ميشال سليمان الرئيس الثاني عشر للجمهورية اللبنانية

26-05-2008

ميشال سليمان الرئيس الثاني عشر للجمهورية اللبنانية

الجمل: وسط حضور عربي وإقليمي ودولي عقد مجلس النواب اللبناني جلسته "التاريخية" التي أسفرت عن انتخاب قائد الجيش العماد ميشيل سليمان رئيساً للجمهورية حيث حصل سليمان على 118 صوتاً من أصل 128.
* بيئة الأزمة اللبنانية: الرئيس ميشيل سليمان وإشكالية إدراك الأزمة:
تنطوي بيئة كل أزمة على أبعاد داخلية وإقليمية ودولية، وتشير معطيات خبرة الأزمات إلى أنها يمكن أن تتطور ضمن ثلاثة مسارات كأزمة داخلية ثم تصبح إقليمية ثم تتحول إلى دولية والثاني كأزمة دولية ثم إقليمية ثم داخلية والثالث كأزمة إقليمية تتحول إلى داخلية ثم دولية. بكلمات أخرى يمكن أن تبدأ الأزمة صعوداً من أي واحدة من النقاط الثلاث المحلية أو الإقليمية أو الدولية، ثم تتطور باتجاه النقاط الأخرى.
بتطبيق هذا الوضع على كل الأزمات وفي الحالة اللبنانية فقد أخذت الأزمة مسار النموذج التقليدي الذي بدأ من الأزمة الداخلية ثم الإقليمية ثم الدولية وما هو مثير للانتباه في الحالة اللبنانية أن الأزمة تطورت بعد ذلك لتتضمن المسارات الثلاثة الأخرى فالأزمات الإقليمية والدولية لعبت دورها في تصعيد الضغوط الأزموية اللبنانية. وحتى الآن ما زال الرئيس سليمان في موقف الحياد على الأقل بسبب عاملين:
• أداءه السلوكي العسكري خلال أحداث 9 أيار.
• خطاب التنصيب الرئاسي الذي كان مليئاً بمفردات الخطاب السياسي التوافقي بما أدى إلى خلق الانطباع العام بأن الرئيس الجديد الثاني عشر يقف إلى جانب الجميع.
بالجمع بين معطيات الأزمة اللبنانية التي شارك فيها الجميع ومفردات خطاب الرئيس سليمان التي أرضت الجميع يبرز السؤال المحرج: كيف يمكن إرضاء الجميع في الصراع الذي تورط فيه الجميع؟ وهو سؤال يمكن طرحه بطريقة أخرى: هل يوجد برنامج حد أدنى يمكن أن يتفق عليه الجميع؟ وما هو جدير بالانتباه أن كلمة الجميع ليس معناها الأطراف اللبنانية وحدها وإنما الأطراف الخارجية كذلك التي غرقت حتى آذانها في رمال الأزمة اللبنانية، وعلى سبيل المثال فقد تورطت أمريكا وأصبحت فاعلاً رئيسياً في الأزمة، وأصبح حلفاؤها اللبنانيون يقومون بدور الفاعل الثانوي، وحالياً يدرك اللبنانيون وشعوب الشرق الأوسط مدى فعالية الدبلوماسي الأمريكي ديفيد وولش في إدارة الأزمة اللبنانية وتوجيه ضغوطها الفاعلة بما يخدم مصالح محور واشنطن – تل أبيب: فهل ستتخلى الإدارة الأمريكية عن تدخلها في لبنان لأن الرئيس اللبناني الجديد تم انتخابه، أم ستحاول الضغط بالوسائل كافة من أجل توجيه وإعادة توجيه قصر بعبدا؟ وهل للرئيس اللبناني الجديد تصور محدد للمعالجة الناجعة للأزمة اللبنانية التي ظل يديرها ديفيد وولش ونوابه في الساحة اللبنانية؟ أم سيحاول التوفيق بين الجميع والدفع باتجاه الحلول الوسط التي ترضي قوى صنع الأزمة (وولش ونوابه اللبنانيون) والقوى المستهدفة بالأزمة (التيار الوطني الحر – حزب الله – حركة أمل – بقية فصائل المقاومة الوطنية اللبنانية)؟ وهل توجد حلول وسط بين المقاومة والاستسلام وبين الاستقلال والتبعية وبين الإرادة الوطنية والإرادة الأجنبية؟
* لبنان: إشكالية التوازن بين النخب المؤسسية والنخب المدنية:
في كل الأنظمة السياسية تتم عملية صنع واتخاذ القرار عن طريق الأطر المؤسسية الخاصة بالدولة، ولكن في لبنان، فإن عملية صنع واتخاذ القرار تتم ضمن تراتبية أكثر تحويراً لأن الرئيس اللبناني ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب لا يملكون أوراق صنع واتخاذ القرار، التي يقع معظمها تحت سيطرة "صناع الرئيس" وصناع رئيس الوزراء وصناع رئيس مجلس النواب، ويتمثل هؤلاء في مجموعتين:
• مجموعة النخبة السياسية المكونة من زعماء الكيانات السياسية اللبنانية.
• مجموعة النخب الطائفية المكونة من زعماء المرجعيات الطائفية الدينية.
وحالياً أصبحت هناك مجموعة ثالثة حملتها أنواع الأزمة وإلى الساحة اللبنانية، وتتمثل في عواصم: واشنطن، باريس، تل أبيب، والتي تصطف وراء بعض العواصم العربية المرتبطة بأمريكا. وسيواجه الرئيس اللبناني الجديد مشكلة صناعة القرار، وعلى خلفية خبرته السابقة في الساحة اللبنانية فهو أدرى من غيره بالكيفية والملابسات التي أدت إلى اتخاذ قرار خوض الجيش اللبناني لمعركة نهر البارد والقضاء على «فتح الإسلام» وكيف تمت صناعة هذا القرار ولماذا تم إصداره ومن هم الذين وقفوا وراءه، وهل تربطهم علاقة ما بفتح الإسلام أم لا وغيرها من كواليس صناعة القرار.
* لبنان: إشكالية التوازن بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية:
ارتباط بعض النخب السياسية والطائفية اللبنانية بواشنطن وباريس أفسح المجال أمام تدخلهما في عملية صنع واتخاذ القرار اللبناني، وإلا فلماذا عرقلت الحكومة اللبنانية السابقة مشروع إدانة إسرائيل لجهة ارتكابها المذابح في حق المواطنين والأطفال الأبرياء اللبنانيين؟ إضافةً لذلك، لم تعد السياسة الخارجية اللبنانية مهنة حصرية لوزراء الخارجية اللبنانيين فقد أصبح كل زعيم تكتل سياسي له سياسته الخارجية وتطور الأمر بحيث أصبح لكل عضو في مجلس النواب سياسته الخارجية وتحالفاته الدولية السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، التي ينخرط فيها غير عابئ بمدى تأثير ذلك سلباً على السياسة الخارجية اللبنانية. حتى الآن، لم يقدم الرئيس اللبناني تصوراً لتوجهات السياسة الخارجية اللبنانية هل سيلتزم بسياسته الخارجية بالثوابت الإقليمية وبالتالي يعمل من أجل توازن علاقات لبنان الإقليمية عن طريق تعزيز تعاون لبنان الإقليمي مع دمشق والرياض وطهران وأنقرة، أم سيدفع بلبنان باتجاه معسكر المعتدلين العرب أم سيعمل للقيام بدور دولي لا تناسب مع قدرات لبنان بما يجعل من لبنان ساحة مفتوحة لإدارة بوش التي انحسر نجمها في أمريكا ولم يبق لأفولها النهائي سوى بضعة أشهر!!
* قصر بعبدا وإشكالية السيطرة على الملف اللبناني:
استطاع العماد سليمان السيطرة على الجيش وأدائه السلكي العسكري خلال أحداث 9 أيار والآن هل يستطيع كرئيس للجمهورية السيطرة على الساسة اللبنانية وأدائها السلوكي الذي اكتسب طابعاً دراماتيكياً؟
بالتأكيد يملك الرئيس الجديد مشروعاً للسياسة اللبنانية ولكن كيف يستطيع تنفيذ مشروعه في ظل:
• القيود الدستورية، عن طريق دستور أصبح يتطلب التعديل.
• القيود المؤسساتية، بواسطة مؤسسات تتطلب الإصلاح.
• القيود المدنية، بواسطة كيانات سياسية وطائفية تتطلب التقييد والردع إن لم يكن الإقصاء.
قبل أن يبدأ الرئيس الجديد عمله عليه أن يبحث عن السبيل والمخرج في مواجهة ظاهرة "صناع الرئيس" المنتشرين في الساحة السياسية والطائفية اللبنانية، فهل سيبدأ بالتعديلات الدستورية والإصلاحات المؤسسية أو سيبدأ بتبني الحلول الوسط التي وإن كان الجميع قد قبلوا بها وباركوها في أول الأمر فإنهم هم الذين سيعودوا وينقلبوا عليها، لأن أنصار الاستسلام لن يقبلوا بإصرار أنصار المقاومة على الاستمرار في المقاومة وهنا ستواجه الرئيس الجديد مشكلة العثور على نقطة الحل التي تجمع بين الاستسلام والمقاومة وهي نقطة مستحيلة نظرياً وعملياً لأنه حتى الآن لم تنجح العلوم السياسية والعسكرية في إثبات صحة العادلة القائلة بأن الاستسلام + المقاومة = النصر!!

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...