لماذا علّقت واشنطن عملية «لسع» إيران؟

28-07-2007

لماذا علّقت واشنطن عملية «لسع» إيران؟

يتمسك الخبراء والمحللون الروس بصدق المعلومات عن العملية الأميركية، التي كانت مخططة في السادس من نيسان الماضي. ويعرب هؤلاء عن ثقتهم بأن تسريب أجهزة الاستخبارات الروسية للمعلومات، والذعر الذي أصاب الأسواق المالية الأميركية إبان الحديث عن «اللسعة»، هما اللذان أعادا السيوف المسلولة إلى أغمادها، وأفقدا الحرب المحتملة عنصر المفاجأة، التي من دونها لا يمكن كسب الحروب.
ويتّفق الخبراء الروس على أن عملية عسكرية أميركية واسعة النطاق ضد إيران بعيدة الاحتمال. ويعتبرون أن السيناريو الأكثر احتمالاً هو هجوم مكثف بالصواريخ على المنشآت النووية الإيرانية مدعوم بغارات جوية.
عملية «اللسعة» كانت مرتكزة إلى هذا السيناريو، الذي كان من المفترض أن يستغرق 12 ساعة. غير أن هناك عوامل عديدة تضع فعالية هذا السيناريو موضع الشك؛ فالولايات المتحدة ستسعى للحصول على موافقة مجلس الأمن الدولي على التدخل العسكري. رغم أن ذلك غير ضروري، فالرئيس الأميركي جورج بوش ازدرى مجلس الأمن في عام 2003، وتخاصم مع حلفائه الأوروبيين خلال الحرب على العراق. ولكن الوضع تغير الآن، لأن الرئيس الأميركي تحول إلى «بطة عرجاء» ولم يبق لديه حلفاء (سوى إسرائيل بالطبع). والدول المعارضة للحرب، وبالدرجة الأولى روسيا والصين، أصبحتا أقوى مما كانتا عليه قبل أربعة أعوام. وحظوظ نجاح مخاطرة الولايات المتحدة بتوجيه ضربة منفردة إلى إيران، ومن دون موافقة الأمم المتحدة، تكاد تكون معدومة.
كذلك، هناك احتمال ألّا تصيب الصواريخ أهدافها على الأراضي الإيرانية. ولبلوغ النجاح العسكري وتثبيته، لا بد من قصف إيران لأشهر أو القيام بعملية برية واسعة. ويعقّد الخيار الثاني على ما يبدو عدم وجود قوات حرّة لدى الولايات المتحدة يمكن استخدامها «للحل النهائي» للمسألة الإيرانية. في حين لن يساعد في اختيار الأول احتشاد قوات الولايات المتحدة وحلف شمالي الأطلسي البحرية في الخليج العربي.
ويبدو للوهلة الأولى أن الأسطول البحري الإيراني هزيل بالمقارنة مع القوات البحرية الغربية، حيث يتألف، بحسب الأرقام الرسمية الإيرانية، من 26 سفينة حربية وثلاث غواصات و170 قارباً عسكرياً. بيد أنه يجب التذكير بأن لدى إيران خبرة في المواجهات العسكرية مع الأسطول الأميركي؛ ففي عام 1987، قتل 37 بحاراً أميركياً في الغارات الجوية الإيرانية على المدمرة «ستارك». وفي نيسان من عام 1988، دارت في مياه الخليج العربي معركة بحرية حقيقية بين أسطولي إيران والولايات المتحدة، حين حاولت القوات الأميركية تدمير منصات إيرانية نفطية عائمة، لكنها ووجهت بمقاومة عنيفة من سفن خفر السواحل الإيرانية. وقرر مصير المعركة فقط التفوق العددي لسفن الأسطول الأميركي. وفقد الإيرانيون ست سفن حربية، والأميركيون طائرة هليكوبتر، لكن المنصات لم تدمر.
ويبدو أن إيران تعلمت الدرس جيداً من هذه المعركة، بمراهنتها على السفن الصغيرة والسرعة وسهولة الحركة وتوجيه الوخزات المؤلمة إلى العدو. فقد أعلن قبل أقل من عام عن تجارب ناجحة لإطلاق طوربيدات إيرانية الصنع وفائقة السرعة، التي تصل إلى مئة ميل في الساعة، والقادرة على تدمير أهدافها تحت الماء وفوقه.
والقوارب الإيرانية قادرة على إلحاق أضرار جسيمة بالتشكيلات البحرية الأميركية وقوات شمالي الأطلسي في الخليج العربي. ففي شباط الماضي، أكد نائب قائد القوات البرية للحرس الثوري الإيراني نور علي شوشتري أن أفراد القوات الخاصة الإيرانية حفروا شعارهم على إحدى السفن الحربية الأميركية في الخليج. وقد أظهرت هذه العملية، برأي شوشتري، أن الغواصات الإيرانية تستطيع التسلّل خلسة إلى السفن الحربية الأميركية على الرغم من راداراتها.
وبدا بعد احتجاز القوات البحرية الإيرانية لخمسة عشر بحاراً بريطانياً في 22 آذار الماضي في المياه الإقليمية الإيرانية أن القائد الإيراني يعرف عما يتحدث. فقد كانت العملية العسكرية الإيرانية مخططة بدقة، بحيث قطعت القوارب الإيرانية المسافة بين الشاطئ والسفينتين البريطانيتين العسكريتين الخفيفتين خلال ثلاث دقائق، ولم تستطع الفرقاطة «كورن وول»، التي انطلق منها البحارة البريطانيون، الإسراع لنجدتهم بسبب ضحالة المياه في المنطقة.
السبب الثالث، بحسب الخبراء، هو نجاح إيران بشخص كبير المفاوضين الإيرانيين علي لاريجاني في دق إسفين بين واشنطن وبروكسل بالنسبة للملف النووي، وذلك بعد مباحثات مطولة أجراها في مدريد أخيراً مع المنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، فالأوروبيون يريدون حل المشكلة النووية بالوسائل السلمية وبمشاركة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويؤمنون بالطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني للحصول على الطاقة، وهو ما يستجيب لمصلحة أوروبا في تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على روسيا.
وإضافة إلى ذلك، الأوروبيون أقل تبعية لإسرائيل، ولا يؤمنون بأن الإيرانيين ينوون إزالة الدولة العبرية من الوجود. أما أعضاء الاتحاد الأوروبي الجدد مثل بولندا، الشهيرة بمعاداتها التاريخية والتقليدية «للسامية»، فلن يساند شعبها نزاعاً مسلحاً مع إيران ولن يهب للدفاع عن مصالح إسرائيل.
وفي هذا الإطار، يجب التوقف قليلاً عند مسألة نشر عناصر منظومة الدفاع الصاروخية في بولندا وتشيكيا؛ فليس من الضروري أن يكون المرء محللاً استراتيجياً لإدراك أن الهدف من نصب الصواريخ الاعتراضية ومحطة الرادار في وسط أوروبا ليس إيران بل هو روسيا، وذلك لعزلها وردعها عن استعادة دور الدولة العظمى، الذي فقدته عام 1991 بانهيار الاتحاد السوفياتي.
ولذا، يمكن الاستنتاج بأن أميركا لن تضرب إيران قبل الانتهاء من نصب منظومتها في أوروبا، وإلا فإنها ستفقد الذريعة الوحيدة لنشرها وهو الدفاع عن أوروبا من الخطر الصاروخي الإيراني المزعوم.
وبالتالي، يمكن القول إن واشنطن لن تخاطر ببدء الحرب قبل الحصول على مجموعة من المفاتيح لإيران: أحدها موجود في روسيا، والثاني في أوروبا، أما الثالث فموجود في الصين. إذ لا ينبغي نسيان أن طهران عضو في منظمة شنغهاي للتعاون، التي توليها بكين اهتماما كبيراً.
وبكين تفهم جيداً أنها ستكون هي ضحية «الشرطي الدولي» التالية بعد الحرب في قلب أوراسيا على إيران، التي تستورد منها الصين نصف حاجاتها من النفط. ومن الممكن أن ينتقل توتّر العلاقات الأميركية ـــــ الصينية حول المسألة الإيرانية إلى آسيا الوسطى، وخصوصاً إلى قرغيزيا. وهو المفتاح، الذي إذا لم تؤمنه واشنطن، لن تخاطر ببدء المعركة ضد طهران.
فمن المعلوم أن موسكو بعد 11 أيلول 2001 سمحت لواشنطن، من دون مقابل، بالتغلغل إلى جمهوريات الاتحاد السوفياتي الوسطى السابقة، لكن مواقع أميركا ترنّحت في العامين الأخيرين بعد تمرد سانده الغرب في مدينة أنديجان الأوزبكية في عام 2005 ضد الرئيس إسلام كريموف. وبالنتيجة، فقدت أميركا قاعدتها العسكرية الضخمة في أوزبكستان. وإضافة إلى الوجود العسكري الأميركي المتواضع في طاجكستان، لم يبق للولايات المتحدة سوى قاعدة ذات طابع استراتيجي محدود في مطار «مناس» في قرغيزيا.
ولكن يلاحظ في قرغيزيا بالذات توسع اقتصادي صيني ضخم، ونمو الأمزجة المعادية للأميركيين، حيث لا يكف المواطنون عن المطالبة هناك بسحب القوات الأميركية، وبالاتحاد مع روسيا.
وبشكل عام، ليس الوضع ملائماً لأميركا الآن في آسيا الوسطى للقيام بعمليات عسكرية كبرى، حيث تفتقر واشنطن إلى المساندة الكافية في هذه المنطقة. وربما لعدم وجود مؤخرة مضمونة في آسيا الوسطى، تفشل أميركا ومعها شمالي الأطلسي في الحرب مع «طالبان» في أفغانستان.
إذاً، هناك عدد من الأسباب يجعل القيام بعملية عسكرية ضخمة ضد إيران مستحيلة أو على الأقل قليلة الاحتمال، ومنها:
1- طموح أوروبا لحل النزاع مع إيران بالوسائل السلمية وبمشاركة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
2- المعارضة الجدية في أميركا نفسها للحرب.
3- ضرورة إطالة الوقت للانتهاء من نصب عناصر منظومة الدفاع الصاروخية الأميركية في أوروبا.
4- غياب بنية الدعم التحتية العسكرية اللازمة في آسيا الوسطى.
ولكن، يبقى الخيار المتمثل في توجيه ضربات محدودة صاروخية أو جوية أو الاثنين معاً إلى المنشآت النووية الإيرانية قائماً. ولا يمكن استبعاد هذا الخيار مئة في المئة لأن هوس «حزب دعاة الحرب» في أميركا وإسرائيل يمكن أن يتغلب على احترام المجتمع الدولي واعتبارات الأمن الذاتي والعقل السليم.
ومع ذلك، توجد لدى طهران ضمانة من تطور الأمور بهذا الشكل تتمثل في حلفاء طهران وخصوصاً حزب الله وسوريا.
فقد برهن هذا الحزب على قدرته على مواجهة الجيش النظامي الإسرائيلي في حرب العام الماضي. أما سوريا، فيشير الخبراء إلى توقيعها اتفاقية مع إيران حول نصب صواريخ «شهاب - 3»، التي يصل مداها إلى 3000 كيلومتر، و«سكاد - بي» و«سكاد - سي»، اللذين يصل مداهما إلى 600 كيلومتر، على أراضيها. ولكن سوريا هي «الخصم، الذي يجب على إسرائيل أن تحسب له حساباً حتى من دون الصواريخ الإيرانية». وسوريا وحزب الله لن يقفا مكتوفي الأيدي في حال تعرض إيران للهجوم.

حبيب فوعاني

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...