(ملف) مصير حزب العدالة والتنمية ومستقبل العلاقات التركية السورية (2)

14-05-2008

(ملف) مصير حزب العدالة والتنمية ومستقبل العلاقات التركية السورية (2)

الجمل: تتشكل شبكة العلاقات في النظام الدولي وأنظمته الفرعية الإقليمية ودون الإقليمية على أساس توازنات المصالح بحيث تكون العلاقات بين الكيانات السياسية إما علاقات تعاون تقوم على تكامل المصالح أو علاقات صراع تقوم على تضارب المصالح، وبإسقاط هذه القاعدة على حالة علاقات سوريا -تركيا تبرز الكثير من التساؤلات المتعلقة بماضي وواقع ومستقبل العلاقات السورية – التركية على خط دمشق – أنقرة.
* المحددات الجيوبوليتيكية:
تجاور تركيا بلدين عربيين هما سوريا والعراق واستناداً إلى معطيات الخلفية التاريخية طوال الفترة الممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن نقول:
• لا يوجد أي بلد عربي في المنطقة تربطه علاقات بتركيا مثلما هو الحال في واقع علاقات سوريا – تركيا.
• تتميز العلاقات السورية – التركية بخلفيتها التاريخية والاجتماعية والثقافية والدينية العميقة.
• الجغرافيا السورية – التركية المشتركة أدت إلى تداخل البيئة الطبيعية على طول خط الحدود السورية – التركية.
إضافةً لذلك نشير إلى دور سوريا كممر جيو- سياسي للمصالح التركية باتجاه مناطق الشرق الأوسط بما في ذلك العراق الذي يرتبط بحدود سياسية مع تركيا.
* الإدراك المتبادل على خط دمشق – أنقرة ما قبل صعود حزب العدالة والتنمية:
تحليل سياقات خطاب السياسة الخارجية السورية إزاء تركيا يشير ويؤكد على أن أنقرة تنظر لسوريا باعتبارها بلد شرق أوسطي مجاور ترتبط بالكثير من المصالح معه إضافةً إلى التداخلات الدينية والإثنو-ثقافية والاجتماعية والتاريخية التي تعود إلى المراحل التاريخية المبكرة من فجر الحضارة الإنسانية، وبالمقابل فقد تميز إدراك أنقرة وخطاب سياستها الخارجية إزاء سوريا بالكثير من التحولات والمنعطفات الحرجة والسبب في ذلك كما هو مفهوم لا يعود إلى الوضع الداخلي التركي وإنما إلى ارتباطات أنقرة الخارجية وتحديداً تحالفها مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والتفاهمات التي ظلت تجري على خط أنقرة – واشنطن – تل أبيب.
بكلمات أخرى، فقد ظلت دمشق لا تطلب من أنقرة شيئاً سوى التعاون في مجال العلاقات الثنائية وحل مشكلة المنطقة أما أنقرة فقد ظلت في مراحل ما قبل صعود حزب العدالة والتنمية تستخدم العلاقات السورية – التركية كورقة للاستثمار في علاقاتها مع واشنطن وتل أبيب.
* الإدراك المتبادل على خط أنقرة – دمشق: بعد صعود حزب العدالة والتنمية:
كان واضحاً أن عملية صنع واتخاذ قرار السياسة الخارجية التركية إزاء سوريا في مرحلة ما قبل صعود حزب العدالة والتنمية هي عملية ترتبط بمصالح الأطراف الخارجية، وبارتباطات تركيا مع أمريكا وإسرائيل وليس بالمصالح التركية. ولكن، بعد صعود حزب العدالة والتنمية حدث تحول محوري في عملية صنع واتخاذ القرار في السياسة الخارجية التركية ويمكن الإشارة إلى المؤشرات الجديدة التي برزت على خط أنقرة – دمشق:
• مؤشر المبادلات: شهدت تدفقات السلع والخدمات بين الاقتصادين السوري والتركي استقراراً غير مسبوقا.
• مؤشر الزيارات: حدثت الكثير من الزيارات المتبادلة بين الطرفين بما في ذلك مستوى القيادات العليا.
• مؤشر التصريحات: اختفت التصريحات العدائية وحالات التجاهل وعدم الاهتمام، وبدلاً عن ذلك أصبحت التصريحات المتبادلة تركز على الاهتمامات المتبادلة وتركز على الاهتمامات المشتركة وتحمل شحنة إيجابية أكثر تفاؤلاً بمستقبل العلاقات الثنائية,
• احتواء الخلافات: تتفهم دمشق روابط أنقرة وعلاقاتها مع واشنطن وتل أبيب، وفي نفس الوقت بدأت أنقرة تتفهم مشروعية موقف دمشق القائم على التمسك بحقوقها العادلة والمشروعة.
أدت المؤشرات الإيجابية المشار إليها إلى تزايد مصداقية العلاقات والروابط على خط أنقرة – دمشق، الأمر الذي أقنع دمشق بأن تسمح لأنقرة بالقيام بدور القناة الخلفية للتفاهم ونقل الرسائل التي تطالب إسرائيل بالامتثال للشرعية الدولية وإعادة الحقوق لأصحابها، واستعداد دمشق الكامل لمواجهة كافة الاحتمالات والخيارات لنيل حقوقها.
* العلاقات السورية – التركية: إلى أين؟
من الواضح أن موقف دمشق القاضي بالتعاون وتعزيز العلاقة على خط أنقرة – دمشق، هو موقف ثابت لا يتغير طوال ما كانت أنقرة ملتزمة باحترام المصالح السورية – التركية، وحالياً، وعلى خلفية احتمالات صدور قرار المحكمة العليا الدستورية التركية بحل حزب العدالة والتنمية وحظر زعماءه من العمل السياسي، يمكن القول بأن العلاقات السورية – التركية أصبحت في مواجهة السيناريوهات التالية:
• أفضل سيناريو: أن يصدر قرار المحكمة الدستورية العليا التركية ببراءة حزب العدالة والتنمية وقياداته.
• سيناريو الوسط: أن يصدر قرار المحكمة الدستورية العليا بإغلاق حزب العدالة والتنمية وحظر قياداته ولكن تصعد بديلاً عنه قوى جديدة تقبل بالاستمرار في نفس التوجهات السياسية الخارجية التركية التي كان ينتهجها حزب العدالة والتنمية وعلى الأقل إزاء سوريا. أو أن يصدر قرار ببراءة حزب العدالة والتنمية في نفس الوقت الذي يصدر فيه قرار بحظر قياداته بما يترتب عليه صعود عناصر قيادية أخرى تنتهج موقفاً متردداً إزاء ملفات العلاقات السورية – التركية.
• أسوأ سيناريو: أن يصدر قرار المحكمة الدستورية العليا بإغلاق حزب العدالة والتنمية وحظر قياداته ثم تصعد إلى السلطة القوى السياسية التركية الوثيقة الصلة بمحور تل أبيب – واشنطن، على النحو الذي يترتب عليه حدوث تغييرات محورية في علاقات دمشق – أنقرة ويجعلها تأخذ شكل الصراع بدل التعاون.
* الآفاق المستقبلية على خط أنقرة – دمشق:
برغم تعدد السيناريوهات المحتملة لما يمكن أن تشهده العلاقات السوية – التركية، فإن المتغير الأكثر تأثيراً يبقى هو "متغير أنقرة" وهذا المتغير له مفاعيله التي ترتبط بالأوضاع الدستورية والقانونية وغيرها من مكونات البيئة السياسية التركية الداخلية والخارجية، أم بالنسبة لـ"متغير دمشق" فإنه سيظل ثابتاً إزاء موقفه الجديد القائم على الإبقاء على خيار الانفتاح بشتى الوسائل على تركيا.
الانفتاح الذي تشهده العلاقات السورية – التركية في الوقت الحالي، شمل العديد من المجالات الحيوية ولم ينحصر فقط في المجال السياسي وحالياً نلاحظ ما يلي:
• الانفتاح الثقافي: أتاحت دمشق لأنقرة فرصة الإطلال ثقافياً على العالم العربي وحالياً نشهد حركة ثقافية تركية نشطة، من خلال الأفلام والمسلسلات التركية التي تقوم دمشق بعمليات دوبلاجها بما يساعد على بثها إعلامياً، بشكل أتاح لأنقرة فرصة غير مسبوقة لجهة التواصل الثقافي مع العالم العربي.
• الانفتاح التجاري: سوريا هي الممر الحيوي لحركة ترانزيت نقل السلع والخدمات التركية إلى العالم العربي. بكلمات أخرى، تشق السلع والخدمات التركية طريقها عبر الأراضي السورية إلى بلدان الخليج والأردن ولبنان والعراق . وقد ظهر المردود الإيجابي لذلك في أرقام ميزان المدفوعات والميزان التجاري التركي.
• الانفتاح السياسي: انتهاج أنقرة لخيار التعاون مع سوريا من أجل إعادة الاستقرار للشرق الأوسط أدى بدوره إلى الإسهام في فتح الكثير من الأبواب والنوافذ العربية الأخرى التي كانت مغلقة أمام أنقرة، ولكي تكتسب مصداقية أنقرة زخماً أكبر في الشارع العربي، فإن استمرارها في التعاون الإيجابي مع سوريا سيتيح لها المزيد من القدرة في إعادة إدماج نفسها ضمن البيئة الشرق أوسطية التي ظلت أنقرة بمنأى عنها طوال فترة نصف القرن الماضي، وهو أمر ترتب عليه إدراك شعوب المنطقة لتركيا باعتبارها بلداً واقعاً تحت السيطرة الأمريكية والنفوذ الإسرائيلي.
التعاون على خط دمشق - أنقرة في حالة تغلب أنقرة على مصاعبها الخارجية هو تعاون يمكن أن يترتب عليه حل الكثير من الخلافات والمشاكل القائمة بين البلدين ومن أبرزها:
• مشكلة توزيع مياه نهر الفرات.
• مشكلة عدم استقرار جنوب شرق تركيا.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن الأطراف الخارجية وبالذات محور واشنطن – تل أبيب قد ظلت خلال فترة ما قبل صعود حزب العدالة والتنمية تدفع أنقرة باتجاه توظيف هذه الملفات واستخدامها كمبررات لتوتير العلاقات السورية – التركية، ورغم ذلك، فإن التعاون الذي بدأ خلال الأعوام الثلاثة الماضية، استطاع أن يضع الشكل الأساسي والثابت الذي يخلق شعوراً دائماً في أنقرة بمدى أهمية "العامل السوري" وتأثيره الفاعل على مستقبل علاقات أنقرة وحضورها الشرق أوسطي. وحتى في حالة صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة فإنه سيكون من الصعب علي القادمين الجدد في انقرة التخلي عن خيار التعاون مع سوريا والبحث عن اعتبارات أخرى سيترتب عليها بالتأكيد إضعاف مكانة ودور أنقرة الإقليمي والدولي.

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...