القراءات الإسرائيلية الجديدة لأحداث الشرق الأوسط

29-03-2011

القراءات الإسرائيلية الجديدة لأحداث الشرق الأوسط

الجمل: يتابع الخبراء الإسرائيليون باهتمام بالغ تطورات الأحداث والوقائع الجارية في منطقة الشرق الأوسط، وتشير المعطيات الجارية إلى أن الأحداث والتطورات سوف تظل تلقي بتداعياتها على كافة الحسابات الاستراتيجية والتكتيكية الإسرائيلية: كيف ينظر الإسرائيليين لأحداث منطقة الشرق الأوسط.. وإلى أي مدى سوف تؤثر هذه الأحداث لجهة تشكيل إدراك إسرائيلي جديد لجهة التعامل مع واقع المنطقة الذي أصبح أكثر تقلباً؟

* القراءات الإسرائيلية لأحداث الشرق الأوسط

سعت الأطراف الرسمية الإسرائيلية إلى التزام الصمت النسبي المحدود إزاء التطورات الشرق أوسطية الجارية حالياً على خلفية مفاعيل الاحتجاجات الشعبية الجارية في المنطقة إضافة إلى ما أفرزته هذه التغييرات في كل من تونس ومصر، وبرغم ذلك فقد سعى العديد من الخبراء الإسرائيليين إلى إبراز وجهات نظرهم عبر النوافذ الآتية:خريطة إسرائيل الكبرى بحسب تصور مؤسسيها
•    أجهزة  الإعلام والصحافة الإسرائيلية: وركزت على التقارير المكثفة التي ترصد الوقائع، مع القليل من التحليلات السياسية التي ركزت على المعطيات والأبعاد الشكلية، وكانت صحيفة هآرتس الإسرائيلية الأكثر نشاطاً لجهة إبراز تطورات المواقف والأحداث.
•    مراكز الدراسات الإسرائيلية: لم تسع مراكز الدراسات الإسرائيلية لجهة تقديم الأوراق التحليلية السياسية، واكتفت بتقديم القليل منها، وفي هذا الخصوص فقد برز كل من: مركز أورشليم، ومعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب في تقديم بعض الأوراق البحثية المختصرة التي سعت إلى تخمين الملامح العامة للمرحلة القادمة في المنطقة.
هذا، ونلاحظ أن دور مراكز دراسات اللوبي الإسرائيلي وتحديداً في أمريكا (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ومؤسسة جيمس تاون، ومعهد المسعى الأمريكي) وفي بريطانيا وأستراليا، كان الأكثر تركيزاً لجهة القيام بمحاولات التأثير من جهة على مواقف واشنطن، ومن الجهة الأخرى على الموقف الإسرائيلي، ومن جهة ثالثة لجهة التعامل الانتقائي مع الأحداث والتطورات الشرق أوسطية.

* مفاعيل الإدراك الإسرائيلي: عين نصف مغمضة وعين نصف مفتوحة

على أساس اعتبارات حسابات الفرص والمخاطر، فقد ظل هاجس الأمن القومي الإسرائيلي يمارس حضوره القوي على كافة وجهات النظر والتحليلات الإسرائيلية، وفي هذا الخصوص فقد تشكل الإدراك الإسرائيلي للتقلبات الشرق أوسطية على أساس الخطط والمحاور الآتية:
•    المحور المصري: التركيز على كيفية درء وإبعاد المخاطر المتمثلة في احتمالات صعود القوى السياسية المصرية الرافضة لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية. وبنفس القدر إبعاد القوى الوطنية المصرية التي يمكن أن تحقق النجاح في بناء قدرات الدولة المصرية، وبالتالي، فإن الأولوية الحالية للإسرائيليين تتمثل في دعم صعود طرف مصري يسير بالنظام في نفس توجهات تبعية السياسة الخارجية والداخلية المصرية بما يتطابق مع منظور محور واشنطن ـ تل أبيب.
•    المحور الخليجي: التركيز على كيفية دعم بقاء واستمرارية الأنظمة الملكية الخليجية الحاكمة، إضافة إلى التركيز لجهة تسويق المزاعم القاتلة بأن أي تغيير سياسي خليجي معناه تعريض أمن إسرائيل للخطر وتعريض المصالح الأمريكية للخطر. طالما أن هذا التقرير سوف يصب في مصلحة إيران.
•    المحور اليمني: التركيز على كيفية إبقاء الصراع السياسي اليمني محتدماً، بما يكشف أبعاد ومعطيات تفضيل الإسرائيليين لسيناريو إشعال الصراع اليمني ـ اليمني. على النحو الذي يهدد أمن واستقرار السعودية ويدفع الرياض لجهة طلب المساعدات الأمريكية بما يفسح المجال للإسرائيليين لجهة الدخول والتغلغل أكثر فأكثر في السعودية ومناطق الجزيرة العربية.
أما بالنسبة للمحور السوري ـ اللبناني، فقد اكتفت التقارير والتحليلات الإسرائيلية بتغطية الأحداث وفقاً للنماذج المعروفة بـ(الدعاية السوداء) والتي تركز على حقن الأحداث بالمزيد من جرعات التضخيم. وفي هذا الخصوص فقد كشفت الحقائق عن المزيد من الدلائل على وجود عملية  مخابراتية سرية إسرائيلية سعت إلى استخدام بلدان الجوار السوري كمنصة انطلاق لجهة تقديم الدعم والإسناد اللازم لإنفاذ عملية نقل تأثير دومينو الثورات إلى العمق المجتمعي السوري. وبرغم جهود محور واشنطن ـ تل أبيب الكبيرة. فقد انكمشت وتراجعت عملية نقل تأثير الدومينو بشكل سريع. بما أدى إلى تفشي المزيد من "مشاعر الإحباط" في أوساط كبار المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين. والذين كان في مقدمتهم وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون، والتي سعت إلى المبادرة بالقول بأن واشنطن لا تنوي التدخل في سوريا على غرار ما تفعل حالياً في ليبيا. علماً بأن كل رموز الإدارة الأمريكية وحليفها الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي كانوا قد سارعوا في بداية الأحداث إلى إطلاق التصريحات التي تدعم التصعيد وعمليات التعبئة السلبية الفاعلة.

* خارطة طريق نظرية الأمن الإسرائيلي: الأداء السلوكي الانتقائي

برغم عدم وجود المزيد من الخلافات في المقاربات التحليلية السياسية الإسرائيلية، فمن الممكن، أن نستعرض الآتي:
•    مقاربة المحلل السياسي الإسرائيلي يوسي ألفر: سعى يوسي ألفر لطرح مقاربته من خلال عدة تحليلات ركزت على توضيح المخاطر مع ضرورة السعي لجهة القيام بافتتاح المجال من أجل توسيع أفق الحل السياسي. وذلك بما يتضمن أن تسعى تل أبيب لجهة إعادة بناء الثقة مع السلطة الفلسطينية وزعيمها محمود عباس عن طريق الحد من توسيع الاستيطان وما شابه ذلك بما يؤدي بدوره إلى إعادة الطرف الفلسطيني لطاولة المفاوضات من جهة ومن الجهة الأخرى يقضي على أي احتمالات لأي مصالحة وطنية فلسطينية تجمع حركة حماس وحركة فتح ضمن إطار سياسي وطني فلسطيني موحد.
•    مقاربة المحلل العسكري الجنرال ميشيل هيرتزوغ: سعى ميشيل هيرتزوغ لطرح مقاربته من خلال التركيز على ثلاثة معطيات، هي:
ـ نموذج الحالة المصرية باعتبارها تشكل مؤشراً قوياً لاحتمالات ثلاثة هي: تدهور أمن جنوب إسرائيل عبر شبه جزيرة سيناء ـ تدهور العلاقات التجارية المصرية الإسرائيلية ـ تدهور التنسيق الأمني والسياسي المصري الإسرائيلي.
•    معايرة السيناريو الإقليمي: وذلك على أساس اعتبارات ضرورة أن تسعى واشنطن إلى بذل كل الجهود الممكنة لجهة إدارة التغييرات الجارية بما يتيح احتواء مخاطرها بشكل مبكر. وذلك على أساس اعتبارات الفرضية القائلة بأن حسابات التكلفة والعائد تسير إلى أن المطلوب من واشنطن هو عدم التردد في تحمل التكاليف الحالية لتدخلها في المنطقة، وذلك لأن واشنطن إذا ترددت الآن فإنها سوف تواجه بتكاليف أكبر وأخطر في المراحل القادمة.
•    تخمين جدوى عملية سلام الشرق الأوسط، وذلك على أساس اعتبارات أن تسعى تل أبيب لجهة القيام بعملية تقييم شاملة لكافة الاحتمالات المتعلقة بعملية سلام الشرق الأوسط، بما يؤدي إلى التوصل لإجابة واضحة للسؤال القائل: ما هو الأكثر نفعاً لإسرائيل هل هو تقديم التنازلات لجهة إحياء المفاوضات. أم تصعيد سقف الاستهدافات لجهة إضعاف هذه المفاوضات. أم ترك الأمر معلقاً ضمن معطيات الوضع الراهن الحالي؟
هذا، وانتهت مقاربة الجنرال ميشيل هيرتزوغ بمطالبة تل أبيب بضرورة الاستمرار في متابعة التطورات الجارية إلى حين اكتمال المشهد ومعرفة الوضع الذي سوف تستقر عليه الأمور.. ثم العمل بعد ذلك على وجه السرعة لجهة صياغة بنود الاستراتيجية الإسرائيلية الشرق أوسطية الجديدة بما يعزز قدرة إسرائيل في استغلال الفرص ودرء المخاطر.
تشير معطيات متغير الإدراك السياسي الإسرائيلي ومتغير الأداء السلوكي الإسرائيلي إلى تركيز تل أبيب لجهة تفادي الدخول في أي مواجهات شاملة مرتفعة الشدة في المنطقة، وذلك لإدراك تل أبيب وواشنطن بأن أي عملية عسكرية إسرائيلية مرتفعة الشدة ضد قطاع غزة أو ضد جنوب لبنان سوف يترتب عليها المخاطر الآتية:
•    تصعيد الاحتجاجات السياسية الدائرة حالياً في المملكة الأردنية الهاشمية. بما يؤدي إلى احتمالات سقوط النظام الملكي. والقضاء على اتفاقية سلام وادي عربة الأردنية ـ الإسرائيلية.
•    اندلاع المظاهرات المصرية المعادية لإسرائيل، بما يؤدي إلى إضعاف نفوذ "المعتدلين المصريين". وصعود قوة نفوذ "المتطرفين المصريين".
•    تزايد نفوذ معسكر قوى 8 آذار بقيادة حزب الله اللبناني والتيار الوطني الحر وحلفائهم وإضعاف قدرات قوى 14 آذار. والتي أصبحت ضعيفة بالأساس.
وتأسيساً على ما سبق، فمن المتوقع أن تستمر تل أبيب في القيام بمراقبة التطورات الشرق أوسطية الجارية عن كثب، والسعي في نفس الوقت لإنفاذ المزيد من العمليات السرية في المنطقة المصحوب بالابتعاد عن إشعال المواجهات المرتفعة الشدة وذلك إلى حين اكتمال صورة المشهد.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...