عرقلة عرض فيلم سيريانا في دول الخليج

منذ بدء عرضه في دور السينما العالمية شهد فيلم سيريانا الكثير من التعليقات، والكتابات، ذلك أنه فيلم إشكالي، ويتميز بجرأته في طرح بعض القضايا التي تهم عالمنا العربي، ولا سيما فيما يتعلق بقطاعي المال والنفط، وتلك الإمبراطوريات الخفية التي تمثلها الشركات العملاقة التي لا تقيم أسسها علي الاقتصاد فحسب بل تربطها بالسياسة ربطا محكما، ولعل هذا الفيلم الذي تنتظره دور العرض المحلية، ربما يكون من الأفلام الأمريكية القليلة التي تسعي للبحث عن الحقيقة، وتقديمها دون الكثير من المبالغات أو التشويه والتزوير مثل عادتها، ولا سيما لأنه يتناول بعض الشؤون العربية الطابع، وربما لهذا يمكن أن يواجه الفيلم بعض الإشكاليات ما بين الرفض والقبول في عدد من الدول الخليجية تحديدا، لأن الأحداث تدور في واحدة منها، ولا تسميها، بينما تبدو الشخصيات العربية في الفيلم مؤداة من قبل الممثل الأردني المغترب نديم صوالحة، والمغربي الاسكندر صديق وبعض الممثلين الباكستانيين وغيرهم.
نبدأ من المشاهد الأولي للفيلم حيث يتوافد العمال الآسيويين صباحا علي الحافلات التي تقلهم إلي عملهم في بعض منشآت النفط في إحدي الدول الخليجية، وهنا نلاحظ أحوالهم المزرية وفقرهم كما أن أغلبهم من الباكستانيين، ثم ننتقل إلي طهران حيث عميل السي آي إيه روبرت بيرنز (جورج كلوني) في جلسة خمرية نسائية، ومعه بعض الرجال الغامضين، وهنا يريد المخرج أن يوصل لنا رسالة انتقادية للمجتمع الإيراني حيث يوحي بأن ما يجري داخل الأماكن المغلقة من التمتع بالمحرمات مثل الخمر والنساء، يبدو عكسه ظاهريا، حيث تلبس المرأة حجابها وتمضي، ولكن لا بد أولا من الإطلالة علي ملامح قصة الفيلم، ثم التوجه إلي الانتقادات للموضوعات وتناولها غير البريء، والمشاهد في إيران تقود إلي معرفتنا بشأن صاروخين أمريكيين مفقودين، حيث ينفجر أحدهما بالسيارة التي تقله، ويسرق الثاني من قبل رجل مصري ملتح يدعي محمد شيخ الجزيرة، وتبدو المشاهد فسيفسائية الطابع، ومصنوعة ضمن سيناريو محكم وشديد التعقيد، ويبدو أن ما يظهر لنا بعيدا عن القصة وغير مترابط ظاهريا، هو في الواقع شديد الصلة بما قبله أو بعده، ولكن يبدو سرد القصة بشكل خطي أمر صعب، وغير مفيد هنا، ولهذا أجدني أمر علي الحكاية بمجملها، مع تناول بعض المشاهد بالتحليل، فالحكاية تدور حول شركة نفط أمريكية في تكساس تدعي كونكس وقد علمت بأن شركات النفط العالمية تتوجه إلي كازخستان للاستثمار فيها عبر التنقيب عن النفط، وتقوم بالاتحاد مع شركة أصغر هي كلين لأن لهذه الشركة عقودا في كازخستان، ومن جهة أخري نتعرف علي عائلة الأمير حمزة المصباحي يقوم بدوره الممثل نديم صوالحة، التي تحكم إحدي دول الخليج العربي، تقيم حفلة في إحدي قصورها بماربيا بإسبانيا، وهناك توقع عقدا نفطيا مع الصينيين، وهذا الأمر يغضب أصحاب الشركات العملاقة الأمريكية في مجال النفط، فيأخذون بالتقصي عن السبب، ويكتشفون أن الأمير ناصر بن حمزة لديه توجه نحو الصينيين للتخلص قليلا من النفوذ الأمريكي أو أنه يبحث عن مصالح وطنه أولا، وهنا يتداخل عمل السي آي إيه، ورجال الكونغرس، و شركات النفط معا، من أجل التخلص من الأمير ناصر، عبر اغتياله، وفي الوقت نفسه يتم تشويه صورة الرجل باتهامه بأنه إرهابي ويمول بعض الجماعات المتطرفة التي توجه أسلحتها نحو الولايات المتحدة، وفي حوار مع مستشاره الاقتصادي القادم من جنيف برايان وودمان الممثل مات دامون يعترف الأمير ناصر قائلا:
لقد درست في اكسفورد وحصلت علي شهادة الدكتوراه من جامعة جورج تاون، أريد قضاء مستقلا في بلدي، وحرية للمرأة، ووقف المضاربة في أسواق النفط بالشرق الأوسط، ... ولكني بعد أن وجدت مصالح بلدي مع الصين أفضل أصبحت بنظرهم فجأة شيوعيا وإرهابيا .
ويرد عليه بريان إنهم يريدونك أن تصرف كل ليلة خمسين ألف دولار في السهر والفنادق، حتي تبدد الثروة، ولا تنتبه لنفسك وشعبك ..!
لا بل إن والده لم يختره للحكم من بعده، بل اختار أخاه الأصغر منه مشعل حيث تبدو توجهاته مرضية للجهات الأمريكية، وبالطبع يسعون أولا إلي اغتيال الأمير ناصر في بيروت عبر إرسال العميل روبرت بيرنز (جورج كلوني) الذي يعرف المدينة جيدا وسبق أن عاش فيها في عام 1985، ويتصل بحزب الله ولا سيما برجل يدعي موسوي، علي أساس أن ينفذ اغتيال الأمير، ولكن موسوي يلقي القبض علي بيرنز ويعذبه، وهنا نتعرف أنه لم يعد عميلا أمريكيا بل تابعا لإيران ويعمل مع الاستخبارات الإيرانية، وتبدو صورة حزب الله في الفيلم عبر الشيخ سعيد رئيسهم متسامحة مع أمريكا حيث يستقبله أولا بقوله بلهجة مغربية لدي شعور طيب تجاه الشعب الأمريكي، إنه شعب مضياف، يوجد في أمريكا عشرة ملايين مسلم . وبعد انكشاف أمر بيرنز في بيروت ترغب الجهات الأمنية الأمريكية في التخلص منه، حتي لا يسبب لها الحرج، ويكشف أمر تخطيطها لقتل الأمير ناصر، ولكن المشهد النهائي يبدو غائما حيث يحرص بيرنز علي إيصال رسالة ما للأمير ناصر قبل لحظات من اغتياله بصاروخ موجه من إحدي الطائرات الأمريكية، فيموت معه في تلك الحادثة المريعة.
الحكاية الثانية التي تدخل علي خطوط الحكاية الأساسية التي أشرت إليها تتعلق بمحمد شيخ الجزيرة الذي يستغل بعض الباكستانيين الذين يعانون من سوء التعامل معهم من قبل العرب، وقلة العمل ليشحنهم بالجهاد، وضد شركات النفط الأمريكية التي طردتهم من العمل، وفي إحدي جلساته التنظيرية بلهجة مصرية يقول ... لا يمكن الفصل بين الدين والدولة، لدينا القرآن، وهو حل لآلام الحياة العصرية، لقد سقطت الليبرالية الغربية، الخصخصة، وسقط الغرب أيضا ، ويبدو هذا الخطاب لا يصلح البتة لإلقائه علي مجموعة من الأميين العاطلين عن العمل، ومعظمهم لا يتقن اللغة العربية أساسا، فهم من الآسيويين الذين يعيشون في مخيمات أو بركسات مزرية، ولكن هذا الخطاب يخدم خطاب الفيلم نفسه، ومن صنعه، ليقود إلي أن يصبح أحد هؤلاء الشباب انتحاريا، يفجر نفسه والقارب الذي يقله بناقلة نفط أمريكية عملاقة، أما الحكاية الثالثة المبثوثة في مشاهد الفيلم فتتعلق بالخبير الاقتصادي والمحلل العامل في سويسرا بريان وود مان مات دامون الذي يعمل مستشارا للأمير ناصر، الذي كان مدعوا وزوجته وولديه إلي حفلة الأمير بماربيا، يموت ولده أثناء سباحته في البركة، ويتعرض وزوجته لحالة نفسية صعبة، بعدها، ويستمر في العمل مستشارا للأمير حتي اللحظات الأخيرة من عملية الاغتيال.
يكاد يكون الفيلم من الأفلام القليلة التي تحتوي علي مشاهد كثيرة وحوارات عربية الطابع، إلا أن الصورة العامة بدت غير مريحة، فاللهجات غير دقيقة، ومحاولة بعض الممثلين الأجانب تكلم العربية بدا مضحكا، وغير موفق طبعا، ناهيك عن أن اللهجة المعتمدة هي أقرب إلي المغربية منها إلي الخليجية، وبعض الممثلين بدا يتكلم باللهجة العراقية، رغم أن الشخصيات هي إما لبنانية أو خليجية فقط، وبدا العرب عموما واقعين تحت هيمنة الشركات الكبري من ناحية اقتصادهم، والرجل الوحيد الذي بدا حضاريا ووطنيا في الآن نفسه هو الأمير ناصر الذي دفع ثمن ذلك حياته وحياة عائلته الصغيرة، ومن قبل ذلك فقدانه لمنصب أمير البلاد المقبل.

المصدر : القدس العربي