المعلم يعلن انتهاء «السياسة الهادئة»: العقوبات حرب اقتصادية على سوريا

29-11-2011

المعلم يعلن انتهاء «السياسة الهادئة»: العقوبات حرب اقتصادية على سوريا

رفع وزير الخارجية وليد المعلم هذه المرة نبرته السياسية، في توافق مع الموقف الشعبي من عقوبات الجامعة العربية، ولكن من دون أن «يغلق النافذة» تماما، مشيرا إلى أن شرط سوريا للعودة خطوة إلى الوراء هو أن يعود الآخرون خطوة، بإلغاء العقوبات قبل الجلوس للحديث.
ورفض المعلم في نبرة هادئة اشتراط بعض الدول العربية توقيع دمشق على مشروع بروتوكول المراقبين من دون تعديلات، مقابل أن يعاد النظر بالعقوبات على دمشق. وكرر أن سوريا كانت في اختبار نوايا مع الجامعة، وأن قناعتها كانت ثابتة برغبة بعض الدول العربية جر الأزمة السورية نحو التدويل. ووصف العقوبات على سوريا بأنها «حرب اقتصادية»، مؤكدا في الوقت ذاته قدرة سوريا على الصمود، بسبب قدراتها الذاتية.المعلم يتفرج على شريط فيديو لجثث أشخاص قتلهم «إرهابيون» خلال مؤتمره الصحافي في دمشق أمس (أ ب)
وخطط المؤتمر الصحافي في دمشق هذه المرة ليوجه رسائل علاقات عامة بحضور صحافيين أجانب من القناة الرابعة البريطانية وصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، فعُرض فيلم تضمن صورا لضحايا مجازر وقعت خلال مسار الأزمة السورية، وذهب ضحيتها مدنيون وعسكريون. كما عرض موجزا لقصة الطفل المسيحي سارية سعود الذي قتل على يد مجموعة مسلحة في حمص (وفقا لرواية والدته)، واتهمت محطة «الجزيرة» قوى الأمن بقتله. وقال المعلم، في نهاية الفيلم، «أهدي هذه الصور للجنة الوزارية العربية» في إشارة إلى رفضها الاعتراف بوجود عنف مقابل تشنه مجموعات مسلحة في سوريا.
وبدأ المعلم حديثه، خلال المؤتمر الصحافي أمس، بالإشارة للخروقات التي تضمنها مشروع البرتوكول وخطة العمل التي كان اتفق عليها الجانبان السوري والعربي في الدوحة «بعد محادثات استمرت خمس ساعات»، منتقدا بشدة إقرار عقوبات اقتصادية. وقال، ردا على سؤال ، إن التعاون بين الطرفين سيقتصر على أولا إلغاء العقوبات ومن ثم العودة للاتصالات.
وقال المعلم، في مقدمة مؤتمره، «ليلغوا هذه القرارات نصا وروحا، وليعودوا إلى خطة العمل، وإذا كانوا حريصين على البرتوكول فليوفدوا لجنة قانونية تتحاور معنا ونصل لاتفاق.. ليس هكذا تعامل سوريا»، مشيرا إلى أن القرار الذي اتخذ في الرباط بشأن سوريا تضمن بنودا خطيرة، منها ذلك الذي «يدعو الجيش لعدم التورط في أعمال عنف وقتل ضد المدنيين». وقال «هذا الجيش قدم الشهداء من أجل حماية حياة المدنيين، وهذا الجيش الذي مارس دوره في حماية الوطن، عندما يقولون في قرارهم هذه الدعوى فهم يتهمون الجيش، وهذا اتهام باطل سببه أنهم يرفضون الاعتراف بوجود جماعات مسلحة إرهابية تمارس الجرائم والخطف والتقطيع والهجوم على المقرات العامة، هم لا يعترفون بوجود هؤلاء، ويقولون إن الجيش هو من يفعل ذلك».
وندد المعلم بتجاهل اللجنة لعدد الضحايا المعلن عنهم من قبل السلطة. وقال، بعد عرض الشريط الذي ضم بعض صورهم، «أهديها لأعضاء اللجنة الوزارية العربية الذين ما زالوا ينكرون وجود هذه الجماعات المسلحة مع أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون اعترفت بأنهم مسلحون تسليحا جيدا وممولون تمويلا جيدا»، مكررا أن من خرج عن روح الخطة العربية هو الجامعة العربية واللجنة الوزارية.
وخاطب المعلم الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي بقوله «يا معالي الأمين العام، المفروض أنك الأحرص على ميثاق الجامعة»، مؤكدا أنه «لا توجد آمال بالجامعة ولا أوهام». وأشار إلى «مخالفة العربي للمادة الثامنة من ميثاق الجامعة العربية، كما أشار إلى تعديلات في نص الاتفاق بين الطرفين لم يعلم بها الجانب السوري، تتضمن الإشارة إلى مرحلة انتقالية وحكومة وحدة وطنية»، مشيرا إلى أن نص الاتفاق يقوم على مبدأ الحوار الوطني انتهاء بالمصالحة الوطنية.
وتابع المعلم «منذ البداية كان هناك توجه لدى بعض أعضاء اللجنة الوزارية بالسير في التدويل، وأن يحملوا سوريا المسؤولية، ولكن أقول إذا كانوا ليسوا أطرافا في هذا المخطط وآمل ذلك فلنعد إلى نص وروح البرتوكول، ونحن جاهزون لتنفيذها وملتزمون بذلك، لكن لا يسمح لأي طرف بالخروج عما نصت عليه». وقال «إذا كانوا حريصين على حقن دماء السوريين، تعالوا نجلس ونناقش الخطط اللازمة ليس فقط لتنفيذ البرتوكول وخطة العمل بل لوقف تهريب السلاح والتحريض الإعلامي ووقف مسار التدويل، وهذا هو الطريق الذي نراه متاحا».
وبشأن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الجامعة العربية على سوريا، قال المعلم «إذا كانت العقوبات تستهدف النظام السوري فأنتم واهمون، ولكن كلنا يعلم أن المستهدف هو الشعب السوري، وعليهم أن يدرسوا تاريخ سوريا جيدا، ولا يوجهوا إنذارات زمنية ولا عقوبات»، معتبرا أن «وقف التعامل مع البنك المركزي يعد إعلان حرب اقتصادية، وهذا إجراء غير مسبوق»، لافتا إلى أنه «بالنسبة لبند تجميد الأرصدة قد تم سحب 96 في المئة منها، أما عن وقف التعامل مع المصرف التجاري السوري فإن هذا سيضر بحركة التجارة البينية، وهذا أمر يضر بالطرفين». وتساءل «هل سيراقبون التحويلات التي تخرج من مصارفهم إلى المجموعات المسلحة، وماذا عن التحليق بالأجواء والترانزيت أو نقل البضائع».
وأضاف «نحن لا نريد أن نهدد أحدا، ولكن اليوم مصالح شعبنا هي الأولى. شعبنا الذي خرج بمئات الألوف إلى ساحات سوريا في مختلف المدن قال كلمته، وأؤكد أن كلمته هي قرار القيادة السورية الذي ينبع من نبض الشعب السوري». وتابع «نحن تركنا النوافذ مفتوحة مع الجامعة فقط لإقناع شعبنا بأننا لم نتخل عن العمل العربي المشترك، ولكن ليست لدينا أوهام. هناك من لا يملك قراره المستقل، هؤلاء لا نستطيع التعامل» معهم، مشددا على أن «الإضرار بمصالح الشعب السوري ولقمة عيشه أمر مرفوض. لا يستطيع حاكم عربي أن يحارب مواطن عربي بلقمة عيشه». وتابع «عيب عليهم أن يصلوا إلى هذه النقطة».
وأوضح المعلم «يجب أن تعرفوا أننا بلد يعتمد في 60 في المئة من إنتاجه على القطاع الزراعي، يعني أنه لا خوف على شعبنا من جوع أو برد. قد نتأثر ببعض الكماليات إلى حين. معظم الاستثمارات العربية تتجه نحو المشاريع العقارية وهذا أدى إلى فورة في أسعار الأراضي، ونحن لدينا جيش من المهندسين والمقاولين يستطيعون القيام بذلك بأسعار أرخص. لذلك يجب أن نثق باقتصادنا. لا خشية إطلاقا من جراء هذه العقوبات على معيشتنا اليومية، كما أن لدينا مخزونا استراتيجيا من القمح يكفي لعامين فضلا عن فائض في محصول القطن».
وردا على سؤال حول سبل الخروج من الأزمة، حدد المعلم ثلاثة محاور اعتبرها أساسية في هذا السياق «أولها السير قدما في الإصلاحات التي أعلن عنها الرئيس بشار الأسد وأصبحت مراسيم ومن بينها انجاز دستور عصري ينافس دساتير العالم»، حيث أعلن أن الدستور المقبل يقوم على التعددية السياسية.
أما النقطة الثانية التي حددها المعلم فهي «الحوار الوطني». وقال «نحن جادون في هذا الموضوع لأننا نرى فيه حلا، وهذا الحوار ليس فقط بين السلطة والمعارضة فهناك الملايين من الشعب السوري ليسوا من السلطة ولا المعارضة ويجب أن يمثلوا في الحوار الوطني»، مضيفا «نحن ما زلنا نقول من لديه روح وطنية ويحرص على البلد فليأت للحوار، ومن يعش في الخارج نقدم له الضمانات ومن يعش في الداخل نقول له أهلا وسهلا في الحوار، ليكون الجميع شركاء في بناء مستقبل سوريا، والحوار مفتوح ومواضيعه غير محددة».
والموضوع الثالث هو ضبط الحدود لمنع تهريب الأسلحة من دول الجوار، حيث أكد المعلم أن سوريا جاهزة للتحاور مع هذه الدول التي يجري التمويل منها على قدم وساق بالإضافة إلى وقف التحريض الإعلامي الذي تبثه قناتا «الجزيرة» و«العربية»، نافيا استخدام الدبابات في المدن «منذ تسعة أشهر لم يستخدم مدفع دبابة واحد، ولم يستخدم الطيران ولم تستخدم أسلحة خفيفة وإنما أسلحة فردية».
ورحب المعلم بدور روسي في الحوار. وقال «لم لا وإذا رغبت روسيا فأهلا وسهلا»، مشككا في النوايا العربية مجددا، حيث أشار إلى «أن موقف جامعة الدول العربية واضح فهي تريد مجلسا انتقاليا وحكومة وحدة وطنية، وهذا مرفوض لأنه يأتي بعد الحوار».
وحول ما تداولته وسائل الإعلام بشأن استعداد السعودية لتقديم مبادرة، قال «لسنا على اتصال مع الأشقاء في السعودية، لكن ما أعلمه أن وزير الخارجية السعودي (الأمير سعود الفيصل) عضو في اللجنة الوزارية العربية التي تقدم لنا هذه التحف من القرارات».
وبشأن وجود عملاء استخبارات أجنبية في دول مجاورة يقومون بتدريب ما يسمى بـ«الجيش الحر»، قال المعلم «قرأت تحليلات تتحدث عن وجود استخبارات لتسهيل تهريب السلاح. وأنا أقول هناك جهود من دول الجوار ليس كحكومات ربما كأحزاب ومنظمات تقوم بتهريب السلاح والمسلحين وبعضها يدرب ولديه معسكرات تدريب، لكن هذا لن يؤثر على صمود سوريا ولن يؤدي إلى حرب أهلية أو حرب شوارع. قد تظهر أمور لا يمكن حسمها اليوم، لأن المسلحين عبارة عن مجموعات تتنقل من مكان لآخر، لكن التوجه هو لضبط الحدود ولمنع هؤلاء المسلحين من الإضرار بالمواطنين، ومن يتابع الأخبار يشاهد أن هناك انجازات كبيرة تتحقق في هذا الموضوع»، مشيرا إلى تقارير عن نقل من قاتل في ليبيا إلى تركيا من أجل تسريبه إلى سوريا آملا «ألا يكون ذلك صحيحا».
وعن احتمالات الحرب ومدى الدعم الروسي لسوريا، قال «موقف روسيا نفخر به، وفي حال وقعت الواقعة سنعتمد على أنفسنا، وأقول بالتحليل والمعلومات لا حرب ولا عمل عسكريا خارجيا ضد سوريا. هناك تسليح للمجموعات وتمويل وتدريب ومعسكرات وهذا مقدور عليه».
وبشأن الموقف التركي وما إذا كانت سوريا ستلغي العمل باتفاقية أضنة، شدد المعلم على أن «سوريا تلتزم بما تتفق عليه. ما زال اتفاق أضنة ساري المفعول، أما حزب العمال الكردستاني فأعتقد أن موقفنا واضح حتى لو أساء الأشقاء في تركيا إلينا».
وعن التزام سوريا بدبلوماسيتها الهادئة، قال «من اليوم انتهت السياسة الهادئة وقد أجبرنا». وأضاف «لا أريد أن أهدد أحدا لأنني وزير خارجية مؤدب وإذا كان الآخرون غير مؤدبين فهذا شأنهم، وعنوان السياسة المقبلة هو الصمود مع شعبنا».
وعن كلام وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه بأن «أيام النظام السوري معدودة»، قال المعلم متهكما «يعيش ويشوف».

زياد حيدر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...