عقم ظاهرة الاستنساخ الحضاري: العرب والدخول إلى الحضارة من باب الخروج

23-03-2014

عقم ظاهرة الاستنساخ الحضاري: العرب والدخول إلى الحضارة من باب الخروج

منذ أن انهارت الحضارة العربية والإسلامية، والعرب والمسلمون منشغلون بدراسة أسباب انهيار حضارتهم، والأسباب التي من الممكن أن تمكنهم من النهوض مجدداً. غير أنّ تلك المحاولات وقعت في أحد مأزقين: الأول الاستلاب الثقافي والحضاري تجاه الغرب والحضارة الغربية. الثاني الاستلاب تجاه الأسلاف، أو النكوص نحو الماضي الزاهر للحضارة العربية الإسلامية. والاستلاب حالة غير واعية، تجعل المستلب كالذي يعاني مرضاً نفسياً، يمكننا تشخيصه بالمازوشية الثقافية أو الحضارية؛ حيث يتلذذ المصاب بالمرض بالانسحاق أمام النموذج الذي يعلي من شأنه: الحضارة الغربية في الحالة الأولى. والحضارة العربية والإسلامية في القرون التي تلي القرن الأول للهجرة في الحالة الثانية. وفي الحالتين يحاول الذين ينشدون الولوج إلى الحضارة، والأخذ بأسباب النهوض، الدخول إلى الحضارة من باب الخروج. وتصوروا معي محاولة أحدهم الدخول إلى معرض القاهرة الدولي للكتاب، أو إلى جامع الأزبكية عقب نهاية صلاة الجمعة من باب الخروج، لا شك أنّه ما أن يخطوا خطوة واحدة إلى الداخل، حتى يردهم الخارجون خطوات إلى الخارج.

  وهذا هو تماماً ما يحدث للتيارين الرئيسيين في دنيا العرب والمسلمين: الإسلام السياسي، والليبراليين العلمانيين. ويتمثل مازق الطرفين في النظر إلى الذات بعيون الأخرين؛ حيث ينظر الإسلاميون إلى مشكلاتنا بعيون أسلافهم في القرون الأولى للهجرة، من القرن الثاني إلى القرن الثامن الهجري. فهم أشبه ما يكونون بممثل يتقمص شخصية تاريخية إسلامية، انتقل لتوه من خشبة المسرح إلى حيث الجمهور، محطماً ما يسميه المسرحيون “الحائط الرابع”، ليجادلهم حول مشكلات العصر، بما يحمل من مفاهيم سائدة في عصر الشخصية التي يتقمصها. وهو ما يجعل السلفيين الإسلاميين يصدرون أحكامهم القيمية على ما يجري في دنيا العرب والمسلمين سلباً أو إيجاباً، بقدر ما يقترب أو يبتعد عن النموذج الحضاري الأموي أو العباسي أو الفاطمي. بينما ينظر الليبراليون العلمانيون إلى مشكلاتنا بعيون غربية، فهم أشبه ما يكونون بالمستشرقين، يصدرون أحكامهم القيمية على ما يجري لدينا سلباً أو إيجاباً، بقدر ما يقترب أو يبتعد عن النموذج الغربي.

الإدراك والوهم:

 يتوقع الطرفان الإسلامي والليبرالي العلماني، أنّهما يدركان تماماً حقيقة المشكلات التي تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية، ويعتقد كل طرف بأنّه يملك مفاتيح حل تلك المشكلات، وعلى طريقة أفتح يا سمسم! ويتصور أنّه ما أن يُعطى الفرصة لإدخال مفاتيحه في أقفال تلك المشكلات، حتى تحل جميعها، ويتحقق النهوض العربي والإسلامي. غير أنّهما في الواقع واهمان، ولا يستطيعان التفريق بين الإدراك والوهم! فحين يرى المرء بعيون غيره، لا يرى إلاّ ما يراه هذا الغير، ويصير حاله كمن يرى الجواد كهفاً، ويبني خطته على كيفية الاستفادة من الكهف، وكيف أنّه سيحتمي به من الحر أو البرد، أو أنّه سيختفي فيه من عيون الأعداء المتربصين به! ويفوته أن يخطط لكيفية الاستفادة من الجواد، في التنقل أو في حمل الزاد، أو حتى في القتال أو الهرب. أو العكس أي أن يرى الكهف جواداً، ويبني على ذلك الوهم تصورات وخطط، تنهار بمجرد التمييز الدقيق بين الإدراك والوهم. والغريب أنّ الطرفين لا يستفيدان من التمييز بين الوهم والحقيقة حين يقتربان من الجواد أو الكهف، فهم نتيجة نظرهم بعيون غيرهم، لا يكفون عن خلق الأوهام، والانحراف عن إدراك حقيقة مشكلاتهم أو مشكلاتنا، ومن ثم كيفية الخروج منها. بل إنّهم يعجزون عن خلق علاقة جدلية سوية بين تصوراتهم وأوهامهم وواقع مجتمعاتهم، فيلجاؤن إلى خيار بروكوست(1) والمتمثل في إدخال الفيل في القارورة، أو بتعبير أخر إخضاع مجتمعاتهم إلى تصوراتهم وأيديولوجياتهم، عوضاً عن إخضاع تصوراتهم لمجتمعاتهم، أو محاولة خلق علاقة جدلية بينهما تؤدي إلى مركب جدلي جديد على رأي الفلاسفة.

الليبراليون العرب والسلفية الليبرالية:

  يقول ابن خلدون: “المغلوب مولع بتقليد الغالب”، والليبراليون العرب والمسلمون، الذين يرون في الليبرالية المستندة إلى اقتصاد السوق، الرافعة التي ستهنض بهم، أو عربة القيادة التي ستقود قاطرة نهوضهم هم واهمون، بل ويعانون من المازوشية الثقافية والحضارية. ذلك أنّ الليبرالية المستندة إلى السوق اُختبرت وفشلت في امتحان التطبيق من جهة، ولأنها وصلت إلى مرحلة الشيخوخة من جهة أخرى، وصارت تظهر عليها أمراض الشيخوخة التي تقودها نحو السقوط والهاوية. وهي أخيراً نتاج جدلي للبيئة الأوربية الغربية، وليست نتاجاً للبيئة العربية والإسلامية، فهي تأتي كنتيجة لتشخيص المشكلات السائدة في المجتمعات الأوربية، وليس المشكلات السائدة في المجتمعات العربية والإسلامية. والذين يتبنونها يتصرفون كالمريض الذي يتناول الدواء الذي وُصفه الطبيب لغيره لمجرد توهمه تشابه أعراض المرضين.

فشل الليبرالية في امتحان التطبيق:

  يقبل الكثيرون القول بأنّ الماركسية فشلت في امتحان التطبيق، غير أنّهم لا يقبلون القول بفشل الليبرالية في امتحان التطبيق. غير أنّ الوقائع التاريخية تؤكد أنّ الايديولوجيتين الغربيتين: الماركسية، والليبرالية المستندة إلى اقتصاد السوق، قد فشلتا في امتحان التطبيق. مع الأخذ في الاعتبار أنّ معايير الفشل والنجاح التي تعتمدها هذه الورقة، لا تنصرف إلى قوة أو ضعف البلدان التي تنتهج هذه الأيديولوجية أو تلك، بل إلى مدى تكريسها لقيم العدالة والحرية وحقوق الإنسان. ومدى نجاحها في حل مشكلات الفئات الفقيرة والمهمشة، وذوي الدخل المحدود، والذين لا يمتلكون سوى جهدهم. وإلى أي مدى قللت من التفاوت في الدخول والثروات بين أبناء المجتمع الواحد. ووفقاً لهذه المعايير نقول لقد واجهت الليبرالية وعقيدة السوق الفشل مرتين: مرة في بيئتها الأصلية، وأخرى في البيئة العربية والإسلامية. ففي بيئتها الغربية نشاء إقطاع مالي على انقاض الإقطاع الزراعي، وباع فيه قساوسة السوق أوهام الحرية للفقراء، وذوي الدخل المحدود، والذين لا يملكون جهدهم، كما باع قساوسة الكنيسة في عصر الإقطاع صكوك الغفران للناس.

قساوسة الليبرالية وبيع الأوهام:

  لم يزد قساوسة الليبرالية عن بيع صكوك الوهم للفقراء(2)، وذوي الدخل المحدود، والذين لا يملكون سوى جهدهم. ودعنا هنا نستعرض حقيقة الأوهام التي يبيعها قساوسة الليبرالية والليبرالية الجديدة.

اوهام الحريات السياسية:

الوهم الأول- سيادة الشعب:

  لا يتمكن النائب من الوصول إلى المقعد النيابي إلاّ بتمويل الأغنياء، إن لم يكن غنياً، ومن ثم فلا يعبر إلاّ عن مصالح ممولي دعايته الانتخابية، ولا يتمكن الحزب الضعيف التمويل من الحصول على الأغلبية، ومن هناك فلا يتمكن من تشكيل الحكومة. ويسهل قساوسة الليبرالية للنائب التنصل من الالتزام بمطالب وتوصيات دائرته الانتخابية، فيقولون بأنّ النائب بمجرد فوزه بالمقعد النيابي، فهو نائب عن الأمة كلها، ولا تضيق اهتماماته لتقتصر على دائرته الانتخابية، ليتحرر من سطوتها عليه، وتمكنه من الدفاع عن مصالح ممولي دعايته الانتخابية من الأغنياء، أو حتى بيع صوته في البرلمان للأحزاب الأكثر تمويلاً. ومع ذلك لا يتوقف قساوسة الليبرالية عن بيع الوهم بسيادة الشعب للفقراء، وذوي الدخل المحدود، والذين لا يملكون سوى جهدهم.

الوهم الثاني- حرية التعبير:

 يسيطر أباطرة السوق على وسائل الاتصال، ويكرسونها لخدمتهم، وخدمة النظريات التي يروجها قساوسة السوق. صحيح إنّهم يخصصون 1% من ساعات البث أو 1% من مساحة الصحيفة لأصحاب الرأي المخالف لرأي مالكي تلك الوسائط، لترويج الوهم بحرية التعبير، وغالباً ما تبث في الأوقات الميتة، أو تنشر في رسائل القراء، وفي الزوايا غير المقرؤة. وفي ذات الوقت تخصص بالتزامن معها وسيلة الاتصال مساحات واسعة، لترويج نظريات وأوهام قساوسة السوق، وللرد على أي رأي مخالف، تكون الوسيلة قد سمحت لنشره في إطار تسويق الوهم بحرية التعبير.

الوهم الثالث- حقوق الإنسان:

 يهرول الفقراء والذين لا يملكون سوى جهدهم، في البلدان التي تنتهج الليبرالية، من عمل إضافي Part time job  إلى عمل إضافي أخر؛ فهم يعملون نهاراً في عمل ما، وليلاً في عمل أخر، وفي عطلة نهاية الأسبوع في عمل ثالث، ليتمكنوا من سداد إيجارات المنازل، وفواتير الكهرباء والماء، وتكاليف المعيشة الباهظة عموماً، لتستقر ملاليمهم في جيوب المستثمرين، وملاك العقارات، وأصحاب مراكز التسوق. ومن ثم لا يجد هؤلاء وقتاً لممارسة حقوقهم، التي تنص عليها وثائق حقوق الإنسان، فمن أين لهم الوقت للمشاركة في الحياة العامة؟ أو ممارسة حرية التعبير؟ أو حتى ممارسة إنسانيتهم؟ فحين لا يتبقى للإنسان وقتاً للفراغ يمارس فيه إنسانيته؛ كالذهاب للسينما أو المسرح، ومشاهدة القنوات الفضائية، والعناية بالأطفال والأسرة، ينتقل من خانة الإنسان إلى خانة الحيوان، الذي لا يتحرك إلا في حدود إشباع غرائزه وحاجاته. وفي ظل إجبار الذين لا يملكون سوى جهدهم على التحول إلى حيوانات، أو إلى وسائل وهو ما يسميه المسيري الحوسلة، لا يمكن التحدث عن أوهام التمتع بحقوق الإنسان. ولقد عبر الأدب الغربي عن هذه الحالة بوضوح،  كما في قصة المسخ لكافكا وسيزيف لاليبر كامي وعديد من الأعمال الأخرى التي تشكو من تحول الإنسان إلى رقم أو إلى شيء في رصدهم لظاهرة التشيوء.

اوهام الحريات الاقتصادية:

الوهم الأول- حرية التملك:

 يروج قساوسة الليبرالية القول بحرية التملك، وتنص الدساتير ومواثيق حقوق الإنسان، في البلدان التي تنتهج الليبرالية، على حرية التملك. غير أنّ الذين لا يملكون سوى جهدهم، لا يغادر حقهم في التملك المواثيق التي نصت عليه؛ فالمصارف لا تقرضهم المال، وأرباب العمل يسعون لتخفيض أجرهم الحقيقي برفع أسعار منتجاتهم. ومع ذلك لا يكف قساوسة الليبرالية عن بيع الوهم بحرية التملك.

الوهم الثاني- حرية العمل:

  يروج قساوسة الليبرالية القول بحرية العمل، غير أنّ أرقام العاطلين عن العمل في تزايد، في البلدان التي تنتهج الليبرالية، وأباطرة السوق يسعون لإحلال الآلات محل العمالة البشرية، وإلى نقل معاملهم ومصانعهم إلى المناطق المكتظة بالبشر، من أجل الحصول على العمالة الرخيصة، دون أي اهتمام بمصير الذين سرحوهم من العمل في معاملهم ومصانعهم السابقة. ومع ذلك لا يتوقف قساوسة الليبرالية عن تسويق الوهم بحرية العمل.

الوهم الثالث- حريات السوق:     

   يتحدث قساوسة الليبرالية عن حرية قوى السوق، كما لو كانت قوى ميتافيزيقية لها وجود مستقل عن البشر، وهذه حيلة من حيل قساوسة الليبرالية، فعوضاً عن أن يتحدثوا عن حرية المستثمرين وكبار الملاك، الذين يتحكمون في المنتجات المعروضة، تحدثوا عن العرض، وعوضاً عن أن يتحدثوا عن الجهد المبذول من قبلهم، للتحكم في الكميات المعروضة، ليتحكموا في السعر، تحدثوا عن العرض بطريقة تشبه حديث آدم سميث عن اليد الخفية، والتي هي ليست سوى يد المستثمرين وكبار الملاك، التي تتحكم في الكميات المعروضة والمطلوبة، كما تحدثوا عن الكمية المطلوبة بنفس الطريقة، ولم يقرنوها بالمستهلكين، الذين يشكل العاملون الذين يؤجرون أذرعهم للملاك نسبة الـ90% منهم، على الأقل. وهم الذين يتحكمون في دخلهم، فهم من يحدد لهم الأجر النقدي، وهم من يمكنه أن يأخذ باليسار ما منحه لهم باليمين من خلال رفعهم لأسعار منتجاتهم.

  ودعنا هنا نلقي نظرة على الأوهام التي يروجها الليبراليين الجدد، والمنظمات الدولية وهي المبثوثة في توافق واشنطون Washington Concuss، وفي شروط الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية. وشروط الاقتراض من صندوق النقد الدولي، وهي مستقاة من كتاب ميلتون فريدمان “الرأسمالية والحرية”، انجيل الليبرالين الجدد، والمكرسة لتأسيس دولة السوق، والمعززة لسطوة إقطاعيي المال، وأباطرة السوق المحلي والدولي، ولا تمنح شيئاً للفقراء وذوي الدخل المحدود، والذين لا يملكون سوى جهدهم سوى الأوهام، والمتمثلة في ثالوث التحرير، تحرير الأجور وتحرير الأسعار وتحرير التجارة الخارجية وتحرير سعر الصرف، والخصخصة، وتقليص النفقات الحكومية(3):

  وهذه الأوهام التي يسوقها قساوسة الليبرالية الجديدة، تُقدم إلى فقراء البلدان الغربية، وفقراء البلدان المستهدفة بالدمقرطة، على أنّها اصلاحات هيكلية. ستؤدي إلى تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، ورفع معدلات النمو، غير أنّها ترمي في الواقع إلى استعادة أباطرة السوق، والإقطاع المالي لسطوتهم الطبقية على مجتمعاتهم في المقام الأول. وهو ما تنبهت له حركة احتلوا وول استريت، وعبرت عنه بوضوح بالغ حين قالت بأنّ الـ 1% من المليارديرات يملكون 90% من الثروة، والـ 90% من سكان المجتمعات الغربية يملكون 1% من الثروة، وهو ما عبر عنه المثل الإلهي الوارد في القرآن والإنجيل والتوراة، وهو الذي تحدث عن تخاصم شقيقين أحدهما يملك 99 نعجة، والأخر يملك نعجة واحدة، فقال الأغنى للأفقر امنحني النعجة المائة، وضيق عليه في الخطاب. وهو ما ترمي إليه سياسة التفكيك وإعادة البناء التي يتبناها الليبراليين الجدد. كما ترمي إلى دمج الاسواق المحلية في البلدان النامية في السوق العالمي، في المقام الثاني، لتحصل الاقتصاديات الأقوى على النعجة المائة، ولتقوض الاقتصاديات الأضعف. حين يعمل السوق الدولي على إعادة تخصيص الموارد في العالم لمصلحة الأكفاء، والذي ينتمي لنصف الكرة الشمالي بالضرورة.

  من هذا العرض يتبين لنا أنّ الليبرالية المستندة إلى السوق، فشلت في امتحان التطبيق، وأعادت انتاج النظام الإقطاعي في صيغة جديدة، سادته اقطاعيو المال، وأقنانه كافة الذين لا يملكون سوى جهدهم فيضطرون إلى تأجير أذرعهم لإقطاعيي المال.

شيخوخة الحضارة الغربية:

  بدأت الليبرالية كمشروع حضاري واعد، يطلق ووعوداً للحرية والديمقراطية، وحقوق الإنسان، واحترام المواطنة. غير أنّه سرعان ما اختطفه أباطرة السوق، وصار قساوسة السوق يكرسون مملكة السوق، التي يتم فيها معاملة أباطرة السوق معاملة الأمراء والنبلاء، بينما يتم معاملة الذين لا يمتلكون سوى جهدهم معاملة الأقنان، إن لم نقل معاملة الحيوانات التي كانت تستخدم لجر المحاريث مقابل العلف، فإذا بهم يستخدمون أقنان العصر الحديث لتشغيل الآلات، مقابل تأجير جهدهم بإيجار شهري لا يتجاوز حد الكفاف، وهو الحد اللازم لبقاء العاملين أحياء، ليجروا محاريثهم أو ليشغلوا ألآتهم لا فرق. وهذا وفقاً للنظرية الاقتصادية الغربية السائدة، والتي تعترف بأنّ الإيجار الأسبوعي أو الشهري، أو ما اصطلح الاقتصاديون الكلاسيك على تسميته بـ “الأجر الطبيعي” والذي لا يتجاوز حد الكفاف. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل ظهرت العديد من أعراض الشيخوخة على الحضارة الغربية، وعقيدة السوقية السائدة فيها، والتي سنصنفها هنا إلى أعراض عميقة وأعراض سطحية.

أ‌-                 الأعراض العميقة لشيخوخة الحضارة الغربية:

  تتمثل الأعراض العميقة لشيخوخة الحضارة الغربية في التالي:

أولاً – الابتعاد عن الليبرالية والتحول إلى الدوغما:

  تم تحويل نظرية السوق إلى عقيدة جامدة “دوغما”، على يدي قساوسة السوق ومنظريهم، وعلى رأسهم الفيلسوف والاقتصادي النمساوي فردريك فون هايك، والاقتصادي الأمريكي ميلتون فريدمان. وبدأ الأمر باجتماع عدد من الليبراليين الجدد، على رأسهم الفيلسوف والاقتصادي النمساوي فردريك فون هايك، والاقتصادي الأمريكي ميلتون فريدمان، ولودفيغ ميسز، لتأسيس جمعية حملت اسم جمعية “مونت بليران” وأصدرت بياناً(4) يعد أول وثيقة حاولت أن تكرس نظرية السوق كعقيدة دينية و”دوغما”. ثم تعززت تلك الوثيقة بالعديد من الإصدارات، التي حاولت تكريس عقيدة السوق كدين ودين وحيد للعالم، يُقتل من يخرج عنه، في مقدمتها كتاب ميلتون فريدمان ” الرأسمالية والحرية”. وبدأ الأمر بتكفير كينز والكنزيين من خلال تنظيرات النقديين والتوقعات الرشيدة واقتصاديي جانب العرض، والذين ينضوون تحت لافتة التقليديين الجدد، وينقلبون على الكينزية ويدعون إلى نبذها، واعتبارها مصدر الشرور والخطيئة الكبرى، وذلك لانحرافها عن النظرية الكلاسيكية الاورثودوكسية. ثم وبالتزامن مع انهيار الاتحاد السوفيتي ظهرت مقولات نهاية اليوتوبيا، ونهاية الايديولوجيا، ونهاية التاريخ، وكافة هذه المقولات تهدف إلى تكريس عقيدة السوق كدين وعقيدة، تقصي العقائد، وحتى النظريات والايديولوجيات الأخرى، بحجة موت الأيديولوجيا تارة، وموت الحلم بعالم أفضل “يوتوبيا” تارة أخرى وبحجة نهاية التاريخ طوراً أخر. وكافة هذه المقولات تكرس عقيدة السوق كحل نهائي وعقيدة أبدية، ومن ثم فأية يوتوبيا جديدة أو أيديولوجيا جديدة، لا تتجاوز كونها هرطقة عقيمة وفقاً لقساوسة السوق.

ثانياً- الابتعاد عن الديني والقيمي والمطلق والانغماس في النفعي والنسبي والسوقي:

  حين تم التوجه إلى العلمانية في الغرب في مراحل نهوضه الأولى، كانت دلالة العلمانية إيجابية، ولا تتجاوز التحرر من سطوة الكنيسة، ووصاية رجال الدين على الدين والمجتمع، وهم الذين كانوا يستخدمون الدين لمآرب دنيوية، فيستخدمون المطلق من أجل النسبي، والقيمي من أجل النفعي، والمقدس من أجل المدنس. غير أنّه ما أن أحكم إقطاعيو المال قبضتهم على المجتمعات الغربية، حتى انصرفت دلالة العلمانية إلى التحرر من الديني والمطلق والمقدس، لتركن إلى الدنيوي والنسبي والنفعي(5). كما أنّ للعلمانية دلالتان أخريان؛ الأولى: دلالة غير إقصائية تقتصر على فصل الدين أو الكنيسة عن الدولة. وهي التي سادت في مراحل النهوض الغربي، وكانت تصاغ في المقولة الشهيرة التالية: إعطاء ما لله لله وما لقيصر لقيصر، وتقتصر على عدم تداخل الديني والسياسي، أو عدم الخلط بين المجال الديني والمجال السياسي. والثانية دلالة إقصائية تستبعد الديني والمطلق، واليقيني والمثالي، والمعياري والأخلاقي أو القيمي، وكل ما يتعلق بما ينبغي أن يكون، لمصلحة الواقعي والنفعي، والنسبي والجزئي، وكل ما يتعلق بما هو كائن. وصارت العلمانية في شيخوخة الحضارة الغربية تنصرف إلى الفصل الكامل بين الدين والدنيا، وبين الوجود والقيمة، أو القيمة والمادة. وذلك باستبعاد الديني والقيمي من حياة الناس العامة، ومعاملاتهم وعلاقاتهم، ومؤسساتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والإعلامية والتعليمية، وما إلى ذلك، ولا تقتصر على الفصل بين الدولة والكنيسة. فما أن سيطر السوق على الدولة، وظهرت الدولة المستندة إلى السوق، حتى سعى أولئك الذين كسبوا معركة السوق، إلى استبعاد كل ما من شانه الحد من سطوة السوق، أو الحد من سعي أباطرة السوق إلى تعظيم الربح. وفي مقدمة ذلك الدين، والقيم الدينية والأخلاقية التي تحد من شهوة مراكمة الثروة، وسرقة جهد الآخرين، وتحد من تطلع أباطرة السوق للاحتكار، وتحرَم الربا. وحيث إنّ الأديان والأعراف والمثل الأخلاقية، تعترض على الاحتكار والظلم، وتدعو إلى المساواة والإنصاف والعدل. فإن أولئك الدين يسيطرون على السوق عملوا ويعملون جاهدين، على التخلص من الدين والقيم الدينية والأخلاقية، إن لم يتمكنوا من توظيفها لمصلحة امتيازاتهم، واحتكاراتهم لكافة مقومات القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن ثم عمل الاحتكاريون، حين لم يعد بإمكانهم استخدام الدين لحماية احتكاراتهم، على نشر فلسفة الإلحاد، ورفض ما وراء الطبيعة، بل وكل ما هو إلهي (اللاهوت)، وتبني الأفكار الليبرالية والعلمانية والتجريبية الرافضة للماورائيات، فلا شيء أبعد من هذا العالم المحسوس. ومن ثم نظّر أباطرة السوق، أو موّلوا تنظيرات تدعو للعلمانية الإقصائية، التي تستبعد الديني والمطلق واليقيني، والمثالي والمعياري والأخلاقي، لمصلحة السوقي والنفعي، والمادي والنسبي، بل وتدعو تلك التنظيرات إلى تأليه الإنسان تارة، وتأليه الطبيعة تارة أخرى، وتعلن موت الله تارة ثالثة. ذلك أنّ التمسك بالدين والقيم الدينية يتناقض مع قيم السوق، فالمستثمر لا يريد أن يسمع كلمة حرام أو خطأ أو ظلم حين يتعلق الأمر بالاستثمار، فالاحتكام وفقا لمشيئة المستثمر ينبغي أن يكون للربحية فقط دون غيرها من الشرائع والمعتقدات، ومن ثم عمد المنتصرون في معركة السوق إلى تطويع المناهج التعليمية، لتخدم امتيازاتهم ولتعلي من قيم السوق، التي تولي الربحية دون غيرها أهمية بالغة، وتدفع النشء إلى تبني أفكار العلمانية الإقصائية، وإلى رفض تدخل الدين في السياسة والاقتصاد والتشريعات القانونية، حتى لا تحد من سلطة الأغلبية النيابية – في ظل عقيدة السوق- في سن التشريعات التي تخدم الأقوياء  والمحتكرين، وتجيز الظلم الواقع على المستضعفين، والمتناقضة بطبيعتها مع الشرائع السماوية.

ثالثاً- الابتعاد عن سوق المنافسة الكاملة والانغماس في احتكار القلة بل والاقتراب من الاحتكار التام.

  يرى الليبراليون أن السوق، والسوق الرأسمالي بالذات، أداة ضرورية لتحقيق المساواة وشرطاً ضرورياً لقيام الديمقراطية؛ فالحرية الاقتصادية، وحرية قوى السوق في مقدمتها، هي العمود الفقري للديمقراطيات الليبرالية الحديثة. ويرى الليبراليون بأنّ غياب السوق وحرية قوى السوق في العصور السابقة على الرأسمالية، هي التي ساهمت في صنع التفاوت وكرسته. وبالمقابل، يرون في السوق وبصيغته المعاصرة الحارس الأمين للمساواة وتكافؤ الفرص، وفي إتاحة الحرية لقوى السوق، حجر الزاوية للديمقراطية الليبرالية الحديثة. وهذا القول يمكن أن يكون له ما صدق في مرحلة النهوض الغربي، ذلك أنّ السوق كان يقترب من المنافسة الكاملة غير أنّه اليوم، وفي مرحلة شيخوخة الحضارة الغربية، وابتعاد السوق عن المنافسة الكاملة، وتحوله إلى احتكار القلة(6) بل واقترابه من الاحتكار التام لا ما صدق له.

وبتعبير أخر يمكن القول بأنّ سوق المنافسة الكاملة الذي وضع شروطه أباء الاقتصاد – السياسي قد يفضي إلى المساواة أو يقترب منها، غير أنّ السوق الرأسمالي الاحتكاري الذي ألت إليه الأسواق في مرحلة شيخوخة الحضارة الغربية، هو سوق منتج للتفاوت عوضاً عن المساواة، ويقل التفاوت إلى حدوده الأدنى كلما اقترب السوق الرأسمالي من سوق المنافسة الكاملة، بينما يزداد التفاوت كلما ابتعد السوق عن سوق المنافسة الكاملة واقترب من السوق الاحتكاري؛ فالسوق الرأسمالي يعطي رب العمل ” المنظم ” نصيب الأسد في العملية الإنتاجية. حتى في ظل سوق المنافسة الكاملة(7). ويزداد هذا النصيب كلما تحول السوق عن المنافسة الكاملة إلى الاحتكار، والأسواق الرأسمالية المعاصرة بعيدة كل البعد عن سوق المنافسة الكاملة، وتقترب من سوق احتكار القلة، والتي تتمتع فيها القلة بوضعيتي احتكار الشراء واحتكار البيع. ومن ثم تتحصل تلك القلة على النصيب الأوفر من الرفاهية، ومعدلات الاستهلاك العالية، على حساب غيرهم من المستهلكين. بينما يحصل العمال على أيجار زهيد لأذرعهم لا يتجاوز حد الكفاف(8).

رابعاً – السلفية واغتيال العقل:

  تتشابه أعراض شيخوخة الحضارات؛ حيث تبدأ تلك الأعراض بالنزوع إلى اغتيال العقل، وإيقاف باب الاجتهاد، وهذا ما يحدث في الحضارة الغربية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وانتهاء الحرب الباردة؛ وذلك من خلال الإعلان عن موت الأيديولوجيا تارة، وموت اليوتوبيا تارة أخرى، ونهاية التاريخ طوراً أخر، والقول برفض النظريات الشمولية، لتكون الليبرالية أخر نظرية شمولية، وهو ما يعني اعتقال العقل، ورفض الأفكار الجديدة. الشديد الشبه برفض الاجتهاد عند شيخوخة الحضارة العربية والإسلامية. فإعلان موت اليوتوبيا يعني إعلان موت الحلم بعالم أفضل والحلم بالتغيير، وإعلان موت الأيديولوجيا يعني رفض أية حلول جديدة لمشكلات الإنسانية، والاتهام المسبق لتلك الحلول بالشمولية، وفرض التصورات على الأخرين. رغم إنّ هذا الاتهام يصدق على الايديولوجية الليبرالية، زمن الثورتين البريطانية والفرنسية، حيث فرضوا تصورهم الليبرالي على الأخرين زمن الإقطاع. فلماذا تصادر الحلول الجديدة اليوم؟ في حين كانت مقبولة زمن السعي للتخلص من النظام الإقطاعي. إنّ هذا الرفض للايديولوجيا هو في الواقع رفض للتجديد والتغير، وتمسك بالركود وعفونة الماء الراكد والساكن.

ب- الأعراض السطحية لشيخوخة الحضارة الغربية:

  يمكن تلخيص الأعراض الظاهرة لشيخوخة الحضارة الغربية في التالي:

   1. العزوف عن المشاركة في الحياة العامة عموما وفي الانتخابات خصوصاً.
   2. ظهور الأزمات الاقتصادية وتكرارها.
   3. تباطؤ معدلات النمو في الاقتصاديات السوقية.
   4. تفشي الفساد المالي والإداري.

الليبرالية وامتحان التطبيق في البلدان العربية والإسلامية:

  لقد فشلت الليبرالية المستندة إلى السوق في البلدان العربية والإسلامية فشلاً ذريعاً؛ فعلى صعيد سياسي انتجت حروباً أهلية في الجزائر والصومال، والعراق واليمن، وليبيا ومصر، وافغانستان، ذلك أنّ التعددية الحزبية في بلدان تستشري فيها القبلية والطائفية، لا تنتج سوى الحروب الأهلية؛ فالطائفة الأقل عدداً أو القبيلة الأقل عدداً لا تقبل أن تبقى إلى الأبد خاضعة لحكم القبيلة أو الطائفة الأكثر عدداً، وهو ما سيدفعها لممارسة العنف(9)، وحتى إلى الاستعانة بالأجنبي لقلب موازين القوة لمصلحتها. وعلى صعيد اقتصادي يتيح نموذج اقتصاد السوق في البلدان النامية، حين يعمل في ظل شروط الانضمام لمنظمة التجارة الدولية WTO، وتوافق واشنطون Washington Concuss   على تدمير كافة المشروعات الاقتصادية المحلية، وخاصة الناشئة منها، لمصلحة الشركات المتعددة الجنسية. وهو ما سيؤدي إلى تحول المستثمرين المحليين، إلى مجرد وكلاء تجاريين لتلك الشركات المتعددة الجنسية، ومن ثم ستخلق حالة من التبعية الاقتصادية المقيتة، وستضع فيتو على نمو البلد النامي، إلاّ إذا قرر أباطرة السوق الدولي توطين مشروعاتهم في بلد نامي ما، لأسباب سياسية تتعلق بتقديمه كنموذج تنموي بديل للتجارب الاشتراكية والوطنية الخارجة عن الهيمنة الغربية، كما حدث لما يسمى بالنمور الأسيوية، أو لأسباب اقتصادية لها علاقة باتساع السوق، ورخص الأيدي العاملة على نحو غير مسبوق، كما يحدث مع السوق الصيني أو الهندي. ومن هناك فشلت كافة الليبراليات العربية والإسلامية في النهوض، وتسجيل معدلات نمو ملحوظة أو تسجيل حالة نهوض وطني متميزة.

  والذي يغيب عن النخب المستلبة ثقافياً وحضارياً، أنّ البلدان التي في طور النهوض في حاجة ماسة إلى الأيديولوجيا أو المشروع الحضاري، الذي يشحذ الهمم للنهوض، وهو ما فعله الغرب حين كان ينهض، يوم كانت الليبرالية تمثل ايديولوجية الخلاص من الإقطاع الزراعي. والتوحد حول فكرة واحدة، أو ايديولوجية واحدة هو الذي يضع قطار النهوض على السكة، وهو الذي يمثل عربة القيادة في قاطرة النهوض القومي والوطني. وهذه الورقة لا تتناول الايديولوجيا بدلالتها لدى ماركس، باعتبارها مجرد انعكاس لقوى الانتاج وعلاقات الانتاج السائدة، أو أنّها بنية فوقية أفرزتها البنية التحتية، بل باعتبارها تصوراً لما ينبغي أن يكون، أو مشروعاً للتغيير والنهوض الحضاري. والذين قالوا بموت الايديولوجيا يتناولونها بهذه الدلالة. والقول بموت الأيديولوجيا، ونقضها وتجريمها لدى النخب المسيطرة على الجاه والمال، يهدف إلى غلق باب الاجتهاد للخروج من أزمات عقيدة السوق، ذلك أنّ الإقطاعيين الماليين يرفضون كما رفض الإقطاعيون الزراعيون الأفكار والأيديولوجيات الجديدة أنذاك كالليبرالية. ومجارات الإقطاعيين الماليين وقساوسة السوق في رفض الأيديولوجيات الجديدة، بحجة كونها تؤدي إلى نظم استبدادية وشمولية، يخدم إقطاعيي المال ويحافظ على امتيازاتهم في البلدان الصناعية والغربية، لكنه يفوت على البلدان النامية فرصة البحث عن نظريات جديدة، وحلول جديدة، تشحذ همم شعوبهم للانطلاق والنهوض. وحين يجارون الغربيين في القول بموت الأيديولوجيا واليوتوبيا، والحلم بعالم أفضل، يكرسون الوضع القائم، ويضعون العصي في دواليب التغيير الجاد. وحين يستنسخون المقولات الغربية التي سادت زمن شيخوخة الحضارة الغربية، يكونون كمن يدخل إلى الحضارة من باب الخروج منها، فيتعثرون ويقعون ولا يعرفون للنهوض طريقاً.

الاستنساخ الحضاري والموت المبكر:

  حين تقوم أمة ما بنقل التجربة الحضارية لأمة أخرى على طريقة الاستنساخ، قد تنجح العملية لفترة من الزمن، ويبدو في الظاهر أنّ تلك الأمة تنهض، وقد يصفق لها المراقبون والمؤرخون، كما صفقوا للتجربة اليابانية. غير أنّها ستشيخ وتظهر على وجهها التجاعيد حين تشيخ الحضارة التي اُستنسخت منها، فحين يضرب تسونامي الأزمات الاقتصادية الحضارة الأصل، تصلها موجاته أو ارتداداتها، والمثال الواضح على عقم الاستنساخ الحضاري نأخذه من التجربة الماركسية؛ فحين انهارت التجربة الماركسية في موطنها الأصلي في روسيا أو الاتحاد السوفيتي، وصلت موجات الزلزال السوفيتي إلى معظم التجارب الماركسية، فضربت الزلازل رومانيا، وبولندا، والمانيا الشرقية، وانهارت التجارب الماركسية في كافة بلدان أوروبا الشرقية، بل وطال الزلزال البلدان الماركسية النائية بنسب متفاوتة؛ فتخلت الصين وبلدان أخرى غيرها عن الاشتراكية، وانتقلت إلى اقتصاد السوق، لتربط مصير نهوضها بالحضارة الغربية، ولن يصلح عطار السوق ما افسده استنساخها للتجربة الماركسية، فهي كمن يأخذ عقاقير البوتكس لإخفاء التجاعيد، التي لن تصمد إلاّ لعقد أو عقدين ثم تستفحل التجاعيد. واختفت التجربة الماركسية الوحيدة في البلدان العربية والإسلامية، باندماج اليمن الجنوبي في الشمالي، من أجل تفادي ارتدادات تسونامي انهيار الاتحاد السوفيتي الذي اُستنسخت منه.

التعددية الحزبية أم الوحدة:

 يشكل التعدد الحزبي في البلدان العربية والإسلامية، الفتيل الذي يشعل الحروب الأهلية والطائفية، ذلك أنّ الحزب في الغرب العلماني يشكل تعبيراً عن شرائح اجتماعية، ذات مصالح طبقية واحدة. بينما الحزب في البلدان العربية والإسلامية يشكل تعبيراً عن القبيلة أو الطائفة، وإن ضم إلى صفوفه بعض الدخلاء على القبيلة والطائفة، لإضفاء طابع غير قبلي عليه. فالحزب الاشتراكي التقدمي في لبنان ليس سوى حزب الدروز، وإن علق لافتة الاشتراكي والتقدمي على واجهته، ويتوارث زعامته آل جنبلاط. وحزب الكتائب اللبناني هو حزب الطائفة المارونية في لبنان، ويتوارث زعامته آل الجميل. وحزب الأمة السوداني هو حزب طائفة الأنصار، ويتوارث زعامته آل المهدي، والحزب الاتحادي الديمقراطي في السودان أيضا هو حزب الطائفة الختمية، ويتوارث زعامته آل المرغني. والطوائف والقبائل لا تقبل الهزائم الانتخابية، ذلك أنّ التفاوت في اعداد أبناء القبائل والطوائف غالباً ما يحافظ على نفس النسبة، وهو ما سيؤدي إلى بقاء الغالب غالباً، والمغلوب مغلوباً إلى يوم القيامة، وهو ما سيدفع المغلوب إلى مواجهة الغالب بالعنف، وحتى الاستعانة بالأجنبي. ومن هناك فالتعدد الحزبي قد يكون مفيداً في البلدان التي لا تسود فيها القبائل والطوائف، غير أنّه يصبح أداة للحرب الأهلية، وأداة لتفتيت البلدان في البيئة العربية والإسلامية. نخلص من ذلك أنّه لا يوحد العرب إلاّ رسالة جديدة أو مشروع حضاري جديد، ينقض الطائفية، وينقض استخدام القبيلة سياسياً. أمّا الدعوة إلى التعددية في زمن النهوض فهو تشتيت، وتعدد للسبل، يفرق المجتمع ولا يوحده، ويؤخر يوم النهوض العربي والإسلامي، وإن لم ندرك ذلك، حين ننظر إلى مشكلاتنا بعيون الغربيين لا بعيوننا. إنّ الشروع في مشروعات النهوض القومي والإسلامي، على قاعدة التعددية، وليس التوحد حول تصور واحد، وفكرة واحدة لا يتجاوز كونه ولوج إلى الحضارة من باب الخروج. وهذا لا يعني الدعوة إلى فرض وصاية على الشعوب وفرض هذا المشروع أو ذاك، أو هذه الايديولوجية أو تلك على المجتمع بالقوة؛ فإذا كان الله تعالى يقول: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾(2/256). فكيف يمكن أن نقبل فرض تصورات بشرية على الناس. إنّ التصور أو الفكرة التي لها فرص تحفيز النهوض المجتمعي، لابد أن تحوز على توافق الناس حولها، بل والحماس لتنفيذها، دون إكراه، ودون عنف، ودون استبداد، لتتوافر لها فرص أن تكون عربة قيادة لقطار النهوض المجتمعي القومي أو الإسلامي.

السلفيون العرب والسلفيات الإسلامية:

 كما حاول الليبراليون الدخول إلى الحضارة الغربية من باب الخروج، يحاول السلفيون الدخول إلى الحضارة العربية والإسلامية من باب الخروج، فهم لا يدرسون مرحلة النبوّة التي شكلت قاطرة النهوض العربي والإسلامي، ولا يقفون عندها. بل يخضعون للتراث الأصولي والفقهي زمن التدوين، الذي أنجز في ظل حكم بني العباس، وهو زمن شيخوخة الحضارة العربية والإسلامية، وزمن تحريف دلالات النص القراني، الذي عبر عنه القرآن بتحريف الكلم عن مواضعه، وهو الزمن الذي نسب فيه المحدثون للنبيّ صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، ونسب فيه الرواة للصحابة رضي الله عنهم ولأحفاد النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم ما لم يقولوا، على نفس الشاكلة التي نسب فيها الأصمعي أو غيره إلى عنترة، وسيف بن ذي يزن، وشعراء الجاهلية الكثير مما لم يقولوا.

  ولو تخلص الإسلاميون العرب من الاستلاب الثقافي والحضاري تجاه أئمة وفقهاء زمن التدوين، وتجاه الحضارة العربية والإسلامية في العصرين العباسي والأموي، وتوقفوا عن استنساخها، وحاولوا دراسة المرحلة النبوية دون غيرها، وبأعينهم وليس بأعين أئمة وفقهاء ومؤرخي زمن التدوين في العصر العباسي، لكان من الممكن انتاج مشروع حضاري عربي وإسلامي، قابل لأن يمثل عربة قيادة لقاطرة النهوض العربي والإسلامي. والدليل على أننا نستنسخ الحضارة العربية والإسلامية زمن شيخوختها، هذه الحروب الطائفية في سوريا والعراق واليمن، التي تذكرنا بما قام به الحنابلة من قتل وإنزال من على المنابر للأشاعرة والمعتزلة، وكافة خصومهم المذهبيين. وحروب الأمويين والعباسيين ضد الشيعة والخوارج في العراق والشام والجزيرة العربية وشمال افريقيا. إنّ الإسلاميين لو امعنوا النظر لمشكلاتنا بعيونهم وليس بعيون أسلافهم زمن التدوين وما بعده، ودرسوا زمن النبوّة بعناية، ودون الركون إلى الروايات التي تخدم هذه الطائفة أو تلك، أو تضع نفسها في خدمة أهل المال والجاه، لتخلصوا من الطائفية والمذهبية. والقرآن يقول: ﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ إذ يعتبر القرآن المتمذهبين والطائفيين مشركين! وفي آية أخرى يقول تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾(6/159)، ولتخلصوا من نظرية السيف، والقول بقتل المشركين وأهل الكتاب بالمطلق، حتى دون أن يعتدوا على الإسلام والمسلمين، تلك النظرية التي صيغت في زمن التدوين من أجل توسيع رقعة الامبراطورية، ومن أجل تدفق الغنائم والسبايا والخراج على سلاطين بني أمية وبني العباس. لما اعتنقوا نظريات تكفير الخصوم، وقتل المرتد التي لا وجود لها في القرآن، وقام بصياغتها فقهاء وأئمة عصر التدوين لتسوغ لسلاطين بني أمية وبني العباس تكفير خصومهم وقتلهم.

السلفيون وتسويق الأوهام:

  مثلما فعل قساوسة الليبرالية، فعل قساوسة السلفية الإسلامية ” الفقهاء والأصوليون” فسوقوا لنا العديد من الأوهام التي سنذكر منها:

أولاً – وهم السلف الصالح:

  سوّق لنا السلفيون الإسلاميون وهمَ إتباع السلف الصالح، وقالوا بأنّهم يقتدون بالصحابة، بينما هم يقتدون بفقهاء وأئمة زمن التدوين، والذين لم يكونوا سلفاً صالحاً، بل هم من حرف الكلم عن مواضعه، وهم من كتم ما أنزل الله بدعاوى النسخ، وهم من فرق دينهم شيعاً واحزاباً، وهم من احتكم للرواة بحجة كونهم عدول، وتركوا الاحتكام إلى كتاب الله تعالى.

ثانياً – وهم طاعة النبيّ صلى الله عليه وسلم:

 سوّق لنا السلفيون الإسلاميون وهم طاعة النبيّ صلى الله عليه وسلم، بينما هم يطيعون الرواة الذين صنعوا لنا عجلاً كعجل السامري من الأحاديث؛ حيث أخذوا قبضة من أثر النبيّ صلى الله عليه وسلم، وخلطوا بها ألاف الأحاديث المكذوبة، ليصنعوا لنا عجلاً نعبده، غير أنّ عجلهم يختلف عن عجل السامري بكونه لا جسد ولا خوار له، صنعوه من مداد وورق، وليس من الحلي والذهب، وأسموه الصحاح من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. فصرنا نطيع المحدثين والرواة وأئمة وفقهاء زمن التدوين، ونحن نتوهم أننا نطيع النبيّ صلى الله عليه وسلم. وصاغوا لنا أدياناً غير دين الله أسموها فرقاً ومذاهب.

ثالثاً – وهم عدالة الصحابة:

 سوّق لنا السلفيون الإسلاميون وهم عدالة الصحابة، والوهم له شقان: الشق الأول يتمثل في تزوير مصطلح الصحابة، حيث استشهد القائلون بعدالة الصحابة بالآيات التي تزكي النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم، والذين معه من المهاجرين والأنصار، وهم الذين ناصروه وآزروه ساعة العسرة، وحين كان المسلمون يخافون أن يتخطفهم الناس. وهو الذي جعل سعيد بن المسيب يحصر الصحابة في الذين صاحبوا النبيّ صلى الله عليه وسلم فترة طويلة نسبياً من الزمن، وحضروا معه غزوة أو غزوتين، أي اُمتحنوا في إسلامهم. غير أنّ فقهاء وأئمة عصر التدوين ضحكوا علينا، حين استدلوا بتلك الآيات التي تزكي الصحابة، ثم توسعوا في تعريف الصحابة، لتشمل كل من عاصر النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو على الإسلام، حتى وإن لم يره. والشق الثاني يتعلق بالقول بعدالة الصحابة إجمالاً، والقرآن الكريم يزخر بالعديد من الآيات التي تجرح بعض الصحابة ولا تعدلهم؛ فتنص على أنّ منهم من تخلف عن القتال في سبيل الله، ومنهم من تولى يوم الزحف، ومنهم الفاسق الذي نبه القرآن المسلمين إلى خطورة النبأ الذي حمله إليهم، ومنهم من أقام النبيّ صلى الله عليه وسلم حد الزنا عليه، ومنهم من وصفهم الذكر الحكيم بالذين يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة، ومنهم من كان يختان نفسه، ومنهم من كان يود أنّ غير ذات الشوكة تكون له، ومنهم من أشفق أن يقدم بين يدي نجواهم صدقة، ومنهم من كانوا سمّاعين للمنافقين. كما أوهمونا بأنّهم كانوا الأمناء على الوحي، بينما تعهد الله تعالى بحفظ الذكر الحكيم، حتى لا يمنن أحدٌ على المسلمين هذا الفضل. ثم أنّ الذين صاغوا ديناً غير دين الله من أقوال الرواة، هم الذين قوّلوا الصحابة ما لم يقولوا في زمن التدوين. فلا صحة للقول بأنّ ما وصلنا من أحاديث نقله لنا الصحابة، بل من الثابت رفض الصحابة بتعريف ابن المسيب لرواية الأحاديث، وتقيدهم بنهي النبيّ صلى الله عليهم وسلم لهم عن فعل ذلك، وجل ما روي من أحاديث وضعت من قبل محدثي زمن التدوين ونُسبت للصحابة – بتعريف ابن حجر –  دون أن يحدثوا بها على الأرجح.

رابعاً – وهم الوصاية على الدين:

  سوّق السلفيون الشيعة وهم الوصاية على الدين، فقال الشيعة أنّ الأئمة أوصياء على الدين، وابتدعوا أوصياء للرسل والأنبياء السابقين عليهم السلام، دون علم ولا كتاب منير، ثم عهدوا بالوصاية على الدين لكنيسة ابتدعوها من الملالي ورجال الدين تبدأ بالمجتهد وتنتهي بآيات الله العظمى، والمراجع الشيعية العليا، التي إن شاءت عطلت الجهاد ضد الأمريكيين في العراق، وإن شاءت حرضت على الجهاد ضد الانجليز، بل وحرّمت الوظائف الحكومية زمن الاحتلال البريطاني(10). وسوّق السلفيون السنة وهم وصاية الصحابة على الدين، ثم التابعين ثم تابعي التابعين، ثم تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وقالوا على الله ما لا يعلمون، حين قرروا عن الله من هم التابعين بإحسان إلى اليوم، ومن هم المبتدعين. ثم عهدوا بالوصاية على الدين إلى كنيسة ابتدعوها، ورجال دين لم يعهد مثلهم عصر النبوّة، ولا حتى عصر الخلفاء الراشدين، يرتدون أسمالاً كأسمال القساوسة والأحبار، ويطالبون المسلمين بطاعتهم دون علم ولا كتاب منير، فلم يأمر الله تعالى في كتابه مطلقاً بطاعة الفقهاء والأئمة، بل حذر من إتباعهم كما فعل اليهود والنصارى، حيث ابتدع لهم القساوسة والرهبان عقيدة التثليث، واتخذ الأحبار والرهبان من أنفسهم أرباباً من دون الله سبحانه وتعالى عما يصفون. ونقّب قساوسة الإسلام عن آية في القرآن تعزز سطوتهم الدينية على المسلمين، فلم يجدوا سوى الآية: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾(16/43)، التي تدعو مشركي العرب إلى سؤال أهل الكتاب، إن كانوا لا يعلمون، فحرفوا دلالتها ليدخلوا في روع المسلمين، بأنّه من واجبهم اللجو إليهم في طلب الفتاوى، والنزول عند قولهم ليتخذوا منهم أرباباً من دون الله، الذي لا يقبل وجود وسطاء بينه تعالى وبين عباده، ويحذر من اتخاذ الوسطاء والأنداد.

خامساً –  وهم نظرية الولاية:

 سوّق السلفيون الشيعة وهم ولاية الأئمة الاثنا عشر على شاكلة نقباء بني إسرائيل، وحرفوا دلالات آيات عديدة، ليحملوها دلالات النص الإلهي على ولايتهم، وادعوا أنّهم أفضل خلق الله، ومفضلون على جبريل عليه أكرم السلام، الذي قال عنه الله تعالى:﴿ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ﴾(81/20)، وأفضل من بقية الملائكة، وأفضل من الرسل عليهم السلام، فغلوا في دينهم كما فعل أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وسوّقوا للبسطاء أوهاماً من خلقهم ما أنزل الله بها من سلطان.

سادساً – وهم عصمة الأئمة:

  كما سوّقوا أوهاماً عن عصمة الأئمة رضي الله عنهم، ما أنزل الله بها من سلطان، ليعززوا بها وصايتهم على الدين. فإذا كان الله تعالى لم يعصم أنبياءه من الوقوع في الخطاء، بل والخطيئة، فطاعة آدم عليه أفضل السلام للشيطان في الأكل من الشجرة يُعد وقوع في الشرك، وهو رأس الكبائر، غير أنّه كان من الأوابين والمستغفرين، فاكتفى الله تعالى بطرده من الجنة، وقبل توبته، ليعلمنا بأنّ الأنبياء والرسل عليهم السلام ليسوا معصومين عن الخطاء، إلاّ في نقل رسالاته إلى النّاس، لأنه تعهد جل ثناؤه بحفظ رسالاته، حتى تصل إلى المنذرين.

ما المخرج؟:

 يبدأ الشروع في الخطوة الأولى نحو نهوضنا الحضاري، بالتخلص من الطفولية الحضارية، التي تغيّب العقل لمصلحة نموذج حضاري أخر، سواء كان ذلك النموذج قام في الماضي، أو كان معاصراً لنا، وليس من انتاجنا. أو بتعبير أخر يبدأ بالشفاء من المازوشية الحضارية، التي تدفعنا إلى الانسحاق أمام حضارات بناءها غيرنا، حتى لو كانوا أسلافنا. والتوقف عن النظر إلى مشكلاتنا من خلال عيون الأخرين، بل من خلال عيوننا التي في احداقنا. ثم تشخيص مشكلاتنا بدقة، وفي مقدمتها الطائفية والمذهبية والقبلية، تلك المعاول التي تفتتنا، وتمكن المتآمرين علينا من صهاينة وقوى امبريالية، من إشغالنا بحروب أهلية وطائفية لا تبقي ولا تذر، تُضيّع كل فرص النهوض لدينا، بل وتنذر بانقراضنا. والنجاح في صياغة مشروع للنهوض الحضاري نابع من بيئتنا، ومن دراسة أسباب نهوضنا اليتيم في الماضي، والمتركز على عصر النبوة، دون غيره من ماضينا الذي نراه زاهراً ومتميزاً كله، غير أنّه باستثناء عصر النبوّة لا تميز فيه، ولا يختلف كثيراً عن الامبراطوريات البغيضة والظالمة التي شهدها التاريخ. ويمكننا الاستعانة بتجارب النهوض لدى غيرنا شريطة أن ندرس خصائصها عند لحظة انطلاق قاطرة نهوضها، وليس عند تباطؤه وظهور نذر توقفه قريباً.

الهوامش والمراجع:

أولاً الهوامش:

   1. بروكوست قاطع طريق في اسطورة يونانية يعمد إلى تمطيط ضحيته إن كان أقصر من سريره ويقطع منه ما زاد عن طول سريره.

موسى الأشخم، الانتقال الديمقراطي والسوق، ندوة أية تنمية وأية ديمقراطية في مرحلة الثورات العربية، الملتقى العلمي المغاربي الثالث،جمعية البحوث والدراسات لإتحاد المغرب العربي، تونس في الفترة 27-28-11-2113.

   2. المرجع السابق.

   1. ديفد هارفي، الليبرالية الجديدة (موجز تاريخي)، ترجمة مجاب الإمام، دار العبيكان، 2008، ص 39

موسى الأشخم، العلمانية والسوق، قضايا استراتيجية، افريل، ماي، جوان، 2012، ص 83.

   4. موسى الأشخم، الطغيان والديمقراطية والإصلاح الديمقراطي، مجلة دراسات.
   5. د. صلاح الدين نامق، القيمة والتوزيع، دار المعـارف بمصر 1968.
   6. المرجع السابق.
   7. برنارد لويس، مقابلة.

   1. عطل السيستاني الجهاد ضد الأمريكيين، بينما افتت المراجع الشيعية زمن الاحتلال البريطاني بتحريم التوظف للعمل مع سلطات الاحتلال.

ثانياً المراجع:

   1. ديفد هارفي، الليبرالية الجديدة (موجز تاريخي)، ترجمة مجاب الإمام، دار العبيكان، 2008.

2. موسى الأشخم، الانتقال الديمقراطي والسوق، ندوة أية تنمية وأية ديمقراطية في مرحلة الثورات العربية، الملتقى العلمي المغاربي الثالث،جمعية البحوث والدراسات لإتحاد المغرب العربي، تونس في الفترة 27-28-11-2113.

3. موسى الأشخم، العلمانية والسوق، قضايا استراتيجية، افريل، ماي، جوان، 2012.

4. موسى الأشخم، الإصلاح الديمقراطي والسوق.

5. د. صلاح الدي نامق، القيمة والتوزيع. دار المعـارف بمصر 1968.

موسى الفقي

المصدر: خارج السرب

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...