إعادة قراءة التاريخ درامياً ..ما أشبه اليوم بالأمس

28-08-2010

إعادة قراءة التاريخ درامياً ..ما أشبه اليوم بالأمس

الجمل - ميساء آق بيق: تاريخ مليء بالمؤامرات والدسائس والقتل القائم على المصالح، ووسط كل ذلك تجد دائماً يهودياً..!
هذا الانطباع يتولد عند مشاهدة مسلسل سقوط الخلافة، عمل كتبه يسري الجندي وأخرجه محمد عزيزية وقام ببطولته في دور السلطان عبد الحميد الثاني النجم عباس النوري بمشاركة نخبة من الممثلين السوريين والمصريين.
المؤامرات تدور في الكواليس والأروقة بين الجميع، والمؤامرة تتطلب كي تنجح شخصاً من الداخل يساعد في تنفيذها وحبكها جيداً. هكذا سقطت الدولة الأموية ثم العباسية والأندلسية وغيرها، بالمؤامرات والدسائس مع جانب من الضعف والهوان. المناهج المدرسية مرت على الفترة العثمانية مرور الكرام، ما درسناه ونحن تلاميذ كان مختصراً مبهماً برؤية من جانب واحد، "العثمانيون أتراك جاءوا من أواسط آسيا واحتلونا أربعة قرون وزادوا في تخلفنا". المخرج باسل الخطيب
هكذا اختصرت المناهج أربعمئة عام، وأنهتها بإعدامات جمال باشا الملقب بالسفاح، ولأننا كنا في عمر المتلقي رسخ الكلام في أذهاننا، "العثمانيون كانوا سبب تخلفنا"، بعد أن كبرنا وأصبحنا قادرين على أن نرى ونسمع ونقرأ أكثر ونراقب، بالأخص من انخرط في الدراسات الأدبية والتاريخ ثم الصحافة، أصبح لسان حالنا يقول: ترى هل كنا متطورين عندما جاء العثمانيون ليحولوا تطورنا تخلفاً؟ ولقد أخرجت الثورة العربية في بديات القرن العشرين الأتراك بعد أن سيطر على حكمهم حزبا الاتحاد والترقي وتركيا الفتاة، وهذا كان منذ مئة عام، هل تطورنا؟ على حد علمي فإن أمتنا في أواخر العهد العباسي كانت ممزقة ومشتتة وغارقة في بحور من الظلام والجهل والبدع وفوق كل هذا لحقت بنا في إسبانيا شر هزيمة سكبت أنهاراً من الدماء في محاكم التفتيش، ومن نجا منها صار لاجئاً في المغرب، كان وضع الأمة الإسلامية أو العربية (سمّها ما شئت) يندى له الجبين، ومن يدري لو أن العثمانيين لم يدخلوا رافعين لواء الإسلام في وقت كانت الشعوب يحركها الدين هل كانت ستقوم لنا قائمة وسنبقى نحن من ذرية أولئك؟
أتوقع أن يقول قائل الآن أنني من أصول تركية ودفاعي عن الأتراك يأتي من هذا المنطلق، لكنني لم أعرف بلداً لي غير سورية، أما كلماتي فتأتي من تفكير عقلاني يترافق مع بعض الاطلاع.
مسلسل "سقوط الخلافة" ساعد في إنجازه التقارب التركي من المنطقة العربية في الوقت الراهن لكنه كان ضرورياً ليجلي الغبار ولو قليلاً عن تلك المرحلة، ساهمت في ذلك الوثائق التي أثبتت وقوف السلطان عبد الحميد المتين ضد محاولات هرتزل انتزاع وعد بأرض فلسطين، من هنا اكتملت خيوط المؤامرات بعد أن كانت قبلها تدق عنق السلطنة من جهة روسيا ومن جهة صربيا وفرنسا وبريطانيا لتكتمل بتولي يهود الدونمة الحكم مع إبقاء صورة شكلية للسلطان وباسمه بدأوا يعملوا فتكاً وتتريكاً في الأمة التي رفضت التخلي عن لغتها (كان العرب حينها غيورين على لغتهم وليسوا كما هم الآن) فقامت الثورة ودارت دورة الزمن بانتهاء الحرب العالمية الأولى. إنه ليس درساً في التاريخ، إنه لفتة شكر لمن عمل على إنجاز المسلسل، فلا سبيل هنا لإخفاء جهود المخرج الملحوظة في عمل فني جيد. ولا أدري إن كان جيداً أم محزناً أننا نعرف كيف تنتهي أعمال مثل "سقوط الخلافة" و"أنا القدس"، فالحقيقة دائماً هي الأكثر ألماً. وبمناسبة الحديث مجدداً عن "أنا القدس" لا بد من التوقف لحظة عند الأداء الجميل والتلقائي الذي برز فيه الفنان فاروق الفيشاوي، كانت مفاجأة رؤيته يتقن اللهجة ويرفقها بعفوية شديدة في تجسيد دوره في المسلسل.
الرأي والرأي الآخرالفنان عباس النوري
ينبري أحد المعلقين على هذه الزاوية منتقداً زميلة كتبت انطباعاتها عن بعض المسلسلات فيقول: بأي حق يتحول الجميع إلى نقاد ويحمّلون الأعمال الفنية أكثر ما تتحمل؟ وأنا أسأل: عندما يكتب شخص ما في السياسة ماذا يكون؟ وعندما يكتب آخر في الاقتصاد ماذا يكون؟ وعندما يكتب ثالث في الرياضة ماذا يكون؟ يكون كاتباً في المقام الأول، أنعم الله عليه بملكة الكتابة فتحولت الكلمات مطواعة لترجمة أفكاره. إن عدم قدرة البعض على نقل ما يدور في رؤوسهم إلى مقالات لا تخوّلهم الحق في الحجر على آراء الآخرين، ألم يأن الأوان كي ننفتح على بعضنا البعض ونتقبل الاختلاف في الرؤى ووجهات النظر؟ يعز عليّ أن يتهمني شخص من أبناء بلدي بأني لا أنتمي حقاً إلى الوطن لمجرد أني عبّرت عن وجهة نظري في أعمال درامية، المساحات الصحفية تتسع للجميع، والبيّنة على من ادّعى.
من هنا أنطلق في وصف عمل احتوى كل مصائب الدنيا ومشاكل الحياة والعيوب الاجتماعية والأخلاقية والنفسية والفكرية، حمل اسم "ما ملكت أيمانكم"، الفتيات جميعهن فقدن عذريتهن ومنهن الحامل سفاحاً، والرجال يتخذون كل الوسائل الخادعة لنيل مرادهم، والمال موظف في خدمة الانحلال، ومن كان خاطباً أو مخطوبة على علاقة بشخص آخر غير خطيبته أو خطيبها، والمتزوج يعاني من عدم القدرة على التعايش مع الواقع، وأستاذ المدرسة ببساطة بعد زمن قضاه مدرساً يُتهم بالتحرش الجنسي ويُفصل من عمله، والناس تحولوا إلى وحوش! ربما يكون الشخص المتوازن الوحيد في المسلسل هو زوج ليلى، شخص واحد ضمن مجموعة كاملة تائهة في بحر متلاطم الأمواج من الأمراض النفسية والعصبية والاجتماعية، إنه وصفة طبية كاملة للتسبب في الكآبة أكثر من ذلك المليء بالدموع والذي يُسمى وراء الشمس.
أكثر المسلسلات واقعية
المسلسل الواقعي الوحيد بامتياز الذي عُرض على جميع الشاشات الفضائية في شهر رمضان المبارك ليس عملاً كوميدياً أو اجتماعياً أو تاريخياً بل هو إنساني، إنه مسلسل معاناة أهل باكستان من تبعات الفيضانات الجارفة التي أودت بحياة المئات وتأثر بنتائجها الكارثية الملايين ومحت آلاف القرى والمنازل من على وجه الأرض. هل تابع أحد هذا المسلسل؟ كم شخصاً اقتطع من وقته دقائق ليتأمل كيف يمكن أن يتحول مصير الإنسان في ليلة ليلاء إلى دمار وتشرد وعذاب ومعاناة، كم شخصاً كلّف نفسه عناء التوجه إلى أحد صناديق التبرع للمساهمة ولو بجزء يسير من مدخوله لمساعدة هؤلاء المنكوبين؟ صحيح أن بعض الحكومات أرسلت مساعدات إلى الباكستانيين لا أعلم كم وصل منها فعلاً للمنكوبين، لكن ذلك لا يكفي لهذا العدد الهائل من المتضررين. ما ذنب هؤلاء أنهم ابتلوا بأشخاص أكثر فساداً من الموجودين بين ظهرانينا؟ ما ذنبهم أنهم ابتلوا بفقر مدقع بث الجهل فيهم حتى بات من السهل تسييرهم نحو حركات متشددة؟ ما ذنبهم أن الدول الكبرى القريبة والبعيدة تتقاطع مصالحها في بلادهم مع مصالح الفاسدين منهم؟ أليس هذا المسلسل هو الأكثر واقعية بالنسبة لنا والأكثر قرباً لظروفنا التي نعيشها؟

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...