ضاع لأسباب تتعلق بنا، والعلاقات لا تقوم فقط على الزيارات، لا بد أن يشعر الآخر أننى أريده معى لأنه ضرورة.

● ولكن نحن أيضا نريد أن نشعر بالجدية وأننا لا ندور فى حلقات مفرغة؟
ــ ساقول لك شيئا، إفريقيا كانت تنظر لمصر باستمرار كموقع إفريقى متقدم، هل هى صدفة أن تبدأ حركات التحرر الوطنى من القاهرة؟ بداية من مانديلا إلى ما تشائين.. كنت عاصمة التحرر فى إفريقيا كيف فرطنا فى هذا الموقف؟

● ما الذى على القيادة الحالية أن تفعله؟
ــ العلاقات بين الدول ليست كعلاقة بين فتاة وشاب حدث بينهما خلاف ثم تصالحا وذهبت إليه ترجع الوردة الذابلة فى الكتاب.

● قمنا بثورتين وغيرنا قيادات؟
ــ صحيح، لكنك تحتاجين لبناء ثقة.. الرئيس السيسى زار إثيوبيا لكن هذا ليس كافيا، لابد من جهد منسق ومنظم ومتبادل المنفعة. قاعدتك الأساسية، فى العلاقة مع إفريقيا، هى قوتك الداخلية ثم مساندة العالم العربى ثم نفاذك ووصولك لإفريقيا.

سأحكى لك قصة، مرة زارنى أحد وزراء الخارجية الذين جاءوا لزيارة الرئيس السادات فى الهليتون، السادات تحدث وقتها بلغة الخديوى إسماعيل، قال لهم: «إنتوا متخيلين إن مكانى هيبقى مع المتخلفين؟ أنا مكانى مع المتقدمين».. كان يقصد المتقدمين عبر البحر شمالا، لكننى أرى أنك لا يمكن أن تصلى لأوروبا بمفردك .

● من معى إذا أردت الوصول لأوروبا؟
ــ ضعى فى اعتبارك أن مصر بلد لا يكفيه موارده، وهناك زيادة فى عدد السكان، ونحتاج لتعاون حقيقى مع العالم المحيط والمتفاعل معنا، وخصوصا العالم العربى.. البعض يتخيل أن انشغالنا بالقضية العربية هو إضاعة للوقت، لكن الحقيقة أن هذا هو الاستثمار فى المستقبل. لا فائدة إذا لو ذهبت للعالم كله بمفردك، ولكن لو معك العالم العربى، فسوف تكونين قوة حقيقية .

● هل نحتاج إلى دول إفريقية غير السودان فى التفاوض حول أزمة سد النهضة؟
ــ مصر ببساطة بلد حاجاته أكثر من موارده، والطريق لتصحيح هذه المعادلة المختلة هو الحيز الذى أخذناه فى الوطن العربى أو الأقليم الذى نحن فيه، لأننا لا نستطيع الخروج للعالم إلا من خلال أن نكون مسندوين على العالم العربى.

● ما هو محيطنا الذى يجب أن نهتم به؟
ــ الجغرافيا هى التى تحدد هذا المحيط باستمرار والتاريخ يؤكده، ولم يحدث أن كنت قوة يعترف بها إلا من خلال وجودها فى محيط الإقليم. مصر بمفردها ستواجه مشاكل، لكن من خلال محيطها العربى والإفريقى والآسيوى تصبح قوة كبيرة جدا، ومن الغريب أننا نحاول اختراع أشياء جديدة رغم أن تجربة التاريخ موجودة أمامنا، مصر لم تقو أبدا إلا بمحيطها العربى.

● ليبيا تمثل خطرا كبيرا فى ظل ظروفها وحدودنا الكبيرة معها؟
ــ ما يقلقك فى ليبيا هو غياب الدولة والفوضى الشديدة، وهو جزء من حالة عامة فى العالم العربى نحن سمحنا بها، أو على الأقل سمحنا لها أن تحدث، وفتحنا الطريق بخروجنا من محطينا.
مصر باستمرار هى العنصر القادر على خلق التوافق فى الوطن العربى، لأنها تقول إنها القوة المركزية، تعالى معى حيث نريد جميعا، فهناك هدف مشترك ومجال تنمية، حتى لو تجاوزنا الصراع العربى ــ الإسرائيلى.. أيضا خطابنا أصبح محليا منذ فترة وبقسوة، وأكاد أقول إن خطابنا أصبح ريفيا لايقنع أحدا.

● حتى صحافتنا وإعلامنا؟
ــ لا أريد الاقتراب من الصحافة والإعلام.. هل هذا إعلام؟ كل مساء تشاهدين المعارك على الشاشات، ولو قلت كلمة تبدأ البرامج فى العواء طوال الليل حتى الفجر.

● مصر لم تكن، دوما، دولة غنية بمواردها لكنها دولة التأثير، هل خف هذا الوهج؟
ــ طبعا، أبسط شىء قديما أنك كنت مع كل ثائر فى إفريقيا، ومع كل حركة تحرر فى إفريقيا أو آسيا، كان هذا مكانك الصحيح، ثم انتقلت للمكان غير الصحيح.

● كيف أستطيع استعادة المكان الصحيح؟
ــ عودى للمكان الصحيح وستجدين نفسك تتصرفين بالشكل الصحيح، اعرف أن قيمتك فى وجودك وسط الوطن العربى والعالم الآسيوى والإفريقى، وأن أى وهم يصور لى أننى سأسير عبر البحر لأوروبا غير صحيح. عزل العالم العربى الإسلامى كان أول أهداف من يطلبون السيطرة فى العالم.

● فى نهاية 2015، ما هى رسائلك للعام الجديد؟
ــ لا أريد أن أقول إنها رسالة للعام الجديد، لكن رسالة للناس التى ستقابله، وهى ليست رسالة بالضبط، لكن أعتقد أن العالم العربى يحتاج أن يطل على العصر أكثر، فالزمن والأساليب سبقتنا، نحتاج تجديد الرؤى حتى نرى العالم كما هو، وليس كما نتصوره، وهذا البلد بالذات عليه أن يقدم رؤية بشكل أو بآخر للمستقبل، نصف أوروبا يعتقد أننا إرهابيون والنصف الآخر يعتقد أننا رجعيون، وما بين الرجعية والإرهاب لايوجد فارق كبير.. السياسية نحن أبعد عنها، وأتمنى فى العام الجديد أن يكون هناك مجهود منسق مع مصر والسعودية والجزائر وكل القادرين، نحن لا نوظف قوى العالم العربى كلها نحو مستقبل الوطن، آن الأوان أن نعى أنه لا يوجد دولة عربية بمفردها قادرة على النفاذ لكل هذا العالم الذى نطل عليه، نستطيع أن نصل للعالم إذا تحرك القادرون فينا.

● نحتاج مؤتمرا لمجموعة القادرين؟
ــ أنا من أنصار أن يدعو الرئيس السيسى لمؤتمر عربى يحدد أولويات وتحديات المستقبل، ولكن عليه أن يحدد ما هى الرؤية التى يجب أن يجمع عليها العالم العربى، ويقدم عليها ويقنع بها الآخرين، لأنه إذا لم نلتحق بالعالم، وإذا لم نكن جزءا من الحوار العالمى الدائر الآن وإذا لم نواجه العصر سنخرج خارج التاريخ.

● هل العالم العربى مستعد لعودة مصر للقيادة؟
ــ القيادة تولد حيث يوجد دور ما، فإذا وجدت دورك وجدت جوهر القيادة، لأنها تختلف عن الرئاسة، فالرئاسة تراتبية، أما القيادة فهى تمثل الإمساك باللحظة، وإذا أمسكت باللحظة فأنت تقود اللحظة، ومصر ينبغى أولا حتى تقوم بدورها العربى والآسيوى والإفريقى، لابد أن تجد نفسها، بتعبيرها عن الطموحات الحقيقية لما ينبغى أن تكون عليه أحوالها، فنحن دخلنا وراء أوهام كثيرة جدا مشابهة لأوهام الخديوى إسماعيل، وهى ليس لها أساس من الصحة، نحن نحتاج للعودة لقياس قدراتك وتحديد مكانتنا بمقدار مانقدم من قدرات، ونعرف أهمية العمل الداخلى والربط الداخلى والبحث عن إجماع على شىء داخلى، ثم اطرحى نفسك وأنتِ تمثلين شيئا.
الغلطة التى نرتكبها دائما، هى أننا نتصور أننا نقود. لا يمكن لأحد أن يقود بحجمه ولا بعدد سكانه، أو يقود لأنه يريد أن يقود فقط. الصين طول الوقت كانت أكبر الدول فى عدد السكان لكنها لم تقد إلا عندما وجدت الإرادة من غير التمنى.. فالإرادة هى الأرض الحقيقية التى تقف عليها، ونحن الآن نحتاج العودة للعالم ليس بالاستجداء أو الانكسار، كما نحتاج إلى أن تظهرى للعالم من منطق أنا جزء منك وجزء من قضاياك، وأنا فى منطقة أستطيع أن أؤثر فيها.

● هل هذا فقط ينطلى على العالم العربى أم ينسحب على إفريقيا؟
ــ ينسحب على إفريقيا وعلى كل جزء فى الدنيا.. أريد أن أقول شيئا، العالم لاينظر إليك، لكن ينظر من خلالك بما تتكلمين، ماهى قواك وماهو تأثيرك وماهى قوتك، نفوذك، وهكذا.

● هل ترى أن مصر بكل تحدياتها وأوضاعها الاقتصادية والسياسية تستطيع أن تكون مؤثرة؟
ــ التأثير ليس بكون أحوالك مثالية، لكن تأثيرك يكون بمواجهة حقائق ظروفك، وتأثير أى بلد يكون من خلال اهتماماته بشأنه الداخلى أو طموحاته المشروعة حوله.
اليوم لديك عالم عربى يرجوك أن تتفضلى وتقوديه، يرجوك أن تتقدمى لدورك، ليس من خلال الترأس أو أن نتدلل ونأمر، لكن لابد أن تقدمى نفسك للعالم باهتمامك بقضاياك وقضايا العالم العربى. وقضايا عالمنا العربى لاتكاد تذكر فى مصر الآن .

● تحدثت عن العالم الغربى الذى ينظر إلينا بريبة.. بصراحة، ما ذكر بشأن سقوط الطائرة الروسية وهذا التكالب علينا، هل ريبة أو تزيد؟
ــ قد أرى أنه رد فعل بزيادة بعض الشىء، لكن الأمور لا تزيد عن حدودها إلا إذا كانت هناك ثغرات تسمح لها بالتمدد.. كل العالم يحدث به حوادث طائرات، ولكن من سوء الحظ أبدو كأننى عديم أو قليل الكفاءة.
القضية قضية أن يظهر أمام الناس جهدى فى مكافحة الإرهاب، وهذا ليس عن طريق الشرطة فقط، لكن لا بد من أن أعطى أملا للناس، ورؤى ونموذجا. اصنعى شيئا حقيقيا، لأن الدعوة الأخلاقية وحدها لاتصنع قوة.
الحقيقية أننا لسنا موجودين، ماهى علاقتنا بالصين؟ لاشىء.. والهند لاشىء، وماهى علاقتنا بالقوى الحقيقية والمؤثرة فى أوروبا؟ لايوجد. وإفريقيا نفس الشىء.
طوال الوقت، من العصر الملكى وحتى عبدالناصر، أدركت أن هذا بلد لا يمكن لكى أن تتناقضى معه بأى طريقة، حتى لو اختلفت معه، أتركيه بعض الشىء. المصالحة فى بعض الأحيان تقتضى أن تقولى كلمة حق، ولكن بلطف، لاتجرحى دولا لديك عندها مصالح حيوية، خصوصا وأن حياتك كلها للأسف الشديد مربوطة بمصدر واحد، وهو النيل، وأتعجب من أن وزارة الرى هى الجهة المنوط بها التحدث عن نهر النيل.

● هناك الخارجية وجهات أمنية أيضا؟
ــ نحتاج وصولا أكثر لإفريقيا وآسيا. فى وقت من الأوقات كنا موجودين ضمن هذا، وفى لحظة من اللحظات أخذنا اختيارات أخرى. وآن الآوان كى نعود لمواقعنا الحقيقية، أتساءل ماهو الجهد الذى بذلناه مع الهند والصين؟ الصين قد تجامل لكنها غير موافقة على ماتصنعين، ولايوجد حميمية بشىء أو بآخر فى العلاقة.. فى عام 1964 كان هناك مؤتمر آسيوى إفريقى، ثم تعطل المؤتمر بسبب انقلاب الجزائر، بو مدين أخرج بن بيلا، وهناك زعماء بقوا فى القاهرة، مثل شوآن لاى، وأنا أراه فى القصر الذى نزل فيه وكان وقتها موجودا فى قصر الأندلس، وجاء لى، وطوال الوقت نتكلم، وأعرفه منذ وقت طويل، الناس كلها تشعر أن لك دورا مركزيا، وتشعر أنك مؤثر فى هذه المنطقة الحيوية بالنسبة لهم من العالم، لكننا الآن لا نبذل مجهودا.

● ماذا تتمنى أن ترى فى 2016؟
ــ أتمنى أن أرى الرئيس السيسى، بمساعدة آخرين، وهو يضع خريطة للأمل، حيث إننى أعتقد أن مهمتنا سنة 2016 هى وضع خريطة لأمل حقيقى، وخريطة يبدو منها ما أفعله فى الداخل.

● هل المشروعات القومية لا تجمع الناس على مقصد معين؟
ــ مشروع قناة السويس، من الأشياء التى جعلتنى أتفاءل الفترة الماضية، سواء كانت عملية توسيع للقناة أو منطقة حرة، المشروع شجعنى جدا، والعوامل التى كنت أراها أمامى كانت نموذجا لابأس به إطلاقا، غير أن خطابنا للعالم فيه جزء كبير متروك للتمنى، وأنا أتمنى أن نزيح التمنى وندخل إلى الحقيقة.

● ماذا يجب أن يقول الرئيس للمواطن المصرى البسيط؟
ــ أخطر شىء مع المواطن البسيط هو أن نمنحه أملا زائفا، لابد أن يكون الأمل مبنى على حقيقة، وأن يكون أملا مصحوبا بخطة عمل، لأن الأمل دون خطة عمل بلا أجنحة، وأعود لنموذج قناة السويس، والطريقة التى تم بها، لأنه يعكس ما ينبغى أن يتكرر ويلفت نظر العالم.
الفكرة هنا ليست فقط أن يعطينى القوة، لكن أن نعطى للعالم شعورا بأنه نعم نستطيع أن نجعل من هذا البلد شيئا وسندا، وأن نجعل من هذا المجتمع حصن أمان عند اللزوم، وأتمنى أن تعود الثقة للمنطقة، حيث فقدنا جزءا كبيرا من ثقتها فى الفعل المصرى والوعد المصرى، وهذا سيئ جدا.

 

وكالات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...