قراءة أمريكية لرؤية بشار الأسد للشرق الأوسط الجديد

04-09-2006

قراءة أمريكية لرؤية بشار الأسد للشرق الأوسط الجديد

الجمل:  في 15 آب قدّم الرئيس السوري بشار الأسد حديثاً سياسياً هاماً لاتحاد الصحفيين السوريين عبّر فيه عن تأييده لحزب الله. والأكثر أهمية أن الخطاب سعى لإعادة تحديد موقف سورية في العالم العربي. واستناداً إلى حديث واشنطن حول شرق أوسط جديد، شرح الأسد رؤيته الخاصة للشرق الأوسط الجديد، الذي يستند على قوة المقاومة، وإضعاف إسرائيل، وتجديد الوحدة الإقليمية في مواجهة المصالح الغربية.
رسائل جوهرية:
- نقد الأنظمة العربية والزعماء المناهضين لسورية: في مفارقة وتخلّ كبير عن ملاحظاته العامة السابقة، هاجم الأسد شركاءه العرب، في الماضي والحاضر، منهالاً على «حكماء العرب المفترضين» و«أنصاف الرجال»، الذين لم يجلبوا شيئاً سوى الهزيمة والهوان للمنطقة. وانتقد الزعماء العرب الذين اعتقدوا أن حزب الله سوف يكون غير قادر على مواجهة إسرائيل بكفاءة وفعالية. وقال الأسد أن نجاح حز الله في إجبار الإسرائيليين على الانسحاب من لبنان في عام 2000 أثبت خطأ هؤلاء الزعماء العرب.
على أية حال، ففي حديثه، جاء نقد الأسد الأكبر في مقارنته بين القيادة اللبنانية المعادية لسورية حالياً، وأولئك الذين أيدوا اتفاقية سلام إسرائيلية- لبنانية في 17 أيار 1983م، حيث في كل العالم العربي، نظر الى اتفاقية 17 أيار باعتبارها غير شرعية، وبرغم أن البرلمان اللبناني قد صادق عليها في عام 1984م، فإن الرئيس اللبناني آنذاك، أمين الجميل لم يقم بتاتاً بالتوقيع عليها، مما أدى الى انهيارها، وقد استحضر الأسد الاتفاقية في حديثه حول قوى 14 آذار، التحالف المعادي لسورية الذي يتولى مقاليد السلطة في بيروت، بقيادة سعد الحريري، ووليد جنبلاط. وقد وصف الأسد قوى 14 مارس باعتبارهم عملاء إسرائيليين وأمريكيين، دعوا إسرائيل لشن الحرب على لبنان من أجل تفويض حزب الله.
- موقف إسرائيل الضعيف: عبّر الأسد عن اعتزازه بمعارك حزب الله ضد إسرائيل، وركّز على الموقف العسكري الضعيف لإسرائيل بعد الحرب. وأشار إلى أن غزو إسرائيل في عام 1982م لبيروت قد اكتمل خلال فترة أسبوع، ولكن في عام 2006م  بعد خمسة أسابيع، «مازال الجيش الإسرائيلي  يجاهد ويعاني من أجل احتلال بضع مئات من الأمتار هنا وهناك». من أرض لبنان، وأشار الأسد إلى أن جيش الدفاع الإسرائيلي قد فقد المصداقية التي كانت له يوماً ما، مشيراً إلى أن انتصار حزب الله يمثل عملاً عظيماً، نظراً الى الفجوة التقنية بين إسرائيل وحزب الله، والتي اتسعت وتزايدت خلال الحقبتان الماضيتان، ومقارنة بعام 1982م، قال بأن القوات العربية التي تقاتل ضد إسرائيل قد أوضحت أنها الآن أفضل تدريباً، وتنظيماً، وقيادة، وبأن المقاتلين العرب الآن أكثر تصميماً من أي وقت مضى. وقال الأسد: لقد كسب حزب الله الحرب ضد إسرائيل، ليس فقط في نهايتها، وإنما منذ البداية المبكرة للمواجهة والصراع. وغاية وهدف الأسد الآن، هي أن يترجم النصر العسكري إلى نصر في ميدان الصراع السياسي اللبناني، والذي سوف يؤدي إلى خلق لبنان جديد يلعب فيه حزب الله دوراً مركزياً أكبر.
- التماس الوحدة القومية العربية: تمثل واحداً من الموضوعات الهامة في حديث الأسد، في الرجوع إلى نغمة الوحدة القومية العربية، فنظام بشار الأسد ووالده الراحل حافظ الأسد، قد ظل لفترة طولية يقدم خدمة ثابتة لمفاهيم الوحدة العربية والتضامن. وروائية لهجة وبلاغة بشار الأسد في الوحدة القومية العربية، بحديثه الأخير، جاءت من إدانته لإخفاقات الماضي، ووصفه إخفاقات العالم العربي والهوان الذي تعرض له خلال القرن العشرين. وقال الأسد: إن أحد مصادر قوة إسرائيل العسكرية يتمثل في الضعف المادي والأخلاقي للعرب، وأقرّ مسلماً أن العرب قد تحدثوا كثيراً وفعلوا قليلاً طوال تاريخهم، وأنهم نادراً ما يكونوا قادرين على الاتفاق حول أي شيء. وفي هذا السياق، أثنى الأسد مادحاً حزب الله كنموذج لتحويل المقاومة من ظاهرة لبنانية خالصة إلى ظاهرة عربية مشتركة.
تقييم:
أنجز حديث الأسد ثلاثة أهداف: انتقاد حكومة بيروت المعادية لدمشق، أعاد التأكيد على الدعم والتأييد السوري لحزب الله، وقام –على الأقل خطابياً- بأحياء موضوعات الوحدة القومية العربية، التي كانت قد تضاءلت في السنوات الأخيرة، في الوقت الذي كان فيه الأسد لا يقوم تحديداً بتوجيه انتقاداته وتحديد خصومه بالاسم، إلا أنه حدد بصراحة قوى 14 آذار، واصفاً إياهم بالعلماء الإسرائيليين. والحديث يستهدف أيضاً تلك الأنظمة العربية -وبالذات العربية السعودية، مصر، الأردن، وبلدان الخليج- التي لم تؤيد وتدعم حزب الله في حربه ضد إسرائيل، بسبب خوفهم من القوة المتنامية الإيرانية المناصرة للجماعة وتزايد النفوذ السياسي والديني الإقليمي للنظام الشيعي في إيران.
أكد الأسد روابط سوريا القوية بحزب الله، وصلة سوريا- حزب الله التي ترجع في الماضي إلى حوالي حقبتين، وكحليفة لإيران، فقد حددت سوريا موقفها باعتبارها الدولة العربية في المنطقة، والتي لها المكسب الأساسي في نهوض حزب الله، ومن ثم إذا استمر كل من حزب الله وإيران في النمو والارتقاء من حيث النفوذ والتصاعد، فإن مركز وموقف الأسد يقوى ويتعزز، وسوف يرتبط في الاذهان باعتباره –مع حسن نصر الله- القائد العربي الوحيد الذي كان قادراً على إيقاع الضرر العسكري والسيكولوجي بإسرائيل. وبالفعل، عقب حديث الأسد، أعلن عضو في حزب البعث السوري أن ثمة جهة صرحت بها الدولة لتحرير الجولان، سوف تقاتل ضد إسرائيل، مستخدمة أساليب وتكتيكات حزب الله. وحديث الرئيس الأسد وتشكيل وتكوين هذا التنظيم يعكس كيف أن نجاح حزب الله، قد أصبح بشكل عميق نموذجاً ونمطاً من أجل المواجهة ضد إسرائيل.
من خلال مساعدة نصر الله، فقد وجد الأسد سبيلاً لقبول رهان برنامج والده، فطوال حقبة سبعينيات القرن الماضي، سعى حافظ الأسد من أجل توحيد شرق المتوسط العربي عن طريق مناصرته للفلسطينيين، والتدخل في لبنان، وبذل المحاولات من أجل إدخال الأردن ضمن مساره. وفي حقبة التسعينيات، قام الأسد باستبدال توجه الوحدة القومية العربية، بالوحدة الإسلامية وجعل من دمشق ملاذاً للجماعات مثل حزب الله، حماس، والجهاد الإسلامي. وبصعود حزب الله، ونهوض رسالته في المقاومة العربية ضد إسرائيل والغرب، أصبح بشار الأسد آملاً في ركوب موجة حزب الله، في إعادة تأكيد موضوعات الوحدة القومية العربية.  وبقوله ان (المقاومة والسلام يشكلان مرتكزاً واحداً)، يكون الأسد قد خلق لهجة قومية عربية سورية تقف في مواجهة إخفاقات العرب الماضية عن طريق مقاتليها بنجاح التحرك الجديد بوساطة حزب الله وسورية اللذان يقفان في طليعته.
في الأسابيع الأخيرة، تبنى الأسد موقفاً قوياً، في مواجهة المطالب الإسرائيلية للأمم المتحدة، بقوات سلام في لبنان، يتم نشرها على طول الحدود السورية- اللبنانية، وذلك من أجل منع ودرء تهريب الأسلحة لحزب الله. وبوصفه لذلك باعتباره يضر باستقلال لبنان، فقد رفض الأسد أي مبادرة يمكن أن تؤدي لإعلان حدوداً بين سورية ولبنان، بدون أن تحل النزاع حول مزارع شبعا التي تسيطر عليها إسرائيل. وفي رفض عملية وجود الأمم المتحدة على الحدود السورية- اللبنانية، أعلن بكل صدق عن دعمه وتأييده لهجمات حزب الله على إسرائيل، وقال صراحة بأن السلام والمقاومة يمضيان معاً يداً بيد، وسورية تتحرك على الأقل باتجاه مرحلة جديدة في المواجهة ضد إسرائيل.
استنتاج:
نجاحات حزب الله في الحرب ضد إسرائيل، على ما يبدو قد شجعت الأسد، للنظر في أمر انتهاك وقف إطلاق النار الموقع عام 1974 في الجولان. وفي الوقت نفسه، قام بعزل نفسه عن العالم العربي. وبعد أن وصف الزعماء العرب الذين لم يدعموا ويؤيدوا حزب الله بـ(أنصاف الرجال)، فأطلقت الصحف في مصر، والأردن، والسعودية عاصفة من الهجمات الشخصية ضد الأسد. وبرغم أن لهجة القائد السوري النقدية، وجهوده الجارية من أجل معالجة الصدوع العربية، فقد ظل الأسد المناصر العربي الأقوى لحزب الله، وهذا التحالف سوف يكون بمثابة المفتاح الرئيس في تحديد مكانة حزب الله في لبنان، وبين جيرانه العرب، وخطوات سورية القادمة في مواجهة إسرائيل.

الجمل: قسم الترجمة

المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
الكاتب: سيس ويكاس

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...