دبلوماسية خط موسكو-بكين وإشكاليات الإدراك المتبادل تجاه واشنطن

28-09-2010

دبلوماسية خط موسكو-بكين وإشكاليات الإدراك المتبادل تجاه واشنطن

الجمل: تجري حالياً في العاصمة الصينية  بكين فعاليات زيارة الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف والذي سوف يعقد المزيد من التفاهمات مع نظيره الرئيس الصيني هو جنتاو إضافة إلى عدد من اللقاءات مع رموز القيادة الصينية: فما هي أهمية هذه الزيارة بالنسبة لعلاقات التعاون الروسي-الصيني في القضايا الثنائية الدولية والإقليمية وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بملفات منطقة الشرق الأوسط؟ وهل ستشهد الفترة المقبلة موقفاً صينياً-روسياً مشتركاً في الشأن الدولي والإقليمي؟ وإلى حد سوف يتأثر هذا الموقف بالتوجهات الإسرائيلية-الأمريكية؟
* جدول أعمال الرئيس الروسي ميدفيديف في الصين: توصيف المعلومات الجارية
تقول التقارير والتسريبات، بأن زيارة الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف إلى الصين سوف تشكل نتائجها نقطة تحول رئيسية إزاء الأداء السلوكي الدبلوماسي الصيني والروسي خلال الفترة المقبلة، وفي هذا الخصوص نشير إلى المعلومات المتعلقة بزيارة ميدفيديف على النحو الآتي:خارطة أنابيب الغاز المرتبطة بين الصين وتركمانستان عبر كازخستان
• فترة الزيارة: من يوم 26 إلى 28 أيلول (سبتمبر) 2010 الحالي.
• الفعاليات: سوف يعقد الرئيس ميدفيديف اجتماعاً هاماً مع الرئيس الصيني هو جنتاو إضافةً إلى العديد من اللقاءات مع كبار القادة والمسئولين الصينيين.
• الأجندة: سوف تركز لقاءات واجتماعات الرئيس ميدفيديف على التفاهم وبناء الفهم والمواقف المشتركة مع الصينيين إزاء: ملف العلاقات التجارية الصينية-الروسية، ملف الاستثمارات، ملف الطاقة، ملف المياه، ملف الهجرة وملف السياسة الخارجية.
هذا، وتقول التقارير بأن الرئيس الروسي ميدفيديف والرئيس الصيني هو جنتاو سوف يدشنان حفل قص شريط افتتاح مشروع الجزء الصيني من خط أنابيب نفط شرق سيبيريا-المحيط الهادئ (الباسفيك)، وهو الخط الناقل الذي سوف يبدأ من منطقة كوسوفورودينو الروسية ويمتد حتى يصل إلى منطقة داكينف الواقعة في مقاطعة هايلو نيفيجانيف الصينية.
* دبلوماسية خط موسكو - بكين: إشكاليات الإدراك المتبادل
تزايد خلال العشرين عاماً الماضية التي أعقبت انتهاء الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية علاقات التعاون الصيني-الروسي، ولكن برغم ذلك، فقد شهد هذا التعاون العديد من فترات الانقطاع والجمود البارد، وفي هذا الخصوص تميزت العلاقات الصينية-الروسية خلال الفترة الأخيرة بالآتي:
- تباين الاهتمامات، بحيث ظلت موسكو أكثر سعياً لجهة تعزيز روابطها مع القارة الأوروبية وبلدان الاتحاد الأوروبي، بما يتيح لموسكو فرض نفوذها بالكامل على إمدادات النفط والغاز القادمة للأسواق الأوروبية من العمق الروسي عبر شبكة من خطوط الأنابيب التي يتم إمدادها من شتى الاتجاهات.
أما بالنسبة لبكين، فقد ظلت أكثر سعياً لجهة تعزيز تفوقها التجاري والاقتصادي، بما أدى إلى صعود الصين كقوة اقتصادية قائدة في العالم، وما كان لافتاً للنظر نجاح الصين في فرض سيطرتها وتأثيرها العميق على العديد من الأسواق العالمية، وعلى وجه الخصوص الأسواق الأمريكية والأوروبية الغربية إضافةً إلى بلدان الخليج والسعودية.
- اعتماد الملفات الإقليمية المشتركة: ظلت موسكو وبكين تنظران بقلق واهتمام بالغ للتطورات الجارية في المناطق الآتية:
+ منطقة آسيا الوسطى: ركزت الجهود الصينية-الروسية المشتركة على ضرورة ضبط الأمن والاستقرار في منطقة آسيا الوسطى، وذلك لأن موقع دولها الخمس (كزاخستان، تركمانستان، أوزبكستان، طاجكستان، قيرغستان) يتيح لها أن تكون مصدراً للخطر والتهديد المباشر لأمن واستقرار منطقة غرب الصين غير المستقرة أصلاً (أزمة الإيغور في مقاطعة سيكيانغ) ومنطقة جنوب روسيا التي تمثل قلب الدولة الروسية الحيوي.
+ منطقة شمال غرب الباسيفيك: وتضم هذه المنطقة كل من اليابان وكوريا الجنوبية وكوريا الشمالية، وبسبب أزمة الملف النووي الكوري الشمالي فإن اندلاع أي مواجهة نووية أو حتى عسكرية تقليدية مرتفعة الشدة سوف يؤدي بالضرورة إلى إلحاق الخسائر الفادحة بمناطق شرق روسيا، وبمناطق شرق الصين التي تمثل قلب الدولة الصينية الحيوي.
* تفاهمات بكين-موسكو الجارية: ماذا تقول المعلومات
أشارت تحليلات بعض مراكز الدراسات الأمريكية الصادرة اليوم، بأن بكين وموسكو ظلتا تحاولان انتهاج إستراتيجية للتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية وفقاً للمبادئ الآتية:
- على الجانب الروسي ظلت موسكو تسعى إلى التعاون مع واشنطن في بعض الملفات والقضايا الإقليمية والتي كان من أبرزها: ملف ضبط التسلح النووي، ملف القوقاز الشمالي والجنوبي وملف دول البلطيق.
- على الجانب الصيني: ظلت بكين تسعى إلى التعاون التجاري والاقتصادي مع واشنطن.
أما بالنسبة لما هو غير معلن، فقد ظلت موسكو لا تلقي بالاً –على الأقل من الناحية الظاهرية- على ملف العلاقات الأمريكية-الصينية، وفي نفس الوقت ظلت بكين لا تلقي بالاً –على الأقل من الناحية الظاهرية- على ملف العلاقات الأمريكية-الروسية، وقد أدى هذا الأمر إلى إثارة انتباه واشنطن، والتي أدركت بوضوح الحقيقة القائلة بأن موسكو وبكين تسعيان إلى التعاون مع بعضهما البعض في كافة المسائل، ما عدا المسائل المتعلقة بالشأن الأمريكي، بحيث تدرك موسكو بأنه ليس من مصلحتها أن تكون هدفاً للنوايا الأمريكية، ونفس الشيء بالنسبة لبكين، والتي أدركت أنه ليس في مصلحتها أن تكون هدفاً للنوايا الأمريكية. وإزاء هذه النقطة بالذات أصبحت واشنطن أكثر قدرة على التقاط الإشارة القائلة بأن استهداف واشنطن لموسكو سوف يصب في مصلحة بكين، واستهداف واشنطن لبكين سوف يصب في مصلحة موسكو.
وتأسيساً على ذلك، أصبحت توجهات مجلس الأمن القومي الأمريكي تسعى لجهة التأكيد على ضرورة أن تنتهج إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي مبدأ المسار المزدوج: بحيث تضغط على موسكو عندما تحدث انفراجة مع بكين، وتضغط على بكين عندما تحدث انفراجه مع موسكو، وذلك لأن قيام واشنطن بالضغط على موسكو وبكين في وقت واحد، سوف لن يؤدي سوى إلى جمع موسكو وبكين ضمن حلف واحد معادي لأمريكا، وهو ما لا يصب في مصلحة الإستراتيجية الأمريكية في الوقت الحالي.
تقول التحليلات وبعض التسريبات بأن لقاء ميدفيديف-هو جنتاو الجاري حالياً في بكين، سوف يكون له قيمة مفصلية لجهة تفعيل علاقات أطراف مثلث بكين-موسكو-واشنطن، بما يمكن أن يمهد لصفقة ثلاثية دولية أمريكية-روسية-صينية على مستقبل الأوضاع الدولية والإقليمية، وفي هذا الخصوص نشير إلى النقاط الآتية:
• توجد حرب سياسية باردة داخل روسيا بين الرئيس الروسي ميدفيديف ورئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين. وفي هذا الخصوص تقول المعلومات بأن بوتين قد شدد قبضته على السياسة الداخلية الروسية في مواجهة ميدفيديف الذي شدد قبضته على السياسة الخارجية الروسية.
• سعت أطراف محور واشنطن-تل أبيب إلى دعم موقف ميدفيديف على حساب موقف بوتين، وفي هذا الخصوص ظلت واشنطن أكثر ضغطاً على حلفاءها الأوروبيين والغربيين والشرق أوسطيين لجهة التعاون مع تحركات ميدفيديف وإغلاق الباب أمام تحركات بوتين.
• أيد ميدفيديف تجاوباً كبيراً مع محور واشنطن-تل أبيب وكان آخر ما قام به هو إصدار القرار الروسي الرئاسي الخاص بالامتناع عن تزويد إيران بمنظومة الدفاع الجوي الصاروخي طراز إس-300 التي سبق أن تعاقدت روسيا مع إيران وقبضت ثمنها كاملاً.
وعلى هذه الخلفية، تقول المعلومات بأن ميدفيديف سوف يسعى للتفاهم مع القيادة الصينية حول عدة ملفات، والأكثر أهمية بين هذه الملفات هو ملف السياسة الخارجية، وفي هذا الخصوص تقول التسريبات ، بأن ميدفيديف سوف يسعى لحث بكين على ضرورة انتهاج موقف روسي-صيني مشترك لجهة فرض المزيد من الضغط على كوريا الشمالية وأيضاً على إيران، وإضافةً لذلك تقول التسريبات بأن تفاهمات ميدفيديف-هو جنتاو سوف تتطرق إلى منطقة الشرق الأوسط ومدى إمكانية اعتماد موقف مشترك لجهة تأييد ودعم جهود عملية السلام في الشرق الأوسط الجارية حالياً وفقاً للمنظور الأمريكي وأيضاً مع احتمالات التطرق لملف بناء منطقة شرق أوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل باستثناء إسرائيل، وبرغم عدم التطرق إلى العديد من الجوانب الأخرى، فمن المحتمل أن يسعى ميدفيديف إلى التطرق لملفات الشرق الأوسط الأخرى مثل إمدادات السلاح،  وملف الحكم في لبنان إضافة إلى تقسيم السودان وملف محكمة الجنايات الدولية ضد الرئيس السوداني عمر البشير، وبكلمات أخرى، يمكن تفسير تحركات الرئيس ميدفيديف الحالية بأنها تندرج ضمن مسار يؤدي إلى هدفين: أحدهما سياسي  خارجي يسعى لإدماج السياسة الخارجية الروسية ضمن السياسة الخارجية الأمريكية وصولاً إلى المسار الثاني وهو السياسي الداخلي، والذي يؤمن للرئيس ديمتري ميدفيديف الحصول على ولاية جديدة ثانية في منصب الرئيس الروسي!!

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...