ما هي أسباب تردد السعودية في الإعلان عن مشاركتها بـ"أنابوليس"

18-11-2007

ما هي أسباب تردد السعودية في الإعلان عن مشاركتها بـ"أنابوليس"

الجمل: كشفت نتائج حرب تشرين التحريرية عن مدى استخدام القوة الاقتصادية بجانب القوة العسكرية في الصراع العربي – الإسرائيلي، وقد شكل الإسناد الاقتصادي الذي قامت به الدول العربية النفطية، عامل قوة مضافة للقوات السورية والمصرية التي كانت تضطلع بأمر المواجهة العسكرية على خطوط النار مع إسرائيل..
* السياسة الخارجية السعودية:
يقولون بأن النفوذ السياسي يتوقف على مدى توفر ثلاثة قوى هي: القوة الاقتصادية، القوة المذهبية، والقوة العسكرية. بكلمات أخرى، فقد أكدت معطيات الخبرة التاريخية، بأن من يجمع بين المال والدين والسلاح، فإنه بالضرورة يصبح قادراً على ممارسة النفوذ والسلطة..
موارد القوة القومية المتوافرة في السعودية تكفي لبناء دولة كبرى في غاية السهولة، ففي السعودية تتوافر مزايا المذهبية الدينية الواحدة (الإسلام) والقوة الاقتصادية (المخزونات النفطية) ومن الممكن الحصول على السلاح طالما أن القوة الاقتصادية متوافرة.
إن عدم بناء قوة الدولة في السعودية، يجسد مأساة ما يعرف بـ"الفرصة الضائعة"، ولنا أن نتصور كيف لعبت سخرية القدر بمصير المملكة العربية السعودية.
• القوة الاقتصادية: سيطرت أمريكا على عائدات النفط السعودي وعلى الأرصدة السعودية.
• القوة المذهبية: وتتميز بالانكفاء على الطقوس والشعائر وعدم توظيف الطاقة المذهبية في عمليات التعبئة ضد مصادر الخطر الخارجي، بل على العكس من ذلك فقد استطاع أعداء السعودية تحقيق النجاح في "استئناس" و"تدجين" رجال وعلماء الدين ضد موقف المؤسسة الدينية السعودية المعادي لحزب الله اللبناني في مقاومته للعدوان الإسرائيلي، وهذا يعتبر أصدق تعبير عن عملية الاستئناس والتدجين الواسعة التي تعرضت لها المؤسسة الدينية السعودية.
• القوة العسكرية: من المفارقات الغريبة أن السعودية حاولت جاهدة للحصول على القدرات العسكرية المتطورة، ولكن عيبها الوحيد يتمثل في أن السعوديين لجؤوا إلى أعداء السعودية لكي يزودوهم بالسلاح!!
تقوم السياسة الخارجية على أساس اعتبارات السياسة الداخلية، ولما كانت السياسة الداخلية السعودية تقوم أولاً وقبل كل شيء على أساس اعتبارات أمن "الأسرة الحاكمة"، فقد كان من الطبيعي أن يكون هدف السياسة الخارجية السعودية الرئيسي هو توفير الإسناد الخارجي للسياسة الداخلية في القيام بتوفير أمن الأسرة الحاكمة.
* إشكالية صعود الدور و"سلبية" التأثير:
بسبب المكانة الاقتصادية والدينية فقد صعد تأثير السياسة الخارجية السعودية، ولكن في أي اتجاه يمضي تأثير هذه السياسة؟؟
بسبب حساسية الموضوع، وربما "التفادي" المتعمد، لم تركز أجهزة الإعلام العربية المقروءة والمسموعة، ولا حتى مراكز البحوث والدراسات العربية –على قلتها- على تسليط الأضواء على الدور السلبي والعكسي الذي ظلت تقوم به السياسة الخارجية السعودية ليس إزاء القضايا والثوابت القومية العربية وحسب، بل وإزاء القضايا والثوابت الإسلامية أيضاً!!
استفاد السعوديون كثيراً من حرب تشرين التحريرية. بكلمات أخرى، فقد أدت العمليات التي قام بها جنود الجيشين العربيين السوري والمصري، إلى تحريك الشارع العربي في المدن والعواصم العربية، وعلى خلفية المخاوف من أن "تطير" العروش وتنهار العائلات والأسر الحاكمة، فقد تجرأت الأسر الحاكمة في السعودية على إعلان وقف إمدادات النفط العربي إلى الدول الغربية التي تقدم إمدادات السلاح الغربي لإسرائيل والتي تستخدم هذا السلاح في العدوان على العرب..؟
خسر السوريون والمصريون أرواح أبنائهم، وربحت الأطراف الخليجية فوارق أسعار النفط، ولو استخدمت الدول النفطية فقط الفوائض الإضافية التي عادت عليها من جراء الدماء الغزيرة التي سكبها السوريون والمصريون، لانتهت المعركة، ولكن هذه الأطراف قامت بالتبرع بالقليل وادخار الكثير من العائدات النفطية التي سيطرت عليها الولايات المتحدة الأمريكية التي تقوم بدعم وتمويل إسرائيل!!
* من مبادرة بيروت إلى أنابوليس:
لم يعد خافياً على أحد أن مبادرة بيروت التي أعلنها العاهل السعودي لم يتم إعدادها ووضعها بعيداً عن الأمريكيين والإسرائيليين، خاصة وأن الأمير السعودي بندر بن سلطان ظل على مدى عقدين من الزمن يضع بصماته على كل ما يتعلق بالسياسة الخارجية السعودية، وعلى وجه الخصوص القضايا الشرق أوسطية والأوروبية والأمريكية.
نشرت صحيفة هاآرتس الصادرة اليوم تقريراً من إعداد ثلاثة محررين (دفعة واحدة) وهم: عافي إيزاخاروف، أولف بين، وباراك رافيد.
حمل التقرير عنوان "السعوديون سوف يعلنون يوم الخميس القادم موقفهم المتعلق بحضور أو عدم حضور مؤتمر سلام أنابوليس المقرر انعقاده في 27 تشرين الثاني الحالي في مدينة أنابوليس الواقعة بولاية ميرلاند الأمريكية".
التردد السعودي إزاء حضور مؤتمر أنابوليس هو تردد لا معنى لأنه يؤدي إلى إرباك الأطراف الأخرى، ودفعها إلى المزيد من التردد على النحو الذي تريده إسرائيل، كذلك، فالتردد السعودي هو بالأساس لا معنى له، فالسعودية سبق أن تقدمت بمبادرة سلام ووجدت تأييد جميع الأطراف العربية.. وحالياً عندما دعت الإدارة الأمريكية لعقد مؤتمر أنابوليس، وكان الجميع يتوقع أن تتعامل الإدارة الأمريكية بشيء من الاحترام مع مبادرة سلام حليفها سمو العاهل السعودي طوال الفترة الماضية، وعن قصد نجد التجاهل من إسرائيل وأمريكا.
ولكن، كانت المفارقة أكبر، عندما تبين أن أجندة مؤتمر سلام أنابوليس لا تتناول لا من قريب ولا من بعيد مبادرة ملك السعودية، حليف أمريكا الرئيس الحالي في منطقة الشرق الأوسط!!
والمفارقة الثانية تمثلت في عدم مطالبة العاهل السعودي، بإدراج مبادرته ضمن أجندة المؤتمر..
* الأبعاد غير المعلنة للتردد السعودي:
التردد السعودي يطرح أكثر من تساؤل، فهل يا ترى قرر السعوديون عدم حضور المؤتمر انتقاماً من تجاهل حليفتهم الولايات المتحدة الأمريكية للمبادرة السعودية، وبالتالي ينتظرون "فشل اتفاق محمود عباس - أولمرت"، وتأكيد عدم حضور سوريا، بحيث يعلنون رفضهم للمؤتمر؟
أم أن السعوديين يرغبون في عدم توضيح موقفهم الموافق على مؤتمر أنابوليس ريثما يوافق الآخرون من أصحاب الشأن الرئيسيين المعنيين بمشكلة الصراع العربي – الإسرائيلي، وعندما يحدث ذلك يكون السعوديون في "حل" من تحمل المسؤولية عن "عار الموافقة الاستباقية" على المؤتمر. وما سوف يترتب عليه من قيام السعودية بالتخلي عن مبادرة قمة بيروت 2002م التي قاموا بطرحها وتقديمها.
عموماً، السياسة الخارجية السعودية هي أداء سلوكي تقوم به الدول والكيانات السياسية في البيئة الخارجية، من أجل تحقيق أهدافها. ولكن مع سيطرة أمريكا على النظام الدولي لم تعد السياسة الخارجية لبعض الدول تعمل على تحقيق أهدافها، وإنما باتت سياسة خارجية بالوكالة تسعى إلى تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية.
أبرز الأمثلة على السياسة الخارجية بالوكالة يوجد حالياً في بلدان الخليج العربي فهي:
• تدعم الوجود العسكري الأمريكي في العراق، علماً بأنه يضر كثيراً بمصالحها.
• تدعم قوى 14 آذار وحكومة السنيورة، لأن أمريكا وإسرائيل تريدان ذلك، على النحو الذي يؤدي إلى القضاء على المقاومة الوطنية اللبنانية ضد إسرائيل.
• تدعم التوجهات العدوانية الإسرائيلية – الأمريكية ضد إيران، علماً بأن الرئيس الإيراني لم يهدد دول الخليج وإنما هدد إسرائيل التي تهدد العروبة والإسلام في المنطقة..
حالياً، يتحدث العديد من الدبلوماسيين السعوديين والخليجيين عن التحالف والشراكة مع أمريكا في المنطقة، وبكل أسف فقد تبين أنها شراكة غير متكافئة.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...