محصلة 2009 في الآداب الأجنبية

01-01-2010

محصلة 2009 في الآداب الأجنبية

تجعلنا العودة نهوى الوداع، هكذا قال الفرد دو موسيه، وهكذا نفعل مع أفول كل عام. يعطينا الرجوع الى 2009 القدرة على غلقه مرةً ونهائيا. نعلن هذا، ونستطرد ان القطيعة أليمة، إذ يشوبها التململ والتردد ومحاباة اخبار على اخبار وتفضيل محطات على محطات. نسأل ايهما تستأهل اكثر: جائزة امير استورياس أم جائزة ثرفانتس؟ الذكرى الخمسون بعد المئة لولادة كنوت هامسون ام الذكرى المئوية الثانية لولادة ادغار الن بو؟ هل تتقدم مراسلات خوسيه كاميلو ثيلا مع المنفى على رسائل صموئيل بيكيت في مجلدها الاول ام رحيل فرانك ماكورت على إغماضة عين كلود ليفي شتراوس؟ في حين نتردد اي اقساط نستبقي من حواراتنا مع اندره فيلتير وخورخي فولبي وميشال اونفري؟ وقائع ومناسبات تعنينا، وقد اخترناها كلّها، وكتبنا عنها، لأنها ملك لتجربة خاصة وتماثل لتجربة عامة. 2009 في ميدان الآداب الأجنبية بحث عن وقفات مآلها الإندثار على الارجح تحت أقدام عربة الزمن. نراوح مكاننا للحظات ونتذكر في هذه الاستعادة التلخيصية عاماً جسورا في منح الجوائز وإصدارات من اوراق ورسائل مخفية في ادراجأدب فكر فن

 جوائز"ثرفانتس"

قبل نيله جائزة ثرفانتس، اقرّ الشاعر المكسيكي خوسيه اميليو باتشيكو لمجلة "ايل كولتورال" الإسبانية الأدبية بمشاعر العتب والانزعاج والأسى بسبب جهل جمهور القراء في اسبانيا لأدبه سائلا: "كيف يعرفونني فيما نحن دول ودول تنطق اللغة عينها؟". بيد ان هذا الموقف تبدّد مع نيله جائزة أدبية يهجس بها الكتّاب بالقشتالية على مرّ ايامهم. خمسون عاما أمضاها خوسيه اميليو باتشيكو في ممارسة مروحة من الأنواع الأدبية الممكنة بحرفة وفطنة وخبرة، ليصير رائياً يريد استقدام العدالة للمظلومين والرأفة للناس.

"فيمينا"

تجاسرت لجنة "فيمينا" النسائية على انتقاء "لا أحد" لغوينيل اوبري للحصول على جائزتها الأدبية 2009. اعادنا كتاب اوبري الى حديث الأرجنتيني بورخيس ومفاده ان اسوأ المتاهات هو الخط المستقيم. ربما لأن تقشّف الفذلكات السرديّة بقلم اوبري، قادر على إحداث اسوأ الزوابع. بصفتها روائية وفيلسوفة، ساهمت اوبري في ابحاث شتى، لتنطلق الى التخييل في التسعينات من القرن المنصرم. رواية غوينيل اوبري "لا أحد" التي حرّكت الموسم الأدبي الفرنسي، بانت كإرث الإبنة لأبيها.

"ميديسيس"

في الضفة الثانية من الجوائز الأدبية الفرنسية كان ثمة رابح سعيد آخر، هو الكندي من اصول هايتية داني لافيريير، الذي حاز جائزة "ميديسيس" عن رواية "لغز الرجوع" لدى "غراسيه". كان لافيريير جهر في عام 2001 بـ"تعبه" الأدبي، غير ان الامر تبدى انذارا خاطئا باعثاً للغبطة. مذّاك اصدر داني لافيريير خمسة كتب، آخرها "لغز الرجوع" حقق له، يا للمفارقة، الفوز بجائزة ""ميديسيس"، ويصح في النص القول انه رواية الحركة.

"غونكور"

في "ثلاث نساء جبارات" (غاليمار) لماري نديايي التي نالت "غونكور" 2009، ثلاث قصص مختلفة من حيث الشخوص والاشكال، متباعدة الخواتيم ايضا. قصص تقول ألم المنفى والاندثار الذي يليه، في لامبالاة تتضمن الشره والارق والوسخ. في هذا السكون الروائي، تقول الصور الشعرية اكثر من كل الصفات وكل القول الذي يقض مضجع النماذج المتخيّلة. تدفع الروائيّة بعملية استكشاف اللامعقول في المعاناة الى التخوم.

"بوكر"

"انت جيّد بقدر جودة آخر جملة كتبتها". تلك كانت امثولة الروائية الانكليزية هيلاري مانتيل بُعَيْدَ الافصاح عن عناوين اللائحة القصيرة لجائزة "بوكر" الأدبية، حيث استبقيت روايتها "باحة الذئب". والحال ان اللفتة صوب نوعيّة نصها تراءت ملحّة انذاك، فيما استحوذ كتابها التخييلي على القسط الأوفر من المراهنات الأدبية في انكلترا. تجاوزت مانتيل قائمة من ستة كتب ونالت في المحصلة "بوكر" 2009 عن رواية مصروفة للمكيدة وسمات الشخصية.

"نوبل"

سطوة المناخ عندما تصير اعظم من سطوة الناس، هذا جزء مما تمثله حرفة الكتابة بالنسبة الى الألمانية من اصول رومانية هرتا موللر، التي حازت جائزة "نوبل" للآداب لعام 2009. تتسرق لغة موللر على ألمها، فيما يغدو السرد في اسلوبها تقصياً للترحال وميزانا للرواية او القصة القصيرة. وفي دار المواجهة بين المرء والسلطة، يشذَّب القص الأنوي على وقع السياسة، من دون ان يفيد ذلك ارتطاماً للحوادث السياسية بالتجارب المبعثرة.

"سونينغ" الدانماركية

كان الروائي الألماني الخصب والشاعر والمنظّر والمسرحي هانس ماغنوس انتسنسبيرغر الصورة - المثال لقابليّة الجمع بين الافكار الجديدة وحسّ التاريخ المعظّم. كسب رهان التنقيب في الثقافة الاوروبية ونال جائزة "سونينغ" الدانماركية التي تحمل اسم المؤلف كارل يوهان سونينغ. تم عبر هذه الجائزة الممنوحة مرةً كل عامين، تكريمه كاتبا ومحللا مستحقا للتهليل.

هولندا

جال الشاعر والروائي الهولندي سيس نوتبوم العالم منذ سن العشرين، وصار اثره أطلس الوجهات المشرعة على الرغبة والذاكرة. في منتهى مفاهيم التأمل الآسيوي الشرقي، لم يشبع ذهنه الحر سوى الكون الحر. انجازه لأكثر من خمسة وعشرين كتاباً في الشعر والرواية وادب السفر والابحاث الثقافية والفلسفية والسياسية، دلّ على تجربة جسدية وفنية وعاطفية جعلته يصير احد المرشحين القابعين على لوائح نوبل للآداب، ومدّه بـ"جائزة الآداب الهولندية 2009".

"امير استورياس"

جعل الروائي والشاعر والباحث الالباني اسماعيل كاداريه من ثرفانتس، دليلاً الى شغف ادبي غرف منه ثقافيا، في حين راقه القول ان سارق النار بروميثيوث ودون كيخوته دي لا مانتشا، الشخصيتين الادبيتين العالميتين اللتين تمكنتا من تجاوز محليتهما الى الارث الانساني. في عرف لجنة تحكيم "جائزة امير استورياس للآداب 2009"، فإن كاداريه الذي حاز هذا الامتياز المحوري في اسبانيا هو "صوت كوني مناهض للشمولية" لم يهب اعادة الصوغ المسلّم به تماما كما اعادة تشكيل الاساطير.

حوارات دنيس جونسون ديفيس

"دنيس جونسون ديفيس، رائد المترجمين من العربية الى الإنكليزية في زمننا". جالت الجملة التي خصّه بها إدوارد سعيد زوايا العالم العربي. في موازاة الابتهال والودّ اللذين أفضى بهما هذا الكلام، أفصح عن وشاية بجميل جونسون ديفيس في انتشال أدب منطقتنا من غفليّة سطت عليه طويلا. في أبو ظبي حيث التقيناه، أسرّ إلينا ان امتهان الترجمة حدث مصادفة في سيرته. مباغتة يتسرّع في إبداء حسرته لاستحواذها عليه، ذلك انها تزامنت مع غبن مادي. بيد ان المرارة عمرها ثوان في حديث جونسون ديفيس الثمانيني الذي لا يلبث أن يستغرق في حسن طالعه لأنه شرع يترجم في موازاة بزوغ "حركة النهضة الجديدة". أرجعنا دنيس جونسون ديفيس في خاتمة حوارنا الى مصر، أرض هي موطئ قدمه، يعشق أدبها وشوارعها ويترك لهجتها تزقزق في موسيقى لغته العربية.
 خورخي فولبي

عند افول القرن العشرين، بادر الكاتب المكسيكي خورخي فولبي مع مجموعة من زملائه الى شق منحى جديد للآداب المكسيكية من طريق جيل "كراك" الذي امكن ترجمته بـ"جيل القطيعة". خلال زيارة خورخي فولبي الوجيزة لبيروت التقيناه ومما جاء في حوارنا معه:

• في بحثك "أرق بوليفار. أربع حجج غير مناسبة في شأن اميركا اللاتينية في القرن التاسع عشر"، تمر بأحلام الحرية والازدهار في أميركا الاسبانوية التي تحوّلت كوابيس، وتستعيد تطبيقات فكرة التحرر في مختلف بلدان اميركا اللاتينية. كيف تقارب حال هذه اليوتوبيا راهناً مع بزوغ زعماء لاتينيين عابرين للقومية؟
- اردت ان يكون البحث جداليا وان انجز من خلاله تأملا في شأن وضع اميركا اللاتينية راهنا مع احتفال دول عدة بمرور قرنين على نيلها الاستقلال. من جهة ثانية، ثمة بلا ريب زعماء لاتينيون يصيرون لاعبين كونيين يتعاظم دورهم رويدا، غير انهم لا ينتمون الى الشطر الاسبانوي خصوصا. تصير البرازيل تدريجا لاعبا كونيا قادرا، في حين فقدت المكسيك دورها الذي جعلها خلال فترة معينة ترئس الجزء اللاتيني من القارة، لتتلقفه البرازيل اكثر فأكثر.

ميشال اونفري

الفيلسوف الفرنسي ميشال اونفري اسم يتكرر من خلال مؤلفات تحاول دمقرطة فلسفة ليست تأملية وإنما ملموسة ووجودية، تحدّث عنها الينا في لقاء على هامش "معرض الكتاب الفرنكوفوني" في بيروت. مما جاء فيه:

• يعتبرونك في فرنسا الفيلسوف الذي يحظى بأكبر فئة من القراء. هل يمكن المرء ان يصير فيلسوف الجماعة، بحيث يكون في وسع الجميع فهمه من دون ان يصير ناطقا باسم فلسفة شعبية، آخذين في الحسبان انك لطالما انتسبت الى منطق فوضوي مناهض لمفهوم الـ"غورو" او المرشد الفكري؟
- اجد ان فلاسفة العصور القديمة عبّروا عن افكارهم بوضوح وبساطة. عندما نتحدث على هذا النحو، في وسعنا قول افكار عميقة ايضا. انه لوهمٌ الاعتقاد ان الابهام يوازي العمق. ثمة فلاسفة من هذه الفئة المتكلفة، وهؤلاء لا يقرأهم احدهم، وهذا ما لا استغربه. لا ازدري جمهور قرائي، وهذا لا يعني اني امالئه ايضا. لا ازدريه، بمعنى اني اكتب لكي يسمعني ويفهمني. ربما يسمّى ذلك ديماغوجية. اصر على القول انه إذا كنت ديماغوجياً فهذا يعني ان سينيك كان كذلك، فضلا عن شيشرون، لأنهم كانوا فلاسفة مقروئين، وهذه كانت حال لوكريس الذي كتب القصائد حتى. اعتمدت قول امور عميقة ومهمة بأسلوب بسيط. لم اهتم اذا كان هذا المسار سيؤتى ثماره أو لا. لم يكن هذا ليعنيني.

نديم غورسيل

تسير روايات الكاتب التركي الفرنسي نديم غورسيل، كما بحوثه ومقالاته، في ردهات الذاكرة والارث، وتتقصى عنهما في مذهب حنيني جمالي. عن مسار تأليفي مستمر، حاورته "النهار" في اطار مشاركته في "معرض الكتاب الفرنكوفوني" 2009، نقتطف منه:

• كدت تسجن ثلاثة اعوام بسبب "بنات الله" بعدما لوحقت بتهمة "اهانة القيم الدينية". هناك كتّاب اتراك آخرون جرّوا الى القضاء ايضا على خلفية المسألة الارمنية. الى اي حد يمكن الجدال ان يستر حقيقة المؤلف الادبي؟
- عندما يشعل كتاب معيّن جدالا، انه لأمر جيد وسيىء في آن واحد. جيد لأنه يسمح للكتاب بأن يصل الى فئة واسعة من القراء، وهذا ما حصل مع "بنات الله". ذلك اني تمكنت من أن اتحدث عن روايتي وعن طريقة كتابتي لها. غير ان هذا الواقع في الوقت عينه يخفي العمل، لأن البعض يعترضون على العنوان، من دون قراءة الرواية، في حين يجهلون تاريخ الاسلام، وان بنات الله اللواتي اشير اليهن، لسن سوى الآلهات الثلاث اللواتي ذكرن في القرآن. المزعج في هذا الجدال هو نسيان اننا في مرتع التخييل.

اندره فيلتير

مروّسة الذهن ومغتبطة حسيا وفكريّا، هكذا تتراءى قصيدة الشاعر الفرنسي اندره فيلتير. خلال وجوده في لبنان افرج الشاعر عن بعض افكاره في لقاء معنا، وها هنا بعض ما جاء فيه:
• كنت في خيريث دي لا فرونتيرا بإسبانيا، عندما أدركت وفاة الشاعر محمود درويش لتكتب "علمتُ على حين غفلة. ها قد توفّى محمود درويش، صديقي القريب جداً، في مكان ناء جداً. محمود، تضيق الحياة بنا". هل في وسع الشاعر الإقرار بحاله الهشة، بقابليّته للموت؟
- أستطيع ذلك. ذكرتُ سالفا الفلسفات الشرقية مثل البوذية والتاوية التي تبشر بفكرة الهشاشة، لكن على نحو عميق جدا، ذلك ان الهشاشة ليست فكرة كئيبة. يعجز الغرب عن وعي ذلك. أتحدّث إليكِ منذ ربع ساعة، وقد شاخ جسمي وخلاياي ربع ساعة. أسعى لكي يمرّ الزمن فيَّ على النحو الأكثر تناسقا وسلما. أحتفظ بفلسفة خاصة في هذا الشأن مصدرها قصيدة للشاعر الفارسي سعدي يقول فيها ما معناه ان نسيم الشرق سيمرّ تكرارا ليحمل كل خليّة من خلايانا الى مكان مختلف (...) في ما يخصّ محمود درويش، كان يعاني القلب منذ سنوات، وكان يعيش مع فكرة أن الأمور قد تسوء. وافق على الخضوع للجراحة في هيوستن لأنه خشي ما هو أسوأ من الموت، اي الهزال الجسدي. اتخذ القرار بالجراحة وهو يدرك تماما المخاطرة التي تنطوي عليها. لا أقول ان موته كان مختارا ذلك انه لم ينتحر، لكنه موت رجل أراد أن يعيش بكرامة. وصلني خبر وفاته وأنا منغمس في الاحتفال في جنوب إسبانيا. كنت غارقا في مناخ من سعادة وهذا منحني فرصة للتأمل في القدر الإنساني.
 لويس فياض

يتعذّر استعادة السرد اللاتيني بدءا من الشطر الثاني من القرن العشرين، بدون الكلام عن منزلة لويس فياض فيه. يدين ابن الجيل الثاني من لبنانيين مولودين في كولومبيا الى اللغة واللغات واللالغة، والى الوطن والأوطان. هنا مقتطف من لقائنا معه:
• تمثّل دوران "السرد الكولومبي الراهن" الذي استنبط أفضل كلامه خارج المدار الكولومبي. ولدتَ في بوغوتا وأقمت في باريس وبرشلونة وبرلين وسواها، فهل سمح لك البعد المادي عن كولومبيا ببلوغ تكثيف أدبي متبصّر للمعيش فيها؟
 - عندما يهجر المرء بلاده تقوم مسافة بينه وبين الزمن والمكان. أما الصلات التي قد تمكث مع ما يخلّفه وراءه، فترتبط بكل امرئ على حدة، ذلك انها فرديّة وليس ثمة معيار موحد يساوي بين التصرفات الانسانية. يمكن الروابط أن تنقطع أو أن تستمر على رغم البعد، وفي حالات معينة في وسعها أن تتعمق أكثر من ذي قبل، وهذا ما جرى معي. ساعدني الأدب في البقاء على دنوّ من وطني، وأعانني البعد في تفسير إلفتي مع المجتمع.

إصدارات "أوراق غير مرتقبة"

اكتمل عقد خمس وأربعين سنة منذ توفّى خوليو كورتاثار، الذي اعتمد التريث في نشر مخلّفات ادبية محتملة بعد رحيله، الى حين التأكد من المستحق واللامستحق. كانت اغماضة عينيه الاخيرة في سن السبعين في شباط 1984. غير انه كان يقفل على كلمات كثيرة، في درج في منزل غرونيل في فرنسا، غزاه في يوم من أيام 2006 الكاتب والناقد كارليس الفاريث غاريغا والى جانبه ارملة كورتاثار، اورورا برنانديث. في عمق هذا الصندوق الخشبي رقد كنز ادبي اصدرته دار "الفاغوارا" عام 2009. حمل المجلد عنوان "أوراق غير مرتقبة"، ويمكن إدراجه ضمن ما سمّاه ابن الأوروغواي كورتاثار "الكتاب - الروزنامة" الذي يوصل في المحصلة الى كورتاثار التام.

"رسائل صموئيل بيكيت، المجلد الأول: 1929-1940"

صموئيل بيكيت كاتب راء في المعنى الذي راق لبروتون. هو رجل باغتنا من خلال "رسائل صموئيل بيكيت، المجلد الأول: 1929 - 1940" ليقول ما تقشف عنه في العلن. خلال ستين عاما من مسار كتابي، وقّع بيكيت رسائل ترنو الى خمس عشرة الفا بعث بها بين عامي 1929 و1989 تاريخ وفاته. من ضمن رتل النصوص هذه التي مكث بعضها في ارشيف عام وبعضها الآخر في مجموعات خاصة، ترمي منشورات "اوكسفورد وينيفرستي بريس" الى اصدار ألفين وخمسئة رسالة، توزعها في مجلدات أربعة، بات اولها في متناولنا. في نحو من ثمانمئة صفحة، يأتينا بيكيت ايجابيا ومتعاليا على التكريس والفشل الجماهيريين في حدث استحق في عام 2009 الترقّب الممزوج بالتحرق. 
 "رحلة التخييل: عالم خوان كارلوس اونيتي" و"قصص اونيتي القصيرة الكاملة"

رسمت الاقاويل الشعبية حول خوان كارلوس اونيتي صورة رجل الطبع المنكمش والفظّ والسوداوي. عاد اسم صاحب "الحياة الوجيزة" وسواها ليتكرّر عام 2009 من طريق كتابين لدى "دار الفاغورا" الاسبانية، كتاب له وكتاب ثانٍ عنه. هناك بحث "رحلة التخييل: عالم خوان كارلوس اونيتي"، للكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا حيث يطوّب اونيتي كاتب التخييل العظيم في القشتالية في القرن العشرين. الى جانبه، كتاب آخر "قصص اونيتي القصيرة الكاملة" قدّم له انطونيو مونيوث مولينا، يكوّن فرصة من صنف نادر للتجول في فانتازيا شخوص كلاسيكية من بين الأشد قلقا وإلماحا.

"القلب الهائم"

تمثل نيليدا بينيون احدى المرجعيات المطلقة في الآداب البرازيلية. تعلي الكاتبة الحكمة والامثلة من طريق "القلب الهائم"، لتتبدى حياتها رحلة سرمدية، لكأنها في اوديسة لا تهمد. "القلب الهائم" (2009) كتاب مذكرات حيث تنبثق الحلقات المعيشة على نسق تدفق الفيض العاطفي، من دون ان تلتفت الى ما درجنا على تسميته "الحوادث"، وذلك في غنائية وفكاهة وخيال يعود ادراجه الى تخوم الرمزية.

"عام الفيضان"

عندما تغادر مارغريت اتوود كندا، فإنها تفعل ذلك من طريق البحر. في حين أنها تجعل المياه التي تؤاخيها، خشية الاسوأ، مرتعاً للشرور في روايتها "عام الفيضان" (بلومسبري) (2009) وإن على نحو خادع، اي في العنوان فحسب. الإيغال في الرواية، يضعنا في لحظة حيث تأتي العلوم بنتائج كارثية على المستوى البيئي، لتوجّه اتوود نداء الى مناصري "الكوكب الأخضر" علّهم يتحرّكون. الكتاب فصل أخير في مناخ أدبي واحد، انسكب على مرّ نحو خمسة عقود من الشعر والتخييل ليفوز بالجوائز بين اسبانيا وكندا وسواهما، وينال نصيبه من الاهتمام النقديّ ايضا.

"المدوّنة"

خط اليد ثابت على نحو يستلهم العجب. ذلك ان الكاتب الذي يدوّن ها هنا، في الصفحة الرابعة، قد تجاوز منتصف الثمانينات. يسجل البرتغالي جوزيه ساراماغو في حروف منخفضة الارتفاع تكاد تكون مسطحة، قولا افتتاحيا يفيد ان "المدوّنة تنير طريق الكاتب" ويزيد: "هنا تكمن فضيلتها". انها النظرية التي يريدها الكاتب مسلّمة لمؤلفه الذي نشرت دار "الفاغوارا" ترجمته الاسبانية وحمل عنوان "المدوّنة". اتت تلك الصرخة البدئية بما يستفز المناقشة نظريا، بيد انها امتزجت في المحصلة بنمط الخلاصات والتبريرات والمحاججات ايضا.

"الرذيلة المتأصلة"

لا يفرط الكاتب الأميركي بينتشون في النشر. كتاب كل عقد وليس اكثر. يهوى بينتشون التواري المتكرر في حركة تكاد تأتي بنتيجة مماثلة للحضور المتكرر. منحنا بينتشون في عام 2009 "الرذيلة المتأصلة" في ما يشبه فعل العناد او الانحراف او التطور العقلاني. الزمن هو نهاية الستينات من القرن الماضي، اما المكان فكاليفورنيا. تظهّر "الرذيلة المتأصلة" شخوص القرن العشرين، حيث نجد  تكريما وافرا للروايات البوليسية المتصلبة سردياً.

"جوائزي"

كان النمسوي توماس برنهارد احد ابرز منسيي الحياة في هيئتها العادية التي آثر عليها الانتشاء بالصخب. نقل أدبه الى نحو ثلاثين لغة، ولا يزال يستوطن معظم خشبات المسرح العالمية. غير ان حدث 2009 كان صدور كتاب غير منشور له بالألمانية لدى دار "سوركامب" لمناسبة مرور عشرين عاما على وفاته، انهاه في مطلع الثمانينات من القرن المنصرم. كتاب "جوائزي"، مئة واربعون صفحة تضم تسعة نصوص وملحقا وتتسم بالشخصانية في قسطها الاكبر. في المجموعة يستبقي الكاتب حكايات تتمحور على تلقيه تسع جوائز ادبية بين عامي 1964 و1970 وترتبط في سوادها الاعظم بالاحتفالية الظاهرية والباطنية التي رافقت هذه الامتيازات.

"كاميلو خوسيه ثيلا/ مراسلات مع المنفى"

كانت المواظبة احدى فضائل كاميلو خوسيه ثيلا الاكثر نتوءا. بفعل المثابرة، نال هذا الاسباني جائزة نوبل للآداب. بمنّة من مجلة "أوراق سون ارمادانس" أسس ثيلا لمصالحة، وفتح ممرا بين اسبانيا المنتصرة واسبانيا المهزومة. من طريق مجلد "كاميلو خوسيه ثيلا / مراسلات مع المنفى" ("ديستينو" 2009)، سوّق الكاتب لشهادة في شأن نشاطه الفكري وروابطه مع النصف المقابل من الثقافة الاسبانية. في المجلد الوافر الذي يحوي 839 رسالة غير منشورة، تتبعثر بين عامي 1935 و1977، يحوك ثيلا دنوّه من ثلاثة عشر صوتا ادبيا من معاصريه ممن ألقتهم الفرنكوية في طفرة المنافي في اعقاب الحرب الاهلية.

ذكرى

كان الكاتب النروجيّ كنوت هامسون بهلوانياً وزئبقيّ التصرّف. لم يكن الاستهتار التصرّفي مصدرا مقنعا لمشكلة، لكي يصير المسؤول عن تمريغ شرف الأمّة الثقافي وعن إسقاطه إلى درك الخزي والإدانة بالخيانة. ظلّ كنوت هامسون صورة المهانة مجسّدةً. التصقت به لطخة العمالة بعدما سوّلت له نفسه زيارة هتلر في منزله في بافاريا وإهداء جائزة نوبل للآداب التي نالها في 1920، الى رأس الدعاية المنظمة غوبلز. في أعقاب الحرب الكونيّة الثانية، غدا هذا النروجي إشكالية، وعبئا ومصدر إرباك. غير ان ما رُفض لهامسون في مئوية ولادته جاز له في 2009، في الذكرى الخمسين بعد المئة على ولادته.

ادغار ألن بو

في 2009، استعدنا الفوضوي ادغار ألن بو في الذكرى المئوية الثانية لولادته، كاتبا جنوبياً انتمى الى ندرة لم تختلِ بالحرب الأهلية موضوعا، وإن بعثر في قصيدته وقصته شخوصا متروكة في براثن التجربة القصوى. على مرّ الأعوام، تم تغذية مصير غير اصطلاحي لكاتب غير اصطلاحي عجّت في محيطه الإتهامات العكرة والتوريات. يستوي أدغار ألن بو في صورة نمطيّة، ضحية لعنة مقرّرة سلفا وهو صاحب الامتياز في تطوير الكتابة المعاصرة، والرجل الذي تلطّخت محبرة مخيّلته بلوثة التخفّي واستدرار علامات الاستفهام.

غياب

شكلت معادلة "في يوم من الايام"، في مستهل كل نص، صيغة مربحة في حال الكاتب الاميركي فرانك ماكورت، الذي اغمض جفنيه عام 2009 عن ثمانية وسبعين عاماً، في مانهاتن، ليترك لحكايته الشخصية ان تطغى على القصص الباقية. لم يؤتمن ماكورت على حياة خاصة واخرى سرية كما اقتنع غارثيا ماركيز في شأن الجميع. التصق السرّي بالخاص عنده الى حد التماهي، لتحوم تفاصيل حكايته الذاتية الاكثر ألقاً في جوار طفولة ايرلندية مدقعة، رواها في باكورته "رماد انجيلا" سيرة اغدقت عليه جائزتي "بوليتزر" للسيرة في 1997 و"حلقة نقاد الكتب" في العام نفسه.

ميلوراد بافيتش

"دخلتُ عالم الآداب وحيدا، وعشت في كنفه وحيدا وسأغادره وحيدا ايضا عندما تحين الساعة"، اعلان جاهر به الأكاديمي والكاتب الصربي ميلوراد بافيتش صاحب "قاموس الخزر" الى أن حان الوقت بالنسبة إليه في سن الثمانين في اعقاب ازمة قلبية، ليلتحق قطار الكتابة بقطار العمر. غير ان بافيتش كان افشى رضاه التام عما حازه في ايامه، وكانت تلك العطية بأن يقطف ما تاق مؤلفون كثيرون للحصول عليه بعد مماتهم، من دون سقطة واحدة.

ليفي شتراوس

رحيل الفيلسوف كلود ليفي شتراوس في عام 2009 ذكّرنا بمكانة الرجل رمزا لحلول علوم الانسان في مجال العلوم الاجتماعية الفرنسية في الستينات من القرن المنصرم. بنى هيكل مؤلفاته على ايجاد مفاتيح الذهن البشري وعلى التفسير النظري الباحث عن صلات بين الطبيعة والثقافة. كان عضو الاكاديمية الفرنسية والمعمر الذي احتفي به في عام 2008 في مئويته شاهدا استثنائيا على أحوال العالم. اتسقت عدميته الميتافيزيقية مع اخلاقية سخية محبة للبشر، وفيما كانت الجحيم هي الآخرين في عرف سارتر فإنها كانت نحن في مقاربة كلود ليفي شتراوس.

 

رلى راشد 

المصدر: النهار   

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...