فايز قزق ينعي المسرح السوري

04-06-2007

فايز قزق ينعي المسرح السوري

ويشـــــكر وزارة الثقافـــة على «شيـــكات حبــــاً بالوطــــن»

بمقــدار ما كنـا مندهشيـن
 كنـا مدهشــين

عروضنـــا المسرحيــة تتشابــه لحـــد اللعنـة
وهناك من دفعنا للاعتقاد بأن جوابه هو الأوحد؟!
اللغـــــة أحيانـــــــاً تُفســـــــــد المتعــــــة
 وفي مسرحي
 أتوجـــــه للأعـــــــــمى والأطـــــــرش

يقضي قرابة الشهرين وهو يردد هذه الكلمات أحلى من العسل يا دبس من مشهد في مسرحية «خضور بائع الدبس الفقير» وبظروف مكانية مختلفة مرة أمام حديقة وأخرى أمام مخفر، دون ان يحظى بإعجاب أورضا أستاذه فواز الساجر، حتى أصابه الإحباط وقرر ترك المعهد، ولكن عندما أخبر أستاذه بنيته هذه أسمعه كلاماً قاسياً، وطلب منه متابعة دروسه، فهل كان أداء الفنان فايز قزق سيئاً لهذه الدرجة أم أن هناك حكمة معينة أراد الساجر ترسيخها في عقول طلابه؟!.
يقول قزق طبعاً لم أكن كسولاً لدرجة تستدعي رد الفعل هذا من قبل استاذي لأنني تأكدت من هذا الشيء بعد التخرج وأثناء انتخابات النقابة، كان حينها الساجر أميناً للسر، عندما طلب مني ومن أحد زملائي ان نأخذ صناديق الاقتراع الى منزله في دمر للتأمين عليها، وبما ان علاقتنا قد أصبح فيها بعض الاسترخاء، انتهزت الفرصة وقلت للساجر أتذكر حادثة «أحلى من العسل يا دبس» قال لي نعم ما بها؟!.
قلت أصحيح أنك لم تجد في أدائي حينها ما يسرّ الخاطر؟! قال لي بالعكس كان هناك الكثير مما يبهج، ولكن قل لي من أنت حتى أقول لك في السنة الثانية جيد وفي السنة الثالثة ممتاز وفي الرابعة سأضطر لقول عملاق، وبالتالي علينا نحن أساتذتك ان نترك أماكننا في المعهد لتقوم أنت بالتدريس عوضاً عنا!!.


> انطلاقاً من  هذه الحكمة التربوية الرائعة، ومقارنة مع ما يحدث الآن كيف تقيّم الوضع؟!.
>> للأسف.. الآن من لحظة دخول الطالب للمعهد، يشعر بأنه أصبح «عملاقاً» أو ممثلاً مكتملاً، وليس لنا بالتالي نحن أساتذته ان نوجه له أية ملاحظة، هذا الواقع مرده الى التربية السيئة التي أتت في وقت من الأوقات عبر بعض الاساتذة والمسؤولين عن المعهد، وأيضاً بسبب انقطاع وزارة الثقافة عن الاهتمام بشؤون المعهد من رفده بكادر تدريسي جديد ذي كفاءة، قادر على التدريب بالمعنى التربوي للكلمة، ليس بمعنى الاهتمام، بجسد الممثل او الصوت..الخ طبعاً هذا عدا عن عوامل أخرى ساعدت بهذا المناخ منها سهولة حصول الممثل على الشهرة من خلال عمله بالتلفزيون «أي  حس النجومية»، مما انعكس سلباً على علاقته بأساتذته، يصمت ثم يقول:«نحن لم يكن ليسمح لنا بالمرور من أمام نقابة الفنانين فما بالك مما يحصل الآن؟!!.».
فالمعهد برأي قزق يرزح منذ/15/ سنة تحت وطأة مشاكل تحتاج لحلول جذرية رغم محاولة بعض الأساتذة تأسيس نوع من التقاليد والقيم داخل   المعهد كفواز الساجر، ممدوح عدوان، جواد الأسدي، جهاد سعد..لكن كانت محاولات هؤلاء غالباً ما تصطدم بعوامل معيقة، تقطع عليها استمراريتها لأنها كانت محاولات نابعة من مجهود فردي وليست مرتبطة بمناخ عام..فما لم يملك جسد المعهد بأكمله التوجه الصحيح والأفق الواسع المتنوع، ذا الأحياز المتنافرة والجميلة ستكون المحصلة الفشل!!.
يقول:«عندما يكون لدينا في المكان نفسه الفكرة ذاتها يموت المكان فوراً، وعندما يكون لدينا أساتذة يتشابهون في طريقة تدريبهم للطلبة يموت المكان، وعندما يتم قسر المجموع بالتفكير بطريقة استدراجية صفيقة وبالمفاهيم ذاتها يموت المكان؟!!».
> أنت الآن مدرس في المعهد، هل شعرت أنك في ورطة يوماً ما، اذا أخذنا بعين الاعتبار ان لكل فنان رسالة ما يحاول تأديتها؟.
>> ليس الآن ، فأنا مذ كنت طالباً بالسنة الثانية بدأت أعي حجم الورطة، أقصد ورطة دخولي وقبولي في المعهد، بدأت أشعر ان المسألة ليست أن يشعر الانسان أنه على الخشبة أو أمام الكاميرا طوال الوقت، ولكن ما هي الغاية من هذا الوقت؟! هل هو الحصول على المال، أم الشهرة، أم هو رسالة حقيقية يجب ان تُقال، ولكن لا نعرف ما هي هذه الرسالة؟!! فإذا كانت هي الرسالة المقدمة عبر التلفزيون، فهي رسالة هزيلة جداً، أو اذا كانت تلك التي نقولها عبر السينما ، فهي أيضاً رسالة غير كافية وضئيلة من حيث الانتاج، أو كذلك تلك المقدمة عبر المسرح، فمعظم نتاجنا المسرحي مبني على الارتجال وعدم التخطيط، سواء على مستوى المؤسسة المنوطة بهذا الفن، أو على المستوى الفردي الذي يتجه تارة يميناً وأخرى شمالاً.. وكلما كانت تتطور علاقتي مع المسرح، كانت المسألة تزداد قساوة!!.
> هل القساوة تحمل في شقها العميق احساساً بالغبن من ناحية الحقوق المادية من قبل الممثل أقول لقزق؟!!
>> يجيب «كل يوم هناك اصطدام بشيء محدد»..ففي مهرجان دمشق المسرحي الذي أقيم في أواخر السنة الماضية، وكنت قد أقنعت وبناء على وعد مني مجموعة من الممثلين بالقدوم وإعادة تقديم مسرحية لم نقدمها قبلاً في سورية اسمها «النفق» مقابل ان ينالوا أجرهم المادي الذي يستحقونه من المهرجان أسوة ببقية الفرق المشاركة، لكن الذي حصل اننا قدمنا عرضنا وبعد انتهاء المهرجان لم نأخذ قرشاً واحداً سوى «شيكات» كُتب عليها هذا حباً بالوطن!! ولو كنت أعرف حقيقة ان هذه الشيكات وهمية، لم أكن لأذهب وأكلف نفسي عناء الطريق..
لو أردت ان أعطي سائق «التاكسي» أجرة هل سيقبل مني شيكاً مكتوباً عليه «حباً بالوطن؟! ما أريد قوله إننا بشر لنا مستلزماتنا المادية ونحتاج لأن نعيش بكرامة، فما علاقة هذا بذاك يا مديرية المسارح؟!!.
لقد مثلنا بلدنا في بعثة داخلية داخل المهرجان، فقبضنا الهواء، كما بقية الممثلين معي، فهل سيصدقونني مرة أخرى اذا دعوتهم للمشاركة، أنا الذي لم أستطع ان أضمن لهم حقوقهم؟!.
> اذا عدنا الى مشاركتك الأولى في مهرجان دمشق المسرحي في مسرحيتك «رأس المملوك جابر» مع المخرج جواد الأسدي عام 1984 كيف يتجه المؤشر هل نحو الأعلى أم الأسفل أم يسير بخط مستقيم من ناحية آلية التعامل؟».
>> يضحك ويقول:«لم يتغير شيء»!! فمسرحية رأس المملوك جابر على الرغم من اعتبارها درة مهرجان دمشق المسرحي وقتذاك وباعتراف الجميع، ورغم أنني كنت أشعر بنفسي أنني«آخيل» أو «عنترة» لأنني كنت في دور البطولة بشخصية جابر وكنت أظن ان أجري سيكون كبيراً يوفر بعض حاجاتي الضرورية إلا ان الأجر كان بائساً جداً لم يتجاوز العشرة آلاف ليرة، وفيما بعد عندما أخرجت مسرحية رجل برجل لم يتعد أجري/12/ الف ليرة كما أخذ أحمد معلا عن الاضاءة فقط /2000/ل.س، طبعاً نحن لسنا الاستثناء لأن كبار المبدعين في المسرح أجورهم ضئيلة جداً، وأقول لك-صادقاً- إننا حتى لو اضطررنا للعمل بلا مقابل مادي فإن حبنا للمسرح سيبقى دافعنا للعمل!! وثمة شباب جدد يقدمون اليوم أعمالهم خارج البلاد ويحصدون عليها جوائز، يرفعون علم بلادهم عالياً، وآخرون يتشاركون مع مراكز ثقافية أجنبية يقدمون عروضهم في الشوارع، والانفاق، وبعض الأماكن العامة، مدفوعين بطموح كبير يسعون لتحقيقه ضمن جو قاس جداً ولا انساني على الاطلاق.
> في هذا الجو كيف تقيم دور وزارة الثقافة اذاً؟!.
>> انظري: منذ تجارب فواز الساجر وغسان مسعود وجهاد سعد، وشريف شاكر الى آخر السلسلة والكل يحاول، ولكن لم يكن دور وزارة الثقافة في هذه المحاولات جميعها الا عاملاً محبطاً للعزائم، وبشتى الطرق من الأجر الى اختيار المكان الى انتقاد هذا الفنان أو ذاك، حتى بتنا نستغرب  ان يذهب فنان للمطالبة بحق له في هذه الوزارة..ومنطلقاً من تجربتي الشخصية فأنا لم أذهب مرة الى وزارة الثقافة الا ورأيت ابتسامة فورية تعلو جميع الوجوه في المكان!! ما أقصده انه لا ينال حقه الا من كان له حظوة هناك؟!!
> هل نلمس من وراء كلامك يأساً وعدم جدوى من تخريج الدفعات من المعهد المسرحي أو من تكوين فرق مسرحية أو..أو؟.
>> هذا حقيقي!! من المعيب ان نتعب ونبذل الجهد، والوقت، والمال لتخريج أفواج من الطلاب او تكوين فرق مسرحية، اذا لم نكن ننوي ان نقدم لهؤلاء كل ما يلزم لحياتهم كفنانين وألّا ندفع بهم مكرهين لكي يُستدرجوا الى شركات الانتاج التلفزيوني لمتابعة «العلف الاعلامي» الرمضاني وغير الرمضاني«بازار» التلفزيون لا ينتهي !!  إذاً لنعدّل من تأثير «البازار» العربي وغير العربي بوجود فنون حقيقية لها علاقة بالمسرح، بالسينما بتحويل المراكز الثقافية في أرجاء هذا البلد والتي تبلغ حوالي/314/ مركزاً الى أماكن تستطيع استقبال العروض المسرحية الحية المستمرة، او العروض السينمائية، وعدم ايقافها بعقليات من هم مسؤولين عن هذه المراكز!!.
صحيح ان هناك من يود ان يعمل  لكن هولاء قليلون محكومون بالتجربة الفردية وليس بالآلية السليمة(المفترض) تواجدها داخل هذه المؤسسات.

كنّا مدهشين دون ان ندري؟!!
واذا كان الكثيرون منّا هذه الايام ومع تضخم الاحساس بالأنا ينسى أو يتناسى من كان له فضل في تعليمه أو صقل موهبته فإن الفنان فايز قزق هو من هذه القلة التي لا تجحد أبداً فضّل من قدم له ذات يوم ولو معلومةً صغيرةً، فما بالك بأساتذته يقول قزق: لقد كان المرحوم الاستاذ  سعد الله ونوس مرشدنا في جلساته من خلال ملاحظاته التي يبديها اثناء متابعته لنا في العمل، وكذلك فواز الساجر الذي علّمنا طريقة توجيه الفكرة، وأيضاً:الأساتذة أسعد فضة، جواد الأسدي، وأساتذة شباب مثل جهاد سعد، عماد عطواني القادمين من مصر والحاملين العديد من الأشياء الجديدة..كل هؤلاء كان لهم دورهم في التأثير بنا كطلاب، طبعاً بالاضافة الى أساتذة أجانب استضافهم المعهد في ورشات عمل كرودلف بيكا الذي كان أول من فتح عيوننا على مسرح بريخت، وهيكي ميسكا الشاعر الفرنسي الذي حدثنا هو الآخر عن أشياء مهمة جداً، وأيضاً أتذكر ميشال ريشار الذي اشتغلنا معه بمسرحية «دنجوان»... وكان قد علمنا طريقة اللعب مع الجسد،،  سالي غريس البريطانية التي علمتنا طريقة التعامل مع الجهاز التنفسي ومخارج الحروف كما عرفتنا الى شيء «اسمه» صندوق التنفس..»الخ.
> تبادل الخبرات» مصطلح هل يمكننا اطلاقه فعلاً على ما كان يحدث... أم ان المسألة هي حالة استفادة من طرف واحد أقصد من قبلكم أنتم، وليس الطرف الآخر  الأجنبي الذي يسبقنا أشواطاً في مجال المسرح؟!!
>> لا..يمكنني ان أقول: إننا بمقدار ما كنّا مدهشين، طبعاً هذا الشيء، لم نكن نعيه إلا بعد مرور سنوات، فبمقدار ما كان يدهشنا هذا الأجنبي، كنّا أيضاً مدهشين بالنسبة له، وأذكر مرةً مع ميشال ريشار في مسرحية دنجوان،  وكنت أؤدي شخصية دنجوان، وكنت مرتبكاً وغير مقتنع بارتداء «أفرول» ملتصق بالجسم، كما طلب مني ريشار، في حين كنت أعتقد انه من الافضل ان أرتدي لهذه الشخصية لباساً كلاسيكياً وقبعة وأحمل سيفاً وأرتدي حذاء أنيقاً..الخ، وماز اد الطين بلة، انه طلب مني القفز كالبهلوان على المسرح، لكن عندما بدأت أقنع نفسي بالفكرة بدأت أقفز على المسرح بطريقة أدهشته، ترجمت ردة فعله حينها أنه لم يكن مندهشاً بل يائساً مني وخاصة عندما رمقني بتلك النظرة!!.
لكن بعد سنة أُرسلنا من قِبل المعهد الى أفينون في فرنسا، والتقينا هناك بريشار الذي أخبرني كم كنت مدهشاً بالنسبة له، حتى إنني قفزت بطريقة أبعد من الطريقة التي تصوّرها، إذاً هذه المسألة، مسألة وعيي لموقعي من التجربة، كيف أقوم بها، والأهم إنني كنت أقوم بها دون أية حسابات أو تخطيطات هندسية دقيقة، لم أكن أمثل ببساطة كنت ألعب  رغم ان هذا قد يولِّد شعوراً لدى المشرف علي أو لزملائي على الخشبة بأنني شخص يدعو الى الاحباط، مع ذلك كنت أرى الزاوية التي أستمتع من خلالها بعملي وأن أنطلق لمزيد من المبادرات داخل الدور المؤدى..
> وفق ما سبق كم برأيك نحن بحاجة داخل مسرحنا الى الحسابات غير الدقيقة من أجل  مزيد من الحرية والابداع؟!.
>> عندما يأتي العرض المسرحي لا يعود أي حساب مهم، تسقط كل الحسابات فأنا منذ زمن على سبيل المثال لم أذكر للطلاب كلمة لها علاقة بحساب معين مبني مثلاً على طريقة ستنسلافسكي، أو بريخت، أو ميرخولد...الخ، أو ما قاله بعض العرب في تدريب الممثل، رغم توجيهي الدائم لهم بضرورة قراءة كل ما كُتب بهذا الخصوص، وهذا أفضل للحصول على ممثل قادر على الامساك بقانون الخشبة (خشبة المسرح) فهذه مسألة مهمة لها علاقة بهضم ما تمت قراءته واستكمال نواقصه، أي لا بد ان تكون في كل عرض ثغرات على الممثل استدراكها في العروض التي تليه، وهكذا ترين ان الممثل عليه في النهاية ان يستنتج قانونه الخاص، فأنا لا يمكنني مثلاً مطالبة ممثل بأن يتمثل قاعدة محددة لبريخت أو ستنسلافسكي الذي توفي عام 1937...  ونحن الآن في 2007، لقد حدث تطور كبير في كل نواحي الحياة، ومن ضمنها المسرح..«يعني صار لدينا انسان جديد يحتاج إلى تطوير جذري في قاعدة تدريب الممثل.
> التطوير في قاعدة تدريب الممثل تأخذ في جنباتها مسألة ضرورة الانفتاح على التجارب العالمية... أنتم كجيل دارس في المعهد... وبعودة بك الى الوراء قليلاً، هل تعتقد ان من كان يأتي إليكم من الخارج في ورشات عمل كافٍ لاطلاعكم على المسرح في العالم حقاً؟!!.
>> الى حد ما، لكن المشكلة أين، أننا أولاً كنّا «محصورين»  بمن يزورنا وبأساتذتنا في المعهد، وهؤلاء-للأسف- معظمهم خريج دول أوروبا الشرقية، وكأننا نرى نصف العالم، أي تعطيك شعوراً بأنك ترين الفكرة ذاتها..فنحن مثلاً تعرّفنا إلى تشيخوف وغوغول وغوركي..الخ، وهذا أمر مهم للغاية... ولكن في الغرب هناك أشخاص مهمين أيضاً في مجال المسرح، صحيح إننا كنّا نعرف شكسبير لكن هناك جان جينه، جان كوكتو..الخ، لم نكن نسمع بهم مثلاً لكي نكمل الصورة عما جرى في العالم من تطور في مجال المسرح، فرؤية صور من المسرح الغربي لممثل، لمسرح، لديكور من القرن التاسع عشر والقرن العشرين... كان دائماً أمراً  مفتقداً!! ناهيك عن شيء اسمه (المسرح العربي)، أو عن مظاهر للمسرح في آسيا افريقيا..الخ.
> كمسرحي، برأيك كيف بامكاننا الانفتاح حقيقةً على مسارح العالم في ظل وجود مشكلة اللغة التي نعاني منها دوماً؟
>> المسرح لا يعاني  من «اللغة» لان اللغة التي يُكتب بها العرض  المسرحي تعدّ من آخر الأشياء المهمة في هذا العرض!!.
> دعني أخالفك الرأي قليلاً، فالنص المسرحي أعتقد أنه ركن مهم في العرض وفهمه مسألة هامة، وكثيراً ما شاهدنا عروضاً لفرق مسرحية أجنبية أفسد عدم فهمنا للغة النص وللنص من متعة العرض... وبالتالي مسألة التواصل معه؟!
>> ذكرتني بحادثة جرت معي في برلين عندما اضطررت الى الخروج من منتصف عرض مسرحي لأنني لم أفهم ما يقال، فذهبت وجلست في مقهى مجاور للمسرح، عندما اقترب مني أحد الاشخاص مستفسراً عن سبب خروجي من العرض بعد ان تعرّف إليّ، فقلت له : لم أفهم شيئاً، فقال لي مازحاً ولا أنا، بعدها عرفت أنه هو هاينر ميلر مؤلف العرض ا لمسرحي الذي غادرته؟!!
>> طبعاً السبب أن هذا العرض كان ذهنياً بشكل كبير، لكن بشكل عام معظم العروض المسرحية في العالم اليوم لا تحتاج الى اللغة المنطوقة كي نفهمها، رغم ان ادراك أو زيادة ادراك العرض المسرحي قد يتطلب ان تكون اللغة المكتوب بها العرض مفهومةً، لكن المتعة دائماً موجودة، حتى في مسألة النظرالى انسان يقوم بنشاط ما على الخشبة..

اللغة...تُفسد المتعة؟!!
مرةً واثناء مشاركته في أحد الاعمال التاريخية التلفزيونية... كان«الماكيير» يصرّ يومياً على وضع أغنية صوفية ايرانية للمغني (بنان) ، وقد أعجبت هذه الأغنية قزق كثيراً، فقال له: أتريد ان أترجمها لك؟!! كلماتها رائعة جداً كلها وجدانيات، أجابه لا «لأنني لا أريد ان أفسد متعتي في رسم سيناريوهات خيالية رائعة لما تقوله هذه الاغنية التي أسرح معها كل يوم  فاللغة أحياناً تفسد المتعة، وتحد من الخيال»..لكن على الخشبة يقول قزق يجب ان تُدرس بطريقة تجعل من المتعة متعةً اضافية..
> خطر على بالي مسألة مهمة، وهي هل نستطيع ان نربط بين ميلك الدائم لمسألة النص  المرتجل على المسرح الذي يشكل جزءاً أساسياً من عروضك، وتلك الحادثة التي دفعت بك لمغادرة العرض المسرحي بسبب عدم قدرتك على فهم العرض بسبب مشكلة اللغة، أي محاولة لان يصبح نصك   قادراً على اختراق الحدود المحلية والعربية مثلاً؟!
>> «يصمت قليلاً» ثم يقول: أعتقد نعم..لكن هناك مسألة أريد التركيز عليها وهي ان المسرح بالتأكيد صورة، وهذه الصورة نُحمّلها معنى من المعاني المهمة ما أمكن، لتُنقل بصرياً الى الشخص الموجود في الصالة، وبالنسبة لي... فإن لدي قانوناً دائماً فيما يخص الجمهور الذي أتوجه له، فأنا أتوجه في مسرحي للأعمى، والأطرش،وقليل الأدب..
> ضحكت وقلت، قد نستوعب التوجه للأعمى، وكذلك الأطرش، لكن قليل الأدب؟!!
>> قال: أنا لا أمزح، لأن الأعمى ما ان يستمع للعرض حتى يبدأ خياله بنسج صورة ما، والاطرش ما ان يرى العرض حتى يبدأ بتخيل سماع موسيقا معينة وكلمات معينة أيضاً، أما قليل الأدب فإنه يترك «فصفصة البذر والتحدث«بالموبايل» ويبدأ بالاستماع بكامل ارادته وحريته دون ان يقول له أحد اسكت!!.
فعندما تنطلقين من هذه القاعدة، أتصوّر أنك ستصلين الى مرحلة تقدرين من خلالها على ان توازي ما بين الصورة المرئية، والصورة المسموعة، وتنقلي المعنى على هذين الجناحين.
> ولكن ألا تعتقد معي ان  تخصيص مسألة المسرح بالممثل والفنان المسرحي غير كافية، بل لا بدمن ربطها بجمهور تدرّب على رؤية العرض المسرحي، هل لدينا هذا الجمهور حقاً؟!
>> في وطننا العربي، وفي بلدنا -تحديداً- لدينا كارثة في  هذا المجال، لان الجمهور الذي يأتي الى المسرح لم يتدرب على رؤية العرض المسرحي بل تدرب على رؤية ما نقدمه نحن كسوريين، وأحياناً كعرب بعروض تتشابه لحد اللعنة، أي تدرب على رؤية أنهم يمشون هكذا، ويصرخون هكذا..ويتحاشون الاسئلة الخطرة!!
لم يتدرب على سبيل المثال على شكل من أشكال المسرح وهي عروض الشارع، رغم ان هذا النوع من العروض مهم جداً لاسترخاء الانسان- فناناً كان أم متلقياً- فالخروج أحياناً من صالات العروض، الى مساحات ممكنة في المدينة، أماكن أثرية، حديقة عامة أمر هام جداً لتعليم الجمهور على مناخات متعددة/لا مكانية/ للعرض المسرحي بل، وعلى اساليب جديدة من التفكير في العرض المسرحي..هذا الأمر للأسف، رغم أهميته مفقود لدينا، وليس هناك أي بريق أمل بوجوده، اذ لا يبدو ان هناك نوعاً من التخطيط  المتوازن لا لدى وزارة الثقافة ولا مديرية المسارح للبدء بطريقة جيدة في علاقة المسرح مع الجمهور، للأسف لقد فقدنا في سورية ذلك الجمهور الذي كان ممكن الحديث عنه في الستينيات وبداية السبعينيات؟!!
> محمد ملص في حواري معه كان قد اعتبر ان هناك خطةً مُمنهجة للقضاء على الفنون ذات الطابع الجمعي، سينما، مسرح لصالح فنون فردية(تشكيل وغيرها..)  هل تتفق معه في هذا الكلام؟!
>> بالتأكيد..لأننا اذا راجعنا مسيرة وزارة الثقافة على مدى(25) سنةً الماضية في علاقتها مع المسرح، نرى  ان هناك ما يشبه القرار بألا يكون هناك مسرح ولا  بشكل محدود، وكذلك الامر بالنسبة للسينما، مقابل فسح المجال بشكل أوسع للفنون ذات النمط الفردي(تشكيل، نحت...الخ) والسبب بحجب  الدعم عن هذين الفنين الجمعين(مسرح،سينما) هو لقناعة المسؤولين عن هذين الفنين بخطورتهما من ناحية تشكيل وعي الفرد والجماعة والارتقاء بهما..
لان الفن المسرحي اذا لم يكن قادراً على القيام بهذه المهمة يصبح فناً تافهاً يراوح في المكان، ويسقط، وبالتالي يسقط معه وعي الانسان فرداً وجماعة..وهذا ما حصل لدينا...لقد بقي وعي الفنان المسرحي السوري، ومعه الجمهور يطابق وعي فترة الثمانينيات..
فنحن للآن نرى حالة التعامل مع الستائر والمكعبات على خشبة المسرح، أو التقافز هناوهناك مع استخدام الاشكال والموسيقا ذاتها، التي كنّا نسمعها في بداية الثمانينيات هذا ناهيك عن مسألة الحفاظ على العرض المسرحي الجاد والجاف..وهكذا نلاحظ استبعاد السؤال الحاد والحرج، فيما يخص علاقاتنا، قيمنا الفردية، مشاكلنا الدينية، السياسية، عن خشبة المسرح، مما أبقانا رهيني المحطات التي تُقدم لنا الأفلام الأمريكية التي تُرسخ في ذهن الناشئة شكل العلم الامريكي أكثر من معرفته بعلم بلده لكثرة ما يركز عليه في الفيلم!!.
> هل أستطيع ان أفهم أنكم كجيل مسرحي مغلوب على أمركم... وبالتالي أنتم غير قادرين على التطوير داخل المسرح السوري؟!
>> حاولنا ومازلنا نحاول، وما من طالب أو طالبة تخرج من المعهد المسرحي الا وكان حلمه العمل، في المسرح، لقناعتنا الداخلية أننا لا يمكن ان نتباهى بعمل تلفزيوني-مهما كان ناجحاً- كما نتباهى بعمل مسرحي؟!
> تقول هذا رغم ان الجمهور محدد ومحصور بالعاصمة دمشق؟!
>> -لأن الجمهور المسرحي في العالم أجمع محدود، ففي ألمانيا على سبيل المثال لا يتجاوز عدده الألفين في أحسن الأحوال.
 أما بالنسبة لمسألة (حصره) في دمشق، فهذا أمر تُسأل عنه وزارة الثقافة، وليس نحن، واذا لم تجب فهي مدانة بامتياز، رغم أنني بكلامي هذا لا أوجه تهمة لأحد معين، ولكن على الشعب السوري ان يسأل أين ذهب مسرحنا؟ وأين ذهبت سينمانا؟ فالمدينة الحديثة عندما تفتقد المسرح والسينما تصبح«مجنونةً» عكس القرية التي تستعيض عن هذين الفنين، بالقص الشعبي والأهازيج، الحكايا...الخ، أما عندما تتعقد العلاقات الاجتاعية كما في المدينة فيجب ان يُعمل على إيجاد  وسيلة مناسبة لفهم هذه العلاقات فهماً جمالياً راقياً من أجل تجنب الأزمات (اقتصادية، سياسية، اجتماعية، دينية، سلوكية..) والارتقاء بفهم الانسان لطبيعة هذه العلاقات فهماً مختلفاً... لكي يكون منتجاً في نهاية المطاف من موقع عمله..يضيف قزق: المسألة خطيرة جداً لا تختص بفايز قزق، ولا بالمعهد العالي للفنون المسرحية ، انه سؤال لشعب بأكمله يجب ان يُطرح من زوايا متعددة، ومن أكثر من وزارة، إذ  هل يُعقل ان مدينة فيها /5/ملايين نسمة وبمسرحين فقط؟!! في حين كانت هذه المدينة ذاتها تحوي/12/ مسرحاً وعشرات الصالات السينمائية عندما كان عدد سكانها /415/ ألف نسمة..
سؤال الكلمة كبير!! وللمناسبة كنت منذ مدة بكل من الرقة واللاذقية وحمص... وأدركت هناك كم هذه المدن بحاجة شديدة  الى المسرح، لقد حضر عروضنا جمهور كبير، لكن هذا الجمهور يعاني من ندرة العروض المسرحية والسينمائية المقدمة له،  هذه جريمة ترقى في بعض تفاصيلها الى مرتبة الخيانة العظمى.
لماذا قُضي على المسرح السوري ونحن رائدون فيه منذ عهد أبي خليل القباني أي قبل /104/ سنوات هي عمر  مسرح ستنسلافسكي؟!!
لماذا قُصف عمر المسرح في بلدنا رغم القدرات البشرية والاجتماعية الكبيرة فيه، فنحن غير قادرين على انتاج أكثر من موسم مسرحي مهلهل  في حين أن مسرحاً واحداً في استانبول  قادر على انتاج/60/عرضاً مسرحياً سنوياً؟!!
لماذا قُصف عمر السينما في بلدنا، اذ ننتج من ستة الى عشرة أفلام في السنة، في حين نحن قادرون على انتاج اكثر من /40/ فيلماً و/60/ عرضاً مسرحياً على الأقل سنوياً!!
> هل الانفتاح على المراكز الثقافية الغربية والتمويل الغربي، وهناك تجارب مؤخراً كالذي سمعناه عن مشروع مشترك بينك وبين مخرج بريطاني  ، أعرف أنك لا تريد الحديث عنه، ولكن هل تشكل هذه التجارب ما يشبه المنقذ  لكم للخروج من مأزق التمويل؟!.
>> بالنسبة لي هي تجربة من التجارب التي قمت بها خارج البلد كنوع من الحرص على ضرورة لملمة هذا المشروع الفردي، الذي له علاقة بمشروعي المسرحي الخاص..
> إذا استعرضت مجريات حديثنا... وجدت انك وضعت كل الحق على الدولة في مسألة تدهور الواقع المسرحي في بلدنا، في حين ضيفي في زاوية «فنان وذاكرة» الفنان رفيق سبيعي قد حدثني سابقاً عن حجم الاصرار والتعب الذي كانوا يبذلونه لتقديم عروضهم المسرحية... وحتى في المحافظات، في وقت لم تكن هناك مؤسسات راعية لا للفن ولا للفنانين، وفي وضع مادي مذرٍ كان يضطرهم أحياناً  إلى الهروب وترك حقائبهم في الفندق، لأنهم لا يملكون أجرة الإقامة، مشيراً إلى ان الوضع الآن أفضل بكثير.. فهل أنتم كجيل مسرحي أقل اصراراً او حباً للمسرح؟!.
>> بالطبع لا.. فنحن نحاول لكن المناخ غير ملائم كما قلت لك.
> طيب، وإذا أخذنا ما قدمه الماغوط ودريد في الظروف ذاتها، من مسرح كوميدي سياسي جريء، كيف تقرأ ذلك؟!.
>> ما قدمه الماغوط ودريد يشكل تجربة أفراد، أنا تكلمت عن وضع عام، ثانياً أعتقد ان الدولة كانت تسمح بهذا النوع من المسرح كنوع من التنفيس، ثالثاً ما جدوى ان أقول: ان هناك أزمة سكر، الكل يعرف ذلك، بل المهم ان أعيد هذه الأزمة إلى واقعها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، والإرثي..الخ، فقضية السكر قضية لا حاجة الى اعلان عنها على خشبة المسرح، ما نحتاج إليه هو جملة من النتاجات المسرحية التي تتعدد رؤاها وصياغاتها الجمالية والفنية والفكرية، التي تبحث في جذور المشكلات وليس ما يظهر على السطح؟!.
نحن بحاجة الى ابراز هذه المشكلات من جوانب متعددة، والمسرح بوصفه فناً ذا طبيعة كريستالية يكون قادراً على ان يظهر هذه المشكلة من زوايا آيديولوجية وإنسانية متعددة مما يساهم بأن تصبح هذه المشكلات قيد التداول، وينبه لها مؤسسات المجتمع ككل للعمل على حلها.
> ورغم أنني لا أتفق معه فيما قاله بخصوص مسرح الماغوط ودريد الذي لا يزال يمتعنا ويغنينا في كل مرة يُعرض على شاشة التلفاز... إلا انني لم أرد لهذا الجانب ان يكون موضع نقاش أكبر لأنه ليس الغاية من حواري مع فنان قدير كفايز قزق، وهكذا وقبل ان أغادره فاجأته بقولي: «كم يأخذ منك من الوقت التفكير بكل عرض مسرحي جديد؟!.
>> لأنني مؤمن إيماناً عميقاً جداً، يتجذر إلى حد ملتصق بالشرايين بهذه المهنة، اي ان أكون ممثلاً على الخشبة، او مدرباً، او مخرجاً، فإن إية مسألة تخص هذا الجانب تأخذ كل وقتي، ساعات طويلة من التأمل والتفكير بها...لأن قولَ شيء أو رسمَ شيء على الخشبة أمران خطيران للغاية، فإذا قِيل او رُسم بشكل بشع، فإن البشاعة تنتقل للعين وتزداد بشاعة، وهذا مدمّر للإنسان ويشكّل خيانة له، لأننا نقدم هذه البشاعة تحت ستار الرسالة الفنية والفكرية..
إذاً وبالنسبة لي حتى على صعيد المعلومة التي تُقدم للطالب هناك تفكير وتأمل قبل الإجابة عن أي سؤال، وكثيراً ما أتريث ولا أعطي إجابة حاسمة، بل أقول: أعتقد!! لقناعتي انه في الفنون والآداب ليس هناك من حسم للسؤال، انه اعتقاد يعطي فسحة من التأمل للآخر لكي يعتقد أيضاً ويتأمل.أما ما حدث لنا على مستوى التفكير ومستوى  الروابط الذهنية بيننا كأفراد أن هناك من دفعنا من خلال سلوكه للاعتقاد دوماً بأن جوابه هو الجواب الأوحد، والذي لا توءم له، وهذا ما أدى في كثير من الأحيان الى تعطل الأدمغة وتوقف الألسنة، والاستمرار فقط، وفقط بالتصفيق؟!!.

روزالين الجندي

المصدر: البعث

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...