النجدة.. لقد عاد بيرلوسكوني

16-04-2008

النجدة.. لقد عاد بيرلوسكوني

الجمل:   تتحدث التحليلات والتعليقات السياسية عن إيطاليا باعتبارها أصبحت تمثل البلد الأوروبي المثير للجدل، ذلك بسبب الانتخابات البرلمانية الإيطالية التي ترتب على نتائجها تطور ديناميكي تمثل في فوز الزعيم الإيطالي سيلفيو بيرلوسكوني، الذي سبق وورط إيطاليا في حرب العراق، ليعود مرة أخرى إلى رئاسة الحكومة الإيطالية، وقد تطرق المحللون والمعلقون السياسيون هذه المرة في وصف وتفسير الحدث الانتخابي الإيطالي، بحيث رأى البعض منهم أن السبب يرجع إلى ارتباط السياسة بالمافيات ودوائر الفساد، وعزا البعض الآخر السبب إلى مزاجية الرأي العام الإيطالي الحادة التي تصل إلى مستوى الهمجية ولا تفرق بين عنف كرة القدم الإيطالية والسياسة الإيطالية. أما التحليل المثير للانتباه فقد أعده المحلل السياسي جيوف أندروز، ونشره المرقع الإلكتروني لمركز دراسات شبكة الرصد الاستخباري الأمني السويسري، نقلاً عن الموقع الالكتروني لمركز الديمقراطية المنفتحة الأمريكي، وقد وصف التحليل أن المشكلة السياسة والحكم في إيطاليا لم تعد تتمثل في الانتخابات ولا في السياسة ولا في الحكم، وإنما في مدى قابلية الشعب الإيطالي للحكم السياسي شأنه شأن بقية العالم.
* الزعيم سيلفيو برلوسكوني: تاريخ مشبوه وسيرة ذاتية مضطربة!
أفردت موسوعة ويكيبيديا الإلكترونية الأمريكية 22 صفحة بالتمام والكمال مخصصة لسيرة الزعيم الإيطالي –المثير للجدل- سيلفيو برلوسكوني.
ولد برلوسكوني في 29 أيلول 1936، وعمل في مجال المقاولات والإعلام، وتم انتخابه لمنصب رئيس الوزراء ثلاث مرات الأولى في العام 1994 والثانية في عام 2001م والثالثة كانت في انتخابات أول أمس الاثنين الموافق 14 نيسان 2008م.
أسس برلوسكوني حركة «القوة الإيطالية» التي استطاعت الفوز بالانتخابات البرلمانية في عام 1996م وذلك بعد ثلاثة أشهر فقط من تأسيسها، ويمثل برلوسكوني تيار يمين الوسط الذي يمثل المنافس الرئيسي لتيار يسار الوسط، هذا، وتجدر الإشارة إلى أن التنافس السياسي الرئيسي في إيطاليا هو بين هذين التيارين ويمثل كل واحد منهما تحالفاً لعدد من الأحزاب، فالأحزاب اليمينية تتجمع في يمين الوسط ضمن برنامج الحد الأدنى الانتخابي اليميني، والأحزاب اليسارية تتجمع في يسار الوسط ضمن برنامج الحد الأدنى اليساري.
ينتمي برلوسكوني إلى حزب شعب الحرية الذي يقود تحالف يمين الوسط في إيطاليا، وتشير التحليلات إلى أن توجهات برلوسكوني السياسية تتمثل في الآتي:
• تبني السياسات العامة المحافظة الأكثر تطابقاً مع توجهات الحزب الديمقراطي المسيحي الإيطالي اليميني الذي ظل يسيطر وبشكل مستمر على السياسة الإيطالية من عام 1945م حتى عام 1981م ومن عام 1987م إلى عام 1992م.
• اشتهر برلوسكوني بتقديم المزايا للرأسماليين وأول ما يقوم به هو تخفيض الضرائب المفروضة على المنشآت الرأسمالية الخاصة ورجال الأعمال الإيطاليين.
• اشتهر برلوسكوني بفتح أبواب الاقتصاد الإيطالي مشرعة أمام المقاولين والوسطاء والسماسرة.
• تتميز سياسة برلوسكوني الخارجية بالولاء المطلق لأمريكا والدعم اللامحدود لإسرائيل.
• يتبنى برلوسكوني توجهات متشددة ضد وجود الأجانب والمهاجرين في إيطاليا وبالذات القادمين من البلدان العربية وتركيا والدول ذات الطابع الإسلامي الإفريقية والآسيوية.
فسرت التحليلات صعود برلوسكوني ثلاث مرات إلى الحكومة الإيطالية، بسبب امتلاكه لإحدى شركات التلفزيون الضخمة التي تقوم ببث العديد من القنوات الفضائية والتي تقدم "كافة ألوان البرامج"، وقد استخدم برلوسكوني هذه الشبكة لكسر صورة خصومه السياسيين واغتيال شخصياتهم من جهة، ومن الجهة الأخرى القيام بتمرير صورته في أوساط الرأي العام الإيطالي، وبث الدعاية التي تعزز مواقفه وتوجهاته وتضعف المواقف والتوجهات الأخرى، وبالذات توجهات ومواقف يسار الوسط.
استطاع برلوسكوني إدارة حرب نفسية – معلوماتية بنجاح في أوساط الرأي العام الإيطالي بسبب مهارته في احتكار المعلومات وفعالية توظيفه الإعلامي لها، خاصة وأن إعلام برلوسكوني كان يستخدم الفضائح في حرق كاريزمات الأطراف الأخرى، وفي نفس الوقت غض النظر عن فضائح أنصاره، أو العمل من أجل دحضها إن جاءت من إعلام خصومه.
ترعرع برلوسكوني في مدينة ميلانو الإيطالية، وكان والده من كبار مسؤولي مصرف "بنكارازيني"، وقد تم إغلاق المصرف بسبب المخالفات المالية، والقيام بالعديد من العمليات المحظورة على النحو الذي أدى إلى فضيحة ارتباط وتبعية المصرف للمافيا الصقلية الإيطالية الشهيرة.
عاش برلوسكوني مع زوجته كارلا وأنجب طفلين، وفي نفس الوقت كان مع عشيقته الممثلة فيرونيكا وأنجب ثلاثة أطفال، ولاحقاً طلق زوجته كارلا وتزوج عشيقته وكان زواجه الثاني حدثاً إعلامياً كبيراً نقلته محطات التلفزة ورصدته المجلات والصحف الإيطالية والعالمية بالمزيد من التقارير وذلاك لجهة الفخامة والبذخ وحشد النجوم والسياسيين ورجال الأعمال الذي شاركوا برلوسكوني فرحة الطلاق من زوجته والزواج من عشيقته.
* أداء برلوسكوني السياسي:
يقول الخبراء بأنه لا فرق بين برلوسكوني "المقاول" و برلوسكوني "رئيس الوزراء"، فهو لم يتخلى لحظة عن أعمال المقاولات والوساطة!!
أسس برلوسكوني مجموعته الإعلامية عام 1978م، واستمرت بالعمل، وفي العام 1997م أي بعد صعوده إلى رئاسة الوزراء بثلاثة أعوام بلغ رصيد شركته الإعلامية 113 مليار ليرة إيطالية، أي ما يعادل بأسعار اليوم 260 مليون يورو (حوالي 350 مليون دولار أمريكي).
وتقول معلومات أجهزة الرقابة الإيطالية بأن مصدر أموال شركة برلوسكوني ما يزال مجهولاً، وبسبب العراقيل القانونية والإدارية والمحاسبية فإن جهاز الرقابة لم ينجح في تتبع مصدر الأموال، ويعتبر مصرف بانكارازيني الذي تم إغلاقه لعلاقته بالمافيا، هو المصدر الرئيسي لأموال برلوسكوني، وبرغم ذلك، لم تستطع كل التحقيقات التي تم إجراءها في إيطاليا من العثور على أي خيط يدين برلوسكوني!!
رصيد برلوسكوني المالي الحقيقي غير معروف حالياً لأي جهة إيطالية أو عالمية، وكل ما هو معروف أنه قد بلغ في العام 1997م (قبل 11 عام) حوالي 350 مليون دولار فقط..
• انهارت حكومة برلوسكوني الأولى بعد مرور ثمانية أشهر وستة أيام على توليه منصبه بسبب الخلافات والفضائح السياسية.
• انهارت حكومة برلوسكوني الثانية بعد مرور 4 أعوام و11 شهراً و6 أيام بسبب هزيمته في الانتخابات من جراء توريطه لإيطاليا في حرب العراق.
• وقريباً سيشكل برلوسكوني حكومته الثالثة بعد فوزه الانتخابي الذي حققه أمس.
* برلوسكوني على خط ساركوزي، أم ساركوزي على خط برلوسكوني؟
تقول سردية تيار يمين الوسط الأوروبي، بأن الأسبق ظهوراً على الساحة السياسية الأوروبية لا برلوسكوني ولا ساركوزي، وإنما هو الزعيم العمالي البريطاني طوني بلير، الذي لم ينافسه في القيام بمهمة الإمساك بذيل الرئيس بوش سوى برلوسكوني الإيطالي وساركوزي الفرنسي وخوسيه أزنار الإسباني، والآن بعد خروج طوني بلير وخوسيه أزنار، فإن ساركوزي لن يكون الزعيم الوحيد المنفرد بالإمساك بذيل جورج بوش لأن برلوسكوني الذي عاد مرة أخرى إلى منصبه سبق وأن قام بمهارة بأداء هذه المهمة، وإضافة إلى تميزه بـ"الأيادي الخفية" التي تستطيع فتح القنوات السرية له، وبرغم ذلك، فإن ساركوزي لن يكون منافساً سهلاً أمام برلوسكوني بسبب قدرات المافيا الروسية – الإسرائيلية التي لن تقل خدماتها جودة عن تلك التي للمافيا الصقلية الإيطالية، ولكن من يدري، ففي عصر العولمة الأمريكية واندماج الشركات، أصبحت تندمج بنفس الطرق والأساليب التي تتم بها تقنية إدماج البنوك والشركات العالمية العملاقة، وعلى أية حال، طالما أن "البزنس هو نفس البزنس" فقد نشهد تعاوناً وتنسيقاً أكبر إذا استطاعت المافيا الروسية – الإسرائيلية عقد صفقة تكامل واندماج سياسي مع المافيا الصقلية الإيطالية التي أدارت المعارك الانتخابية الفرنسية والإيطالية لصالح ساركوزي الذي جلس على عرش باريس و برلوسكوني الذي عاد مرة أخرى إلى عرش روما.
* أجندة محور ساركوزي – برلوسكوني القادمة؟
محور ساركوزي – برلوسكوني سيقوم بدور "حصان طروادة" الأمريكي داخل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وتشير التحليلات والتكهنات إلى الآتي:
• إعطاء التوجهات الأمريكية زخماً جديداً داخل حلف الناتو وبالذات عملية توسيع الحلف ودفعه لجهة تنفيذ المهام العسكرية التي تجعله يقوم بدور الشرطي الأمريكي الدولي في سائر بقاع العالم.
• إعطاء أجندة اتفاقية لشبونة قوة دفع جديدة داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي على النحو الذي يؤدي إلى إدماج السياسة الخارجية الأوروبية وسياسة الدفاع الأوروبي ضمن سياسة خارجية أمنية دفاعية أوروبية موحدة، تكون مندمجة بدور مع السياسة الخارجية والأمنية والدفاعية الأمريكية عبر قنوات تحالف عبر الأطلنطي الذي يجمع بين أمريكا وحلفائها الأوروبيين.
وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، فإن فوز برلوسكوني سيكون مؤشراً على:
• المزيد من التدخل الفرنسي المدعوم إيطالياً في الشؤون اللبنانية وفي ممارسة الضغوط على سوريا.
• توريط إيطاليا بمعدلات أكبر في حروب العراق وأفغانستان، وعلى الأغلب ضمن قوات اليونيفيل الموجودة في جنوب لبنان.
• ممارسة الضغوط ضد حكومة حزب العدالة والتنمية التركي.
• تشديد العقوبات وضد إيران.
• تصعيد التوتر مع روسيا.
وبرغم فوز برلوسكوني ووجود ساركوزي، فإن الجهود الأمريكية – الإسرائيلية لن تتوقف في إكمال بنود مخطط "سيطرة تيارات يمين الوسط على السياسية الأوروبية" ، وتشير التوقعات إلى احتمالات صعود تيار يمين الوسط في إسبانيا واليونان، وغيرها.
أما بالنسبة لألمانيا فإنها تعتبر حالياً في أيادي أمريكية – إسرائيلية أمينة، بسبب وجود المستشارة ميركل في القرار السياسي الألماني، وعلى الأغلب أن يأخذ يمين الوسط الأوروبي شكلاً ثلاثياً يتكون من ساركوزي – برلوسكوني – ميركل.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...