تجار الحرب و السلم يبيعون حذاء الزيدي في عزاء الفلسطيني

12-01-2009

تجار الحرب و السلم يبيعون حذاء الزيدي في عزاء الفلسطيني

الجمل- أيهم ديب:   يبدو ان الحرب و قد دخلت اسبوعها الثالث قد احرجت العرب.
فلقد هتف العرب بالروح بالدم نفديك يا غزة. و  اعلن الجميع عن جاهزيته لمنح روحه و دمه لغزة –على شاشات التلفاز-.
لست في وارد السخرية من ضعفنا و لكن الوضع الذي يعيشه الشعب الصامد في غزة أكثر تعقيداً و مأساوية من ان تداويه الشعارات. لا يحتاج الأمر الى روحك و لا الى دمك. يمكنك بيع منزلك و ارسال ثمنه الى غزة. او يمكنك ببساطة ان تضحي بسنتين من عمرك في السجن و ترمي بحذائك على الشرطي الذي يمنعك من عبور الحدود. الى غزة.
من المحبط حقاً هذا الشعور المهادن و المخادع الذي طورته الشعوب العربية قاطبة و آليات الالتفاف و المواربة.
و بالنظر الى ان من يصفهم هذا المقال ليسوا بصدد الالتفات اليه أو حتى سماعه. تبقى  الرغبة اللطيفة بمغازلة القارئ العابر هي الدافع الأهم.
إن أزمة العربي اليوم أزمة مركبة و يمكن وصفها على -تجاوزاً- بأزمة الهوية. و بالتالي يترتب عليها غياب المشروع او الهدف. لهذا تبدوا ارتكاسات العربي أشبه بالاختلاجات العصبية أو بصدى لأزمات اكثر عمقاً و بعداً.
من الملفت هنا كيف ان الجماهير العربية تحاول التفلت من الواجب الوطني بتحويل نفسها الى مراقب خارجي.
فمن المفهوم مثلاً ان يخرج المواطن الروماني او السويدي أو الأمريكي في مظاهرة ضد اسرائيل. أما أن يخرج المواطن العربي بمظاهرة و نقطة على السطر فهذا فيه شذوذ.
لأن المواطن العربي يتحمل مسؤوليات أبعد كثيراً من التظاهر.ففلسطين لا تزال أرضاً عربية و العنف الذي يمارسه الاستعمار الغربي ليس عنف رمزي او تجريبي .إنه تاريخ من العلاقة المريضة بمشاعر التفوق و احتقار الآخر (و هو العربي هنا .)
فشارع مثل الشارع المصري الذي خبر الجوع في الأعوام القليلة الماضية,  و الذي شهد تنامي أصولية دينية أقلقت نظامه  و اسرائيل على حد سواء. من الملفت ان هذ الشارع الذي يصم آذان السماء بصوته مردداً: افتحوا المعابر نريد الجهاد. غير قادر  او غير راغب بفعل ما هو ابسط:  و هو اقتحام السفارة الاسرائيلية في قلب القاهرة , بل لا رغبة لديه حتى بمد جسر بشري الى غزة. هذا النفاق الهستيري لا يقتصر على شعب  مصر بل يمكن تعميمه على كامل الشارع العربي.
المشكلة هي غياب المشروع الوطني و آلياته و هو ما عملت على تفكيكه الأنظمة العربية بسبب علاقة الخوف التي بنتها مع الوطن مما ساهم بخلق بنية هشة تجعل من الشارع و الحاكم عبيد للخوف.
في دمشق نرى اليوم عبارات من قبيل لا للمعتدي. و معك يا غزة و السؤال هو ما الذي يعنيه طباعة أطنان من الورق و نشرها و الذهاب بعدها لمشاهدة الأخبار و تدخين النرجيلة؟ و كيف يرى الشارع السوري نفسه مع ابن غزة بعد ثلاثة أسابيع من الحرب؟ مال و جمعنا لغزة و أهلها. و لكن على هذه الحال لن يبق هناك من ينفق هذا المال.
في حرب لبنان قامت سوريا بدعم المقاومة و كانت لتدعمها في غزة....
و لكن الحديث ليس عن موقف حكومي إن كان في سوريا او في مصر او الجزائر,  و لكن عن حالة شعبية باتت مقلقة و نحن ندخل القرن الواحد و العشرين.  و هي تسترالعامة بالشعارات : سواء صادف ان الحكومة داعمة للمقاومة او معاقبة لها. الكرة في ملعب العامة لأن السؤال هو متى ستتعلم العامة كيف تكتب تاريخها بيدها؟
في الحالة الصحية عندما يدخل رئيس حزب الى السجن يقوم أعضاء الحزب و مناصريه بالتوقف عن العمل. بالاضراب. عليهم تعطيل مصالح الجماعات الأخرى حتى يجذبون انتباهها الى وجودهم و شرعية مطلبهم. اما ان يدخل رموزهم السجن و يخشون هم من فقدان وظائفهم و يخشون من التورط. فإن هذا يفقد حراكهم معناه و يجعل من التضحية مجرد كبر معلاق. هذا ما آلت اليه حال الحركات و التكتلات الشعبية بل حتى النقابات أصبحت – او انها قدر لها منذ تأسيسها- مجرد خطاب فارغ ينتهي اثره بصمت الخطيب.
ما الذي فعله الشعب العربي لمنتظر الزيدي بعد كل ما فعله الزيدي للشعب العربي. كلا لم تكن حركة حلوة و لا استعراض ظريف. من العيب على شرف العرب ان يبقى منتظر يوما واحداً في السجن.  و لكنه هناك و غزة ستنسينا منتظر . و ما بعد غزة سينسينا غزة.
ما يحدث في غزة هو نضال و الناس مستعدون لدفع دمهم. و هذا من المفروض ان يخدم السياسي العربي و الفلسطيني – و هو هنا فلسطيني الضفة و القدس و حتى فلسطيني تل أبيب  – من خلال رفع سقف مطالبه . لأن الدم المضحى به في غزة  إن لم تقبض بقية الفرق الفلسطينية ديته تكون كلها قد ساهمت بهدره مثلما فعل بعض اللبنانيون مع المقاومة و شهدائها.
لا ندري متى يمتلك المواطن آليات لمحاسبة قوى الفساد في بلاده و متى سيمتلك القدرة على متابعة مطالبه و ليس فقط التورط بحالات فرح جماعي و حزن جماعي دون امتلاك الحد الأدنى من ادوات التحكم و المبادرة.

مهما كانت سوية او هوية الاقتصاد الوطني العربي, ما الذي يجعله غاية في الجشع؟ ما الذي يجعل رجال مثل اقتصاديي حكومتنا مصرين على اقتصاد السوق رغم علمهم بحقيقته البشعة –من حيث موقعنا في هرمه-  و رغم أن الأزمة التي عصفت اليوم بالاقتصاد العالمي تجعل من قرائة الراحل حافظ الأسد لمفهوم الاقتصاد الوطني المستقل مرجعية اكثر ضماناً لدولة مستقلة ؟
يسقط السؤال  في حال كان الهدف هو السمسرة على الدولة فلرجال الاقتصاد-عندها- اسوة حسنة ببعض رجال الثقافة الذين تحولوا الى سماسرة للعقارات و الاراضي السورية لصالح تجار الأخوة العرب.
من المخزي ان التاجر المصري اليوم  يبتز ابن غزة  و حتى التاجر في غزة يقوم بابتزاز ابن  المدينة المحكومة بالموت كل لحظة. مما يجعل التاجر العربي عدو المواطن العربي و قد يكون عدو الانسان في كل زمان و مكان.
في العهود القديمة كره الله اليهود لأنهم يرابحون عشرة بالمئة و كان اسمهم العشارين. لا ندري كيف سينظر الينا الرب  مسيحيين و مسلمين و تاجرنا يرابح 200 بالمئة و 400 بالمئة.

يبقى العتب على الرب الاله ان كتب على اليهودي كراهية العالم و على المسيحي و المسلم كراهية اليهودي. أو اننا جميعاً نحتاج الى اعادة قراءة الكتب المقدسة لنخرج من أتون الكراهية هذا .
من المضحك بمكان ان الاسرائيلي يقوم بخلق الحروب في منطقتنا من أفغانستان الى ساقية الذهب. و في نفس الوقت تقوم بعض المؤسسات اليهودية بمكافحة العنف و الحث على السلم طالبة التمويل من الشعوب التي هي نفسها ضحيتها مما يجعلنا ضحية اليهودي بمالنا و أرواحنا.
الظريف هو أن بعض المثقفين الشباب يطالبون بالسلام مثل الباريسيين أو الأمريكيين. ناسين او متناسين انهم الضحية المؤجلة و ان هؤلاء هم الجلادون. لهذا فإن من الطبيعي ان يخرج الفرنسي بمظاهرة من أجل السلام كدلك الأمريكي. و من الطبيعي ان تتحرك المجتمعات الاستعمارية لطلب السلام كخيار ضد الحرب. أما ان يطلب شبابنا السلام فهذا غاية في البراءة و الرومانسية. ... إن الكلمة الوحيدة التي يملكها شببابنا الحبيب للعالم يجب ان تكون: حلوا عنا بحربكم و سلمكم. إن هذا يعني أننا يجب ان نبدأ الاعتماد على نفسنا و اننا يجب ان ندخل مرحلة الفطام , ليس بالانكفاء على انفسنا و لكن بخلق قيم عمل جديدة تحررنا من الوسيط القذر و من البائع المستغل.


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...