حول مذيعات الجزيرة والتنميط وغسل الدماغ والجوارب

02-06-2010

حول مذيعات الجزيرة والتنميط وغسل الدماغ والجوارب

الجمل– أيهم ديب: لو نظرت في صورة مجموعة من الأشخاص هل تعتقد انك قادر حقاً على معرفة مهنهم؟ أو أي شيء عن تاريخهم الشخصي؟
إن محاولة رسم انساق أو التنميط غايته الأساسية هي تنظيمية و لا يجب أن تتحول هذه الحاجة التنظيمية الى حقيقة. لأنها مجرد إيهام مؤقت.
هذا يشبه السؤال الشهير من انت؟ أنا مهندس؟  أم أنا زير نساء؟ أم أنا كاره للأفاعي أم أنا عاشق لموسيقا الروك ... ليس من السهل الاجابة على السؤال و لكن ثمة نقاط علام تستخدم لتثبيت نظام ما . و لكن هذه العلامة شرطية و هي ليست حقيقة مغلقة و نهائية.

فالرجل ذو الذقن الطليقة والبنطال القصير يشير الى كونه مسلم ولكن لا يمكن الجزم إن كان يمثل الاسلام حقاً. أو انه يمثل الاسلام في زمن ما.
إن ما يطلب من مذيعة الأخبار فعله هو الظهور برصانة حتى تجعل المشاهد يصدق الخبر أو أقرب الى تصديقه، مع علمنا ان المذيعة ليست هي من يحرر الخبر او يصنعه، و أنها سواء كانت تمساحا ام كانت  الأم تيريزا فإن شكلها لن يؤثر على مصداقية الخبر و لكنه سيؤثر علينا من خلال الطريقة النمطية التي تم تنشئتنا عليها.
و هنا يكون السؤال : هل يحق لأحد تنميطنا ؟ ام أن هذا يدخل ضمن آليات غسيل الدماغ و من ثم يتحول الى ما يشبه الحقيقة؟
يمكن  قول الكثير عن الصورة و الصوت- المعنى-  فتحول صناعة الأغنية أصبح باتجاه تقريب الهوة بين الصورة و الصوت:  المغنية الجميلة و المغني الوسيم.
محاولة ربط سلة قيم -هي في الحقيقة غير مرتبطة- للوصول الى رسائل مركبة هو جزء من التحولات في أشكال الاتصال المعاصرة و إن لم يكن حتمية نهائية.
هل يوجد هوية تلفزيونية؟ نعم في الواقع يوجد . و لكن هل يجب حمايتها؟ في الحقيقة كلا. إلا إذا أردنا ان  نبقى أمناء لتجربة بافلوف و كلابه: أي أن يبقى في اعتقادنا ان عمامة رجل الدين تعني انه علاّمة و مؤمن . و أن نظارة المذيع توحي بثقافته , و ان طول شعر الفنان يوحي بعبقريته .
هناك شقين للموضوع و هما: ان المحطة التلفزيونية تريد استقطاب شريحة من الجمهور مستفيدة من إرث التنميط الذي كرسته وسائل الاعلام و غيرها من المؤسسات، و لكنها بهذا تعمل على استمرار هذه الكذبة برغم أن الانسانية اليوم قدمت الكثير فيما يخص تفكيك آليات عمل السيطرة الاجتماعية و إدارة العقل البشري.
لا أدري ما التأثير الذي يجب ان أخضع له كزبون عندما أذهب لشراء بطاقة طيران: أعني التأثيرات الجانبية و المضافة عن الغاية الحقيقية و هي تجربة شراء بطاقة سفر . فلأسباب تتعلق بتطوير نظريات الاقتصاد خارج نطاق البيع و الشراء باتجاه نطاق التحكم و التسلط و المناورة تم الدفع  الى ابتكار كل ما نراه من خيارات ليس أولها لون الجدران و ليس آخرها شكل الموظف:  الطول أو القصر أو النحافة أو السمنة ، باختيار اليونيفورم....
في الحقيقة إن الخدمة الوحيدة التي يريدها الزبون هي تسعيرة منخفضة و عروض أفضل، و لكن الحرب الاقتصادية و التي ساحتها ليست فقط السوق أو الدكان أو مكتب السياحة و إنما  تعدتها الى عقل المشتري و نفسيته و سلوكياته هي ما دفعت الاقتصاد الى تدخله بكل التفاصيل المتعلقة بهوية المؤسسة بل و المجتمع.
إنها مزيج السلطة مع الاقتصاد.
لهذا فإن الجواب الفصل هو: إن الانتباه الى تطور سلطة المؤسسات و محاولة التوازن معها هو ضرورة لا مناص منها لجماهير العمال و الموظفين و إلا سيكونون عرضة للاستغلال بطرائق نشهدها اليوم في محاولة المؤسسات فرض بوليصات و سياسات داخلية ليس غايتها الحقيقية النهوض بالعمل بقدر ما غايتها فرض سلطة مطلقة.
و يكفي ان تتوجه الى إحدى شركات الخلوي في سوريا و تتمتع برؤية الموظفين و هم ينفذون بالحرف دروس و إرشادات المدربين المحترفين في تحويل الانسان الى آلة. فأنت تشتكي للموظف الذي يكرر كالببغاء وراءك: أعرف استاذ, ممكن استاذ, ما فيني استاذ. مع محافظته على ابتسامة لا تعني أنه مهتم بك و لكنها مطلوبة من أجل هوية المؤسسة التي ليس ضمن اهتماماتها لماذا يكاد الزبون يمزق ثيابه أمام الابتسامة البليدة لموظف هو نفسه ضحية حاجته لوظيفته و للحصول على توصية من مديره المباشر  الذي يعمل كجلاد بربطة عنق و لكنه يحمل خيار ان يرسل الموظف الى بيته أو يبقيه في هذا العمل المذل بلا سلطة و بلا أحاسيس و بلا أية قدرة على المحاكمة او التصرف بأخلاق. مما يتسبب بهوة إنسانية عند الزبون و عند الموظف.
هذا التغريب في العلاقات الاجتماعية و تحويل الانسان الى ماكينة بشرية بات خيار استراتيجي للمؤسسات التي بإمكانها أن تستغني عن البشر في الحقيقة و لكنها لا تزال تعتقد أن المانيكان الحي أفضل من الصناعي و إلا لكنا نشاهد اليوم الأخبار يلقيها علينا آفاتار او مذيع كرتوني.. لكن قبل استخدام المانيكان الحي لا بد من تقليم أظفاره .
ثمة غسل دماغ منظم من خلال تمرير توجيهات غير مكتوبة حول هوية الموظفين المرغوب بهم: بلا مشاكل, متوسطي الذكاء, أدوات تنفيذ , طموحين بلا أخلاق.. لأن المستثمر لا يريد مشاكل , بل يريد خيول جر لعربات المشاريع الجاهزة و التي لا تحتاج لرأي أحد بل لمنفذين.
اليوم بات الC.V  الذي تقدمه شهادة حية ضدك. لأنه يكشف إن كنت إنساناً حراً أم مغفلا يسير على السراط الذي ترسمه المؤسسات: حاصل على توفل, مشارك في العمل الطوعي, يحب البابا و الماما, يغسل وجهه بالصابونة و أسنانه قبل النوم و في الصباح قبل أن  يشارك في كل ورشة عمل لا طائل منها إلا تلقيمه حثالة نتاج الفكر المؤسساتي المعاصر: تقوية الجسد الاداري, شحذ أسنان الجشع, أكل الكتف, ابتلاع الذل و تحويله الى نجاح من خلال افتراس إنسان آخر.
هل انتبه أحدكم الى رسالة التوصية التي تطلبها المؤسسات من رب العمل السابق؟ لأن المؤسسات تريد إحكام سلطتها فإنها تتعاون فيما بينها لخلق جسد مؤسساتي متكامل, يتنافس على السوق و لكنه يشترك في موقفه من الزبون و الموظف.
حرق نظام رسائل التوصية ضرورة لعالم العمل الحر.
هذا المقال تحية الى المذيعات اللواتي تركن محطة الجزيرة  بدون رسائل توصية.

الجمل

التعليقات

شكرا يا ايهم على هذا المقال الجرئ في طرحه والحقيقي في المه واحييك بدوري على فنك الرفيع وحسك العالي في التقاط ادق الامور واحسنت جدا في وصفك لجانب من سلطةالمؤسسات للاسف ياايهم اصبح الانسان هو ارخص السلع والمؤسف السلعة لها قانون يحميها اما الانسان فلا شئ يحمي انسانيته ولا مهنيته ولا خبرته ربما الانسانية حاليا تقاس بمدى (و) وبمدى قدرتك على المسايرة والمجاملةبالخطأ اكثر من الصواب او كما قلت بمدى قدرتك على الطاعة بات الانسان الذي يملك رأيا او وجهة نظر في عمله فوضوي ومزعج هذه حقيقة واقعية. احييك عزيزي كما احي قرار مذيعات الجزيرة ولكن اتساءل كيف استطعن تحمل كل هذه السنوات على هذه المشاكل خاصة وانهن صرحن بان المشكلة ليست جدبدة بل هي نتيجة تراكمات طويلة عمرها ثلاث او اربع سنوات ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ واتمنى ان نتواصل

أعتقد مع زيادة اليد العاملة لا بد من تخفيض زمن العمل, و منح الأيدي العاملة فرص اكبر. فبدل أن يعمل موظف واحد على مدار الساعة لمدة اسبوع . قد يعمل 3 أيام و يعطل 4 ايام, يبدو هذا ضرب من الجنون. و لكن الحقيقة هي لابد من منح فراغ فيزيائي - مساحة- لليد العاملة التي تتراكم في سوق العمل. و بنفس الوقت منح الانسانية فرصة للتامل و التكلم و الارتجال. لان الحرية هي طريق الابداع. و على السلكة ان تتخلى عن جشعها الذي يستهلك الانسانية بطريقة تصل حد الاجرام بأنانيتها المفرطة. فموظف يعمل على مدار الساعة دون ان يجد من الوقت ما يكفي ليصرف نقوده على متع الحياة. منعزلاً عن العالم و عن الحياة التي يشتهيها. ممنياً نفسه بتقاعد محترم بعد ان يكون فقد قدراته الجنسية و رغبته باللهو و بعد ان يكون جلده فقد نضارته و جسده أضعف من ان يسمح له بالتجول في جبال آسيا او صحارى أفريقيا او التزلج على رمال دبي. في الطرف الآخر قوة عمل بلا عمل هي الأخرى مكبلة و عاجزة عن الحياة لأنها لا تستطيع دفع تكاليفها, مضطربة و غير ناضجة عاطفياً غير واثقة و غير قادرة على العطاء لانها محرومة بالأصل. الطرفان خاسران و الحياة تخسر و السبب هو عنف البنية الاقتصادية أو الكوديل الاقتصادي المكرس. إن اللعي او طق الحنك ضرورة لتقوية بنية المجتمع و انسانية اللانسان. الانسان حيوان ناطق, و الكلام في المقهى و في الحديقة يحتاج الى وقت و سيضمن لنا حرياتنا التي لا نعرف لماذا تشكل تهديداً لقوى المجتمع المعاصر إلا في كونه اعتبرت انسانيتنا عدواً رسمياً لها.

تحياتي العميقه لك أستاذ ايهم على المقال وعلى التعليق الذي تحت المقال. فعلا دائما نحن بحاجه للتأمل والحريه . وأيضاتحيه تحية لمذيعات الجزيره لأنهن فضلن حريتهن على ذل اللقمه. مع احترامي للحجاب والإلتزام الديني ولكل الملتزمات بحريتهن . نتمنى لو تخط لنا مايبدعه عقلك دائما بأسلوبك الحر المميز.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...