نصير شمة: أدعو السياسيين لسماع الموسيقا

24-03-2009

نصير شمة: أدعو السياسيين لسماع الموسيقا

لابد ان يشعر المرء بالخجل بدرجات مختلفة وهو يستمع له متحدثاً عن العمل الخيري. لا يحتاج نصير شمة سوى إلى قوت يومه ليكون سعيدا، وباقي ما يجنيه من ريع لحفلاته ومن التبرعات التي يتولى جمعها تذهب للمحتاجين في العراق وفلسطين. أشهر عازف للعود في العالم ابتكر طريقة للعزف بيد واحدة، واضاف وتراً ثامناً للعود استنادا لمخطوطة عثر عليها في إحدى المكتبات في إيرلندا وتعود للفيلسوف والموسوعة المسلم أبي نصر “الفارابي”.

يأتي الوتر الثامن بعد الوتر السابع الذي أضافه الموسيقي الفلسطيني روحي الخماش، وذلك بعد الوتر السادس الذي أضافه الموسيقار الراحل فريد الأطرش إلى العود. وكان زرياب في العصر العباسي قد أضاف إلى العود الوتر الخامس.

في هذا الحوار الذي أجريناه معه، تحدث نصير شمة بتفصيل عن نشاطه التطوعي الخيري وشجون بلده المحتل، وسبب رفضه العزف في امريكا والعراق. ودعا السياسيين أيضا في العراق والعالم للاستماع للموسيقا ليتخلصوا من الجفاف الروحي الذي يعانون، ويشف حديثه عن مدى وحدة الابداع والبعد الانساني.

* حبذا لو نبدأ بلمحة عن العمل الخيري الذي تقوم به ويأخذ معظم وقتك؟

- أنا مؤمن بأن الموهبة عطاء إلهي للشخص، ولا يمنحها حتى يقوم صاحب الموهبة بتكوين ثروته الخاصة، بل هو تكليف دنيوي بأن يجعل من علاقة المجتمع بمحيطه أفضل وأن يجعل علاقة الانسان بالخالق أفضل عبر الجمال الذي هو احد صفات الله، وهذا هو المطلوب من الفنان. ومن يسمع يمكن ان يقول أني أبالغ عندما أقول أني سلكت خط العمل الخيري منذ سن السادسة.

* هناك أطفال يعالجون من السرطان في العراق على حسابك وقسم منهم عاد إلى التعليم أيضاً فماذا عن مشروعك هذا؟

- أنا لا أحب التحدث عن نفسي في هذا الأمر.

* إذاً لنتحدث بتفصيل أكثر؟

- عملت منذ بداية الانتفاضة الأولى في الثمانينات، كنت حينها في عمّان وكان كل عملي يذهب لصالح الانتفاضة الأولى ثم الانتفاضة الثانية، وبعد أزمة الحروب في العراق وخاصة بعد الاحتلال الأمريكي كان لا بد من موقف جديد مني، وبدأ بمعالجة أطفال العراق بالتعاون من اليسار الايطالي والاسباني ومع تونس والمغرب والأردن ودول كثيرة، والآن بعد ان جاء الاحتلال لم يعد الأمر مقتصرا على الأطفال بإجهازه على الأرامل والأيتام، ولدينا الآن مليونا أرملة في العراق وكل هؤلاء بحاجة لمساعدات حقيقية.

* أي أنهم يحتاجون إلى غير الغناء من أجلهم؟

- الغناء مهم لكنه لا يجب ان تكون المساعدة الأساسية على شكل الغناء، الذين يعانون في العراق بحاجة إلى مال وإلى رعاية صحية وتعليمية، قمت بتدبير مصاريف الدراسة لآلاف الطلبة العراقيين في مصر، لكن المبلغ لم يكف سوى الفصل الدراسي الأول بعد ان نفد منا المال سواء الشخصي أم الذي جمعناه من التبرعات وبعد الأزمة الاقتصادية توقفنا، الآن لدي ملفات للمدارس والكليات الجامعية وفيها أرقام حسابات هذه المؤسسات التعليمية، اعداد المحتاجين بالآلاف وخلال سنة واحدة فقط اعدنا 1600 طالب إلى المدارس بتكلفة مليوني دولار، هذا المبلغ على الموسيقي وليس المطرب كبير جدا.

* كيف تضمن استمراريتك في هذا العمل في غمرة الظروف السيئة؟

- أستعين بأصدقائي، وريع حفلاتي كلها، وهناك سيدة إماراتية قدمت نصف مبلغ الفصل الدراسي الأول من دون ان تذكر اسمها، وهناك أصدقاء من مصر والعراق وغيرها من الدول يساعدونني لكن لدي شفافية في التعامل، من يحب ان يساعد اعطيه رقم حساب المؤسسة التي ستذهب الأموال إليها وأرفض ان يرسل أحد إلي بأي شيء لأن التعامل والتبرع يجب ان يكون مباشراً من دون وسائط.

* يبدو أنك لا تحتاج في حياتك سوى إلى قوت يومك؟

- هذا موجود والحمد لله، وقد أحضرنا إلى أبوظبي 62 طفلاً من العراق تكفل بهم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، وتكفل ملك البحرين بعلاج 52 طفلاً من خلالي.

ومنذ أيام خرجت طائرة من بغداد فيها 52 شخصاً ضمن الطريق الذي عملته وأسميته “طريق الزهور” لمعالجة اطفال العراق في الخارج، وسيخرج وفد آخر إلى مدينة “بانغلور” الهندية لتلقي العلاج، ويساعدني في هذه المهمة الشيخ صالح كامل وهناك 15 طفلا تبنى رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس علاجهم، تكاليف التأشيرات وتذاكر الطائرة تقع على عاتقي مع أصدقائي اما العلاج فيساعدني فيه كما ذكرت اشخاص آخرون.

* هذا العمل يحتاج إلى فريق كبير من العراق ليساعدك على الأقل في الاجراءات الادارية؟

- بالتأكيد، كل من يساعدني في العراق هم من المتبرعين بوقتهم مجاناً، وهؤلاء غامروا بحياتهم لأننا نتحدث في العراق عن ظروف يمكن لكل من يخرج إلى الشارع ان يفقد حياته نتيجة سوء الظروف الأمنية التي خلقها الاحتلال.

* متى يمكن ان تعزف في العراق وفي أمريكا؟

- عزفت في أمريكا قبل احتلالهم لبلدي، لكن منذ الاحتلال رفضت 23 دعوة آخرها الفعالية المقامة حاليا في “كندي سنتر”، اعتذرت عن عدم المشاركة وكان اعتذاري يحمل سببا، حيث كتبت فيها “إلى ان يخرج الاحتلال الأمريكي وتتوقف كل أشكال الاحتلال وتبعاتها... بعدها يمكن لي العزف في أمريكا”. والأمر نفسه بالنسبة لزيارة العراق، عندما يعود العراق إلى شعبه وليس إلى الذين جاؤوا بأجندات امريكية.

* لا تناقش الموسيقا بعزلة عن هذا العالم المحيط، كل شيء موجود فيها من أدب وفن وسياسة، هل الموسيقا لديك هي نتاج لعناصر المعرفة مجتمعة؟

- المعرفة العامة بالنسبة لي هي نتاج الموسيقا وليس العكس، وبالتالي تجد مثلا أن كل أوروبا تغيرت لكن العمارة الاسلامية فيها من عصر الأندلس لم تتغير لأنها انتجت فكراً.

* ألا تعتقد أن مشكلة السياسيين في بلد مثل العراق وخلافهم الدامي ربما يعود إلى عدم استماعهم للموسيقا وبالتالي لم يكتشفوا الانسان كوحدة وجودية؟

- أدعوهم فعلا ليسمعوا الموسيقا، هؤلاء نشأوا في ظروف قاسية نتيجة الحروب والتدخلات الخارجية، فهو جيل حرم من التعليم الحقيقي، ولن تزدهر الثقافة في بلد غير مستقر، السياسيون في معظم البلدان ثقفوا أنفسهم في جوانب اخرى غير الموسيقا، بل إن الموسيقا كانت تدعو للانتقاص في المجتمع في أوقات سابقة وغالبية الآباء يريدون أن يصبح أبناؤهم إما أطباء وإما مهندسين، الآن بدأت تتغير هذه الثقافة وبدأت الموسيقا تدخل في نتاج التكوين المعرفي للانسان.

السياسيون الذين يتسببون في الحروب مستقبلا ربما إذا أتيحت لهم الفرصة لفهم الموسيقا والفن التشكيلي وما هو التجريدي والتعبيري منها، آنذاك ستقل الحروب في كل العالم. الجفاف الروحي هو الذي خلق جفافاً سياسياً واقتصادياً وثقافياً.

* ما الفرق بين الموسيقي والسياسي؟

- انت لن تعرف الاجندة الحقيقية للسياسيين، بينما الموسيقي يريد تأسيس الجمال والسعادة في النفوس. وكما قلت يمكن الاستدلال على صحة هذا الكلام من خلال المقارنة مثلا بين الفن الكردي وفولكلوره الغني وبين التيارات السياسية، سنجد ان الفن يدخل إلى القلوب من دون حواجز وموانع على عكس السياسة، وبالتالي الفن هو الذي يستطيع إيصال رسالة الشعوب الحقيقية.

* “بمجرد أن رأيت آلة العود عرفت قدري”، ماذا لو أن هذه اللحظة أفلتت منك وقتها؟

- أعتقد كنت سأصبح شاعراً أو رساماً.

 بالنسبة لتجربتك مع لطيفة التونسية، حيث لحنت لها عدة اغنيات ستقدم للمرة الاولى في مهرجان ابوظبي السادس للموسيقا والفنون، قبلك تعاونت لطيفة مع زياد الرحباني، ماذا تملك لطيفة حتى يتعاون معها أهم الموسيقيين والملحنين؟

- لطيفة تبحث عن تجديد وعن تغيير وعن أفكار، وهي تلجأ إلى الموسيقيين الناجحين وهذا يحسب لها، ولطيفة لها مواقف وطنية مشرفة جداً وساندتني في حملة مساعدة العراق من دون مقابل ومن دون شرط وأصبحت جندي إغاثة إلى جانبي، فأحببت أن أرد لها هذا الموقف بمواقف، وهي فنانة لها تاريخها وجمهورها العريض أيضا.

* لم يسألك أحد عن وضعك العائلي في الحوارات التي أجروها معك؟

- (يبتسم) أنا متزوج من شاعرة مهمة اسمها لينا طيبي ولدي بنت اسمها ليل نصير شمة، وهي أجمل قطعة موسيقية لي ولزوجتي.

* لو أردت إشعال شمعة في الظلام، أي مكان ستختار؟

 سبق ان عزفت للسلام في السودان بعد الاتفاق بين الشمال والجنوب، هل ستعزف شيئا لدارفور أيضا؟

- كل ركن مظلم في الوطن العربي بحاجة لمركز إشعاع موسيقي وثقافي

* ماذا تقول في مناسبة عيد الأم؟

- إذا تكلمت عن الأم العراقية أقول: عظم الله أجرك وصبرك على فقدك أولادك وزوجك وإخوانك. وكما جاء في الحديث الشريف: “الجنة تحت أقدام الأمهات”.

* وجدنا العراق موحدا في مقطوعة موسيقية لديك، هل تعطينا فكرة عنها؟

- نعم، هي في الاصدار الأخير لأعمالي وهي مقطوعة بعنوان العراق على مقام واحد، قدمت فيها كل الألوان الموسيقية الموجودة في العراق من عربية وكردية وتركمانية وآشورية وكل الثقافات التي تعيش في العراق. صدقوني العراق لا يحتاج إلى توحيد، لأنه موحد، وفي الفريق الذي يعاونني عراقيون لا أعرف عن طوائفهم شيئاً ولا يهمني أن أعرف طالما يعملون لخدمة العراق.
 
حوار: حسين الجمو 

المصدر: الخليج

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...