سيف عربي مذهب لعدو العرب الأول

14-01-2008

سيف عربي مذهب لعدو العرب الأول

لم يكن ينقص اللبنانيين هذا التحريض الوقح والمسموم لإخوتهم عليهم، ولبعضهم ضد البعض الآخر، يطلقه «ضيفهم» الكبير الرئيس الأميركي جورج .و. بوش، من قلب بعض العواصم العربية، وفي حضور حكّااختبر الرئيس الأميركي جورج بوش في أبو ظبي أمس، تجربة «العشاء الصحراوي». وخارج الخيمة المخصّصة لذلك، تفقّد مجموعة من الصقور، انتفض أحدها فجأة أمام عدسات المصوّرين، مخيفاً سيّد البيت الأبيض الذي قال للصحافيّين إنّ الطائر لم «يجرِ مؤتمراً صحافياً من قبل». م عرب يفترض أنهم مؤتمنون على مستقبل بلادهم وأهلهم... ولبنان منهم!
ومع أن سجل جورج بوش في التحريض على الفتنة في لبنان حافل (وآخر مآثره الدعوة إلى انتخاب الرئيس الجديد بمن حضر!!) غير أن مواصلة حملة التحريض هذه في حفل رسمي وبخطاب مكتوب، وأمام حشد من المسؤولين، وفي قلب عاصمة عربية يحفظ اللبنانيون لبانيها الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الكثير من الإعزاز والتقدير، أمر لا يمكن قبوله، كائنة ما كانت المعاذير أو التبريرات...
يكفي اللبنانيين ما هم فيه من بلاء بين أسبابه المعلنة الخلافات العربية ـ العربية التي يفاقم منها التحريض الأميركي المكشوف، فيمتنع عليهم انتخاب الرئيس الجديد لجمهوريتهم المتهالكة، برغم توالي المبادرات العربية مبتورة أو غامضة أو حمّالة أوجه، بحيث تزيد من الشقاق وتعطيه حيثيات تتجاوز ما هو سياسي إلى ما هو طائفي بل ومذهبي، بما يجعل التلاقي أصعب وأصعب ويُبعد الحل عن مدى القدرة.
اللافت أن التحريض الأميركي المكشوف الذي اعتمدته إدارة جورج بوش منذ ما قبل احتلالها العراق، ثم صعّدت نبرته لتغطية الاحتلال وتبريره، قد بلغ ذروته مع جولته الحالية في منطقتنا، بعنوانها الإسرائيلي المعلن، بغير تهيّب أو مراعاة لمضيفيه... ناهيك عن التحسّب من مغبة تذكيرهم بمئات ألوف العراقيين الذين سقطوا وما زالوا يسقطون يومياً في أرض الرافدين، والذي يريد بوش أن يقنع إخوتهم بأنه إنما قتلهم ليحميهم منهم!!
فمنذ أن نزل الرئيس الأميركي في الأرض الفلسطينية المحتلة ليعلن «حق» إسرائيل في تحويلها إلى «دولة اليهود» وهو يحرّض العرب ضد العرب: بدأ بتحريض الفلسطينيين ضد الفلسطينيين، بينما هو «يجيز» لإسرائيل شطب حق العودة، ثم التفت إلى اللبنانيين يحرّضهم ضد بعضهم البعض، وضد سوريا، وضد الفلسطينيين (حق العودة مجدداً)!.. قبل أن ينتقل إلى الخليج ليحرّض أهله عموماً ضد جيرانهم الدائمين (وشركائهم في المصالح والأمن والاستقرار)... ثم ليخص المقاومة في لبنان وفلسطين بحملته المسمومة، في حضور وعلى مسمع قيادات عربية مسؤولة، كان الأمل أن تحرص على سلامة لبنان (هل نقول: ما تبقى منه) واللبنانيين، وسلامة القضية الفلسطينية، أو ما تبقى منها، ومن الفلسطينيين، طالما تعذرت حماية الكل!
كان ينقص ذلك المشهد الكاريكاتوري الأسود في المنامة لتتكامل المأساة التي يعيشها «العرب» في لحظتهم الراهنة: تسليم آخر «سيوفهم» إلى بطل مقتلتهم المعاصرة...
المشهد خرافي في ساديته: شيخ الجزيرة التي كانت قاعدة للاستعمار البريطاني، والتي تحولت إلى مركز قيادة لقوات الاستعمار الأميركي الجديد، يستقبل ضيفه الاستثنائي جورج .و. بوش برقصة «العرضة»، ثم يسلمه السيف المذهّب، عربون ولاء وخضوع على طريقة: إذبحني يا مولاي، إن كان موتي يرضيك!
الشيخ الذي نصّب نفسه ملكاً على الجزيرة الصغيرة بالتاريخ النضالي لشعبها الذي كان طليعة لعموم أهالي الجزيرة العربية وخليجها، علماً وثقافة وأخذاً بالحضارة، يقدم «السيف» لبطل احتلال العراق الذي كانت طائراته «ب ـ 11» في تلك الساعة بالذات تلقي قذائفها ذات الطاقة التدميرية المهولة على بعض المدن والقرى العراقية في منطقة «الجبور»، كأنما يحرّضه على المضي في سياسة اغتيال الضوء في بلاد الرافدين وإغراق العراقيين بدمائهم كخطوة حاسمة في الهيمنة المطلقة على الإرادة وعلى الثروة وعلى القرار العربي... إن كان ثمة قرار!!
برغم كل هذه الفضائح السياسية العربية المعلنة، والتي «تفرّج» عليها العالم أجمع، فإن اللبنانيين ما زالوا يتطلعون إلى «الكبار» من إخوتهم العرب، الذين يدركون أنهم يتحملون مسؤولية تاريخية عن هذا الوطن الصغير، الذي طالما اعتزوا به ورأوا فيه «نوّارتهم».
لقد تمت خطوة مهمة في القاهرة، على هامش الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، حين اتفق «المختلفون» على الخطوط العريضة لمبادرة حملها إلى بيروت الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، الذي بات خبيراً محلّفاً بالشؤون اللبنانية، بل بالقادة اللبنانيين، وأمزجتهم وأحوالهم العائلية، وارتباطاتهم، وطموحاتهم، وألاعيبهم، وشطاراتهم القادر على كشفها باعتباره لا يقل شطارة عنهم...
لكن الاتفاق على العناوين لا يكفي... فالشياطين تكمن في التفاصيل، وهناك تتوالد، فإذا الصح يصير غلطاً، وإذا الوطنية تصبح عيباً إذ هي تعني «التطرف»، وإذا العروبة تصير خروجاً على النظام، وإذا المقاومة تصير استدعاءً لـ«الإرهاب»، خاصة في زمن «السلام الإسرائيلي» (ألف قتيل فلسطيني في الغارات الإسرائيلية خلال السنتين الماضيتين... أما الأسرى فهم يتزايدون كل يوم، وهم الآن يقاربون 12 ألفاً!!).

كذلك فإن تلويح الرئيس المصري حسني مبارك بترك اللبنانيين لمصيرهم، لأن العرب قد تعبوا من خلافاتهم، قد يعبّر عن لحظة غضب أو تعب، لكن لبنان يستحق أكثر من بعض ساعات العمل لإنقاذه...
وإذا كان الهدف المعلن للرئيس الأميركي من جولته التي ستدر عليه ـ وهو البطة العرجاء في هذه اللحظة الانتخابية ـ مليارات المليارات من الدولارات، هو تحريض العرب على جارهم الإيراني وتصويره وكأنه «الشيطان الأكبر والوحيد»، وجرّهم إلى الوقوف مع إسرائيل «ضد الإرهاب»، كأنما ثمة ما يفوق الإرهاب الإسرائيلي من خطر على المنطقة، فإن مسؤولاً عربياً عاقلاً كالأمير سعود الفيصل قد رد عليه الرد المناسب مؤكداً إن إيران ستبقى الصديق والشريك والجار الدائم لأقطار الجزيرة والخليج.
والختام: تذكير بل إلحاح في تذكير القادة العرب بأن لبنان كان وما زال وسيبقى مسؤولية عربية، وستظل دماء اللبنانيين، كما نظامهم، أمانة في أعناق المسؤولين العرب، في الحال والاستقبال...
مع التذكير بأننا لا نطلب سيوفهم الملكية، بل نتوجه إلى أخوَّتهم وإلى مسؤوليتهم عن أقطارهم، فالنار اللبنانية التي يخافون منها لن ينفع في إطفائها من أشعلها... ولا أحد يتقدم في المسؤولية عن هذه النار على الضيف الكبير الرئيس الأميركي الخطير: جورج .و. بوش.

طلال سلمان

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...