نجدة أنزور: معركتنا نحو تحرير الجولان وفلسطين ستبدأ من مكة

27-12-2016

نجدة أنزور: معركتنا نحو تحرير الجولان وفلسطين ستبدأ من مكة

ليس غريباً على مخرج كبير صال وجال في أروقة الدراما العربية أن يقطع خطوة جديدة نحو طريق النجاح والتألق في مجالات أخرى فنية كانت أم سياسية، لذلك لم يكن مستغرباً أن يقتحم عالم الفن السابع ويصبح أحد رواده الناجحين، وأن يشغل أيضاً منصب نائب رئيس مجلس الشعب في هذه المرحلة الحرجة والتاريخية في سورية.
نجدة أنزور أثبت تفوقه اليوم بحصوله على جائزتين ضمن فعاليات مؤتمر الوحدة الإسلامية في طهران، الأولى جائزة أفضل فيلم، والثانية أفضل سيناريو وحوار عن فيلمه «فانية وتتبدد» (تأليف ديانا كمال الدين، وإنتاج المؤسسة العامة للسينما) الذي عرضه مطلع العام الحالي.
وكانت رسالة أنزور واضحة في هذا التجمع الديني من خلال الدعوة إلى ضرورة الاهتمام بالثقافة وخلق فكر يوحد الصف الإسلامي لرد الفكر الوهابي التكفيري، ومحاربة الإرهاب والتيارات المتشددة.
ابن حلب الشهباء، قرر الاحتفال بتحرير مدينته من رجس الإرهاب بطريقته الخاصة، فحمل فيلمه «رد القضاء» وبدأ عرضه ابتداءً من يوم أول من أمس في صالة الشهباء (الديديمان سابقاً) لمدة شهر كامل، ليمنح الحلبيين متعة التلذذ بالانتصار الكبير الذي حققه الجيش العربي السوري، على وقع مشاهد مؤثرة لمعركة حصار سجن حلب المركزي.
ويرى أن السيد الرئيس بشار الأسد يعرف نقاط القوة والضعف لدينا، وقد قدم خلال لقائه  الكثير من الطروحات التي تعكس الواقع المعيش، مؤكداً أن صموده إحدى دعائم النصر، وتمنى له الصحة والسلامة.
أنزور صانع المسلسلات السورية الخالدة في حوار طويل نفرده من خلال السطور التالية:

مبارك حصولكم على جائزة أفضل فيلم وأفضل سيناريو في طهران، ما وقعهما عليكم؟
بارك الله بكم.. الجائزة دلالة على أن خطوة إيجابية خُطت في الاتجاه الصحيح، فللمرة الأولى يتم الاعتراف بدور السينما في صنع إعلام شفاف وصادق، وهي جائزة مهمة في هذه الفترة، وأن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً، ومشاركتنا كانت تهدف أصلاً للبحث عن مفاصل الثقة بيننا وبين المجمعات الدينية.
إدارة المهرجان اقترحت علينا المشاركة إلى جانب 37 دولة من أرجاء العالم فوافقنا، وتم اختيارنا للفوز من جانب لجان تحكيم أجنبية من دون تحيز، وكان فيلمنا الوحيد الذي نال جائزة من بين كل الأفلام الروائية.
علماء الدين هناك اعترفوا بدور الثقافة، لذا فإن هاتين الجائزتين غير عاديتين لأنهما تمسان مشروعي بهؤلاء العلماء، فأنا لم أكن يوماً ضد الإسلام كما سوق البعض، لكن كل ما أقوله أن الإنسان هو الأساس.
منذ عرض «ما ملكت أيمانكم» واجهت انتقادات لاذعة وكأنني متهم بعدائي للدين أو رجال الدين، لكني لستُ كذلك، بل أنا ضد الفكر المتطرف وحامليه، لأنهم أخطر من حاملي السلاح.. وتخيل معي أن شخصاً يهدر دمك لمجرد اختلافك معه بالرأي. هذا التخلف أنا ضده تماماً.
وأعتقد أن الموجات الإرهابية ستضرب العالم كله، وربما تحتفل أوروبا بالعام الجديد على وقع الدماء، وسيجنون ذنب ما صنعته أياديهم، لأن التطرف الذي عززوه ضدنا سيعود عليهم من هؤلاء الشباب المهووسين والمجانين.

كون الحكام أجانب، هل يعني أن الفوز اعتراف ضمني بحقيقة الإرهاب؟
طبعاً 100%، وهناك تطور كبير في تفهم واقع الإرهاب الذي يضرب المنطقة، وإن أردنا محاربة تنظيم داعش الإرهابي فإنه لا يكفي القضاء عليه عسكرياً فقط، بل يجب أن يتم القضاء على فكره، وهذا الشيء لا يتم إلا بالفن وليس بالسلاح.

الفن السوري مقاطع في عدد من الدول، فهل للفيلم فرصة بالمشاركة في مهرجانات أخرى؟
هذا الفيلم حصل على جائزة في القاهرة في اعتراف ضمني من الدول العربية أيضاً، وهم يتقبلون عرض مثل هذه الأفلام المضادة للإرهاب لأن مجتمعاتهم بدأت تعيش المعاناة نفسها.
كانوا يعترضون على بعض المشاهد التي تحتوي على بطولات الجيش العربي السوري، لكننا رفضنا حذفها وقلنا لهم «إما أن تعرضوا الفيلم كما هو، وإما ألا يعرض أبداً»، وكنا نتساءل: «لماذا تسمحون للجيش الأميركي بالظهور وترفضون الجيش السوري؟».
بكل الأحوال، فيلم «فانية وتتبدد» عرض في كندا وهولندا وألمانيا وفرنسا، وحالياً أسوقه للصالات الإيرانية، والشيء ذاته بالنسبة لـ«رد القضاء».

المتدينون آمنوا بالفيلم، فهل هذا تأكيد أن الإسلام يرفض المتعصبين؟
هذا المؤتمر عقد أصلاً لتوحيد المذاهب والأطياف الدينية، ومن يقل الله أكبر ويذبح فليس مسلماً بل مجرم، والشكل ليس له علاقة بالإرهاب لأن من اغتال السفير الروسي في تركيا كان يرتدي بدلة رسمية وكرافة.

لكن التشدد الديني لم يأت من فراغ بكل تأكيد، فمن أين أتى؟
الشعب السوري لديه موروث تاريخي، والدولة تساهلت معه في هذا الجانب، فطور المتطرفون أساليبهم منذ الثمانينات وتفننوا بإرهابهم، وللتخلص منهم علينا البحث عن الفكر والمضمون وعدم النظر إلى اللحية كمعيار، وهذا دور كل مواطن وليس الفنان فقط، وكل شخص يجب أن يكون مسؤولاً من منصبه ومكانه.

رجال الدين اليوم كيف ترى دورهم؟ مثل سماحة مفتي الجمهورية؟
سماحة مفتي الجمهورية أحمد بدر الدين حسون لعب دوراً تصالحياً جميلاً جداً في إيصال فكر التسامح والحوار، لأنه شخص مميز ويجب أن يكون فكره منهجاً للجميع.

هل تعتقد أن رسالتك وصلت؟
طبعاً، الرسالة وصلت بنجاح، والأهم أن نستمر، وقد سررت لأن المؤسسة العامة للسينما بدأت فعلياً بالتركيز على قضايا مهمة، فمن غير المعقول أن ينتج هذا العدد القليل من الأفلام ويكونوا بعيدين عن الأزمة.
أنا سعيد لأنني في عام 2016 أطلقت فيلمين، وأتمنى أن أنجز فيلماً ثالثاً ورابعاً وخامساً ضمن الإمكانيات المتاحة بوجود فريق عمل قبل ويقبل العمل بأجور رمزية لإيصال رسالة نثبت من خلالها أننا موجودون.

الملاحظ أنك لا تعتمد على نجوم في أفلامك، أليس ذلك نوعاً من المجازفة؟
دعني أسال: «ماذا فعلت الأفلام الأخرى التي ضمت نجوماً»؟. ما أفعله هو الصحيح وليس مجازفة ولا حتى مخاطرة لأنني لا أقدّم سينما تجارية.
في فيلم «رد القضاء» كنا نريد شخصيات بأعمار معينة، لذلك لجأنا إلى خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية مثل لجين إسماعيل، ونحن اليوم أعدنا التوازن لنؤكد أن غياب بعض الأسماء لا يقدم ولا يؤخر لأن سورية ولادة.

هل هذه الجوائز التي تحصل عليها السينما اليوم تعني أن الأمور بخير؟
السينما السورية تتلمس طريقها، وبدأت تتخذ خطوات مهمة، وأؤكد أن البلد الذي لا سينما فيه لا حضارة فيه.
إن لم يوجد فيلم يحقق طموحاتي لا أقم باشتغاله واليوم بغياب التلفزيون وجدت أن بإمكاني من خلال الأفلام محاربة الإرهاب، هذا الأمر سيولد تنافساً نحو ازدهار السينما.

لماذا لا تكتب أفلامك بيدك مثل باقي المخرجين؟
أنا أسأل: لماذا يكتب المخرجون أفلامهم وهم ليسوا بكتّاب؟ ولماذا يوافقهم الإعلام ويطبل ويزمر لهم؟.
لديّ قدرة على الكتابة لكنني لا أفعل ذلك لأنني أحترم نفسي، فالكتابة فن مختلف عن الإخراج، ومن حقي المشاركة وإبداء وجهة نظري في الفيلم لكنني لا أكتبه كاملاً.
أرى أن للمخرج الحق في تأليف أعماله عندما يكتنز رصيداً سينمائياً كبيراً وموهبة في الكتابة في الوقت نفسه.

بتَ مطالباً بطرح المزيد من القضايا، فهل من مزيد؟
ما زلتُ في بداية الطريق، ولديّ أفكار كثيرة.. وهناك حرب أخرى كبيرة اجتماعية وثقافية على أرض الواقع بعد الشرخ الاجتماعي الذي خلفته الأزمة، وعلينا إعادة نسجه بالفن والثقافة، لكننا إلى الآن لم نواكب الحدث إلا باستثناءات فردية، فالثقافة تحتاج أموالاً كثيرة، وهناك مفهوم خاطئ أنها يجب أن تكون مجانية… لكن لا. الثقافة لها ثمن.
ومن غير المعقول أن تبذل مجهودات كبيرة لإنجاز فيلمك بتقنيات عالية ليعرض في صالات غير مجهزة، باستثناء صالة سينما سيتي.
حتى دار الأوبرا غير مؤهلة للعرض السينمائي وتحتاج لـ500 ألف دولار حتى تجهز، لكننا نعرض فيها من أجل الجمعة… ونطالب وزارة الثقافة أن تلتفت إلى هذا الجانب وتهيئ الإمكانيات اللازمة.

هل يكفي ذلك؟
لا، مثلاً عممت فيلمي على كل المدارس بمساعدة السيد وزير التربية، وفسحت المجال أمام الطلاب ليمارسوا طقوسهم السينمائية، وكل ذلك بمبادرات شخصية نطالب أن تتحول إلى نهج، لأن الناس بحاجة لأن تتذوق طعم النصر لأن ما حصل في سجن حلب أسطوري.

ما الفائدة إن كانت الأفلام خاسرة بافتقارها للريع؟
أفلامي تحصد ريعاً عن طريق شباك التذاكر، ففيلم «فانية وتتبدد» مثلاً حقق خمسين مليون ليرة سوريّة في الصالات المحلية وهو رقم قياسي لم يحققه أحد قبل ذلك.
وأيضاً «رد القضاء» يحقق واردات جيدة، والناس تتوافد عليه بكثافة رغم برودة الطقس، والأهم عرضه اليوم في حلب ليكون جزءاً من الاحتفال بتحريرها من الإرهاب.

ما السبب أن أفلامك بالذات تحقق هذا الريع؟
لأنها قريبة من الناس بعمقها وببساطتها في الوقت نفسه، فأنا أحترم تجربة الفنان عندما يصبح مخضرماً ولكن هنالك مخرجون مازالوا في بداية الطريق وليس لديهم أرضية ويريدون صنع أفلام من دون أهداف.
أختلف مع هؤلاء بالرؤية الفنية، لأنهم يعتقدون أن عملهم ينجح كلما كان أكثر تعقيداً، فالمطلوب أن تنجز فيلماً كالأفلام المصرية القديمة لكنه يحمل قضية معينة، فاليوم أستطيع تعقيد المسائل بقدر ما أريد، لكن يهمني أن يصل فيلمي للناس بكل سلاسة.
مؤسسة السينما تقوم بدورها وتعطي فرصها للكثير، لكني أطالب أن تدرس الجدوى الاقتصادية من تلك الأفلام إن كانت ستحقق جماهيرية أم لا، فما الفائدة من فيلم شاهده ألف شخص فقط؟! يجب على كل فيلم تحقيق ريع لأننا اليوم ننتفض من تحت الرماد لنبني ثقافتنا ونعزز مفهوم الحب والحياة.

هل تبدو حراً في تنفيذ أفكارك؟
لديّ حرية مطلقة لكنني أفتقر للإمكانيات، لا أحد يناقشنا بما نفعله، لأننا منطلقون بإيماننا ببلدنا وقيادتنا، وأي فكر نقدمه ينطلق من وطنيتنا الكاملة، لذلك لم أشعر يوماً بوجود حاجز رقابي، عكس الآخرين.

كيف تصل بأفلامك إلى العالمية رغم تكلفتها الرخيصة التي لا تقارن بالأفلام الهوليوودية التي تكلف عشرات الأضعاف؟
مئات الأضعاف وليس العشرات، ففيلم «رد القضاء» كلف مبلغاً لا يكفي لصنع شيء، لكننا نجحنا بذلك وصنعنا فيلماً مكتملاً، تستطيع مشاهدته من دون ملل، لأنه يمتلك الإيقاع السريع والموضوع الجيد.. ومن يمتلك هذين العنصرين فسيكون النجاح حليفه.

هذا الفيلم أبكى الحضور عندما عرض في صالة الأوبرا بدار الأسد للثقافة والفنون، ما السبب برأيك؟
لأن الفيلم تحدث عن وجع الناس ولامسهم، فالمشاهد لا يمكن أن يتعاطف إلا عندما يكون متأثراً بما رأى، ما يعني أن رسالتي قد وصلت.
من خلال هذا الفيلم استعرضت موضوعاً سمعت الناس عنه في الإعلام وآخرون عاشوا تفاصيله، لكننا لم نستطع إيصال سوى 10% من الواقع، ولو ركزت على الأحداث أكثر لتحدثت عن الأمراض المعدية والأطراف المقطوعة والعائلات المنكوبة.
حصار سجن حلب كان ضد الإنسانية بكل معنى الكلمة، وليس ضد سجين أو سجّان فقط، وأجمل ما في الأمر وقوف السجين والسجّان بخندق واحد بدافع وطني.
وبما أنني أتحدث عن «رد القضاء» فإنني سأكشف عن أمر لا يعرفه الناس، وهو أن السيد وزير الداخلية عمم على جميع قوى الشرطة والأمن مشاهدة الفيلم، وقد أحدث ذلك تفاعلاً غير مسبوق.

أفلامك لامست الأزمة من العمق، لكن كثيرين يفضلون الانتظار حتى نهاية الأزمة لتتضح الرؤى أكثر فما رأيك؟
اليوم، دور الفنان يشبه دور الجندي، هكذا أفهم الأمور.. ومن يطالب بالانتظار كمن احتلت بلاده وينتظر حتى تتحرر، ما يعني أنه يتعامل مع وطنه بشكل سلبي وغير لائق، لكن الواقع يفرض علينا نشر الفن والثقافة رغم شح الإمكانيات.
الأصدقاء الروس صنعوا أفلاماً مهمة خلال الحرب العالمية بهدف رفع معنويات جيشهم، فلماذا لا نكون مثلهم؟.
على الفنان ألا يهرب إلى الحياد، وكل من يهرب سيحارب من الجمهور على الأقل وستتجاهله الناس وتتجاهل أعماله.
هذه الفتاة التي أُرسلت لتفجير نفسها في مخفر بأي قوّة عسكرية تحاربها؟ فهذا الفكر لا يحارب إلا بالثقافة، وإذا ما عدنا إلى ما قبل الأزمة فسنرى أن مسلسل «المارقون» 2008 عرض مشهداً لفتاة تذهب إلى القصر العدلي بأحداث مشابهة، لأنني قبل الأزمة أعرف التداعيات القادمة وقرأت ما بين السطور ولأنني أدرك تماماً حقيقة الصراع.
لقد دمر الإرهابيون بلدنا وحققوا مآربهم، لكن دورنا اليوم بناء البلد ليس بالحجر فقط وإنما بالإنسان أيضاً حتى لا نتورط مرة أخرى.
علينا الآن خلق مناهج دينية بعيدة عن التطرف، لبناء جيل واع ومتحضر، لأن الجميع بات اليوم يبحث عن مكان جديد في سورية الجديدة، وإن كانت المساجد ستتحول إلى أوكار للإرهاب فلنستغن عنها.

هل ذلك ممكن أن تصل بأربعة أفلام في السنة فقط؟
لسنا في هوليوود ولا نمتلك الميزانيات الضخمة، ويجب التعاون الدائم مع الشركات التجارية مثلما تعاونا مع شركة قاطرجي في «رد القضاء».

هل تشعر بأن هناك منافسين لأفلامك؟
لا أهتم لهذا الموضوع لإيماني بتجربتي وخبرتي وثقتي بنفسي، فالفجوة الزمنية بيني وبين الآخرين كبيرة جداً، وهؤلاء الآخرون ليسوا جريئين كفاية حتى يخوضوا هذا التنافس.
أنا دمي مهدور أكثر من مرة، ولا أهتم بباقي الأشخاص، وهذه الأزمة ستصقل الجميع وستجعلنا أكثر قوة وإيماناً ببلدنا.

هل أدى الفنان السوري دوره خلال الأزمة؟
من بقي في سورية أدى ما عليه، وتحمل ضغوطات كبيرة في سبيل بقاء بلده شامخاً.
أما من سافر وغادر البلد فلم يعد لديه مكان، وسيعود ولن يجد مكانه.

بعض الفنانين غادروا سورية وأكدوا أنهم سيعودون بعد انتهاء الأزمة.
وماذا عن الدم الذي هدر؟ عليهم تحمل مسؤولياتهم تجاه قراراتهم وآرائهم، فالدولة لن تمنع أحداً من الرجوع ولكن ماذا عن الشعب؟.
تخيل لو أن جمال سليمان أو عبد الحكيم قطيفان أو مازن الناطور وهمام حوت مثلاً قرروا العودة والنزول إلى الشوارع، كيف ستكون ردة الشعب تجاههم بعد كل ما فعلوه؟.
نحن لا نشجع ثقافة الانتقام، بل نفضل إهمال هؤلاء وعدم ذكرهم وتجاهلهم ليكون ذلك أكبر عقاب لهم.

لكن بعض شركات الإنتاج تستدعيهم ليشاركوا بمسلسلاتها، مثل شركة «كلاكيت».
هذه الشركة ليست سورية إطلاقاً، بل شركة عميلة، والكل يعرف حقيقة مالكها وما الذي يفعله.
هؤلاء الفنانون استفادوا على المستوى الشخصي مادياً لكنهم بالنهاية خسروا بلدهم وكيانهم وجمهورهم.

هناك مخرجون تعاونوا مع الشركة ومع الفنانين المذكورين، فماذا عنك؟
هذا الموضوع مرفوض شكلاً ومضموناً.
وبكل الأحوال، أثبتنا بالورقة والقلم أنه بإمكاننا إنتاج أفلام ومسلسلات ضمن الإمكانيات المتاحة من دون الاعتماد على الخليج الذي تراجعت إمكانيته بالآونة الأخيرة.

لكن الدراما الخليجية تطورت.
صحيح، ولكنها مازالت محصورة في دول الخليج، وهذه الأعمال ستنتهي أما الأعمال الأصيلة فستبقى وتعيش.
فإذا ما قارنت أعمال الدراما الخليجية مع «نهاية رجل شجاع»، و«الجوارح» و«ذاكرة الجسد» فستكون خاسرة لا محالة، وقد قارنتها بثلاثة أنواع من الدراما فماذا بقي؟.
هذه الأعمال يذكرها الناس حتى الآن بعد سنوات كثيرة على إنتاجها، وستبقى خالدة في أذهان الناس.

هل هذا الكلام يعمم على من يشارك في المسلسلات العربية المشتركة؟
التعميم خاطئ، لأن مواقف كثيرين واضحة، ولا ننكر أن فنانين ذهبوا ليصوروا شيئاً فوجدوا شيئاً مختلفاً.
بعض الناس سافروا خوفاً على أولادهم وليس لديهم أي توجه سياسي خاصة أن أوقات صعبة مرت على سورية وكانت الأوضاع سيئة، لكن وخلال هذه الغمامة السوداء، كنا نرى الأمل والثقة بأنفسنا وشعبنا وجيشنا وقيادتنا.

اعتادت الناس عليك مخرجاً درامياً، فهل سرقتك السينما؟
بات المسلسل يكلف الكثير، ويحتاج للتسويق في ظل معاناة الدراما السورية من المقاطعة والفيتو الذي رفعه عدد من الدول العربية تجاهنا.
الفيلم أسهل تسويقياً، ونستطيع بيعه خلال ترجمته، وبالتالي إعادة رأس المال وإنتاج فيلم آخر، لكن عندما تقوم بعمل وتعجز عن إعادة ثمنه فأنت خاسر، خاصة أن مؤسسة الإنتاج التلفزيوني ربحية، لذلك لا أريد أن أضع نفسي في مواقف غير مضطر لها بعد تاريخي الطويل.
شركات الإنتاج السورية تبتعد عن السينما وتنتج دراما فقط لأنها خاضت تجارب سابقة ولم تحصل على نتائج إيجابية.

الدراما السورية في تراجع فما السبب؟
لا شك أن هناك تراجعاً نتيجة الحصار، والأموال التي كانت تصرف على الدراما قبل الأزمة لم تعد موجودة، كما أن سوق التصريف باتت مغيبة، لكن الدراما السورية ستعود إلى ألقها بكل تأكيد.

إحدى الصحف العربية أكدت أن الدراما السورية تتلاشى وتعيش نهاياتها.
على العكس، فالدراما السورية التي يريدونها انتهت، أما التي نريدها فمازالت موجودة بقوة، ومفهوم الدراما تغير وباتت الوجوه الشابة تأخذ دورها الفعال، وستعيد الدراما السورية بناء نفسها بعد الأزمة من خلال الإنتاج والسوق الذي سينفتح وسيؤثر إيجاباً في النوع.

باعتبارك تشغل حالياً منصب نائب رئيس مجلس الشعب، يتساءل الناس عن دور مجلس الشعب في الأزمة، فماذا تقول؟
هناك ظلم كبير بحق هذا المجلس، لأن الدورة الأخيرة من أكثر الدورات نجاحاً حتى الآن، ليس لأنني موجود فيها ولكن هذه الحقيقة.
فحجم الإنجاز الذي قدمه مجلس الشعب خلال الأشهر القليلة الماضية يعادل دورة كاملة، وثق تماماً أنه لا يوجد موضوع يقدم من المواطنين إلا ونقوم بحله على مستوى كل القطر، لدرجة أننا نتدخل بأمور ليست من صلاحياتنا أحياناً.
وهؤلاء الناس القادمون من دير الزور والرقة كانوا مرميين في الصحراء تحملنا مسؤوليتهم وأعدنا دمجهم بالمجتمع السوري، واليوم يستطيع أي مواطن الدخول إلى المجلس لمحاورة أعضائه والوزراء الحاضرين بشكل مباشرة من دون أي عائق.
وأصبح لدينا برنامج أسبوعي تلفزيوني عن جلساتنا، وفعّلنا دور مواقع التواصل الاجتماعي، ولدينا ناطقة إعلامية ومصورون وغرفة مونتاج خاصة بنا، لنلقي على عاتقنا ما كان يقوم به التلفزيون السوري.
أما خيار أن تكون المرأة رئيسة هذا المجلس فهو جريء واستراتيجي، لأن المرأة اليوم هي أم الشهيد وزوجته.
على الحكومة دعم الفن والثقافة حتى لو بميزانيات قليلة، ويجب إنشاء مركز ثقافي في كل حي، وعلينا تفعيل دور المسارح للوقوف أمام التيارات التكفيرية، لأن حربنا القادمة ستكون إعلامية ثقافية.

قبل أن تكون في هذا المنصب كنت فناناً، فماذا يمكن أن تقدم للفنانين؟
جاهز لتقديم كل ما يلزم للثقافة والفن، والبداية ستكون بإعادة إحياء مهرجان دمشق السينمائي بمشاركة عالمية، ونسعى لتفعيل المراكز الثقافية والنشاطات الشبابية.
أما المؤكد فإن الفنان الذي بقي في البلد خلال الأزمة سيكون له دور في المستقبل، ولا يمكن أن يبقى متفرجاً، وقد رشحت نفسي للمجلس للمساهمة ببناء سورية من جديد بالطريقة الصحيحة.

يواجه الفنانون عدة مشاكل بما يتعلق بالأجور؟ هل ستقومون بحلها بالتعاون مع نقابة الفنانين؟
بكل تأكيد، نقيب الفنانين هو نائب في المجلس، وكل الأمور ستحل لكنها تحتاج إلى وقت، ولا يتعلق الموضوع بالمال فقط، بل بدعم الفنان معنوياً أيضاً من خلال التكريمات.
وهناك توجيهات من السيد الرئيس بدعم الثقافة باعتبارها مطلباً أساسياً، لذا لا نستطيع عزل الفن عن الأزمة، بل اندماجهما شيء طبيعي.

كنت مهدداً من السعودية، فهل مازالت هذه التهديدات قائمة؟
نعم، لكني لا أهتم بالموضوع نهائياً، والذي لا يخاف مجنون، لكن ذلك يحفزني على العمل من دون خوف ولكن بحذر، وبعطائنا ستخسر كل الدول الداعمة للإرهاب.
رؤوس الأموال بدأت تهرب من السعودية، ومعركتنا نحو تحرير الجولان وفلسطين ستبدأ من مكة. وأنا لا أكره الشعب السعودي، وإنما أتحدث عن الفكر الوهابي ونظام آل سعود لأنه غير عربي أصلاً.

كيف لنا التعامل مع الدول الأخرى؟
كل القادمين إلى سورية يدخلونها من دون تأشيرة، أما نحن فعلينا الوقوف في الطابور الطويل فلماذا لا يتم الرد بالمثل؟. ولنعد إلى الوراء قليلاً ونلاحظ كم كنا بلداً منفتحاً ومتساهلاً مع كل القادمين، فمن خانونا هم أنفسهم من وثقنا بهم، وإن أردنا إعادة بناء البلد فعلينا إعادة النظر بعلاقتنا مع كل الدول، لأن السيادة ليست بالكلام وإنما بالعمل على الأرض، وبلدنا لم يعد يتحمل أكثر، وأصبح نصف شعبه بالملاجئ، لذلك قبل إعمار الحجر علينا إعمار الإنسان.

كيف سنخبرهم أننا مازلنا أحياء وأن لدينا نشاطات ثقافية؟
عندما سافرت إلى بلجيكا للقيام بالعمليات الفنية لفيلمي في أكبر استديو بأوروبا، سألني أحد الأشخاص عن هويتي فأخبرته أنني مخرج سوري، ففوجئ بأننا في سورية مازلنا ننتج أفلاماً ولدينا أنظمة وقوانين، فأبدى استياءه من الإعلام الذي أوصل إليه أن سورية لا تحتوي إلا على القتل والدمار، حتى فوجئ أن الدولة تدفع رواتب لجميع موظفيها رغم الحرب ولم تنقطع شهراً واحداً.
أنا أتناول الأزمة في أفلامي، وغيري يفتتح مشروعاً سياحياً، كل ذلك دليل على أن سورية دولة مؤسسات، كانت وستبقى.

أخيراً، تحرير مدينة حلب ماذا يعني لك؟
يعني انعطاف الأزمة السورية نحو النهاية، وافتتاح فيلمنا اليوم في حلب يعكس صورة مشرفة أن هذه المدينة ستولد من جديد بشكل أفضل.
الأزمة السورية تتجه إلى الحلول وفي خواتيمها بإذن الله، ولا شك أن هناك مناطق لا تزال محتلة ويجب تحريرها، وستتحرر بهمة الجيش العربي السوري.
جئنا إلى حلب ليشاهد الحلبيون أن هذه الانتصارات لم تأت من فراغ، بل نتيجة إرادة سورية حقيقية أفشلت خطط الإرهابيين.

وائل العدس

المصدر: الوطن

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...