عيد الميلاد لن يزور سوريا هذا العام: لا وقت للفرح

25-12-2012

عيد الميلاد لن يزور سوريا هذا العام: لا وقت للفرح

لن يمرّ الميلاد على أرض الشام مغايراً لبقية الأعياد السورية. في سوريا تتعدد المناسبات والمشهد واحد: لا مكان للفرح. وعلى الرغم من المظاهر الاحتفالية المتفرقة في المحافظات، إلا ان الحزن يخيم على القلوب. يحاول الناس إيجاد فسحة صغيرة للبهجة من أجل الأطفال على الأقل، لكن أصوات القذائف والصواريخ والمعارك تُضيّع كل المحاولات سدى. وقد أتت مجزرة حلفايا أمس الأول لتضيف مزيداً من الألم في النفوس، أما الكنائس المدمرة في محافظات عدة فتجعل القلق مضاعفاً. سوريون يحتفلون بقداس الميلاد في كنيسة مار الياس في باب توما أمس (أ ف ب)
باختصار، لا طعم للميلاد في سوريا بل حزن على شلال الموت اليومي ومسلسل التهجير والقتل والاختطاف الذي لا يميّز بين سوري وآخر. حزن يمتزج بقلق على مستقبل البلاد وسط أنباء وتقارير دولية تحذر علناً من إبادة الأقليات، بينما يصر صناع الحدث في الشارع على شعارهم الذي رفعوه منذ اليوم الأول للثورة: الشعب السوري واحد.. أو بالأحرى: الدم السوري واحد .
في حي القصاع الدمشقي، حيث تسكن أكثرية مسيحية، زَيّنت بعض المحال واجهاتها بزينة العيد بينما غابت المظاهر الاحتفالية عن مجمل الكنائس والكاتدرائيات. حتى في دمشق القديمة، التي استقبلت منذ أيام البطريرك يوحنا يازجي خلفاً للبطريرك الراحل أغناطيوس الرابع هزيم، فقد تقرر إلغاء مظاهر الاحتفال، حيث تنتشر يومياً في المدينة التي انطلق منها بولس الرسول دعوات الصلوات والقداديس لأجل السلام ولراحة أنفس شهداء الوطن.
عن أي عيد يتحدثون؟ هكذا يجيب جورج، الموظف الأربعيني، قائلاً: كيف لي أن احتفل ونصف عائلتي قد فقدت بيوتها وبات لدينا أربعة شهداء قضوا في اقتحام حي الحميدية الحمصي في الشتاء الماضي؟ ثم يردف «حتى أطفالي طلبوا مني عدم شراء ملابس العيد لأن الوضع لم يعد يحتمل أي فرح أو محاولة لإيجاد لحظة فرح».
أما ميشلين فتقول ان «أصوات القصف والاشتباكات في الغوطة الشرقية والمسموعة في المدينة القديمة تمنع أي مظهر احتفالي»، مضيفة «لا أستطيع أن أزين شجرة الميلاد ولا أن أحتفي بالعيد، وفي الحديقة المجاورة لبيتي هناك من يفترش الأرض ويلتحف السماء في عز البرد المجنون الذي يضرب البلاد».
بدوره، يرفض وسام، الطالب الجامعي، أي فكرة للمغادرة خارج البلاد على الرغم من المضايقات التي يتعرض لها من قبل متشددي المعارضة الذين يعتبرون الثورة حكراً على طائفة واحدة، في وقت تلتزم بقية الطوائف الحياد السلبي.
ويعتبر وسام أن كل الهتافات والشعارات التي تهاجم الطوائف الأخرى لا تنبع إلا من فورة غضب ستنتهي بسرعة، على حد وصفه. ويعلّق «الشعب السوري لم يعرف يوماً معنى للحقد الطائفي أو المذهبي، ولا بد من أن تزول هذه الغيمة، لذا فقد قرر البقاء في البلاد على الرغم من التسهيلات الكبيرة التي تقدم للهجرة بوصفه مسيحياً».
وإذا كان هذا هو حال دمشق، فإن ريفها قد قرر هو الآخر إلغاء مظاهر العيد حتى في المناطق التي تخلو من اضطرابات أمنية، كما هو الحال في صيدنايا وجارتها معلولا. هكذا قرر القائمون على دير السيدة وأديرة مار سركيس وباخوس الاقتصار على قداس الميلاد والصلاة بعد أن فرض الموت نفسه ضيفاً ثقيلاً لا يمكن معه إلا الصمت. وهو ما يؤكده فريد، المدرس الثلاثيني في المنطقة، قائلاً «على الرغم من الهدوء النسبي الذي تتمتع به بلدات صيدنايا ومعلولا إلا ان الاشتباكات والعمليات العسكرية تحيط بها سواء من جهة الجنوب لبلدات رنكوس والتل أو الشمال لبقية مناطق القلمون كيبرود والنبك وقارة حيث تشكل جميعها سلسلة اعتادت كل العام الاحتفاء بالمسيحية على طريقتها، بداية من دير مار موسى الحبشي في النبك الذي نجح الرهبان بمساعدة الأب الإيطالي باولو دويهلو بترميمه واعتباره مكاناً للعبادة والسكون الروحاني.
ومن النبك إلى كنائس يبرود ومعلولا، مهد الآرامية، وصيدنايا، التي لم يسلم ديرها من القذائف المتعددة المصادر، كانت العادة كل سنة أن تشهد هذه المناطق زحفاً بشرياً واحتفالاً بيسوع المحبة والسلام، لكن الطرق المؤدية إليها تبدو اليوم غير آمنة بشكل تام. أضف إلى ذلك الاشتباكات في مناطق قريبة منها.
وتغيب مناطق أخرى كداريا والزبداني بفعل العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش النظامي ضد المعارضة المسلحة. والمشهد في حمص لا يختلف كثيراً، إذ يغيب حي الحميدية عن العيد، بدلاً من أن يغيب العيد عنه باعتباره قد تعرض لتدمير كبير لم تسلم منه كنيسة أم الزنار في قلب الحي، بالإضافة لعدة كنائس أخرى. هناك ينقسم الأهالي بين داعم للسلطة ومؤيد للمعارضة وأكثرية قلقة على مستقبل البلاد، مع محاولة الطرفين توظيف المسيحيين كطرف يقف ضد الطرف الآخر على الرغم من أنهم كبقية الطوائف في سوريا منقسمون بين مؤيد للنظام أو للمعارضة أو فريق وسطي سئم من التجييش القائم من طرفي الصراع في البلاد.
أما بقية المحافظات فتتفاوت بين من تغيب كلياً، كحال حماه ودير الزور، بفعل التوتر الشديد الذي تغرق به، وبين من تحاول بالحد الأدنى إضاءة شمعة للسلام كحال حلب، أو تلك التي تتمتع بوضع أكثر أمنا كاللاذقية وطرطوس.
في المحصلة لا وقت للفرح في أرض المسيحية، ولن يمر «بابا نويل» ببلاد تنام وتصحو على القتل والمــوت والدمار، فأطفال ســوريا مشغــولون بما هو أهم من هــدايا الميلاد. إنهم مشــغولون كأهاليهم بتأمين الخبز والغاز والوقود من دون أن يفقدوا أحدا من أفراد أسرتهم أو ربما هم مشغولون بتأمين منزل يقيهم البرد الذي يشارك مع الرصاص في حصد أرواح السوريين ممن فقدوا السقف الذي يؤويهم.
وعلى الرغم مما سبق، اتجه الناس إلى الأديرة والكنائس ليضيئوا شمعة ويصلوا للرب عله يهب الشعب السوري الخلاص من الموت اليومي.

طارق العبد

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...