جيش إسرائيل الأزرق

05-08-2006

جيش إسرائيل الأزرق

الأسبوع الرابع للعدوان الاسرائيلي فتح المواجهة القائمة على احتمالات خطيرة ابرزها اثنان: الاول إمكانية تطور الحرب الى «حرب خنادق» ميدانية ودبلوماسية, على شاكلة الحرب العالمية الاولى, بما يحولها الى معارك استنزاف طويلة. والثاني إمكانية اتساع القتال ليشمل اطرافاً اخرى في المنطقة €سوريا وايران حصراً€ الأمر الذي يشكل اختباراً جدياً لاتفاقية «الدفاع الموّحد» بين الولايات المتحدة واسرائيل.
وفي الوقت الذي تواصل واشنطن €داخل مجلس الأمن€ التصدي لكل المشاريع الرامية الى وقف النار, بدءاً بمشروع القرار الفرنسي, من اجل تأمين غطاء دولي كاف للعمليات الاسرائيلية العسكرية, تثير مسألة نشر قوات دولية €اطلسية او متعددة الجنسيات€ في جنوب لبنان مشاكل كبيرة ومعقدة, بعدما دخلت المشاورات حول هذه المسألة ما يشبه «النفق الدبلوماسي», علماً ان تشكيل هذه القوات يواجه بتحفظات كبيرة تصل الى حد الرفض الصريح من قبل «حزب الله» وسوريا وايران واطراف اقليمية ودولية اخرى.
والايام المقبلة تعتبر حاسمة على مستويين: الاول تقدم اسرائيلي جغرافي في الجنوب من اجل التفاوض على «الحزام الامني الدولي» الجديد من موقع افضل, والثاني حسم الخيارات الدولية حول طبيعة قوات الفصل والتدخل ودورها الميداني, تمهيداً لقرار عن مجلس الأمن يربط انتشار هذه القوات بتوافق على الحل الأمني والسياسي معاً. وفي غياب هذا التوافق ينفتح العدوان على كل اشكال القتل والتدمير, لأسابيع اضافية ربما, كما تنفتح المواجهة على «حرب استنزاف» لا يمكن حصر تداعياتها السياسية والامنية.

القراءة في المشهد اللبناني المريع ممكنة من خلال مجموعة اسئلة واجوبة:
السؤال الأول: ماذا تريد اسرائيل من هذا العدوان؟
الجواب شقان, الشق الاول يتعلق بما يريده ايهود اولمرت نفسه من الحرب, والثاني بما يريده جنرالات اسرائيل, علماً ان بعض ما يريده اولمرت لا يتفق مع بعض ما يريده القادة العسكريون, الأمر الذي يفسر الى حد بعيد «العبثية» التي دخلتها الحرب في اسبوعها الثالث: عنفاً في مواجهة عنف من دون أفق سياسي.
البداية كانت جندياً مخطوفاً في غزة وصواريخ فلسطينية €القسام€ تتساقط على جنوب اسرائيل. الأمر بدا سيئاً والرأي العام الاسرائيلي لم يكن راضياً على اداء الحكومة. وجاءت عملية «حزب الله» لتصبح الورطة اكبر, لأن «قدرة الردع» الاسرائيلية التي نسجت حولها اساطير كثيرة منذ قيام اسرائيل كانت مهددة, وموقع اولمرت نفسه كان بدوره مهدداً. ضربة «حماس» كانت ناجحة, وضربة «حزب الله» كانت اكثر نجاحاً, الأمر الذي عقّد وضع اولمرت الداخلي عشية إقبال حزبه على انتخابات داخلية, وقد وجد نفسه مضطراً للرد من اجل الحفاظ على حياته السياسية. وعندما عرض عليه الجنرالات الملف المتعلق بـ«حزب الله» وترسانة الصواريخ التي يملكها والتي يمكن ان يصل مداها الى مشارف تل ابيب, فهم ان عليه ان يتخذ قراراً, خصوصاً وان المؤسسة العسكرية كانت قد حسمت امرها بشكل قوي محذرة من عمق التغلغل الايراني في لبنان.
في ساعات معدودة وافق على «تكسير» حزب الله, على اساس حسابات تقول ان هذا الحزب خارج الاجماع اللبناني وضربه مطلب اميركي €وعربي ايضاً€ والقرار 1559 يشكل الركيزة الدولية الشرعية لمثل هذه العملية, والمسألة كلها تنسجم مع التوجهات اللبنانية والعربية والدولية, والمطلوب في النهاية تطبيق القرار الدولي بالقوة ونشر الجيش اللبناني على الحدود. ومنذ البداية كان رأي المؤسسة العسكرية الضغط على الحكومة اللبنانية كي تضغط بدورها على «حزب الله» €علماً ان حجم الحزب اكبر من حجم الحكومة€, وبدأت الحرب بتدمير منهجي للبنى التحتية. وما حدث ان الحكومة اللبنانية انسحبت من المواجهة وألقت بالمسؤولية كاملة على المقاومة. لم يتوقف التدمير ولاحظ الاميركيون ان المسألة تنطوي على حرج كبير للدولة اللبنانية لأنها تتجاوز قدرة الحكومة اللبنانية على التحرك, وهي عاجزة عن اتخاذ اي قرار عسكري او سياسي. هنا تدخل الرئيس الاميركي جورج بوش وطالب الحكومة الاسرائيلية بتخفيف الضغوط على حكومة السنيورة كي لا تفلت الامور في لبنان, فالتزم اولمرت عدم تدمير الكيان اللبناني والاكتفاء بتدمير بنية «حزب الله» العسكرية والاقتصادية, وحصلت اسرائيل على المهلة التي طلبتها لمواصلة العدوان فيما واصلت المؤسسة العسكرية المطالبة بالاستمرار في ضرب البنى التحتية.
السؤال الثاني: هل حققت اسرائيل اهدافها من هذا العدوان بعد ثلاثة اسابيع القتال؟
حتى الآن قطعت الغارات المتواصلة الامدادات العسكرية عن «حزب الله» من الضاحية الى صور, ومن دمشق الى بيروت, وهي تحاول استهداف اثني عشر قيادياً من الحزب على رأسهم السيد حسن نصر الله وعماد مغنية وابراهيم عقيل €وعملية الكوماندوس الفاشلة في بعلبك جزء من هذا الاستهداف€. والعمل جار منذ ايام على إقامة منطقة امنية عازلة, على غرار ما جرى بعد عدوان 1982, تمتد من كفركلا الى الناقورة بعمق يراوح بين 20 و 30 كيلومتراً, من اجل ايجاد ارضية صالحة للتفاوض حول إمكان استقدام القوات الدولية. والمحاولة الاسرائيلية تنطلق من ان الخيار العسكري ضد «حزب الله» لا يجدي نفعاً, وهو لن يؤدي الى «حل نهائي» للأمن على حدودها الشمالية, فالحزب ­ كما يقول أمينه العام ­ ليس دولة او جيشاً يمكن الحاق الهزيمة به مرة والى الأبد, وهذا ما يجعل القيادة الاسرائيلية تسعى الى حل دبلوماسي تقوده الولايات المتحدة, يمكنها من تحقيق أهدافها من الحرب. ومن الواضح ان اسرائيل تعمل على خطين: الاول عدم وقف النار قبل تحقيق اختراقات جغرافية تسمى «انتصاراً», وهذا المسعى يلقى قبولاً لدى الولايات المتحدة والثمانية الكبار الذين لا يزالون يتحدثون عن «وقف العداوات» لا «وقف النار», والثاني استخدام ما تسميه «انتصاراتها» العسكرية للضغط على الدول الكبرى المعنية وحملها على اطلاق مبادرات دبلوماسية تمكنها من صياغة حل دبلوماسي تعويضي بعدما عجزت عن تحقيق اغراضها العسكرية من الحرب. هذه «الاستراتيجية الديناميكية» التي توظف الارض المحروقة في الحل الدولي ليست جديدة, والغرض الاساسي منها استقدام قوات كافية €اطلسية او متعددة الجنسيات€ تشكل ما يمكن اعتباره جيشاً اسرائيلياً ثانياً, او جيشاً رديفاً, يقيها صواريخ «حزب الله» وعمليات المقاومة البرية. والقوات الدولية ­ اذا تشكلت ­ سوف تكون «جيشاً ازرق» في خدمة الأمن الاسرائيلي اولاً, وخدمة المشروع الأميركي في المنطقة ثانياً, وأمن اسرائيل والمشروع الاميركي مترادفان.
السؤال الثالث: ما هي الخيارات السورية ­ الايرانية الممكنة إذا ما توسع القتال؟
ايران كانت المستفيد الأكبر, حتى الآن, من اندلاع المواجهة الساخنة في لبنان. هذه المواجهة مكنتها من ان تبعث الى الولايات المتحدة واسرائيل برسالتين: الاولى انها لاعب اساسي ­ بل اللاعب الاساسي ­ في ازمة الشرق الاوسط, والثانية التذكير بأن استخدام القوة العسكرية في ضرب منشآتها النووية قرار ينطوي على محاذير خطيرة تتصل بالأمن الاقليمي والأمن الدولي ككل. بعدما دخلت المواجهة اسبوعها الرابع تصر طهران على مواصلة الصراع, بالرغم من فداحة الخسائر التي مني بها لبنان, لأنها لم تحقق بعد الهدف الاساسي من هذه الحرب اي حمل واشنطن على المساومة حول الملفات الساخنة المطروحة. لكن هناك احتمالاً آخر تنطوي عليه المواجهة, اذا هي طالت, هو احتمال تحوّل العدوان الى حرب اقليمية الهدف منها إعادة رسم خرائط «الهلال الخصيب» العربي برمته لصالح مشروع الدويلات الطائفية الذي يعمل له المحور الاميركي ­ الاسرائيلي, وهنا لا يمكن ان تظل سوريا في موقع الترقب, ومن الممكن جداً ان تنغمس في المواجهة قبل ان تمتد اليها النيران, لأنها دولة محورية في الصراع الدائر, ولا يمكن ان تسلّم بأن تحكم اسرائيل السيطرة على لبنان وعلى فلسطين في الوقت نفسه, لأن هذه السيطرة مقدمة طبيعية للانقضاض عليها ومحاولة تفكيكها مجدداً الى دويلات €كما فعل الفرنسيون في عشرينيات القرن الفائت€. ودمشق تدرك جيداً انها اذا لم تبادر الى وسائل هجوم مضادة فانها تعرّض نفسها الى الهجوم, وهي اذا لم تكن فاعلة في الحرب الراهنة بشكل مباشر, فإن تداعيات هذه الحرب لن تكون في مصلحتها على المدى القريب. من هنا اقتناع عدد كبير من المحللين بأن هامش المناورة لدى دمشق وطهران سوف يضيق اذا ما طالت الحرب, وسوف يضيق اكثر اذا ما توصلت الدول الكبرى المعنية الى قرارات واضحة لنشر القوة الدولية المزمع انشاؤها على الحدود اللبنانية ­ الاسرائيلية, او على الحدود اللبنانية ­ السورية تمهيداً لاعادة تشكيل «الشرق الاوسط الجديد».
وآخر المؤشرات في التعامل الاميركي مع «الجهوزية السورية» العسكرية والسياسية, عودة المحقق الدولي سيرج براميرتس الى بيروت, في اواسط الاسبوع الفائت, في ما يشبه الاعلان عن مفاجآت محتملة في ملف التحقيق المتعلق باغتيال الرئيس رفيق الحريري, بالرغم من انتقال ورشة التحقيق الى قبرص تحت وطأة الضغوط الامنية الاخيرة.
السؤال الرابع: هل تؤدي إطالة عمر الحرب والخلافات القائمة حول طبيعة ودور القوة الدولية الى إشراك سوريا وايران في الحلول الدبلوماسية والامنية؟
الدبلوماسية الفرنسية لا تستبعد هذا الاحتمال, والمشاورات الفرنسية ­ الايرانية €آخرها في بيروت بين بلازي ومتكي€ تنطوي على مؤشرات واضحة في هذا الاتجاه.
ومعروف ان وزير الخارجية الايراني قصد دمشق بعد لقائه وزير الخارجية الفرنسية في مقر السفارة الايرانية, وتشاور مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم في طبيعة الطرح الفرنسي والسبل الممكنة للحل, على اساس ان طموح اسرائيل حتى الآن هو تفادي الهزيمة العسكرية والبحث عن حل دبلوماسي باشراف الأمم المتحدة. والمعلومات التي توافرت من مصادر سورية مطلعة تقول ان تصعيد وتيرة الحرب واتساعها يمكن ان يشكلا مدخلاً الى إعادة طرح ملف الصراع العربي ­ الاسرائيلي ككل على المستويين الاقليمي والدولي, بما في ذلك مسألة تطبيق القرارين 242 و338 اللذين يقضيان بالانسحاب الاسرائيلي من الجولان, وفي هذه الحال لا يمكن استبعاد سوريا عن سلة الحلول المطروحة.
وباختصار يمكن القول انه بالرغم من انقضاء اربعة اسابيع تقريباً على بدء العدوان لم يفلح الجيش الاسرائيلي في الحاق اي هزيمة بالمقاومة اللبنانية, والاربعة آلاف غارة التي شنت حتى الآن ادت الى تدمير البنية التحتية ­ او معظمها ­ وقتل المدنيين الابرياء, ولم تقلّص من قدرات «حزب الله» الصاروخية وطاقاته القتالية إلا بقدر محدود جداً, واسرائيل تبدو, يوماً بعد يوم, وكأنها تحاول الاصطياد في الظلام, وهي تخوض «حرباً تأديبية» من خارج مقاييس المواجهات العسكرية التقليدية, هي اقرب الى «حرب الأغبياء».
والمرحلة المقبلة من الحرب, سواء امتدت اياماً او اسابيع او اشهراً, مفتوحة على تصعيد جديد وتدمير جديد, بعدما قطعت مرحلة «ما بعد روما» و«ما بعد حيفا», لتبلغ ذروة يمكن ان تسمى «مابعد تل ابيب», وفي هذه الحال لن تسلم بيروت المدينة بكل معالمها العمرانية من التدمير
 

 

المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...