تجديد الوساطة التركية بين إسرائيل وسورية

07-11-2009

تجديد الوساطة التركية بين إسرائيل وسورية

الجمل: نقلت وكالة الأنباء الفرنسية (AFP) يوم أمس الجمعة تصريح وزير الخارجية التركي أحمد دافوتوغلو، الذي قال فيه بأنه واثق من أن توترات علاقات خط أنقرا-تل أبيب سوف تنخفض حدتها إذا تمّ تجديد استئناف المحادثات السورية–الإسرائيلية التي ظلت ترعاها تركيا: ما هي دلالة هذا التصريح؟ وإلى أي حدٍّ تنطبق معطيات تأثير العامل السوري على علاقات خط أنقرا-تل أبيب؟
* ملف الوساطة التركية: التطورات الميدانية الجارية إلى أين؟
بعد انعقاد العديد من المحادثات السورية-الإسرائيلية غير المباشرة، تحت الرعاية التركية، سعت إسرائيل، إلى المناورة والانقلاب على ملف المحادثات، وذلك عن طريق الآتي:
• الانقلاب على وجود تركيا كطرفٍ راعٍ للمحادثات.
• الانقلاب على مذهبية المحادثات القائمة على مبدأ الأرض مقابل السلام.
خطوات الانقلاب الإسرائيلي على المحادثات تتضح خططها العامة من خلال الأداء السلوكي الجاري، ويمكن الإشارة في هذا الخصوص إلى النقاط الآتية:
• السعي الإسرائيلي المتزايد لابتزاز تركيا، بما يتيح لتل أبيب، عقد صفقة مع أنقرا تقوم على أساس اعتبارات: استمرار إسرائيل في قبول وساطة أنقرا في المحادثات السورية-الإسرائيلية غير المباشرة، مقابل أن تتعاون أنقرا بشكلٍ ملموس مع تل أبيب في ملف استهداف إيران.
• دفع حكومة حزب العدالة والتنمية إلى السكوت والتزام الصمت إزاء الجرائم الفلسطينية ضد الفلسطينيين، على أساس اعتبارات أن استمرار أنقرا في عملية الوساطة بين سوريا وإسرائيل تُلزم أنقرا بالتزام الحياد إثر الانتهاكات وجرائم الحرب الإسرائيلية.
• إفساح المجال أمام واشنطن لجهة القيام بابتزاز تركيا، وذلك على أساس اعتبارات أن قبول إسرائيل للوساطة التركية يجب أن يؤدي بالضرورة إلى دفع أنقرا بجهة الانفتاح لجهة التعاون مع واشنطن دون قيد أو شرط في كافة ملفات السياسة الخارجية الأمريكية.نتنياهو-أردوغان
بالمقابل، لم تستطع تل أبيب الحصول على ردود الفعل المطلوبة من أنقرا، فقد رفضت أنقرا التعاون مع تل أبيب في ملف استهداف إيران ورفضت أنقرا التزام الصمت المتواطئ مع تل أبيب إزاء الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ورفضت أنقرا أيضاً إدماج نفسها ضمن أجندة السياسة الخارجية الأمريكية إزار سوريا والعراق وإيران.
على خلفية ردود أفعال أنقرا، غير المتوقعة إسرائيلياً، فقد برزت ردود الأفعال الإسرائيلية الآتية:
- إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن أنقرا لم تعد تصلح للقيام بدور الوسيط النزيه في رعاية المحادثات السورية-الإسرائيلية.
- لجوء تل أبيب إلى ممارسة الضغط على أنقرا، من خلال الامتناع عن تنفيذ التزامات إسرائيل القاضية بتسليم تركيا عشرة طائرات بدون طيّار.
- سعت تل أبيب إلى التفاهم مع بعض الأطراف الدولية الأخرى، لجهة القيام بتحريك مبادرة الوساطة في المحادثات مع سوريا، ومن أمثلة ذلك تحريك أذربيجان، ثم تحريك مولداڤيا، وتأكيداً على التجاهل الإسرائيلي المتعمّد لأنقرا، فإن تل أبيب عندما تحدثت وتفاهمت مع أذربيجان ومولداڤيا، لم تشر لا من بعيد ولا من قريب إلى ملف الوساطة التركية في المحادثات السورية-الإسرائيلية.
- استخدام تل أبيب لردود الفعل السلبية، بما يتيح لها تفعيل طاقات التهرّب من الوساطة التركية والمحادثات مع سوريا، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تميزت ردود الفعل الإسرائيلية الأخيرة إزاء تركيا بكثير من عدم التوازن، بحيث لم تسعَ تل أبيب الى الرد المماثل إزاء قيام تركيا بإلغاء مناورات «صقر الأناضول» الأخيرة، وإنما لجأت إسرائيل إلى «الرد اللامتماثل» عن طريق إطلاق التصريحات المعادية لجهود الوساطة التركية في المحادثات السورية-الإسرائيلية.شرق أوسط
* تركيا وتغيير «قواعد اللعبة» على خط أنقرا-تل أبيب:
تقول المعلومات، بأن أنقرا، أصبحت تملك منظوراً مستقلاً إزاء مقاربة أزمة علاقات انقرا-تل أبيب، وكما هو واضح، فإن المنظور التركي الجديد، يسعى من أجل تفعيل لعبة دبلوماسية خط أنقرا-تل أبيب ضمن قواعد جديدة، تتضمن المبادئ الآتية:
• مبدأ الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة على جهود الوساطة في المحادثات السورية-الإسرائيلية، وذلك من خلال التأكد التركي على جانبين، الأول: لإفهام تل أبيب بأن قابلية تحسين العلاقات التركية-الإسرائيلية تتوقف على مدى قابلية تل أبيب على الالتزام بجهود الوساطة التركية بلا سبب معقول وبناءً على رغبة إسرائيل.
• مبدأ الالتزام بالدبلوماسية في التعامل مع أزمة البرنامج النووي الإيراني، وبالتالي، فإن على إسرائيل إن أرادت الحصول على تعاون تركيا، أن تتخلى عن اعتماد الخيار العسكري كأساس للتعامل مع إيران.
• مبدأ الالتزام بحقوق الإنسان، وذلك من خلال قيام إسرائيل بفك الحصار الذي تفرضه على قطاع غزّة، والذي لم يؤدِ سوى إلى تحويل القطاع إلى سجنٍ إسرائيلي كبير لحوالي مليون ونصف إنسان.
نلاحظ من خلال هذه النقاط، أن أنقرا قد بدأت في اعتماد دبلوماسية التصعيد كأساس للتعامل مع إسرائيل، وذلك بما يضع تل أبيب أمام الخيارات الآتية:
- خيار عدم القبول بالمبادئ التركية، وهو أمر سوف يترتب عليه عزل إسرائيل لنفسها عن تركيا إضافةً إلى خسارة الرصيد السابق للعلاقات التركية-الإسرائيلية.
- خيار القبول بالمبادئ التركية، وهو ما لا يتوقَّع حدوثه، لأن إسرائيل غير قابلة وفقاً لطبيعتها السياسية القبول بمبادئ التعايش السلمي مع دول وشعوب المنطقة.
سعي تركيا إلى تغيير قواعد لعبة علاقات خط أنقرا-تل أبيب سوف تتردد تداعياته على علاقات خط أنقرا-واشنطن، إضافةً إلى علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي، وما هو جدير بالملاحظة أن أنقرا قد أصبحت من جهة أكثر إدراكاً ووعياً لـ (فرص) تقوية علاقات أنقرا مع دمشق-طهران وبقية بلدان الشرق الأوسط، وما سوف يترتب عليها من تعاون إيجابي يعيد إلى تركيا دورها الشرق أوسطي الرائد، ومن الجهة الأخرى أكثر إدراكاً ووعياً لـ (المخاطر) الانحياز لإسرائيل، وما يمكن أن يؤدي إليه من عزل تركيا عن دورها الإقليمي والعالمي.
* الإدراك الإسرائيلي للتوجهات التركية الجديدة:
اهتمت بعض وجهات النظر الإسرائيلية بالتطورات الجارية في علاقات أنقرا-تل أبيب، وتمحورت وجهات النظر الإسرائيلية ضمن محورين:
- إن الموقف التركي الرسمي المعادي لإسرائيل سببه موقف الرأي العام التركي المعادي لإسرائيل.
- إن الموقف التركي الرسمي المعادي لإسرائيل سببه موقف النخبة السياسية ذات التوجهات الإسلامية والتي تسيطر على أنقرا.
وعلى أساس اعتبارات اختلاف التفسيرات الإسرائيلية لخلفيات الموقف التركي، فقد اختلفت وجهات النظر المتعلقة بالمعالجة، وتشير بعض التحليلات الإسرائيلية إلى أن تركيا كانت تخضع لمبدأ توزيع الأدوار بين المؤسسة العسكرية والحكومة التركية، بحيث ظلّت إسرائيل تستمتع بمساندة المؤسسة العسكرية التركية، ولكن، وبسبب صعود القوى الاجتماعية المدنية الإسلامية في تركيا، فقد فقدت المؤسسة العسكرية التركية تأثيرها المستقل الذي كان يصب في مصلحة إسرائيل، وبالتالي، فإن إلغاء مناورات «صقر الأناضول»، هذا أمر لا يمثل إلغاء المشاركة الإسرائيلية في هذه المناورات، وإنما إلغاء ظاهرة توزيع الأدوار بين المدنيين والعسكريين في الساحة السياسية التركية.
تشير المعلومات إلى أن خسارة الإسرائيليين في ملف علاقات خط أنقرا-تل أبيب لن تكون كبيرة وحسب، وإنما سوف تزداد حيرة الإسرائيليين إزاء تفسير معطيات وخلفيات هذه الخسارة.. والسبب الرئيسي يتمثل في عدم إدراك الإسرائيليين لمدى فاعلية تداعيات تأثير العامل السوري، وهي التأثيرات التي دفعت أنقرا لإدراك مدى فائدة الفرص المترتبة على تفعيل علاقات خط أنقرا-دمشق، ومدى الضرر المترتب على تفعيل خط أنقرا-تل أبيب!! وذلك، وبكل بساطة، لأن السياسة تقوم أولاً وأخيراً على المصالح وليس الأساطير!!!

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...