ماذا بقي من ثورة مصر

24-01-2013

ماذا بقي من ثورة مصر

سمير أمين: الثورة لم تنتج شيئاً وتحتاج إلى انتفاضات

في مقابلة نشرها موقع «الحوار المتمدن» مع المفكر الشيوعي المصري سمير أمين، ونشرها أول من أمس، لخّص الأخير رؤيته للوضع في مصر في الذكرى الثانية للثورة، ورأى أن الإخوان المسلمين ليسوا حزباً إسلامياً، بل حزب يميني رجعي يستغل الإسلام لمصالحه البراغماتية المباشرة. الحوار، الذي أجري في نهاية العام الماضي، حمل إشارات لما هو قادم من صدامات وتفاعلات اجتماعية بحكم عدم قدرة الإخوان المسلمين على تحقيق التغيير الذي خرجت من أجله الجماهير منذ الخامس والعشرين من كانون الثاني 2011. وفي ما يأتي نص الحوار الذي تعيد نشره «الأخبار»:

■ بداية كيف ترى ما يحدث في مصر الآن؟
- لست متشائماً مما يحدث في مصر، ولكني أيضاً لا أحمل أوهاماً أسطورية عن الثورة المصرية، فالثورة حتى الآن لم تنجز شيئاً، لأن التجربة تثبت أن النظام لم يتغير، وعملية إفقار الشعب المصري لا تزال مستمرة، والنضال أيضاً مستمر عبر التظاهرات والاحتجاجات الاجتماعية.

وأعتقد أننا ما زلنا عموماً واقعين تحت أوهام الصندوق، وسيستمر هذا لفترة قصيرة؛ فالناس بدأوا يدركون أن الإخوان لن يغيروا شيئاً. والحقيقة المهمة التي تأكدت منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 أن الشعب المصري شجاع، ولن يخاف من إشعال انتفاضة ثانية وثالثة، وهذا ما سيحدث باعتقادي وبشيء أكثر من الوعي حول البديل المطلوب.

■ ماذا تقصد بـ«أوهام الصندوق»؟
- الحركات الجماهيرية عادة ما تبدأ بأقلية، لكن تلك الأقلية قادرة على أن تجرّ الأغلبية، والتجربة المصرية في يناير وفبراير 2011 ما زالت ماثلة امام أعيننا، فالتحرك بدأ بأعداد قليلة مقارنة بعدد سكان مصر، ثم ظل يتزايد إلى أن وصل إلى نحو خمسة عشر مليون متظاهر في عموم القطر المصري.
لكن كما نعرف من التاريخ، تحتاج هذه الأقلية المتحركة إلى فترة زمنية من أجل بلورة تنظيماتها المستقلة ومشروعها البديل، وقدرات على بناء تحالفات وأهداف استراتيجية، وهذا يحتاج إلى وقت يمتد إلى سنوات، وفي مثل هذه الحالة تصبح الانتخابات السريعة هي الوسيلة لوقف تلك الحركة. وقد أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما هذا المشروع خلال الايام الأخيرة لحسني مبارك، حيث قال إن مصر تحتاج إلى فترة انتقالية قصيرة تنتهي بانتخابات تأتي بنظام شرعي، حيث إن الشرعية الوحيدة هي القادمة من الصندوق. وهذا يعني كسر قدرة الأقلية على سحب الأغلبية، ومن ناحية أخرى اللعب بالأغلبية الضعيفة الهشّة غير المسيّسة عبر من يستطيع أن يسيطر عليها.
ونُفِّذت هذه الخطة بنجاح، عبر استفتاء آذار 2011 ثم الانتخابات البرلمانية وبعدها الرئاسية، وبالتالي امتلك النظام الحالي شبه شرعية، وهي الشرعية الوحيدة التي تعترف بها الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة. ولكن السؤال: هل يعتبر الشعب المصري أن الصندوق هو المصدر الوحيد للشرعية؟ أعتقد أن الإجابة بالنفي. فالجماهير الشعبية بالمعنى الواسع في مصر، تدرك الآن أن الحركة لها شرعية تكتسبها من اهدافها مثل دمقرطة المجتمع، وإعطاء بعد اجتماعي للإصلاح، وبعد وطني عبر عودة شرف مصر، وإقامة دولة جديدة قادرة على ان تكون فاعلة في محيطها الداخلي والخارجي. وهدف المشروع الاميركي الاسرائيلي الخليجي المشترك تحطيم امكانيات بزوغ هذا المشروع. لتبقى مصر – كما هي منذ فترة طويلة – دولة منحطة وكما ستسمر كذلك لفترة في المستقبل القريب.
لذا، فالصندوق ليس مصدر الشرعية الوحيد، ومن ناحية أخرى مصدر قوة الإخوان هو فقر الجماهير والإفقار المستمر لهم عبر عمليات الإحسان الذي يرافقه خطاب إسلاموي، وهكذا يمكنهم الحصول على أصوات هذه الطبقات الفقيرة. إذن الإخوان لهم مصلحة موضوعية في استمرار سياسات الإفقار. وحديثهم عن العدالة الاجتماعية لا يعني في قاموسهم سوى الإحسان، ويسمحون بالإثراء الفاحش وتراكم الثروات عبر تأويلات خاصة بهم للآيات القرآنية.
وتساعدهم الأموال الخليجية في تثبيت مشروعهم، حيث تتولى قطر تمويل الإخوان والسعودية تمويل السلفيين تحت رعاية الولايات المتحدة الراعي الرسمي لتنفيذ هذا المخطط.

■ بالنسبة إليك، إلى أين يذهب الإخوان بمصر؟
- كتبت منذ فبراير 2011 أن السيناريو الأميركي للحالة المصرية هو أقرب للسيناريو الباكستاني، حيث يوجد برلمان بأغلبية إسلاموية على النمط الباكستاني، ومن ورائه مؤسسة عسكرية إسلامية هي الأخرى، من أجل تنفيذ المشروع الأميركي.
وتكفي المقارنة بين الهند وباكستان لنتعرف إلى نتيجة سيطرة الاسلام السياسي؛ فباكستان قبل 1948 لم تكن أفقر من الهند، بل على العكس كانت تضم مناطق من أغنى الأراضي في شبه الجزيرة الهندية، لكن اليوم استطاعت الهند – مع كل ملاحظاتي على النموذج الهندي – تحقيق تطور هائل بفضل العلمانية والديموقراطية.
نموذج آخر لحكم الإسلاميين في الصومال أدى إلى تحطيم الدولة بالأساس. الآن لا توجد دولة في الصومال، بل توجد مراكز قوى وصلت طبقاً لبعض الدراسات إلى 35 دويلة في الصومال الآن.
النموذج الثالث لحكم الإسلاميين هو السودان، عبر ومن بعد سياسات حسن الترابي، فقد انفصل ثلث السودان الجنوبي، رغم ان اهداف جيش التحرير الجنوبي منذ البداية لم تكن الانفصال ولكن دولة علمانية ديموقراطية لجميع السودانيين، والآن يأتي الدور على الغرب السوداني – الذي يقطنه مسلمون بالمناسبة – أي نحن أمام حالة جديدة من تفكك الدولة في السودان.

■ ولماذا تساند الولايات المتحدة هذا السيناريو؟
- الهدف الرئيسي لاستراتيجية الولايات المتحدة هو منع نهضة مصر، أن تظل دولة رأسمالها التسول من الخارج، وتبقى المعونة الأميركية للقوات المسلحة هدفها تخريب القوة الهجومية والدفاعية للجيش، وتبقى الأموال الخليجية تتدفق، لا من أجل بناء المصانع، ولكن من أجل تقوية النظام الحاكم وتقوية النمط التجاري لا التنموي في مصر.
ومصر في هذا المشروع من الناحية السياسية هي الدولة التي تساعد وتنحاز إلى السياسات الأميركية في المنطقة، فمصر ساندت التدخل الأميركي في العراق، وتدمير الدولة العراقية وتحويلها إلى دويلات عرقية، وحالياً نفس السياسات بالنسبة إلى سوريا.
وبالتالي هي خاضعة للمشروع الصهيوني في تصفية الوجود الفلسطيني داخل أراضي فلسطين المحتلة، بل والتوسع خارج حدود فلسطين، فبالنسبة إليّ، طموحات الإسرائيليين في سيناء لا تزال موجودة ويمكن أن تتجدد.
وهنا نجد ثلاث قوى من مصلحتها المشتركة عدم نهضة مصر، هي: الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج؛ لأن نهضة مصر – بمعنى وجود دولة وطنية تنموية – معناها أن تؤدي مصر دوراً قيادياً على صعيد المنطقة إن لم يكن على صعيد عالمي، وساعتها سيتلاشى الدور الخليجي المدعوم بأموال النفط والخطاب الإسلامي الرجعي. أيضاً الميول التوسعية لإسرائيل ستقف أمام قوى مانعة، وبالتالي يتوقف المشروع الأميركي لبسط السيادة على المنطقة المتحققة بأشكال مختلفة الآن في العراق وسوريا ومصر وغيرها.

■ برأيك متى بدأ هذا المخطط؟
- تركيبة النظام الحاكم بدأت تتغير مع السادات، لتصبح أشبه بمثلث رأسه في واشنطن وقاعدته المؤسسة العسكرية والإسلام السياسي اليميني الرجعي، من أجل تنفيذ الأجندة الاميركية في المنطقة، وهذه خطة استراتيجية وضعها كيسينجر وبريجينسكي، وبدأ السادات في تنفيذها؛ فهو من أرجع قيادات الإخوان من الخليج وأفرج عن باقي القيادات المعتقلة ليواجه الناصريين واليساريين، ليكمل هدفه الأساسي، وهو تفكيك هذه المشروع الناصري، الذي كان يهدف إلى بناء دولة وطنية تنموية. خلال فترة السادات ومبارك كانت القوات المسلحة هي الحجر الأساس في المثلث الحاكم وقوى الإسلام السياسي تابعة لهم، فالخطاب الإسلامي هو الخطاب السياسي الوحيد الذي كان موجوداً عبر الأربعين عاماً الماضية، وما يراه البعض على أن هناك منافسة بين المؤسسة العسكرية والإخوان غير صحيح، فهناك منافسة في مشاركة الحكم وليست من أجل إزاحة طرف من اللعبة. الآن توازن القوى تغير لمصلحة الإسلام السياسي من دون استبعاد قيادة الجيش، فهي ستظل كما هي، تتمتع بجميع الامتيازات والثروات التي كومتها عبر السنين الماضية.

 

بيسان كساب: ثورة «الجياع» ضاعت في صراع «الحكم والرأي»


قد يبدو من الصعب التصور، في ظلّ الصورة الذهنية التي خلقها الإعلام الرسمي، أن «ثورة يناير» لم تصنعها الطبقة الوسطى المتعلمة، كما يظهر من خلال الوجوه اللامعة الشابة، التي أخذت البرامج التلفزيونية تستضيفها منذ اندلعت الثورة، بوصفها قيادات هذه الثورة. لكن جمعة الغضب في 28 كانون الثاني، شكلت نموذجاً صارخاً لبطولة المهمشين، الذين كانوا وحدهم قادرين على هزيمة جهاز الشرطة الجهنمي، بحيل تعلموها من المواجهات المتكررة مع جهاز الدولة في مدن الصفيح، من قبيل حفر الطرق وانتزاع أنابيب المياه واستخدامها كمتاريس تحول بين الشرطة وإمداداتها، إضافة الى إفساد مفعول القنابل المسيلة للدموع.متظاهرون أمام مقر المحكمة في الاسكندرية (صهيب سالم - رويترز)

ومع ذلك، أطلق الإعلام مقولات أخذ يكرّرها مراراً بإصرار لافت، في مواجهة المظالم الاجتماعية التي نكأت الثورة جراحها من قبيل «هذه ثورة كرامة لا ثورة جياع». ومهدت تلك المقولات الطريق لاستخدام قمع الدولة في مواجهة المطالب الاجتماعية، التي أخذ صوتها يرتفع شيئاً فشيئاً، بينما الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تزداد تردّياً، وصولاً الى تصوير الإعلام الطبقة العاملة المصرية مثلاً، والتي شاركت في الثورة من خلال أكبر موجة من الاحتجاجات والإضرابات في تاريخها، بأنّها تعمل عن عمد لصالح الثورة المضادة بإضراباتها المتصاعدة للإضرار بالاقتصاد، وصولاً الى إصدار مرسوم بقانون يحظر الإضرابات، وهو أول قانون أصدره المجلس بعد توليه الحكم.
ومع تقدم الوقت، أخذ صوت العدالة الاجتماعية يخبو لصالح معارك القوى السياسية، صاحبة الصوت الأعلى في الإعلام، حول نصيبها من كعكة الثورة، بعدما تحولت الأنظار عن أبطالها الحقيقيين؛ «ففي ثورة مصر 2011، اعتبرت المظالم السياسية والاقتصادية ذات ارتباط وثيق بمحاولات علاج مشاكل الفساد والظلم المعقدة»، كما قالت منظمة «شاتام هاوس»، في مذكرة إحاطة صادرة في نيسان من العام الماضي تحت عنوان «الخبز والكرامة والعدالة الاجتماعية: الاقتصاد السياسي لانتقال مصر».
وأضافت «شاتام هاوس» «يطرح السؤال أحياناً عما إذا كانت الأسباب الجذرية للاحتجاجات سياسية، أهي تعبير عن رغبة في الديموقراطية والحقوق أم اقتصادية مضادة لارتفاع أسعار المواد الغذائية وركود الأجور؟ وهذا التقسيم خاطئ، إذ إن احتجاجات مصر في عام 2011 بيّنت مجموعة متنوعة من المظالم السياسية والاقتصادية المترابطة بعمق. وجمعت شعارات المحتجين الأساسية (الخبز والكرامة والعدالة، والخبز والحرية والكرامة الوطنية) خليطاً من الهموم السياسية والاقتصادية والأخلاقية».
وبوادر الثورة كانت قد بدأت تتضح للخبراء المقربين من الحزب الوطني المنحل قبل اندلاع الثورة، وهذا ما يظهر في «تقرير الاستثمار الأول: نحو توزيع عادل لثمار النمو»، الذي أعدّه مجلس أمناء الهيئة العامة للاستثمار في 2009، محذّراً من مفارقة ارتفاع معدلات الفقر؛ فبالرغم من ارتفاع معدلات النمو على نحو مطّرد في العقد الأخير من حكم حسني مبارك، إلا أن نسبة السكان دون خط الفقر القومي ارتفعت من 16.7 في المئة في 2000 إلى 22 في المئة في 2008، وفق أحدث البيانات المتوفرة من البنك الدولي.
لكن المجلس الأعلى للقوات المسلّحة، الذي تولى حكم البلاد بعد سقوط مبارك، تجاهل على ما يبدو تلك الحقائق، ورفض موازنة وزير المال سمير رضوان، وهو عضو بارز في الحزب الوطني، بعد الثورة، واعتبرها توسعية. وسرعان ما تحولت أول موازنة بعد الثورة الى موازنة تقشفية تراجعت فيها مخصصات صندوق تدريب العمالة الى مليار جنيه بدلاً من ملياري جنيه، كما تراجعت فيها الاستثمارات الحكومية من 55.9 ملياراً الى 47.2 مليار جنيه، وكذلك إجمالي مخصصات الدعم من 138.7 ملياراً الى 133 مليار جنيه، ومساهمات الخزانة لدعم صناديق المعاشات من 12.8 ملياراً إلى 10.7 مليارات جنيه، بخلاف التراجع عن رفع حد الإعفاء الضريبي من تسعة آلاف جنيه سنوياً الى 12 ألف جنيه، وعن زيادة دعم الإسكان للفقراء بنحو 500 مليون جنيه.
وسعى المجلس، من جهة ثانية، لدرء أي أعباء على الأغنياء من قبيل الضريبة التي اقترحها رضوان على الأرباح الرأسمالية من توزيعات شركات الأموال والأشخاص والدمج والاستحواذ وإعادة تقييم الأصول. وبدت طبقة مستثمري البورصة، وقد أحرزت انتصاراً ساحقاً، وخصوصاً حين أعلن محمد عبد السلام، رئيس البورصة آنذاك، إلغاء تلك الضريبة قبل يوم من إعلان التراجع عنها من قبل وزارة المال.
وبالرغم من أن الأيام الأخيرة في حكم المجلس العسكري شهدت صراعاً مكشوفاً بين الطبقة العسكرية والقوى الإسلامية، إلا أن الصراع لم يعكس أي تباين في السياسات الاقتصادية. وتقول «شاتام هاوس» «يبدو أن الأحزاب الإسلامية، التي فازت بانتخابات مجلس الشعب، تفضل الاستمرار في سياسة مؤيدة للسوق بصورة عامة».
وكانت جماعة الإخوان المسلمين على رأس القوى الرافضة لرفع الحد الأقصى للضرائب الى 30 في المئة خلال النقاشات التي دارت في ما سمّي الحوار الوطني حول السياسات الاقتصادية في وزارة المال، بدلاً من 25 في المئة وفقاً لما انتهى إليه رأي الحكومة بعد الثورة.
أما الدستور الجديد، فقد بدا نموذجاً صارخاً لانحياز الجماعة وحلفائها من القوى الإسلامية الى تحرير الأسواق، إذ نص على ربط الأجر بالإنتاج للمرة الأولى. كما لم يتضمن أي حد أقصى للملكية الزراعية، ولم يمنع ملكية غير المصريين للأراضي الزراعية، متراجعاً عما تضمنه دستور 1971 في هذا الشأن.
وهو موقف يتسق مع تراث جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت أبرز من هاجم إجراءات الإصلاح الزراعي، وأيدت في 1992 قانون تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر في الأراضي الزراعية، الذي ألغى مكتسبات الفلاحين المستأجرين وأفضى تطبيقه في 1997 الى انتفاضة فلاحية عارمة.
لكن الضربة القاصمة لشعبية الجماعة ربما تكون بالإقدام على تطبيق حزمة من التعديلات على قوانين الضرائب، جمدها الرئيس محمد مرسي بعد ساعات قليلة من الإعلان عنها. وهي تعديلات تتضمن رفع سعر الضرائب على مبيعات عدد من السلع الأساسية مثل زيوت الطعام والبطاطس، بخلاف سلع أخرى مؤثرة بشدة في أسعار عدد أكبر من السلع والخدمات من قبيل الاسمنت والاتصالات، كما تضمنت رفع الضريبة على الإعلانات التجارية على نحو قد يرفع بشدّة كلفة الإنتاج، ومن ثم السعر النهائي لكل السلع والخدمات تقريباً.
ولأن الجماعة تدرك أنها قد تكون قاب قوسين أو أدنى من انتفاضة اجتماعية، في حال إقدامها على تطبيق التعديلات الضريبية المجمدة بقرار من مرسي، فقد أعلن حزب «الحرية والعدالة»، التابع لها رفضه للضرائب الجديدة على المبيعات، بينما أعلنت الحكومة تأجيلها، ربما الى ما بعد الانتخابات البرلمانية، وهو ما يعني أن الجماعة أدركت درس انتفاضة الخبز التي واجهها الرئيس أنور السادات في كانون الثاني 1977، وهي الانتفاضة التي وصفتها مجلة الدعوة المتحدثة باسم الجماعة وقتها بأنها مؤامرة من الشيوعيين.
وفي حين أن الثورة ربما تكون على الأقل قد أسفرت عن رفع الحد الأدنى للأجور الى 700 جنيه شهرياً عبر إجراءات أقرها سمير رضوان، إلا أن انهيار الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي خلال كانون الثاني الحالي، ربما من جراء تراجع البنك المركزي عن حمايته، قد أفقد تلك الزيادة أي قيمة.

مصر بين «استرجاع الثورة»... و«استكمالها» : محمد الخولي, عبد الرحمن يوسف


تمرّ الذكرى الثانية للثورة المصرية بينما الملايين من احتجاجات الألتراس أمس (رويترز)من الشعب المصري تسترجع ذكريات الـ18 يوماً الأولى في ميدان التحرير، أثناء الاعتصام الذي أسقط حسني مبارك في 2011. جماعة الإخوان المسلمين، ومن معها، سيحتفلون بزرع الشجر وتجميل الشوارع، وتجهيز قوافل طبية تطوف القرى مؤمنين بأنّ الثورة نجحت وحققت جزءاً كبيراً من أهدافها، وما بقي يستطيع الرئيس المنتخب محمد مرسي استكماله. أما الفريق الآخر، ويضمّ تقريباً كلّ القوى المدنية وبعض الأحزاب ذات المرجعية الدينية، فسينزلون إلى الشارع «لاستعادة الثورة» المسروقة، تحت عنوان «لا لأخونة الدولة».
جبهة الإنقاذ الوطني ــ التجمّع الأكبر للأحزاب المعارضة ــ قالت، في بيان لها عن ذكرى الثورة، إنّ لها أهدافاً سبعة سترفعها، هي: «تأكيد حيوية الثورة واستمرارها، وإنجاز دستور لكل المصريين يستهدف تحقيق نظام ديموقراطي لدولة مدنية، والقصاص العادل لشهداء الثورة ومصابيها، ومنع أخونة الدولة، وإنجاز تنمية اقتصادية حقيقية، وتحقيق مبدأ المواطنة ونبذ التمييز، واحترام حقوق المرأة المصرية، وتوفير ضمانات حقيقية لانتخابات حرة ونزيهة تضمن حق الشعب المصري في الاختيار».
المطالب التي رفعتها جبهة الإنقاذ هي، تقريباً، المطالب نفسها التي أعلنت الحركات المشاركة في تظاهرات الذكرى الثانية للثورة عنها. قال المتحدث الإعلامي لحركة 6 أبريل، محمود عفيفي، إنّ الحركة سترفع مطالب عديدة من بينها القصاص العادل من قتلة الشهداء، وتعديل المواد الخلافية الموجودة في الدستور، وإقالة الحكومة لفشلها في كافة الملفات، وخاصة الأمني والاقتصادي، وتشكيل حكومة إنقاذ حقيقية، وإصدار قانون انتخابات تتوافق عليه جميع القوى السياسية...
ومع اتفاق تلك القوى على هذه المطالب، هناك حركات سياسية أخرى أكدت أنّ أهدافها مختلفة. ولفت بيان لحركة «شباب الثورة» إلى أنّ مطالبها هي «إسقاط النظام بالكامل، وإسقاط محمد مرسي الذي فقد شرعيته منذ أن ترك المتظاهرين السلميين يقتلون من قبل ميليشيات جماعته».
هذا الخلاف، وإن كان يهدد مصير التحركات التي ستنطلق يوم غد الجمعة، إلا أنه لا يمنع جميع تلك الحركات من الانصهار في مسيرات ستخرج من أمام المساجد الكبيرة بالقاهرة والجيزة، بالإضافة إلى مسيرتين من منطقة المعادي شرق القاهرة، وأخرى من شارع الهرم ومنها تتوجه إلى ميدان التحرير، حيث تلتقي كل المسيرات، بينما هناك مسيرة أو مسيرتان ستتجهان إلى قصر الاتحادية.
وبدأت القوى المشاركة في المسيرات بتوزيع منشورات تدعو إلى النزول ورفض فكرة الاحتفال؛ لأنّ الثورة لم تحقّق أهدافها بعد.
وخلال الأيام القليلة الماضية، نشط عدد من رسامي الغرافيتي في الرسم على الجدران للدعوة أيضاً إلى المشاركة في ذكرى الثورة.
على المقبل الآخر، يبدو أنّ جماعة الإخوان المسلمين وضعت نفسها في مأزق؛ فبعدما كان المجلس العسكري يتصدر المشهد، بات الرئيس محمد مرسي وحزبه في مجلس الشورى، يساندهما الإسلاميون بدرجات متفاوتة، هما من في الواجهة، الأمر الذي جعلهم يتحملون عبء وتبعات ملفات كثيرة، فضلاً عن وجود حالة من الاستياء في بعض مؤسسات الجيش، يضاف إليهما فلول الحزب الوطني وأصحاب المصالح الذين يرون في الإخوان والثورة الخطر الأكبر لتهديد مصالحهم.
هذا المأزق دفع الإخوان إلى تبني خطة مغايرة للتعامل مع الذكرى الثانية للثورة عكس العام الماضي الذي احتفلت فيه الجماعة في ميادين مصر، رافعة شعار «الشرعية للبرلمان» وأنّ أهداف الثورة ستستكمل من خلاله. وهذا ما أحدث انقساماً كبيراً مع القوى السياسة بدأ يتصاعد حتى حدوث مواجهات ميدان التحرير في تشرين الأول الماضي، مروراً بمواجهات إعلامية ووصولاً إلى مواجهات قصر الاتحادية في كانون الأول الماضي.
وجاءت خطة الإخوان المغايرة لتصبّ في مصلحة فكرة عدم المواجهة، وترك الميادين الرئيسية للمتظاهرين، مع إطلاق ما سمته الجماعة «مليونية البناء»، وهي تهدف إلى السعي لزراعة مليون شجرة وإصلاح ألف مدرسة وتنظيف ألف قرية، وعلاج مليون مريض، وفقاً لرئيس الحزب محمد سعد الكتاتني.
ووفقاً لقيادات إخوانية مختلفة تحدثت إلى «الأخبار»، فإن هذه الخطة ستنفذ على مستوى كل شعبة في كل منطقة على حدة في مصر، مع تجنّب الميادين والمناطق المجاورة لها، ومع تفعيل فكرة الأسواق الخيرية التي بدأت الجماعة العمل عليها الأيام الماضية، مع رفع درجة ضبط النفس، مشددين على أنّ الفكرة الرئيسية من فعاليات هذه اليوم هي طرح تساؤل على الشارع المصري، هو: «من يقوم بالبناء؟».
وأكد أمين الشباب في حزب الحرية والعدالة في الإسكندرية، محمد البرقوقي، أنّ الحزب أخلى جميع المقارّ من كافة المحتويات المهمة، مشدّداً على فكرة عدم الانجرار إلى أيّ مواجهة، ولافتاً إلى أنّ الدولة مسؤولة عن حماية ممتلكات الشعب.
وعن احتمال اقتحام قصر الاتحادية من قبل المتظاهرين، شدّد البرقوقي على أنّ «الإخوان سيحمون الشرعية، وإن كانوا قد واجهوا النظام السابق وتعرضوا لكل هذا التنكيل منه، فهم مستعدون لحماية الشرعية ولا تفاصيل حتى الآن في هذا الشأن».
إلّا أنّ مصدراً قريباً من قيادات الجماعة أكد لـ«الأخبار» أنّ الجماعة ستتدخل في حال تعرُّض قصر الاتحادية لمحاولات اقتحام، أو إذا استشعرت وجود تواطؤ من قبل «الداخلية» أو من حرس القصر.
ولفت المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إلى أنّه إذا عرقل المتظاهرون المؤسسات الحكومية الحيوية، وطال أمد هذه العرقلة، فإن الجماعة ستسعى إلى تحريك الشارع للدفاع عن مصالحه من دون الدخول في مواجهات أو اشتباكات، مشيراً إلى أنّ الفكرة المركزية لخطة الجماعة تهدف إلى «نقل المعركة لمربع آخر هو البناء، وتجنب الصدام لتفويت الفرصة على من يريد إحداث الفوضى».
وظهر هذا التوجه من خلال بعض تصريحات كوادر الجماعة، مثل الصحافي حسام الوكيل الذي كتب على صفحته على «الفايسبوك»: «من يظن أنّ الجماعة الإسلامية والفصائل الإسلامية المتشددة ستسمح بسقوط حاكم إسلامي بتلك الطريقة وخارج صندوق الانتخابات فهو واهم». وهذا ما يطابق تصريحات عضو مجلس شورى الجماعة، عاصم عبد الماجد، الذي هدّد «بثورة إسلامية في حال حدوث إنقلاب على شرعية الرئيس مرسي، وإن على الجميع احترام تداول السلطة».
وتتركز خطة الإخوان، في ظل عدم مشاركة «الدعوة السلفية» ومشاركة محدودة من الجماعة الإسلامية في الصعيد بالاحتفال، على وضع المنافسين السياسيين والمتظاهرين في «معضلة أخلاقية»، فإن هاجموا أنشطة الجماعة الخيرية، فسيظهرون أمام الشعب كمعوقين للبناء، وإن تركوهم، فإن الجماعة ستجذب شرائح كبيرة من المواطنين نحوها.

رئيس يخاف المثقفين... وفنون تمدّ لسانها للسلــطة : سيد محمود


ما الذي أنجزته الثورة؟ السؤال واضح، والإجابات غامضة والمستقبل مفتوح على احتمالات كثيرة، والمبدعون الذين ناصروا الثورة هم الأكثر تشاؤماً من مسارها بعدما باتت حريتهم على المحك. يستعيد المثقفون في جلساتهم نماذج لثورات تعثرت وأخرى أكلت أبناءها. بل إنّ بعضهم يريد إعادة الاعتبار إلى مثقفين بدوا أكثر حكمة يوم خافوا من زحف الجماهير التي كانت تتعطش لمنابر، جائعة للوعظ لا للوعي. خوف المثقفين نابع من أن المقعد الذي شغله أحمد لطفي السيد في الجمعية التأسيسية التي كتبت الدستور عام 1923 آل إلى أحد مشايخ السلفية ومحترفي فتاوى «إرضاع الكبير». الشباب الذي صنع بثورته بلغة سياسية جديدة، فوجئ ببلاغة رئيس أتت به الثورة. بلاغة مولودة من رحم لغة خشبية تقوم على مجاز عاجز، يتعثر صاحبها بمفردات راكدة، فيطلق خطابات لا تنتج المعنى، ولا تسعى إليه. أما الجموع التي ألهمها «ميدان التحرير»، فصارت تنفر منه وترثي لحاله بعدما تحول إلى معلم عاطل من العمل، وأمست الشوارع التي تؤدي إليه متشحة بالسواد، تشبه الأرامل اللواتي ينفرن من الضوء والصخب، ويجلسن باكيات تحت ضوء خافت.
الفوضى تأكل المدينة بكل تفاصيلها، وترسل أبناءها إلى موت متكرر في سبيل خطوة غامضة، ومستقبل ملغوم، في بلد ينضح بالاستبداد الذي ظن كثيرون أنه سقط قبل عامين. يعترف المبدعون بأنهم يوم سعوا لرصد تجاربهم عن الثورة وتوثيقها كانوا أسرى لحظة رومانسية، تشبه النوافذ المفتوحة على شمس ربيعية، لكنها أصبحت الآن مواربة تتأمل حواراً بين نقيضين. حسم هذا الصراع يحتاج إلى ابتكار نص جديد بديل عن النص الذي فاض بالأمل، رغم أنّ الثورة مستمرة والخيال الذي أنتجها لم يبلغ التقاعد والصورة صارت أوضح. بعد معركة سقوط الإعلان الدستوري، واقتراب رسوم الغرافيتي من قصر الرئاسة، شعرت القوى المدنية بسحر تماسكها وجاءت معركة الدستور الهزيل لتؤكد هذا المعنى، وتزيد الحاجة إلى طرح السؤال الأساسي: ماذا حققت الثورة للمبدعين؟
الجواب واضح. رئيس الجمهورية خاف أمس من خوض أوّل مواجهة مع المثقفين، فلم تفكر رئاسة الجمهورية في دعوة المبدعين كالعادة إلى لقاء الرئيس في افتتاح «معرض القاهرة للكتاب». إنها الحقيقة التي أقرتها الثورة: الرئيس خائف و«الجماعة» التي يستند إليها تهتز كبيت قديم أمام الزلزال. من جهته، بدا المثقف يحدوه الأمل مجدداً، ويحلم باسقاط النظام المحتمي باستبداد جماعة تحكم باسم الدين. فرح المثقف بنزول فنونه إلى الميادين، فخرج من الغرف المغلقة بالتزامن مع بروز إشارات إلى أن الإنتاج الثقافي لم يعد حكراً على الدولة. ثمة بدائل أتاحتها الثورة لا الدولة، مثل جماعة «مصرين»، و مشروعي «حصالة» للانتاج السينمائي، و«ميديا بلدي». كلها تمدّ لسانها للدعم الحكومي، ولا تسترضي سلطة. تبحث عن المواطن خارج قبيلة النخبة! تريد إعانته وهو يتحدث في حافلة حكومية عن «سقوط هيبة الجماعة». اليوم، لم يعد السؤال كما كان سابقاً «هل أنت مع الدين أم ضده؟»، بل صار «هل أنت مع الاستبداد أم ضده؟». أيّاً كانت الإجابة، يبقى الثمن المدفوع كبيراً، غير أن بشارات الأمل تلمع كجوهرة ثمينة فوق رف بعيد!

عن الأخبار اللبنانية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...