مفاتيح الكرملين موجودة في دمشق

02-05-2013

مفاتيح الكرملين موجودة في دمشق


لا يمكن اختصار مصالح روسيا في سوريا في قاعدة بحرية أو الشراكة العسكرية أو الشراكة في استثمارات النفط والغاز الخ. القصّة مختلفة نوعيا: روسيا عزمت على استعادة موقعها ونفوذها الدوليين بالكامل. وهو طموحٌ يوازي تاريخ الروس وانجازاتهم وقدراتهم العسكرية وصعودهم الاقتصادي، لكنه، أيضا، يشكل استراتيجية دفاعية عن الاتحاد الروسي. ومن هنا تكمن صلابة ذلك الطموح الهجومي من حيث أنه، في الوقت نفسه، خطة دفاعية، فالتراجع الآن، سنتمترا واحدا، سوف يهزّ كل البناء الامبراطوري الذي يشيّده القيصر الحديث، فلاديمير بوتين، وسوف ينتقل الإرهابيون من أصقاع العالم الإسلامي، من ريف دمشق إلى ريف موسكو!

في أواخر المرحلة السوفياتية، ساد اعتقاد، لدى النخبة الروسية، أن روسيا مصغّرة بلا أعباء الدور الامبراطوري والعالمي، سوف تصبح شيئا ظريفا كفرنسا، فإذا بها تتحوّل بلدا منهارا ، يعجز عن دفع الرواتب ويذله الغرب وينهشه الإرهاب. هذا كله أصبح من الماضي؛ لقد اكتشفت روسيا أن دورها الامبراطوري ـ العالمي شرطٌ لازدهارها القومي. ومثلما لم يشهد تاريخ البشرية مشروعا تنمويا تحديثيا كالذي عرفته روسيا في عهد جوزيف ستالين، لا توجد مقارنة تاريخية ممكنة مع نجاح مشروع النهوض القومي في أقل من 13 عاما من حكم بوتين.

في العام 1999، كان أغلب الروس مدمنين تائهين يائسين أنصاف جوعى. و في العام 2013، تقول الإحصائيات الغربية، أن 77 بالمائة من الروس ” سعداء”. مَن قال إن السعادة هي، فقط، وظائف وسكن وتأمينات اجتماعية الخ؟ إنها، قبل ذلك وبعده، الشعور الجمعي بالثقة بالوطن ومكانته وامكاناته، والشعور الفردي بأن أبواب المستقبل الشخصي مفتوحة؛ فلعيون مَن سوف تفكر روسيا بالانتحار؟

روسيا الامبراطورية لن تتراجع عن دورها العالمي. وفي قلب هذا الدور، تقع سوريا، الحليف القديم الثابت، رابطة العقد في المحور الدولي ـ الإقليمي الممتدّ من بكين إلى موسكو إلى طهران إلى بغداد إلى دمشق إلى جنوب لبنان، حيث القوة الأسطورية لحزب الله الذي تكرّس اليوم حليفا للقيصرية بعد ” اللقاء الحميم حتى الفجر”، بين أمين عام الحزب، حسن نصرالله، وممثل القيصر، ميخائيل بوغدانوف.

بعد اللقاء، خرج نصرالله، ليقول كلمة الفصل ـ عن معطيات لا عن تحليل ـ “للنظام السوري أصدقاء لن يسمحوا بسقوطه. فكروا جيدا وتعالوا إلى الحل السياسي”.

إذا فرطت سوريا، سوف يفرط العقد كله، وتنكفئ القيصرية. سوريا رابطة العقد، ورئيسها بشار الأسد هو الحليف الأكثر قربا للروس من بين حلفاء المحور الجديد، ليس فقط لأنه سليل تقاليد وثقافة الصداقة الروسية ـ السورية، بل ، أيضا، لأنه الأقدر على إدارة تناقضات ذلك المحور في شقه الإيراني ـ العربي.

يترك بوتين لوزير خارجيته الاستثنائي، سيرغي لافروف، أن يدير المعركة الدبلوماسية، لكنه، مع جنرالاته، مستعد لكل الاحتمالات، كأنه يسترجع قولة الامبراطورة الروسية كاترين العظيمة” مفاتيح الكرملين موجودة في دمشق”!

الخيار العسكري مغلق: الجيش السوري يسيطر، روسيا في مواجهة أميركا، وإيران في مواجهة الخليج، وحزب الله في مواجهة إسرائيل؛ فماذا بعد؟ كفى أوهاما!

النهضة القومية الروسية الحالية مرتبطة بالكنيسة الأرثوذكسية. وتقع هذه الكنيسة في قلب القرار الاستراتيجي الروسي. وسوريا، بالنسبة للقوميين الروس، ليست مجرد حليف اقتصادي سياسي استراتيجي، كالصين أو إيران، إنها الحليف الروحي والثقافي، عاصمة الأرثوذكسية والمسيحية المشرقية، ومن دونها، من دون نظام قومي علماني فيها، لا توجد ضمانة للمسيحيين في المشرق كله. ومن دون هؤلاء، لن يحظى الروس بقاعدة اجتماعية ثقافية في هذا المشرق.

باستثناء قضاء الله الماشي على البشر الفانين، فإن على الجميع أن يتعامل مع هذه الحقيقة: الرئيس الأسد باق، لا حل إلا به ومعه.

ناهض حتر:العرب اليوم

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...