المحافظون الجدد ومشروع القرن الأمريكي الجديد

09-10-2006

المحافظون الجدد ومشروع القرن الأمريكي الجديد

الجمل:  في مطلع الألفية الجديدة بدأت الإدارة الأمريكية، التي تسندها وتشكل قوامها جماعة المحافظين الجدد، أكثر ثقة في رهانها على نجاح مشروع القرن الأمريكي الجديد، الذي يضع العالم كله تحت تصرف الكونغرس والبيت الأبيض الأمريكي.
تقدم مشروع القرن الأمريكي، واستطاع السيطرة على منطقة الخليج العربي، ثم بدأ التقدم ضمن محورين من أجل حسم السيطرة على العالم، الأول باتجاه التقدم عبر القفقاس وجنوب آسيا، باتجاه أعماق منطقة آسيا الوسطى (أو أوراسيا)، والثاني يتمثل في التقدم من منطقة الباسفيكي باتجاه جنوب شرق وشرق آسيا.
الآن، أصبح مشروع القرن الأمريكي واقفاً أمام المزيد من العقبات، وبغض النظر عن العقبتان الإيرانية، والكورية الشمالية، برزت عقبتان جديدتان على خارطة الهيمنة الأمريكية هما:
• البعد الجيوبوليتيكي لانقلاب تايلاند: ظلت تايلاند لفترة طويلة تمثل واحدة من أبرز المحطات( الأمريكية في جنوب شرق آسيا، وكانت على مدى الستين عاماً الماضية التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الثانية، تشكل ممراً وبوابة أساسية للاختراق والتغلغل الأمريكي في منطقة جنوب شرق آسيا، وقد استطاعت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن تقيم في تايلاند محطتها الرئيسة التي ظلت ترتكز عليها الإدارة الأمريكية والبنتاغون في شن الحروب السرية الأمريكية في هذه المنطقة، وخلال هذه الفترة أيضاً نجحت المخابرات الأمريكية في تشكيل واحدة من أكبر النخب السياسية فساداً في منطقة جنوب شرق آسيا، فكل النخب والقيادات الحزبية، والأثرياء يعملون لصالح المخابرات الأمريكية، وبسبب الغضب الشعبي المتزايد في تايلاند ضد هذه النخب، برزت حركة تمرد مسلحة ضد النظام القائم، بشكل أدى إلى تعرض الجيش التايلاندي إلى مواجهة الكثير من الهزائم الميدانية، خاصة وأن أمريكا قد دربته على استخدام طائرات إف-16 والأسلحة الليزرية وغيرها من وسائط التكنولوجيا العسكرية المتطورة، والتي تثبت أنها لا تفيد في مواجهات ومعارك حروب العصابات التي تدور في الجبال والغاباات والأدغال.. وقد نجح الجيش التايلاندي في الانقضاض على السلطة، وبالمقابل أوقفت أمريكا معوناتها ومساعداتها لتايلاند، وذلك في محاولة للضغط على النخبة العسكرية التايلاندية إلى القبول بالاستمرار في مسيرة الهيمنة الأمريكية باعتبارها أمراً واقعاً.. ولكن، حملت الأنباء الآن معلومات عن تدفق المساعدات الصينية والهندية للنظام التايلاندي الجديد، وذلك في محاولة تهدف إلى توطيد النظام التايلاندي الجديد على نحو يدفعه إلى استئصال الوجود الأمريكي من تايلاند. وإذا تحقق ذلك فإن مشروع القرن الأمريكي يكون قد واجه خسارة باهظة التكلفة، في منطقة جنوب شرق آسيا.
• البعد الجيوبوليتيكي لأزمة جورجيا- روسيا: ظلت جورجيا بعد استقلالها عن الاتحاد السوفييتي السابق تمثل واحداً من مسارح الصراع الدولي، وقد اهتمت الإدارة الأمريكية منذ البداية بأمر جورجيا، وأيضاً اهتم حلفاء أمريكا الغربيين بجورجيا، وذلك بهدف جعل جورجيا قاعدة متقدمة للتحالف الغربي الأمريكي، ومصنعاً يقوم بإعداد وتصدير (الثورات الملونة) الأمريكية لدول القفقاس وآسيا الوسطى وروسيا نفسها، ولتمهيد المسرح الجورجي للقيام بهذا الدور، تم الآتي:
- إلحاق جورجيا وإعطائها دوراً أساسياً في حلف غوام (Guam) العسكري، الذي يضم حلفاء أمريكا في منطقة القفقاس، (جورجيا، أوكرانيا، أذربيجان، ومولدافيا)، وتجري الترتيبات حالياً لإدخال إسرائيل ضمن هذا التحالف، برغم أن إسرائيل ليست من دول القفقاس، ولكن على أساس أن توقع إسرائيل اتفاقية شراكة عسكرية مع دول هذا الحلف.
- إلحاق جورجيا بحلف الناتو، بحيث تمثل قاعدة متقدمة للناتو في خط المواجهة المحتملة مستقبلاً ضد روسيا وبقية منطقة آسيا الوسطى وشرق المتوسط والشرق الأدنى.
- تدعيم مكانة يهود جورجيا (توجد أعداد كبيرة منهم، وبعضهم تم تصديره من إسرائيل إلى جورجيا، خاصة اليهود الشرقيين الروس الذين سبق أن هاجروا إلى إسرائيل)، وحالياً أصبح اليهود في جورجيا يشكلون عنصراً شديد الفعالية والتأثير بسبب نجاحهم في اختراق النخب العسكرية والاقتصادية والسياسية في جورجيا.
- تحويل جورجيا إلى قاعدة عسكرية أمريكية، وحالياً توجد قوات أمريكية مستقرة في جورجيا، إضافة إلى العديد من المنشآت التي تديرها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
- تحويل جورجيا إلى ممر لعبور نفط منطقة بحر قزوين، وقد تم تمديد خط أنابيب جاكو، تبليسي، جبهان، عبر جورجيا، وقد اكتمل الخط الذي قامت ببنائه شركة بريتيش بتروليوم، وبعد أن تكتمل المرحلة الثانية بتوصيل خط الأنابيب الجديد الإضافي تحت مياه المتوسط، والذي يوصل النفط إلى ميناء عسقلان الإسرائيلي، سوف تقوم إسرائيل بتوقيع اتفاقية الشراكة العسكرية الأمنية مع حلف غوام، وذلك على أساس اعتبارات أن مصالح إسرائيل الحيوية أصبحت ترتبط مع دول حلف غوام، وذلك بشكل يتيح لإسرائيل التدخل عسكريا في منطقة القفقاس وآسيا الوسطى لحماية المصالح الإسرائيلي- الأمريكية.
طوال الفترة الماضية ظلت روسيا تلتزم الصمت حيال تحركات جورجيا، وقد كانت علاقات روسيا- جورجيا تتسم بروح الحرب الباردة، وحدث مؤخراً أن قامت الحكومة الجورجية باعتقال أربعة ضباط روس يعملون ضمن وحدات القوات الروسية الموجودة ضمن أراضي جورجيا بناء على اتفاقية بين البلدين تم التوقيع عليها في السنوات الماضية، وقت اتهمت السلطات الجورجية هؤلاء الضباط الروس بالتجسس على قوات حلف الناتو، الموجودة داخل جورجيا، وقد وجدت موسكو في هذا الإجراء ذريعة للقيام بمواجهة جورجيا.
التصعيد الروسي ضد جورجيا له أكثر من دلالة، وبغض النظر عن تداعياته داخل جورجيا، إلا أن تداعياته الإقليمية والدولية سوف تؤثر سلباً على مسيرة مشروع القرن الأمريكي في منطقة القفقاس وآسيا الوسطى، وذلك لأن حدوث أزمة سياسية تؤدي إلى إخراج جورجيا من خارطة المشروع الأمريكي.. سوف تؤدي إلى:
- إغلاق بوابة الدخول والتسلل الأهم لأمريكا وحلفائها في آسيا الوسطى والقفقاس وروسيا.
- إغلاق واحد من أهم (مصانع الثورات الملونة) في أوراسيا.
- تراجع خط المواجهة في الحرب الباردة الجديدة، إلى بلغاريا ومنطقة البلقان.
وعموماً يمكن القول: إن (انقلاب تايوان)، و(أزمة جورجيا- روسيا) على خلفية استقرار النظام التايواني الجديد، والرهان على تصعيد الأزمة الجورجية- الروسية على النحو الذي يؤدي إلى تغيير اتجاه جورجيا، سوف تشكلان ضربة قاصمة لمشروع القرن الأمريكي الجديد.. وقياساً على المثل الانكليزي (دعنا ننتظر ونرى) سوف لن يكون التراجع في هاتين المنطقتين، بل سوف يترتب على ذلك تراجعات أخرى، وبالذات في أفغانستان، باكستان، وأوكرانيا، وأذربيجان وأرمينيا.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...